في حديث الى "صوت الشعب العراقي - اذاعة الحزب الشيوعي العراقي"، بثته يوم الجمعة (25/ 4/ 2003)
الرفيق حميد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي:
لنعمل على عقد مؤتمر وطني عراقي واسع
يشكل حكومة وطنية ديمقراطية ائتلافية موقتة
قال الرفيق حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ان ما تمسّ اليه الحاجة في بلادنا اليوم هو اعادة الامن والاستقرار والطمأنينة، وتأمين الغذاء والدواء والماء والكهرباء والخدمات البلدية والعامة لملايين العراقيين المحرومين، الى جانب ملء الفراغ السياسي الناشيء، ببديل ديمقراطي يمثل ارادة العراقيين وائتلاف قواهم واحزابهم الوطنية المعروفة ببرامجها وتوجهاتها الديمقراطية.
واضاف في حديث الى "صوت الشعب العراقي - اذاعة الحزب الشيوعي العراقي"، بثته يوم امس الجمعة (25/ 4/ 2003)، ان من الضروري التعجيل في تشكيل الحكومة العراقية الوطنية المستقلة المؤقتة، لكي تباشر واجباتها في ادارة شؤون البلاد ومعالجة المشكلات الكبيرة القائمة الناجمة عن فقدان الامن والاستقرار، وغياب الخدمات الاساسية، ولكي تؤمّن عودة الموظفين الى اعمالهم، ومثلهم العاملين في المؤسسات والمصانع والخدمات والميدان التجاري، واستئناف الدراسة في المدارس والمعاهد والجامعات، وباختصار: عودة الحياة الطبيعية، وانتهاء حالة الشلل التي تسود البلاد، والمرتبطة كذلك بالبطالة العامة الشاملة.
واشار الرفيق حميد موسى الى الضبابية والغموض اللذين يسمان الاوضاع القائمة في البلاد، وبيّن ان الدكتاتورية انهارت، ولكن بقاياها مازالت تعيش، وازلامها طليقون بعيدون عن الحساب، وبعضهم يقوم باعمال تخريبية وحتى يتهيأ للانقضاض من جديد.
وفي المقابل هناك القوات الاجنبية الغازية، التي لايمكن، في ضوء احداث الايام الماضية، الاطمئنان الى انها ستقوم بحماية الامن وفرض النظام، او حتى انها ترغب في ذلك. فبوجود قوات الاحتلال هذه حصل ما حصل من فوضى ونهب وسلب، طاول حتى المستشفيات ودور العلم والمتاحف والمكتبات، وحفل بما يشين ويخزي ويضر بالبلاد حاضرا ومستقبلا.
واوضح ان هذا الذي حدث في اعقاب انكسار القيد وانهيار السجن الكبير، ليس بمعزل عن التشويهات التي اصابت الروح العراقية في ظل طغيان الدكتاتورية وقيمها الساقطة، وسعيها المبرمج المديد للنيل من الانسان العراقي ومثله النبيلة. فهي من الثمار المرة للدكتاتورية، المسؤولة بعد مماتها كما في حياتها، عن المصاعب التي يواجهها شعبنا.
واكد ان الاوضاع العصيبة في هذه اللحظات الحرجة التي يعيشها شعبنا، يجب الا تحجب عنا افق التغيير الحقيقي وضرورة العمل من اجله، بل وفرص هذا التغيير وامكانية تحقيقه واقعيا. وان المطلوب هو حشد القوى وجمع الطاقات والتكاتف من اجل اعادة بناء العراق، ووضع الشعب والبلاد على سكة الديمقراطية والتقدم.
سلطة غائبة وسلطات متنازعة
وتناول سكرتير اللجنة المركزية في حديثه موضوع السلطة، وقال ان ما نلاحظه ليس مجرد غيابها، ولا وجود ازدواجية فيها، فسلطة الدكتاتورية قُبرت من دون ان تنشأ على انقاضها سلطة جديدة.
واضاف موضحا ان في البلاد اليوم مجموعة من السلطات غير المنسجمة، بل المتنافرة والمتنازعة. فهناك سلطة القوات الاجنبية، وهي تسود في الشوارع الرئيسية وبقايا المراكز الحكومية والساحات والمواقع الحساسة. وهناك سلطات محلية متباينة، بعضها يلبس لباس الدين، واخرى عشائرية، وثالثة مناطقية. كما ان هناك في بعض الاماكن سلطة الغوغاء، وبضمنهم عصابات السلب والنهب المنظمة او التي تسعى لتنظيم نفسها، فضلا عن بقايا السلطة البائدة المقبورة.
واكد على الحاجة الى التجاوز السريع لهذا الوضع غير الطبيعي، وقال ان السبيل الى ذلك يمر عبر العمل على عقد مؤتمر وطني عراقي، يجمع اطياف المجتمع العراقي كلها، وفي الاساس ممثلي القوى والاحزاب السياسية الوطنية المعروفة، وممثلي الاطراف القومية والدينية والطوائف، من الشمال والجنوب والوسط، ومن الداخل والخارج. واضاف ان من الضروري ان تتوفر لهذا المؤتمر مستلزمات التعبير عن ارادته الحقيقية، وبما يؤمّن له القدرة والصلاحية.
نمارس حقنا ولا نستجدي!
وبيّن ان ذلك لايعني استجداء الارادة من الآخرين، بل يعني ممارسة الاطراف العراقية المعنية حقها الطبيعي، فغالبيتها تتمتع بالتزكية الوطنية، وبالمبرر الضروري لرفع صوتها والدفاع عن حقوقها ووجهات نظرها، وليس هناك من يطعن في وطنيتها وفي نضالها ضد الدكتاتورية المنهارة.
واشار في هذا السياق الى ان سقوط الدكتاتورية لم ينجم عن مجرد تحرك القوات الاجنبية بآلتها الحربية الضاربة، بل ايضا عن واقع ان النظام كان معزولا عن جماهير الشعب، التي نبذته ورفضت الدفاع عنه او مساندته. وهذه العزلة هي حصيلة النضال الطويل والمتفاني للاحزاب الوطنية، وهي ما سهّل ازاحة الدكتاتورية بالسهولة التي تمت بها.
المؤتمر الوطني والحكومة الانتقالية
واستطرد موضحا ان القوى الوطنية والحالة هذه تستطيع ان تتحدث بقوة وثقة بالنفس، وان تدعوا الى عقد المؤتمر الوطني، وتمارس بجدارة حقها في عقده، وتتوصل في اطاره الى القرارات والاجراءات الضرورية، وفي مقدمتها ورأسها تشكيل حكومة وطنية عراقية ائتلافية مؤقتة، تباشر معالجة المشكلات الملتهبة التي يعاني الشعب منها، وتؤمن الخروج بالبلاد من الحال الراهنة السائبة والهلامية، الى حال اخرى - منظمة ومنضبطة ومستقرة تحمل سمات الوضع الطبيعي. والى جانب ذلك تقوم باعداد مشروع دستور دائم للبلاد، وتضع قانونا للانتخابات، وتجري هذه الانتخابات في اجواء من الحرية والديمقراطية والنزاهة، ومن ثم تسلّم السلطة الى من سيمنحهم الشعب الثقة عبر صناديق الاقتراع في نهاية الفترة الانتقالية.
للامم المتحدة دورها
وفي السياق نفسه بيّن الرفيق حميد موسى ان انتخاب برلمان يجسد التعددية، واعداد دستور يرسي الاساس لدولة القانون، يمكن ان يتحققا بصورة افضل اذا ما قامت الامم المتحدة بدورها المركزي في ادارة هذه العملية.
واضاف: نحن هنا لا نطرح مطلبا غير معقول او تعجيزيا. فاذا كان هدف الادارة الامريكية، كما يُعلن في وسائل الاعلام تكرارا، هو اقامة الديمقراطية والتعددية في العراق، فمن المنطقي والطبيعي ان تمارس الديمقراطية والتعددية على الصعيد الدولي، بما يساعد في اقامة العراق الديمقراطي. وليس طبيعيا او منطقيا ان ينفرد طرف دولي واحد ويحتكر مهمة ادارة المسألة العراقية وتفاصيلها.
وشدد على ان وجود الامم المتحدة واشرافها على مؤتمر القوى والاحزاب العراقية، وعلى تشكيل الحكومة العراقية المعبّرة عن مصالح الشعب العراقي، وعلى اجراء الانتخابات البرلمانية الحرة، انما هو ضمانة اكيدة وشرعية لوضع العراق في المسار الصحيح، وبما يخلص شعبه من الازمة المستفحلة التي تضيق الخناق عليه اليوم، في اعقاب انهيار الدكتاتورية بالصورة التي انهارت بها.
وزاد يقول ان ذلك لا يعني ان الولايات المتحدة ستفقد دورها في العراق، فالكل يعرف المكانة التي تحتلها، ومعها بريطانيا، في الامم المتحدة وفي مجلس الامن تحديدا. لهذا فلا مبرر للخشية من الدور الذي ينبغي ان تلعبه الامم المتحدة في العراق اليوم، وهو دور ضروري لاضفاء الشرعية على عملية الانتقال الى الديمقراطية في بلادنا، ولضمان مساهمة المجتمع الدولي بكل امكانياته وطاقاته، وجميع اطرافه، في ارساء الديمقراطية في بلادنا، ومساعدة شعبنا على اعادة بنائها واعمارها.
واوضح ان المهمات التي سيتوجب القيام بها في هذا الشأن كبيرة، فالمطلوب هو تصفية آثار الدكتاتورية كنظام، وكمؤسسات واجهزة، وكقوانين، وكممارسات.
والمطلوب ايضا هو الخلاص مما خلّفته الحرب الاخيرة الرهيبة، والحروب المدمرة التي سبقتها: الحرب مع ايران، وحرب الكويت، والحروب الداخلية التي ظل الشعب يُعاني وطأتها وعواقبها على امتداد السنين الطويلة التي تسلّط فيها الطاغوت الدكتاتوري لنظام العفالقة.
الديمقراطية تؤخذ ولا تعطى !
وفي جانب آخر من حديثه اكد الرفيق حميد موسى ان الديمقراطية لا تُمنح او توهب، وهي ليست منّة من حاكم او محتل. وان حق الشعب في ادارة شؤونه بنفسه، ولمصلحته، وعن طريق قواه السياسية، هو حق ينتزع بالاساليب المناسبة والمشروعة. وان ذلك ممكن خصوصا عندما تأخذ جماهير الشعب قضيتها بأيديها، وتطالب بحقوقها، وتعمل وصولا الى ذلك، وبعيدا عن المنافسات الحزبية الضيقة والمناورات واللعب السياسية، على تكوين حالة شعبية على الارض، قادرة على جعل الاطراف الاخرى تقبل بها كارادة وكواقع ملموس ماثل.
واضاف ان ذلك هو مظهر لصراع الارادات، الذي ينبغي ان يجري بطريقة جديدة، ديمقراطية. ومن اجل ذلك يجب ان نفعّل المشاركة الجماهيرية في الاتجاه الصحيح، المفضي الى تحقيق مطالب الشعب ومطامحه.
وقال ان لدينا شعبا ذا تجربة سياسية، واحزابا ذات خبرة ومعرفة، وشخصيات لها باع طويل في العمل السياسي وفي مقارعة الدكتاتورية. وهؤلاء جميعا يجب ان يوحدوا طاقاتهم وجهودهم لخلق الواقع المطلوب، والمسنود جماهيريا بارادة الملايين.
واضاف انه على الصعيد الخارجي هناك رأي عام عالمي واسع، شعبي ورسمي، راغب ومتأهب لمساندة العراقيين في نضالهم من ا جل تطبيع الاوضاع في البلاد، من اجل انهاء الاحتلال واقامة الديمقراطية، من اجل اسهام الامم المتحدة وتطبيق القانون الدولي واحترام الشرعية الدولية.
تحدّ تاريخي
وردا على سؤال حول العلاقات بين القوى والاحزاب الوطنية العراقية، التي يتوجب ان تتعاون وتوحد جهودها، كي تنهض بدورها في انجاز عملية الانتقال الى الديمقراطية، قال سكرتير اللجنة المركزية ان ما تواجهه ا لبلاد من اوضاع عصيبة وشائكة بعد انهيار الدكتاتورية، يفرض على كل من يشعروا بالمسؤولية الوطنية، ان يفكروا ويعملوا على توحيد الجهود، لتأمين الخروج بالبلاد من المأزق الراهن. انه تحدّ تاريخي يواجهه الجميع دون استثناء.
وقال مستطردا ان ما كان يوحد الاحزاب والقوى السياسية سابقا، هو التطلع للخلاص من الدكتاتورية. لكنها اختلفت حول كيفية تحقيق ذلك، حول آلية التغيير. حيث رأي البعض ان الحرب هي السبيل الى ذلك، فيما رفض الآخرون الحرب - لا حبا بالنظام والدكتاتورية، بل حبا بالشعب والبلاد. ولكن حتى الراضين بالحرب، كانوا يشددون قبل نشوبها واثناءها، انهم يوافقون عليها لتخليص الشعب العراقي من الدكتاتورية واقامة الحكم الديمقراطي، وليس لاحتلال العراق وفرض حكم عسكري عليه. ويمكن ان نجد هذا الطرح واضحا في بيان مؤتمر لندن، الذي لم يشترك حزبنا فيه، كما يمكن ان نقرأه في اجتماع صلاح الدين.
ومن هنا يمكن القول ان الجميع، من رفضوا الحرب وما ينجم عنها ومن ايدوها، يتفقون في معارضة الاحتلال والحكم العسكري. فهناك اذن قاعدة توافق في الخطاب السياسي - هذا طبعا اذا لم يجر التخلي عن المواقف المذكورة.
لنقدم على الخطوة الجريئة !
وتساءل الرفيق حميد مجيد موسى، وهو يشير الى قاعدة التوافق المذكورة، والاتفاق على ان البديل المطلوب هو البديل الديمقراطي الذي يمثل ارادة الشعب، عن سبب التردد في الاقدام على الخطوة الصحيحة الجريئة، في اتجاه عقد المؤتمر الوطني الواسع، داعيا الى تشكيل لجنة تحضيرية موسعة له، تضم القوى الرئيسية المعروفة في الداخل والخارج.
واكد ان عقد المؤتمر الوطني سيتيح الخروج ببرنامج سياسي مشترك، وقوة تنفيذية تملك صلاحية التفاوض والحوار مع الامريكان والبريطانيين، حول انهاء مهمة قواتهم، من دون ان ينتهي الامر الى ما يخشاه البعض من نشوب حرب اهلية وتمزيق للعراق.
مستعدون للعمل المشترك
وفي شأن العلاقات القائمة اليوم بين القوى الوطنية (اطراف المعارضة سابقا)، قال انها جيدة، وتحدث عن قنوات اتصال وحوار في ما بينها، وعن تفهم متبادل للطروحات والمواقف. لكنه اكد، ارتباطا بالاوضاع الراهنة، ضرورة تفعيل الاتصالات، وتنسيق التحركات، بما يتيح التعجيل في وضع مطالب الشعب موضع التنفيذ.
وقال: اننا في الحزب الشيوعي العراقي نملك القناعة والارادة والاستعداد للعمل من اجل وحدة القوى والاحزاب الوطنية العراقية، ولن نبخل بجهد في سبيل تحقيق ذلك. وسيكون الانفتاح والمرونة والواقعية والجدية ما يميّز سعينا لتخليص شعبنا من الازمة المطبقة عليه.
حاجتنا الى التضامن العالمي
واجاب الرفيق حميد موسى في قسم آخر من المقابلة، على سؤال حول التضامن والدعم، اللذين يمكن للشعب العراقي وقواه الوطنية، وهم يواصلون الكفاح من اجل العراق الديمقراطي الفيدرالي المستقل والموحد، ان ينتظروه من اصدقاء بلادنا في الخارج ومن الرأي العام العالمي عموما، فعبر عن اعتقاده ان الاغلبية المطلقة ممن ساهموا، رسميا وشعبيا، في مناهضة الحرب، وفي المطالبة بايقافها وانهائها غداة اندلاعها، هم اليوم، بعد تبدد الكثير من الغشاوات واتضاح الامور، والاقتناع بان التفريق بين صدام والشعب كان مبررا وضروريا، وبان تشديد بعض القوى مثل حزبنا الشيوعي العراقي على ضرورة رفض الحرب ورفض الدكتاتورية في آن معا كان صحيحا، على استعداد لاسناد العراقيين في طموحهم لاقامة البديل الديمقراطي، ومساعدتهم في اعمار البلاد، واعادة الحياة الطبيعية اليها، وتأمين فرص العمل والحياة الكريمة لهم. اضافة الى دعم سعيهم لادارة شؤونهم العراقية بارادتهم المستقلة، من دون احتلال او هيمنة او وصاية اجنبية.
لكنه اكد ان هناك في الوقت الراهن بالذات، حاجة ماسة جدا الى مساعدات كبيرة عاجلة، لاغاثة شعبنا الذي يعاني الجوع والحرمان والبؤس، بعد سنيّ الدكتاتورية العجاف، وفي اعقاب الحرب الاخيرة وما اسفرت عنه من مفاقمة لاوضاع الناس المعيشية والحياتية.
-----------------