أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مهند طلال الاخرس - الى اين ذهب ماجد؟















المزيد.....

الى اين ذهب ماجد؟


مهند طلال الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 6699 - 2020 / 10 / 10 - 22:27
المحور: سيرة ذاتية
    


في زيارة لبيت صديق قديم في مخيم البقعة -جمال- تفاجأت بصورة جميلة مرسومة بعناية وتودد وموضوعة في اطار عتيق ومتهالك. كانت الصورة تتسيد المكان فوق عتبة الباب بقليل لا يعلوها إلاّ علم فلسطين ومن فوقه سقف الزينكو، لم تسعفني تلك الصورة بمعرفة صاحبها، لم نتعود في مخيمنا على صورة احد لتوضع على الجدران، في المخيم كانت تلك الجدران حكرا على ابو عمار وابو جهاد وابو اياد وما يستجد من الشهداء، هؤلاء بالذات كانت شوارع المخيم تغص بصورهم، ثم يمارس المطر حكايته الازلية بقضم اطرافها، وما ان تختفي او تكاد حتى يظهر مكانها صورة لشهيد جديد.

كانت ايامنا في حينه خصبة مخضبة بالدم، وكان عطاء المخيم بلا حدود، فيما بعد اصاب الجدب والقحط حيطان المخيم وكذلك ارواحنا، لم يعد المطر يمارس هوايته التي ادمنها بغسل شوارع المخيم ولا بقضم صور الشهداء القابعة على حيطانه، لم يحفظ المخيم سيرته التي كانت...والمطر ان عاد سيرته الاولى وهطل لم يجد ما يقضمه على حيطان المخيم...كانت الحيطان قد اصبحت عارية، كانت الحيطان تصيح وتصرخ يا ليتني مت قبل هذا ولم اكن نسيا منسيا، يا ليتها كانت القاضية...

تغير المخيم وتم العبث فيه وفي كل قيمه وادبياته، وحدها صورة الشهيد المعلقة من جديد على جدران المخيم قد تشعل فينا الحنين، لقد اشتقنا لارواحنا كيف كانت في حينها، لقد اشتقنا لرائحة المطر عند سقوط اول حباته على تراب المخيم! انه الحنين يوقظنا كلما تمكن الزمان الرديء منا.

كانت صورة ابو عمار وابو جهاد وابو اياد حاضرة لا تغيب في المخيم، لكن لم يكن يسمح لها ان تزين شوارع المخيم وتمنحه هويتها، كان ذلك الامر ان حصل يأخذ صاحبه بعيدا وراء الشمس.

كان ماجد مجهولا بالنسبة لي لكنه لم يكن كذلك بالنسبة للآخرين.

وفر عليّ صديقي جمال عناء السؤال، حين حدثني عن ماجد رجل السياسة والأدب والإعلام الفلسطيني، المولود في قرية دورا قضاء الخليل عام 1936، والذي أنهى دراسته الابتدائية في مدرستها، ثم انتقل مع والده إلى غزة في العام 1948، وتلقى تعليمه الثانوي فيها، ثم التحق عام 1954 بكلية الحقوق في جامعة الإسكندرية وتخرج منها عام 1958.

حدثني عن ماجد أبو شرار المدرس في مدرسة "عي" قضاء الكرك في الأردن، والذي صبح مديرًا لها خلال مدة قصيرة، قبل أن يسافر إلى السعودية والى الدمام بالذات ليعمل محررًا في صحيفتها اليومية "الأيام"، وذلك سنة 1959؛ الأمر الذي أتاح له فرصة للتعبير عن أفكاره ورؤيته الوطنية.

حدثني جمال عن ماجد الفتحاوي المنطلق والملتحق عام 1962 بحركة فتح، والمتفرغ للعمل في صفوف الحركة بعمان في جهاز الإعلام والذي كان يشرف عليه الشهيد كمال عدوان "مفوض الإعلام".

اخبرني جمال عن ماجد الانسان والمناضل والمفكر والكاتب الثوري الملتزم والذي أصبح فيما بعد رئيسًا له لتحرير صحيفة "فتح" اليومية، ثم مديرًا لمركز الإعلام.

اخبرني جمال كيف اصبح صاحب الصورة ذات البرواز العتيق والمتهالك بعد استشهاد كمال عدوان مسؤولًا عن الإعلام المركزي، ثم الإعلام الموحد، وكيف جرى اختياره أمين سر للمجلس الثوري لحركة فتح في المؤتمر الثالث للحركة.

اخبرني جمال عن مساهمة صاحب الصورة في دعم وتأسيس مدرسة الكوادر الثورية في قوات العاصفة عام 1968.

اسرّ لي جمال بأن صاحب الصورة ذات البرواز المتهالك كان احد الاسباب الجوهرية التي ادت الى التحاقه في صفوف حركة فتح وتنظيمها السري في مخيم البقعة.

لم يفت جمال بأن يخبرني ايضا بأن صاحب الصورة كان أَبرز من ترأس موقع "المفوض السياسي العام" والذي شغله من (1973-1978) الى ان جرى انتخابه عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح عام 1980.

لم يكف جمال عن اغماض عينيه وهو يحدثني عن ماجد، كان يغمض عينيه وكأنه يجتذب قصصا من الماضي البعيد، او كأنه يستعيد ذكريات ولى عليها الزمان وانقضى، كان يتحدث وكأنه يغرف من سيرة لا تنتهي...

كانت بعض الاسرار لا تطاوع جمال في الكلام؛ كنت اشد على ايديه بغية البوح بها، كان يغمض عينيه ويقول: بعض الاسرار تستحق ان نموت لاجلها.

عدت لجمال مرات ومرات، كان ماجد محور الحديث دائما، لم اكتفي، كنت كل مرة اطرح نفس الاسئلة، وكانت الاجوبة هي نفسها دائما، مرة اهداني جمال المجموعة القصصية لماجد "الخبز المر"، عدت للبيت فرحا، لمحتها امي بيدي، اخبرت والدي.

طلب مني والدي مطالعة كل ما كُتب عن ماجد اثر اغتياله في روما على يد الموساد في عام 1981، وزودني لهذه الغاية بكرتونة ضخمة تحوي صحف ومجلات وكتيبات عديدة كان قد جمعها لهذه الغاية او مثلها.

احضر ابي دفتر اجندة كبير وعلبة صمغ وطلب الي قص كل العناوين والموضوعات المتعلقة بماجد ولصقها على صفحات دفتر الاجندة بصورة منتظمة ولائقة..

سحرتني سيرة صاحب الصورة واسرتني تلك الشخصية المتكونة معالمها لدي من كل تلك القصاصات من الجرائد والمجلات التي كَتب فيها ماجد او كُتب عنه فيها او اشرف عليها وراس تحريرها كجريدة فتح.

بقيت انقب تلك الكرتونة المتهالكة ذات الاوراق الصفراء والتي تفوح منها رائحة الزمن الجميل والمشبعة بدمعات الوفاء والحنين وببعض نفحات الرطوبة، كنت اخرجُ الاوراق على مهل واقلبها بروية، كنت اخشى عليها من وجع الايام، كان يكفيها وجع الفقدان لماجد.

كان اجمل ما حوته تلك الكرتونة اعدادا كثيرة من جريدة فتح، كانت تلك الاعداد غنية في كل شيء، كان في احدها تحقيق صحفي مطول مرفق بالصور عن معسكر الاشبال في مخيم البقعة كان قد اعده ماجد ... وفي اعداد اخرى كانت شهادات يومية عن احداث ايلول، كانت شهادات تنفطر لها القلوب، حينها عرفت كيف ان القلوب تبكي بصمت ثم تنكسر وتموت.

وجدت في تلك الاعداد من جريدة فتح زاوية يومية تحت اسم "جدا"، كان ماجد من يكتب تلك الزاوية، طالعتها وقلبتها بنهم، كان ماجد لاذعا وساخرا في كتاباته السياسية، كان من اجمل مقالاته: صحفي أمين جدًا، واحد غزاوي جدًا، شخصية وقحة جدًا، واحد منحرف جدًا، عزّ علي ان اقص تلك المقالات او ان انتهك حرمة تلك الجريدة، احسست بأني ارتكب فعلا شنيعا مخل بالاخلاق والشرف، تركت الجريدة على حالها واعدت الاوراق والصحف والمجلات الى وضعها الذي ادمنته منذ سنين في داخل تلك الكرتونة، كانت تلك الكرتونة بما تحتوي قد هزتني ونجحت بإسقاط ما تبقى في عيوني من دموع.

استغرق الامر مني شهرا كاملا وان اطالع كل ما تحتويه تلك الكرتونة، استطعت ان امتثل لرغبة ابي دون انتهك كمال وجمال صفحات تلك الجرائد والمجلات والقصاصات، كنت قد تمكنت وعلى دفعات من تصوير نسخة ثانية عن كل ما اريد وعن كل ما كَتب او كُتب عن ماجد.

امتلأت صفحات الاجندة ولم تنتهي حكاية ماجد؛ فماجد من طينة هؤلاء الرجال الذين ينطبق عليهم ما قاله الشاعر نزار قباني: "إنهم كالموت والولادة صعب بأن يعادوا مرتين".

عدت لزيارة جمال من جديد، بدأت ارى صاحب الصورة ببهاء لم اعهده من قبل، لم اعد ارى البرواز العتيق المتهالك، بدأت ارى ماجد يزين ذلك البرواز والاطار، بدأت اجزم ان امثال ماجد لا يحدهم اطار ولا يستوعب نضالهم برواز، مضت الايام وبدأت اعي جيدا قيمة صاحب تلك الصورة، اصبحت على يقين ان امثال ماجد هم من يزينون الصورة ويصنعون مجدها الباقي.

اتحفني جمال بالمزيد؛ كانت تلك الجلسة مميزة، تحدث جمال عن دور ماجد في اعداد الكثير من ادبيات حركة فتح واطلعني على بعضها، وكان الحديث الاهم حول مدرسة اعداد الكادر ودور ماجد فيها، ولم يبخل علي جمال حين اخبرني عن دور ماجد في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين وكيف اصبح عضوا فيه منذ عام 1972، وكذلك الامر بالنسبة لعضويته في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي.

عند الحديث عن ماجد كان الوقت لا يسير على مهل، كان دائما يفاجئنا، كان الفجر يستفيق قبل اوانه، وكذلك صلاته، كان يحين موعدها سريعا.

استأذنت جمال للانصراف، وكالعادة عدت للبيت مع آذان الفجر منتقيا لطريق عودتي كل الزقاق المعتمة والتي تعينني على الوصول بعيدا عن انكر الاصوات المنبعثة من سيارات الفوكس والفولفو.

كانت زقاق المخيم توفر الامان والحماية دائما لطالبيها، وان اغلقت تلك الزقاق وحُوصرت، كان بإمكاننا ان نستعين بكل ابواب تلك الزقاق حتى دون ان نطرقها عند اللزوم، كانت تلك الابواب تفتح لنا حُبا وطواعية، كانت كل بيوت المخيم بيتي وكان كل من يقطن تلك البيوت اهلي....

عدت للبيت قصصت على ابي ما حفظته واحببته عن ماجد، رد عليّ بقصيدة صباح الخير يا ماجدْ...

صباح الخيرْ يا ماجد
قم اقرأ سورة العائدْ
وحث السيرْ إلى بلدٍ فقدناهُ بحادث سيرْ
صباح الورد يا ماجدْ
صباح الوردْ
قم اقرأ سورة العائدْ
وشدّ القيدْ على بلدٍ حملناهُ كوشم اليدْ

يا حلم الفلسطينيّ في الطرقات،
يا نهراً من الأجساد في واحدْ.
تجمّع واجع الساعدْ.
ويا لحم الفلسطينيّ فوق موائد الحكّام،
يا حجر التوازن والتضامن بين جلاديكَ.
حرفُ الضاد لا يحميك، فاختصر الطريق عليك يا لحم الفلسطينيّ،
يا شرعية البوليس والقديس إذ يتبادلان الإسمَ،
إذ يتناوبان عليك يمتزجان، يتّحدان، ينقسمان مملكتين، يقتتلان فيك، وحينَ تنهض منهما يتوحّدان عليك
يا لحم الفلسطينيّ،
يا جغرافيا الفوضى ويا تاريخ هذا الشرق، فاختصر الطريق عليك...
يا حقل التجارب للصناعات الخفيفة والثقيلة،
أيها اللحم الفلسطينيُّ، يا موسوعة البارود منذ المنجنيق إلى الصواريخ التي صنعت لأجلك في بلاد الغرب،
يا لحم الفلسطيني في دول القبائل والدويلات التي اختلفت على ثمن الشمندر، والبطاطا، وامتياز الغاز، واتّحدت على طرد الفلسطيني من دمهِ.

تجمّع أيها اللحم الفلسطينيّ في واحدْ
تجمّع واجمع الساعدْ
صباح الخير يا ماجد، قم إقرأ سورة العائد

كانت دموع ابي قد توقفت بعد منتصف القصيدة او اكثر بقليل، لا اعرف على وجه التحديد، لكني انتظرته حتى انتهى من تلاوة القصيدة، وسألته:
ابي، ابي، الى اين ذهب ماجد؟



#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسابيح من حنايا الجزائر
- قف، هنا المخيم.. (ج2)
- قف، هنا المخيم..
- حين ترحل البيارق
- إرث من الرماد؛ تاريخ السي اي ايه
- رغيف الثورة
- كل يوم كتاب؛ ظلام تحت الضوء
- كل يوم كتاب؛ الغضب والأمل
- كل يوم كتاب؛ الوتر المشدود، بكر ابو بكر
- كل يوم كتاب؛ الحاجة كريستينا، عاطف ابو سيف
- كل يوم كتاب؛ الشاهد المشهود، وليد سيف(2-3)
- كل يوم كتاب؛ الشاهد المشهود، وليد سيف(1)
- كل يوم كتاب؛ هؤلاء أضاعوا فلسطين
- كل يوم كتاب؛ ثقافة الاستسلام
- كل يوم كتاب؛ دفاتر فلسطينية معاصرة
- كل يوم كتاب؛ صاقل الماس
- كل يوم كتاب؛ عبور النهر
- كل يوم كتاب؛ اسرار حرب لبنان
- كل يوم كتاب؛ حب وموت في بيروت
- كل يوم كتاب؛ البيت الثالث


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مهند طلال الاخرس - الى اين ذهب ماجد؟