بسام العيسمي
الحوار المتمدن-العدد: 1605 - 2006 / 7 / 8 - 10:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزء السادس
الديمقراطية خياراً وطنياً وانسانياً لمجتمعاتنا
معوقاتها وشروط الانتقال اليها
(( العلاقة بين الديقراطية والعلمانية ))
الديمقراطية تشترط علمانية الدولة ومدنية تشريعاتها لإن العلمانية هي الوعاء الأوسع الذي يتّسع لكل أشكال التعددية القومية أو الدينية أو المذهبية والأقدرعلى تنظيم العيش المشترك بين الأفراد بالتوافق مع هذا التنوع والاختلاف باطار المساواة القانونية في الحقوق والواجبات بين جميع الموطنين سنداً الى رابطة المواطنة
فحين ترتبط الديمقراطية بالعلمانية في نظام حكم ما تكون الدولة لجميع مواطنيها
تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والمعتقدات وتعامل الجميع على قدم المساواة وتكفل لمواطنيها بإختلاف مشاربهم جميع الحريات العامة المستمده من الشرعه الدولية لحقوق الانسان بما فيها حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية العبادة والتعبير عن الرأي وحماية الأفراد من العسف والظلم بسبب انتماءاتهم الدينية أو السياسية أو القومية 0
والعلمانية تقتضي من الدولة الحياديه لأن وظيفتها ليست هداية المجتمع ولا تكوين معتقداته وعقائده
الدينية ، فهي لاتحابي ديناً على آخر أو قوميةً على اخرى ، كون قيم العدالة والمساواة والتساوي في الحقوق والواجبات معيارها وشرطها الوحيد المواطينه فقط 0
أما الدولة الدينية لا يمكن إن تكون معبّره عن جميع مواطنيها فاالولاء فيها يكون لدين الدولة وعقيدتها مما يخرق مبدأ المساواة بين جميع المواطنين التي توفرها الدولة العلمانية 0
فالعلمانية ليست دعوة للكفر، أو لاستبعاد الفكر الديني من السلوك اليومي للافراد الذي يستند إلى ارث كبير يحمي الاشخاص من الوقوع في الخطأ ويدفعهم إلى قويم التّصرف 0
فالعنصر الديني يبقى بعداً من ابعاد الوعي الجماهيري في المجتمع 0
أمّا العلمانية فهي آليةً لبناء مؤسسات الدولة على اساس مدني ويكون المواطن مواطناً ليس بحكم الطائفه التي ولد فيها ، أو القناعة الدينية التي يتبنّاها وانما بحكم مواطنيته فقط 0
فالعلمانية لا تعمل إلاّ بمنظور العقل ولاستيعاب الزمني للواقع 0 فهي المرجيعية العقلية القابلة للتّصويب والخطأ
والتغيّير في مسارات سياق الحركة الكونية للتّطور والتّبدل السريع الذي يحدث في العالم دون أن يمسّ ذلك التغيير أو التّبدل في الرأي العام الشعور الديني الغير قابل للمساس به بالسهولة ذاتها 0
فلا يمكن أن تدخل الحداثه وقيمها بمعزل عن العلمانية 0
فالدولة العلمانية هي الاقدر بالوقوف على الحياد إزاء كل قضايا الاعتقاد والتّنوع المذهبي والطائفي ، وأن تكون على مسافة واحدة من كل الاطراف ، وهذا مالم تسطعه الدولة الدينية 0
إنّ العقل وحده يدفع القوانين نحو مزيد من العدالة والحرية والمساوة والتبدّل الحركي في صيرورة زمنية تطوريه لخدمة مصالح الناس 0
أمّا في مجتمع تُقدّس فيه العقائد لا يعود بالمستطاع توجيه أي انتقاد إليها أو تغييرها 0
فإدخال الدين في المجال السياسي أو العام لن يترك لغير المؤمينين به مكاناً وحقوقاً متساويهّ مع الآخرين 0
أمّا العلمانية لا تطلب من المتدينين التخلي عن اعتقاداتهم أو تفرض عليهم سلوكاً مزدوجاً للإنتقاص من حقوقهم ولا تحول دون تمتّعِهم بها , بل على العكس من ذلك فإنها تحمي حرية المعتقد وتفسح المجال لممارسة الشعائر الدينية بحرية ودون تضييق لكل المتدينين على اختلاف انتماءاتهم 0
فترابط العلمانية مع الديمقراطية هو الضمانه الوحيدة من أجل بناء مجتمع تُحترم فيه جميع القناعات الروحية
والدينية والدنيوية كما هي كقناعات خاصة لا ينبغي فرضها على الآخرين 0
وفي ظلّ ترابطهما يسمو الدين ويُحترم ولا يستخدم رهينة في يد السياسين 0
المرجعيات الدينية كافة الاسلامية و المسيحية و اليهودية تشترك فيما بينها بتصوّر واحد وهو تغييب المثل الديقراطي والعلماني والسعي لاطفائه بأسم قانون الهي أسمى من قانون البشر
وتبقى حرية التعبير عن الرأي والمعتقدلها حساسية كبيرةًً لديهم لأنه يترآى لهم انّها تنال من أركان عقيدة المقدس لديهم .
ان خطر التعصب الأصولي يتعاظم يوماً بعد يوم ويغدو مقلقاً في بلدان تستوحي قوانينها العامة من الشريعة الدينية ,بالمقارنة مع ما يمكن أن يكون عليه في بلدٍ تقام به العدالة والمساواة بأسم حقوق الانسان .
ان التعصب الديني الذي يُعبّر عنه بالوقوف ضد القيم العلمانية التي يعتبرونها منافيةً للدين ومساس بالمقدس , ينصبّ كابوساً على حرية التعبير , ويعزز الميل لكم الأفواه وممارسة العنف والقمع ضد المخالفين .
فمن الصعب أن نتصوّر وجود حركة أصولية مسيحية في أوروبا قادرةًعلى تشكيل خطرأً جدياً على العلمانية ان تعزيز الديقراطية في الحياة السياسية ومستوى الرفاه الاجتماعي ومستوى التطور التقني والعلمي وتمثّل حقوق الانسان في أوروبا كمنظومة ذهنية وأخلاقية وعملية في اطار الدولة وسيادة القانون أدّى الى تقليص واضحٍ لدور الأصوليون . لكن لا يعني هذا انها غير موجودة بل تمارس نشاطها وعملها اذ نلاحظ التأثير الكبير الذي تعاظم للكنائس الأرثوذكسية التي تحاول املاء شريعة متعصبة في بلدانٍ كثيرة من العالم ولا سيما بعد انهيار الشيوعية , حتى ان الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض اليوم أكثر من أي وقت مضى لضغط التحالفات المسيحية وما سمعناه مما رشح عن الرئيس الأمريكي من تصريحات تؤكد تعاظم الفكر الديني لديه حتى أصبح هادياً له في سلوكياته الرئاسية كقناعته بأن الله وحده هو الذي اختاره لرئاسة الولايات المتحدة .
أما الفكر الأصولي الاسلامي يلقى رواجاً كبيراً في الشارع العربي كخياراً يائساً بعد خياب الأمل في الخطاب القومي العربي العاجز أن يحقق ما وعد به , فكانت الجماهير ملتهبه حماساً وتعتقد أنها سوف تدخل العصر الذهبي بمجرد خروج الاستعمارمن أرضها فلن يحصدوا إلى الكبت والخيبة والاحباط 0
إضافة إلى ظلم الأنظمة الشمولية وسعيها الدائم لكمّ الافواه ومنع حرية التعبير وتغييب الحريات العامة 0 ومايغّذي المد الأصولي في الشارع العربي أيضاً الحقد المناهض للويات المحتدة الأميركية واتحيازها الكامل لصالح اسرائيل الذي يتلجى واضحاً عبر مجريات الصراع في المنطقة 0
ومهما حاولت الأنظمة العربية وبذلت جهوداً للوقوف ضد المد الأصولي لا يمكن أن توقفه أو تنتصر عليه ما دامت كل الحكومات بلا استثناء تربط الديني بالسياسي وتستنبط القوانين المستلهمه من الشريعة الاسلامية وتحاول استثمار الدين لصالح السياسه مما سيُبقيى الأصوليون هم الشرعيون في عيون الناس والأقدر على التوافق مع أحكام الشريعة 0 وهذا لا يحمل معه إلاّ اضعافاً للعلمانية واعطاء الأصوليين وزناً متزايداً ومتعاضماً يوماً بعد يوم 0
وما ميل بعض التيارات الأسلامه حالياً إلى الاعتدال واقحام خطاباتها وبرامجها وأدبياتها لكلمة الديمقراطية والدعوة إليها من منظور صندوق الاقتراع, لا يعّبر ذلك عن نضج معرفي ملموس للديمقراطية لديهم , ويبقى المفهوم مبهماً وعائماً لأنهم لا يشيرون بشكل واضح للجانب الأهم في الديمقراطية وهي حقوق الأقلية , إذ لا يزالون ينظرون إليها كونها حكم الأكثريه فقط في سياق فهم تبسيطي للوصول إلى الحكم الذي يعطيهم الشرعية بحسب قناعتهم للتحوّل من الشرعية الدستورية إلى الشرعية الألهه لأن الله هو الذي قدّر لهم وأوصلهم إلى سدة الحكم مما يتيح لهم أعلان الخلافة مثلا 0 0 0 أو الاطاحه بالجمهوريه 0
فحتى الأن الخطاب الديني المعتدل لم يقدّم ضمانات لما بعد صندوق الاقتراع واستلام السلطة كألتزامهم وتعهدهم بعلمانية الدولة ومدنية مؤسساتها وتأمين حيادها وفصل الدين عنها وحفاظهم على حقوق الأقلية 0 (وهنا أعني الأقلية السياسيه الانتخابية ) بالعمل والنضال والتحريض والدعوة لبرامجها كي تصبح أكثريه وتصل إلى السلطة في سياق الأرادة الشعبية والممارسة الديمقراطية عبر صندوق الاقتراع 0
في 3 /7/2006 يتبع .........................
#بسام_العيسمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟