|
نعي بدون مذبح إلهي لتقديم القرابين
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 6699 - 2020 / 10 / 10 - 20:16
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
لي عاطفة خاصة نحو مناجم جبل عوام، معهم تعلمت النضال الحقيقي في اواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، إنهم جنود حقيقيون، مناضلون بالفطرة، متضامنون إلى أقصى الحدود بشكل لا نجد هذا التضامن فيما بين العمال في قطاعات اخرى، إنه تضامن روحي، ورغم اني ابتعدت عن الميدان كثيرا وهاجرت إلى الغرب الكافر، لا زال الكثير من تلك الروح التي لديهم، ما زالت تجري في عروقي، اتألم كثيرا عندما يموت عامل منجمي في حادثة شغل! إنه موت تراجيدي يشبه في تجلياته، لأسباب سأذكرها مذبحا إلهيا: مذبحا فيه تقدم القرابين (في هذه الحالة العمال) لإله الرأسمال الفاجر. اليوم كتبت تغريدة في الفضاءات المفترضة تنعي احد ضحايا مناجم جبل عوام، نعي بلغة اخرى غير تلك اللغة الدينية المشحونة بالعواطف، نعي يستفسر تلك الحادثة، لماذا يجب أن يموت عامل وهو ليس كالجندي يضحي بجسمه لكي يحافظ على نظام دولة معينة؟ لماذا على عمال المناجم أن يموتوا في العمل؟ أليس فقط يعمل لاجل أجر هزيل وليس يقاتل؟ في حوادث الشغل يجب ان يكون النعي نعيا لادينيا ولا جهاديا، يجب أن نقف وقفة تأمل في حوادث الشغل، يجب ان نلقي بالمسؤولية على من يعمل على حدوث تلك الحوادث القاتلة، يجب أن نحقق وليس ان نترحم! يجب أن يكون النعي نعيا حقوقيا! حملت لنا مواقع إلكترونية نبا وفاة عامل في الأربعين من عمره في حادث شغل بمناجم جبل عوام، مضمون الخبر هو: " كان يركب متفجرات في بئر، انزلقت رجله فسقط في البئر على بعد 30 متر" أعرف تماما ماذا حصل لاني كنت ذات يوم هناك مجازيا إن شئت في نفس مكان العامل برغم تغير الأمكنة والأزمنة، لكن في ذلك الزمن الذي كنت فيه، في حدود الوقاية من حوادث الشغل المعروفة في ذلك الوقت، كان الحوادث أقل، لماذا؟ لسبب بسيط، كان من الآليات التي نستعملها في الوقاية، لجنة للوقاية منتخبة من العمال تشرف على مراقبة العمل في المنجم وتستطيع وقف ورشة فيه عند انعدام شروط الوقاية، أو عند وجود احتمال انهيار أو سقوط أحجار، لجنة تعمل بحدس العمال بفضل احتكاكهم بالجبل والأغوار والمخاطر، كانت هذه اللجنة تستطيع أن تمنع العمل في ورش تحتمل فيه خطورة رغما عن انف المهندس او مدير الشركة او غيرهم ممن لهم اولوية في الربح أكثر من اولوية سلامة العامل . في مناجم جبل عوام، المهندسون يتعاملون مع العمال تعامل الرقيب العسكري مع جنوده في معركة حاسمة يكون الجندي فيه مثله مثل الرصاصة أو القنبلة تفجيره ثمن لكسب تلك المعركة، المهندس المنجمي بالمنجم يبحث عن المردودية بأي ثمن واعرف مسبقا ماذا سيقوله المهندس المنجمي نقدا او نقضا لخلاصتي هذه: "نحن نلتزم بالوقاية والسلامة قبل تنفيذ العمل" كيف يفسر مهندس منجمي مثلا سقوط عامل بالبئر؟ سيتكلم عن أي شيء من خرافات السلامة الوقائية بالمنجم إلا أن يذكر انه ساهم في تطور، بفضل الإحتكاك في خلق شروط جديدة للوقاية، يمكن ان يكون اقترح أعمال وقائية جديدة لكن من منا يصدق ذلك في غياب تقارير، نعم وقعت حادثة في المنجم ولم يحصل تحقيق فيها لنطلع على وجود تقارير لهؤلاء المهندسون يبررون فيها ذمتهم، لكن بصدق يجب أن نحيط عمل المناجم بأمور أخرى، لماذا على عامل منجمي ان يسقط من ارتفاع 30 م؟؟ قلت أتصور الحادثة كما لو كنت بالمكان، واعرف تلك الشروط البدائية للوقاية فيه: وضع مائدة من خشب الكاليبتوس، "كاسك" وسلم هو أيضا لا يخضع لشروط الوقاية. في التحقيق: لم يجرى أي تحقيق في الموضوع بشكل يطرح عدة تساؤلات منها على سبيل المثل: هل عمال المناجم بالمغرب، لا يشملهم التحقيق في اسباب حوادث قاتلة؟ هل لدينا متخصصون من وزارة الشغل أو وزارة الطاقة والمعادن في حوادث الشغل بالمناجم؟؟ طيلة السنوات التي عملتها بالمناجم بالمغرب، وبالمناسبة ليس فقط منجم جبل عوام، بل عملت مع شركات مناولة في عدة مناجم، طيلة هذه السنوات لم أرى في حياتي مفتش شغل سواء من وزارة الطاقة والمعادن او من وزارة الشغل (وهذا موضوع يجب أن نتناوله بشكل خاص حول شركات المناولة التي لا تتوفر على أي شرط من شروط الوقاية بالإطلاق ماعدا درس في الوقاية تفرضة الشركة المستثمرة أصلا، درس تلقيته قبل بداية العمل في منجم الحمام بإقليم الخميسات كبروتوكول احترازي من ساعة او نصفها لا أتذكر، عندما بدات العمل في هذه الشركة وجدت انه درس خارج وقائع تصرفات الشركة نفسها) . ــ سقط عامل من ارتفاع 30 متر (انزلاق ربما) هذا كل شيء وانتهت المسؤولية: حادثة شغل عادية. لم يتم تحقيق في الحادثة أصلا، بل اعتبر مسلمة. نعرف ان إجراءات الوقاية من حوادث الشغل ليست حاسمة في تجنب حادثة شغل، لكن يجب على الاقل أن نعرف هل اتخذت بما يجب أم لا؟ هل لعمال المناجم احزمة واقية كما في أعمال البناء والنظافة والكهرباء وغيرها من الأعمال التي تفترض ارتفاعا معينا؟ في مناجم جبل عوام، اكيد لا وجود لهذه الاحزمة وانا اعرف ذلك لأني عملت بهذه المناجم (هذا فقط نموذج من الإسئلة في التحقيق) المشكلة هو ان المنجم منذ إعادة تسميته تخلصا من اعباء المكتسبات التي حققها العمال طيلة نصف قرن من النضال، تخلصت أيضا، بذلك التحويل في الإسم من شركة ملتزمة بالوقاية في شروطها الإستعمارية الفرنسية إلى شركة وحشية تتعاقد مع شركات مناولة تجبرها على المردودية أكثر من سلامة العمال، شخصيا عملت مع الشركات المناولة في الحمام وفي منجم أقا للذهب، وفي مناجم النحاس بشيشاوة وأبحاث منجمية أخرى بمراكش وشيشاوة وازيلال، هذه الشركات لا تحترم على الإطلاق أيا من شروط الوقاية بدء من الآليات المستعملة في الإنتاج وصولا إلى الإنتاج نفسه، شركات لا يهمها إلا الربح ولا تحترم حتى شرط اداء الأجور في وقتها (قد تعمل ستتة اشهر عندها وتتلقى اجر شهر واحد لتنتظر حل مشاكلها المالية لتؤدي لك الأشهر المتبقية) ولا ادري لماذا وزارة الطاقة والمعادن تمنح رخصا للعمل المنجمي لهذه الشركات ولا اعرف حتى لماذا وزارة الشغل غير مهتمة بالأمر على الإطلاق ؟ لماذا الدولة المغربية لا تحمي عمالها؟ حتى في التأمين وفي الضمان الإجتماعي هناك غش (ساعطيكم مثلا من جبل عوام نفسه) هناك شاحنات لشركة مناولة لنقل المعدن من المنجم إلى المختبر حيث يتم طحن وتنقية المعدن (ليست لدي معطيات حاليا لكن اعرف كيف يعملون، يؤمنون شاحنتين او ثلاثة والباقي بدون تأمين وإذا حدثت حادثة لناقلة غير مؤمنة ينقل لها تأمين ناقلة اخرى، هذا غش وتملص من الواجب الوطني، هذا ايضا تعمل به مؤسسات تابعة للملك كاومنيوم شمال إفريقيا سابقا والتي تحولت الآن إلى مؤسسة مالية مفترسة). كيف يكون لدولة مداخيل وهي أصلا لا تؤمن مداخيلها؟ عندما سقط الرفيق العامل من ارتفاع 30 م انزلاقا (ظروف غامضة إن شئت!؟؟) هاكم ماذا فعلوا: تعطيل دفنه انتظارا للتشريح الطبي الذي يقول ما انا كمواطن بعيد اعرف نتائجه: " حادثة شغل سبب الوفات : تهشم جسمه وعظامه بشكل خلق نزيف دموي داخلي وخارجي أدى إلى وفاته... رحم الله المرحوم! إنها شكليات فارغة لإضفاء نوع من البروتوكولات الناعمة لقبول الموت في المنجم. ــ هل عاينوا مكان الحادث؟ ــ بالتأكيد لا، عاينه مهندسو المردودية في المنجم. ــ هل الدولة في شخص وزارة الشغل او وزارة الطاقة والمعادن ارسلت مفتشيها غلى مكان الحادث؟؟ ــ بالتأكيد لا، لان المنجم لايدخله إلا المنجميون على وزن : الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون. أنعي زميلي العامل الذي أعرف انه أخ لأحد رفاقي أنعيه بالنعي اللائق به، اطلب من الدولة المغربية تعويض أسرته الصغيرة، زوجته واطفاله عن إهمالها في تحقيق السلامة له في منجم جهنمي، عدد ضحاياه يستلزم إما إغلاق المنجم على علاته في خسائر اخرى بيئية وجيولوجية، وإما لعدم عمل شيء ما يلزم الحماية لعمال يدفعون لها ضرائب بدون مقابل . لم تطور آليات الوقاية في حوادث الشغل.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسألة القومية بالمغرب
-
كورونا وأشياء عن المكر الديني
-
هل هناك احزاب شيوعية قائمة؟
-
من وحي الثرثرة!
-
لماذا الماركسية مخيفة؟؟
-
الماركسية ليست عنعنة (قراءة نقدية في بعض دراسات الحوار المتم
...
-
إذا كنت تنام جيدا فأنت مفترس جيد
-
حاسب نظامك قبل ان تحاسب الماركسي
-
أيت الحكومة
-
أمز أشال
-
رسالة مفتوحة إلى وزير الخارجية المغربي
-
نهر -مربيع-: نحت انتروبولوجي في الدلالة
-
بواب العمارة المؤقت
-
دعهم يسرقون
-
مريرتيات
-
حكومة الكفاءات غير كفأة
-
رئيس النزاهة غير نزيه (بخصوص فضيحة الرميد في المغرب)
-
تأملات في زمن الحجر الصحي 4
-
تأملات في زمن الحجر الصحي 3
-
تأملات في زمن الحجر الصحي 2
المزيد.....
-
مباحثات تعاونية بين الاتحاد العام لنقابات عمال مصر والاتحاد
...
-
ما هي حقيقة زيادة الرواتب؟ .. المالية تكشف عن جدول صرف رواتب
...
-
WFTU Declaration in Solidarity with the Arrested Unionists i
...
-
العملاق الألماني فولكسفاغن يعاني: إضراب وسط تفاقم الأزمة!
-
ألمانيا.. إضراب ما يقرب من 100 ألف عامل في -فولكس فاجن-
-
بعد مشاركة 100 ألف عامل.. إنهاء إضراب فولكس فاغن التحذيري
-
بيان الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد على الع
...
-
دعوى على أبل بسبب -التجسس على الموظفين-
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|