حتى قبل أن تحسم حربهم على العراق نهائيا، بادر المسئولون الأمريكيون من الرئيس الأمريكي إلى وزير خارجيته إلى وزير دفاعه، في كورس متناغم، مرددين نفس السيناريو الذي مهدوا به، حسب اعتقادهم، لتلك الحرب التي شنوها دون أي غطاء شرعي وعلى الرغم من الإرادة الدولية المتمثلة في هيئة الأمم المتحدة أخذوا في توجيه التهم المختلفة ضد سوريا على أساس أنها لم تعتبر بما جرى ويجري في العراق.
سوريا التي وافقت على القرار رقم 1441 والتي أعلنت وقوفها ضد الإرهاب وأدانت أحداث 11 سبتمبر، متهمة الآن بأنها تؤوي المنظمات الإرهابية وأنها تمتلك أسلحة كيماوية إلخ وصار مطلوبا معاقبتها بالمقاطعة الاقتصادية تمهيدا لمعاقبتها عسكريا بشن حرب شعواء ضدها تدمرها ويعاد تشكيل نظامها بحيث ينسجم تماما مع المخطط المرسوم لمنطقة الشرق الأوسط ليكون وفق هوى ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية وشريكتها الاستراتيجية إسرائيل. وعلى طريق استكمال حلقات الطوق حول النفط وآباره من بحر قزوين إلى الخليج إلى العراق فسوريا.. وليسلموه بالكامل إلى الاحتكارات الأمريكية بعد السيطرة عليه وتخصيصه!!
هكذا بمنتهى الصراحة والشفافية، تطرح الولايات المتحدة مشاريعها ومخططاتها علنا وبكل وضوح، وهي تصر على تنفيذها سواء قبل المجتمع الدولي أم لم يقبل، وحتى لو تنازل المستهدف وحقق ما تطالبه به الولايات المتحدة.
ٍّومثلما شنت قواتها المسلحة حرب الاحتلال على العراق فإنها، وقد تشجعت بسهولة احتلالها للعراق وبضعف المقاومة التي واجهتها رغم عنتريات نظام صدام حسين وحرسه الجمهوري وقواته الخاصة وفدائيي صدام ورغم تنطح الصحاف و(علوجه وأوغاده)، باشرت البدء بالخطوة الثانية وهدفها سوريا.
الولايات المتحدة الأمريكية بنهجها هذا، إنما تعيد المجتمع الدولي ليواجه من جديد سياسة المدافع والبوارج الحربية التي كان الاستعمار القديم يمارسها لفرض هيمنته على البلدان الأخرى ولقمع أي تحرك ضد مخططاته العدوانية تجاه تلك الشعوب.
ومثلما يذكر التاريخ هذا النهج العدواني المستبد المستند على القوة وحدها، فإنه يذكر مقاومة الشعوب له واستبسالها في إنزال الهزائم بالاستعماريين القدامى ونجاح تلك الشعوب في الخلاص من قوات الاحتلال ومن هيمنتها وتحقيق الاستقلال الوطني.
لقد ولى عهد الاستعمار القديم. لكن الولايات المتحدة، بصفتها القوة الأعظم ذات القوات العسكرية الأحدث والأكثر جبروتا وتدميرا، توحي وكأن شيئا من ذلك الزمان قد يعود.
لكن زماننا الآن يختلف كثيرا عن تلك الأزمان. فإن وعي الشعوب واتساع معارفها ونيلها من علوم العصر وتطوراته قد بلغ شأواً بعيدا، ولم يعد بالإمكان تمرير المخططات من وراء ظهر الشعوب أو في تغييبها أو تجاهل وعيها وإدراكها، ولذلك نجد هذه الشعوب مدركة لأبعاد المشاريع المطروحة وهي تطرح للتنفيذ، ومن هنا كذلك نجد أن أصحاب المشاريع لا يستطيعون إخفاء نواياهم، فيمارسون (الشفافية والصراحة) بغض النظر عن مدى قبحها وتحديها لروح العصر ولعقل الإنسان.
وهكذا ومع أول أدوار السيناريو، هب المجتمع الدولي شعوبا وحكومات في وجه استمراء الولايات المتحدة لمخططاتها، فعارضوا نواياها بشن الحرب على سوريا ومن يليها في قائمة البنتاجون كلبنان وإيران وغيرهما.. وأمام حجم المعارضة الواسع اضطر أصحاب السيناريو تغيير أولوياته فصاروا يؤكدون انهم لم يقرروا الحرب وإنما هم سيمارسون الضغوط من المقاطعة والحصار وغيره من الأساليب الحضارية في الحروب الحديثة!!
لا يزال الوضع في العراق، وفي ظل قوات الاحتلال، يعيش فراغا في مختلف المجالات.. فراغاً في الإدارة وفراغاً في السياسة وفراغا في الأمن وفراغا في الإعلام.. بل هناك فراغ في عصب الحياة من ماء وكهرباء وغذاء. وهو وضع مفتوح على كثير من الاحتمالات بعضها يشير إلى احتمالات خطيرة كاحتمالات نشوب حرب أو حروب أهلية والبعض الآخر يشير إلى نوايا بعض القوى السياسية للاستفراد بالسلطة، والبعض الآخر لا يخفي نواياه في سياسة الإقصاء وحرمان الآخرين من الاستمتاع بحقوقهم الطبيعية في المشاركة في إدارة شئون وطنهم وفرض لونه الخاص على الجميع. بعد أن انزاح حكم اللون الواحد، وما رافقه من بطش وطغيان وسلب لأبسط الحقوق والحريات للمواطن العراقي وما تعرض له من انتهاكات ليس لها مثيل حتى في الأنظمة الشمولية الديكتاتورية الأخرى.
هناك من يدعو إلى إعطاء منظمة الأمم المتحدة دوراً هاماً في إدارة الأوضاع الحالية حتى إيصال الوضع إلى بر الأمان، في حين تعلن الولايات المتحدة بأنها ستستخدم حق الفيتو ضد إعطاء الأمم المتحدة أي دور جوهري.. ما عدا ما يسمي بالدور الإنساني من تقديم المساعدات الإنسانية من ماء ودواء.. الخ.
لقد أكد البيان الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دول الجوار زائدا مصر والبحرين على ضرورة سحب قوات الاحتلال بأسرع وقت وسرعة إقامة حكومة انتقالية من العراقيين، والتزام هذه القوات باتفاقيات جنيف الدولية، وشدد البيان على ضرورة الحفاظ على ثروات العراق وقصرها على العراقيين والحفاظ على مقدساته وتاريخه وحضاراته. وأكد البيان الختامي للمؤتمر على رفض التهديدات الأمريكية لسوريا والدعوة لحوار بين الجانبين لتحقيق الاستقرار بالمنطقة.
نتمنى ألا يبقى هذا البيان، كالبيانات الكثيرة السابقة، حبرا على ورق. بل يجب أن توجد الآليات التي تتابع تنفيذه، وتمارس الضغوط اللازمة ليلقى الصدى المطلوب لدي القوى الأخرى.
وعلى مستوى البحرين نرجو أن تجد هذه الأحداث الكبيرة وتداعياتها ما تستحق من دراسة واتعاظ، وان تشكل حافزاً للمزيد من الخطوات العملية على طريق ترسخ وتوسيع الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والتخلي عن أقلام الرقابة ومقاصها غير المبررة. وترسيخ الحياة الديمقراطية واتخاذ الخطوات الضرورية واللازمة لمكافحة الفساد المالي والإداري الذي ينهش في أي تقدم أو رقي ويحول دون الانطلاق وتحقيق التنمية الحقيقية الشاملة.