أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي النجار - الثقافة الاسلامية وتصحيح الاسئلة















المزيد.....

الثقافة الاسلامية وتصحيح الاسئلة


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1605 - 2006 / 7 / 8 - 11:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


" لابد أن يسمع الإنسان أقاويل المختلفين في كل شئ،
يفحص عنها إن كان يجب أن يكون من أهل الحق "

ابن رشد/تهافت التهافت


يعطي بعض المشتغلين بالثقافة الإسلامية زخماً هائلاً لحركة الثقافة داخل المجتمع من اجل تغييره وتأسيس بدائل ثقافية (أو حتى اجتماعية) تتلاءم مع /أو تندرج في التاريخ الحديث، بغية التخلص من تلك الأنظمة المعرفية والفكرية والقيم القروسطية المتغلغلة في العقل العربي/ الإسلامي، هذه الأنظمة والقيم الظلامية، المُحبطة لتطلعات الإنسان والتي تتفشى فيها معارف قصصية خاطئة عن الحياة والكون وتفسيرات وهمية عن تطور الإنسانية ومستقبلها، معارف اغلبها تقع خارج التاريخ الفعلي للبشر، يتحجم فيها الأمل وتتضخم فيها التأسفات والبكائيات على أزمنة غابرة هي نفسها تقع في المجالات الوهمية والخيالية أو على الأقل، أزمنة اختلفت كلياً عن أزمنتنا الراهنة، كل ما تفعله هذه الثقافة الغالبة /أو السائدة هو إسقاط مفاهيم الحداثة على مفاهيم السلف وكأنها من مكتشفاتهم أو من صنع عقولهم. هكذا تعيش الثقافة العربية الإسلامية الراهنة، تواصلاً حميمياً غير منقطع، وغير منفلت عما أنتجه العقل القروسطي، سواء في مجال القيم والأخلاق الإنسانية أو في المجالات المعرفية الأخرى.
إن الثقافة المهيمنة (بمعناها الانتربولوجي وليس الإبداعي: عادات،تقاليد،طقوس،احتفالات،أمثال وحكايات،خطابات…) هي على العموم ثقافة أصولية /أو متزمتة تبجل التراث بإسهاب ولا تعترف بغيره مرجعية، وبالتالي تعيش قطيعة مستديمة مع الحداثة بكل أنواعها وتعتبر نفسها فوق النقد التاريخي، والبشر الذين تقع أفكارهم خارج دائرة تصوراتها ومعتقداتها هم بشر غرباء، خاطئين ينبغي طردهم ومعاقبتهم …الخ، وهي ليست كما يتصور البعض وليدة بضعة عقود من الاستبداد السياسي، بل هي نتيجة قرون متراكمة مضت، بحيث هو نفسه الاستبداد السياسي (الدكتاتورية) يُنظر إليه كنتيجة لذاك الواقع وثقافته التي تغلغلت في رأس المجتمع لحد النخاع.
إن إعطاء الزخم أو القوة المجدية والفعلية لتغيير الواقع عن طريق الثقافة نفسها هو أمرٌ تبسيطي يقع خارج الحركة التاريخية للمجتمع، أي يبعثر الجدلية القائمة بين الثقافة والمجتمع.فالثقافة ليست هي أساس التغيير كما يعتقد البعض،ويذهب إلى ابعد من ذلك فيعتبر إن التغيير المطلوب هو ثقافي قبل أن يكون اجتماعياً، هؤلاء يعتقدون إن الثقافة هي التي تحسم حركة الواقع ويهملون دور البنى المادية والأطر الاجتماعية والاقتصادية، ينبغي أن ينظر إلى حالة المجتمع قبل أن نتحدث عن الثقافة، فالمجتمع هو الذي يحسم الأمور وليس الثقافة، أو قُل إن حالة المجتمع هي التي تحدد نوعية الثقافة فيما إذا كانت أصولية، متزمتة، منغلقة أم معاصرة، حوارية، منفتحة. فحالة المجتمعات الراكدة، المقهورة، اليائسة غالباً ما تنتج (أو بالأحرى تُعيد إنتاج) ثقافة متطرفة، غارقة بالأوهام والتصورات البدائية، فيها منطقة شاسعة يُمنع التفكير بها أو يستحيل التساؤل عنها، تدفع الناس إلى العنف وعدم قبول الآخر. في حين نجد إن المجتمعات المنتجة، المزدهرة، التي تعيش حالة بحبوحة معاشية ورفاه اقتصادي تنتج ثقافات عقلانية، متسامحة، وتعود إلى تراثاتها عودة نقدية صارمة، ترافقها ثورات علمية جبارة. إن أحد عوامل احباطات وتقهقر المجتمعات العربية الإسلامية هو اكتظاظها وتفجرها السكاني المفرط، هذه مسالة مهمة تقع وفق منظور الثقافة التقليدية في منطقة الممنوع التفكير به، فضغط التزايد السكاني العشوائي الذي تشهده المجتمعات العربية الإسلامية منذ الخمسينات أصبح ليس له مثيل تاريخي في العالم.فسكان المجتمعات الإسلامية تزايد بنسبة تتراوح بين 60% إلى 70 % خلال فترة زمنية لا تتجاوز الخمسة وثلاثين عاماً، هذه المسالة مُهملة من قطاعات مثقفة كثيرة ولا يتطرق بعضهم إليها لا من بعيد ولا من قريب وهي تشكل أحد العوامل الكارثية في مسارنا التاريخي. إضافة إلى ذلك تدني وهزال المستويات المعاشية والسكانية التي تعيشها الأسرة والفرد، فكما يؤكد البنك الدولي إن قدرة الأنفاق اليومية لدى 1.2 مليار نسمة (بما فيهم المجتمعات الإسلامية) لا تتجاوز ثمن شطيرة من لحم البقر، أو مشروبين غازيين، أو ثلاث قطع حلوى في الغرب، وطبقاً لتقارير منظمة الأغذية والزراعة فان 815 مليون نسمة في العالم بما في ذلك 200 مليون طفل تحت سن الخامسة يذهبون إلى فراشهم كل ليلة والجوع يقرصهم، والطريف في هذا الموضوع هو الحسابات الشهيرة التي كان بيمال غوش المدير الأسبق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أجراها ووجد: إن الإعانة المالية اليومية المقدمة عن كل بقرة في الاتحاد الأوربي (والتي تبلغ 2.5 يورو) تتجاوز الدخل اليومي للملايين من الفقراء في العالم. من المعلوم أن نسبة كبيرة من الشعوب الإسلامية تعيش تحت خط الفقر (تصل هذه النسبة إلى 20% يتراوح دخلهم اليومي دولار واحد فقط) فضلاً عن الإهانة المستمرة التي تلحق الفرد في بعض البلدان الإسلامية وهو يستخدم البطاقات للحصول على احتياجاته الغذائية، أنها إهانة مستمرة تُذكر المواطن في كل وقت بأنه مجرد عبد في هذه الدولة طبقاً لتعبير بوريس يلسن.لذا من الصعب أن نتصور مفاهيم حديثة مثل الديمقراطية، والعلمنة، والتسامح، وقبول الآخر، وحقوق الإنسان (خاصة حقوق المرأة)…تعمل بطريقة صحيحة في مجتمع تغلب فيه الأمية والفقر وضغط التكاثر السكاني المفرط، في هكذا مجتمعات لا تملك الحد الأدنى من التوازن الاجتماعي والرفاه الاقتصادي، لا يستطيع الناس أن يستمعوا لآراء جديدة أو أن يستفيدوا من المعلومات حول الاختيارات المطروحة أمامهم فهم واقعون تحت تأثير خُطب وعظية تقليدية لا يتمتع أصحابها بأي انفتاح على الحداثة، وهم لا يقرؤون حتى الجرائد اليومية، وإذا ما قرءوها فسيقرءون تلك الجرائد الرثة التي تؤجج مشاعرهم الطائفية والعرقية وتُنشر خطباً رنانة تُلهب صدورهم بالغضب وتحفزهم على البكاء، أو تثيرهم بصور صارخة مزيفة، وإعلانات وتصريحات كاذبة تتعلق بتحسين ظروفهم الحياتية واحتياجاتهم المعاشية وتوفير دور السكن وفرص العمل وزيادة رواتب المتقاعدين…الخ، فحين يذهبون بأعداد هائلة إلى صناديق الاقتراع مثلاً، لا يذهبون بدافع آراءهم وقناعتهم الشخصية، إنما على الأغلب بدافع تعصباتهم المذهبية والعرقية والمناطقية، ويصبح من السهل اتهام الناس في المجتمعات الإسلامية بالطائفية والتعصب والتزمت. ولكن (نستعير هنا بعض عبارات الدكتور هاشم صالح)، ضع نفسك ولو لحظة واحدة مكان هذه الشبيبة الجائعة، المحرومة من كل شيء حتى من إنسانيتها. ضع نفسك محل هذه الجماهير الغفيرة التي تزدحم بها الأحياء على مشارف مراكز المدن وتضج بها شوارع القاهرة وبغداد وطهران والخرطوم…الخ وتتسكع دون هدف أو أمل. ضع نفسك محل هذه الأعداد الهائلة العاطلة عن العمل وتسكن باكتظاظ في كهوف منزلية لا تتوفر فيها حتى المياه الصالحة للشرب. ضع نفسك محلهم ثم تحدث ما شئت عن "الطائفية" و"التعصب" و"الديمقراطية" و"المجتمع المدني"…الخ، بالتأكيد ستحظى بالضحك والسخرية، لان مثل هذه المفاهيم تصبح ترفاً بين جماهير تبحث عن الخبز ووسائل العيش والأمان قبل أي شئ آخر، ولا تمتلك غير رأس مال رمزي وروحي ضخم يمعنن حياتهم التي لا معنى لها (يضفي عليها معنى ويسوغها)، حياتهم المليئة بالمصائب والفواجع والأوجاع.
المسلمون والعرب شانهم شأن كل شعوب الأرض المتحضرة، يريدون أن ينهضوا، أن يتحركوا ويتطوروا، وليس "التعصب" أو"العنف" أو "التخلف" أشياء أزلية أو أبدية لاصقة بهم، لكنهم في كل مرة يجدون أنفسهم مشدودين إلى الخلف بقوة قاهرة، وأمام مشاهد إغراءات مجتمعات الحداثة ببذخها وترفها ومسراتها (عبر التلفاز والفضائيات) يتولد فيهم الاستياء والتذمر والحقد وبالتالي تنشأ من أوساطهم بؤر بشرية مُخيفة، عدوانية ومتوحشة: انتحاريون يمارسون القتل العشوائي والجماعي، عصابات اغتيال وتسليب ونهب واغتصاب، أفراد وجماعات تنتهك القوانين والحقوق ، وكل أولئك يعبرون عن مشاعرهم بلغة وحيدة تقليدية تعلموها منذ الصغر مشحونة بدلالات ورموز الفحولة والثار والتعصب والاستبعاد…الخ. حين نقرأ الثقافة الإسلامية في جدليتها مع المجتمع، ستتوفر لدينا المزيد من الأسئلة المثيرة من قبيل: ما هي العراقيل الداخلية والخارجية التي تمنع الإنسان المسلم من الانطلاق، كيفية تحريره من عقاله المادي (الاجتماعي والاقتصادي) وبالتالي كيف يُمكن تحرير ذاته من عطالتها المستطيلة على مدى القرون، والتي ساهمت في تعزيزها النظم الاستبدادية التي كانت مضادة في أحيان كثيرة "لحقوق الله" و"حقوق الإنسان" في آن. وهنا شئ واحد مؤكد على أي حال هو: إننا لا نستطيع أن نصمد بصيغتنا الاجتماعية والثقافية التقليدية الراهنة ، ولا نستطيع أن نقاوم التيارات الكاسحة للحداثة العالمية التي تتضمن استخدامين، أحدهما إيجابي يهدف إلى تحرير الإنسان، وآخر سلبي يهدف إلى الهيمنة والتسلط على الآخرين.



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإطار المفهومي للعلمنة
- كيف نفهم الإسلام اليوم ؟ - مقابلة مع محمد اركون
- جدلية الحداثة المادية والحداثة الثقافية


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي النجار - الثقافة الاسلامية وتصحيح الاسئلة