|
صناعة مسلم معتدل
خالد تركي آل تركي
الحوار المتمدن-العدد: 6701 - 2020 / 10 / 12 - 22:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هناك مقولة شائعة كثيراً ما يرددها المحافظون دينياً، وهي(من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه)، وأنا أقول من كان منعزلاً مكتفياً بالقرآن لوحده وكتب المذهب الذي هو عليه ولا يتتلمذ سوى على أيدي من يوافقون منهجه ومعتقده، ستكون نظرته قاصرة، يعتقد بامتلاكه الحقيقة المطلقة، الله والرسول والحياة الدنيا والآخرة لهم لوحدهم ولا مكان لغيرهم، منغلق لا يقبل الحوار بحجة أنه يخشى على نفسه الفتنة، ويستدلون في هذا بأن السلف كانوا يغلقون آذانهم إذا مروا بأحد مجالس المخالفين لكي لا يسمع الكلمة فيفتتن وينحرف عن الحق، وإن ثبت ذلك بأن السلف كانوا يفعلون هذا فإن هذا السلوك ما هو إلا دلالة على بلوغ التعصب أعلى درجاته وقد يكون علامة اضطراب نفسي حتى وإن صدر من كبار العلماء، فالمرض النفسي الجميع عرضة له سواءً كان عالماً أم جاهلاً مؤمناً أم ملحداً. لو سألت أي عالم تقليدي من كبار العلماء في الدول الإسلامية عن نظرية التطور ونظرية الانفجار العظيم، بل لو سألتهم فقط عن أهم مباحث الفلسفة(نظرية المعرفة) في الغالب لن تجد جواباً لأنهم لا يرون لها أي أهمية وهي عندهم بمثابة العلم الذي لا ينفع! هل يمكن لأمثال هؤلاء أن يصنعوا حضارة؟ يبنوا مجداً؟ يخدموا البشرية ويساهموا في المعرفة النظرية أو التطبيقية؟ لذا من الطبيعي ألَّا يكون لهم أي فائدة، بل حتى بحوثهم الدينية لن تكون ذات قيمة لأنها أحادية الفهم والاتجاه ولا تحوي سوى نصوص دينية مكررة لا روح فيها ولا إبداع أو تجديد، يكتبها أشخاص منعزلين ومنكفئين على أنفسهم، مع أن القرآن الكريم أوصى بالبحث والتدبر والتأمل والانفتاح على الآخر ورؤية مالديه(قل سيروا في الأرض)، (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)، (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا). نحنُ بحاجة إلى حراك ثقافي ديني تجديدي متنوع على غرار ما كان في تاريخنا العربي الإسلامي، على سبيل المثال مدرسة(إخوان الصفاء وخلّان الوفاء) التي أحيت القلوب وأشعلت الأرواح وخلقت بيئة معرفية متحركة وأنشطة متعددة، والتي كان سبب ظهورها وغيرها من الحركات التجديدية هو التراجع نحو الخلف بسبب سيادة الرأي الواحد ورفض الآخر، لذا كان إخوان الصفاء يرون أن الحل يكمن في اجتماع الفلسفة والدين، وقد سعوا جاهدين إلى التوفيق بينهما، وأن ذلك المنهج هو السبيل للتخلص من التعصب الديني، فكانت الأمة العربية والإسلامية حينها منارة علمية روحية تدب فيها الحياة والحضارة بشقيها المادي والمعنوي. هذهِ الأرض تسع الجميع، وروعة الحياة وجمالها يكمن في التنوع والاختلاف والحوار والتفاعل مع الاخر والانفتاح تجاهه. عندما تنتشر الحلقات الفلسفية والندوات والمجالس والأنشطة الأدبية الثقافية، ويُسمح للجميع بأن يطرح ما لديه، فيأتي مثلاً من يشرح نظرية الفيض عند الفارابي، أو وحدة الوجود عند محيي الدين بن عربي، ويأتي الآخر ويقدم فهم معاصر للمدرسة الأشعرية، وهكذا تسود في المجتمع لغة التعايش والالتقاء والحوار بين كافة المدارس والمذاهب الدينية والفلسفية، وهذهِ المذاهب والمدارس والاتجاهات الدينية جميعها تُعد جزء أصيل وفاعل في تاريخ الإسلام، وليس فيهم منحرف أو ضال أو مبتدع طالما أن الجميع يمتلك الدليل الشرعي من القرآن أو لديه الحجج العقلية المنطقية. وهنا أود أن أذكر شخصية تمكَّنت لوحدها من مواجهة تيار كامل كانت له الساحة ولا ينازعه فيها أحد، وهو عالم سعودي معاصر ومن الذين برزوا في وسط ديني سلفي واستطاع أن يختط طريقاً آخر، هو الشيخ أبو عبدالرحمن محمد بن عمر بن عقيل الظاهري(الظاهري هنا نسبةً للمدرسة الظاهرية التي إمامها ابن حزم رحمه الله). وبسبب انتماء ابن عقيل لهذه المدرسة أو المذهب فإنه قد عانى وتعرض لهجوم من المنغلقين فكرياً والمحدودين معرفياً، رغم أن المذهب الظاهري ليس سوى رؤية فكرية فقهية وهو جزء من المذهب السني ويبقى في محيطه، ورغم ذلك فإنه استطاع الانتصار والدفاع عن وجهة نظره بالدليل الشرعي والعقلي، وقدَّم بحوثاً ومؤلفات دينية وأدبية وفلسفية ذات قيمة عالية، فحظي بتقدير المجتمع والقيادة وتم تكريمه ومنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى. لابد من تطعيم المناهج الدينية في تعليمنا بتلك المذاهب والمدارس الدينية المختلفة، لابد من استعراض المدارس الدينية التاريخية خصوصاً تلك التي تستند على النزعة العقلية(المعتزلة) والصوفية(منهج محيي الدين بن عربي)، ويتم دراسة أهم الشخصيات الدينية من كافة المذاهب والاتجاهات، لنصنع بذلك شخصية مسلمة متزنة بروح ليبرالية، يفهم ذاته ويفهم الآخر، تخف نزعة التطرف والغلو وربما تتلاشى وتختفي، ويصل الجميع إلى إدراك حقيقة واحدة وهي أنه لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، الجميع مجتهد وله أدلته، الجميع يسير نحو المقصود الأعظم الذي أراد أن نكون مختلفين لنتعايش لا لنتصارع ونتقاتل. العقل المسلم دُجِّن لسنوات طِوال على نصوص دينية متعددة، منها: في آخر الزمان القابض على دينه كالقابض على الجمر، تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النارة إلا واحدة، في آخر الزمان ينطق الرويبضة...إلخ، وبغض النظر عن صحتها من عدمها، وبغض النظر عن انتزاعها من سياقها واستخدامها وإقحامها في كل شيء، إلا أن الإشكالية تكمن في أنها أصبحت آداة يستخدمها كل منغلق وماضوي تجاه كل مجدد، أصبحت وسيلة للتعصب ونبذ الآخر، فعندما تجرؤ على محاولة تغيير مفاهيم وأفكار مغلوطة سيكون تصنيفك جاهزاً، لن يحسنوا الظن بك، سيتهمونك بالنفاق أو أن الشيطان استحوذ عليك أو بالبحث عن الشهرة أو الخيانة للدين والانسلاخ عن الهوية الإسلامية، من هنا كان لزاماً إعادة فهمنا للتراث الديني ومراجعته ويجب ألَّا نخجل من ذلك لأن الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والعلماء كانوا يقومون بتلك المهمة لأن الدين يحتاجها كلما تقدم الزمان وطرأت مستجدات لها أبعاد دينية.
#خالد_تركي_آل_تركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثلية الجنسية: دفاعاً عن إنسانية الإنسان
-
الرقية(العلاج) بالموسيقى
-
ضرورة العلمانية: الأديان قَدَرٌ وفعل والعلمانية تعايش ورد فع
...
المزيد.....
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|