السجون السرية- : مصادر البطش والتعسف والموت المجهول

محمد النعماني
(Mohammed Al Nommany)

الحوار المتمدن-العدد: 1604 - 2006 / 7 / 7 - 11:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

جنرال متقاعد يدعي غينادي يفستافيف، من دائرة الاستخبارات الخارجية الروسية كشف في مقالة صحفيه عن قضية السجون السريه الامريكية حيت قال

في 27 يونيو (حزيران) قدم السويسري ديك مارتي تقريرا إلى الدورة الصيفية للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في ستراسبورغ عن " السجون السرية للاستخبارات المركزية الامريكية" في بعض دول أوروبا. وعلى الرغم من تأخر ظهوره فإن التقرير مفيد بدون شك لفهم ومعافاة الوضع المتشكل. ويمكن الاتفاق بصورة خاصة مع كلمات مارتي القائلة "نحن نزمع وضع نهاية للإرهاب وسنستمر بمكافحته. لكن علينا أن نفهم أننا إذ نعتقل الناس ونرسلهم إلى سجون سرية بدون محاكمة أو تحقيق ونعرضهم لألوان العذاب، فإننا نستدعي التعاطف معهم لا أكثر ولا أقل".

قول في غاية الدقة. ومهما يكن من أمر فالوضع غير طبيعي إطلاقا. وبالنسبة للغرب الذي يتبجح بالإخلاص للديمقراطية وأحترام حقوق الإنسان فهو معيب حقا.

من الطبيعي أن يلقى باللوم على الاستخبارات المركزية الأمريكية. أو بالأحرى يحاولون إرغامنا على التفكير بهذه الصورة. لكن هذا غير صحيح. ففي شهر مارس (آذار) عام 2002 نشرت مجلة "وول ستريت جورنال" واسعة النفوذ وثيقة تحليلية لوزارة الدفاع الأمريكية تخرج باستنتاج مفاده أن سلطة الرئيس الأمريكي وهو ينفذ حملة عسكرية تعلو على جميع التقييدات المتعلقة باستخدام التعذيب المسجلة في القوانين والاتفاقيات.

وهذه الوثيقة تعكس بدقة مضمون القرار السري الذي أصدره الرئيس بوش نفسه في 7 فبراير (شباط) 2002 والقائل : "أنا ...أقرر أن أي مادة من مواد اتفاقيات جنيف لا تنطبق على نزاعنا مع القاعدة في أفغانستان أو أي مكان آخر في العالم".

لعل هذا ما كان يحتاجه زعيم البنتاغون دونالد رامسفلد. فهو بالذات كان المبادر لوضع برنامج sap للعمليات الخاصة أو"برنامج السماح الخاص".

وجرى تنفيذ العمل المتعلق بهذا البرنامج بسرية فائقة واطلعت على تفاصيله دائرة ضيقة جدا من "الخواص" في البنتاغون والاستخبارات المركزية والبيت الأبيض. وأشرف على هذا البرنامج نائب رامسفلد ستيفن كامبون الذي ترأس مركزه القيادي الواقع في البنتاغون.

ومن الناحية النظرية كان المقصود إنشاء منظومة سريعة التأثير "لاستنباط" معلومات تجسسية عاجلة من المعتقلين المشتبه بهم بما في ذلك من خلال تطبيق أساليب الاستجواب غير المشروعة التي شرعها الرئيس بوش. ومن هنا امتدت السلسلة المرعبة من الجرائم ضد الإنسانية التي استدعت تلك الموجة الواسعة من الاستنكار الدولي.

لكن الأشد فظاعة لا يقتصر على هذا. فبهدف تنفيذ مهام برنامج sap تم تشكيل مجموعات عملياتية صغيرة سرية للغاية يعمل أفرادها بوثائق مزورة في جميع أصقاع العالم. ويعبرون الحدود بدون فيزا ويستطيعون إجراء عمليات اعتقال واستجواب فورية للمشتبه بهم على أراضي الدول الأجنبية بمساعدة الأجهزة الخاصة المحلية، وكذلك نقلهم إلى مراكز سرية خاصة تابعة للاستخبارات المركزية الامريكية أي "السجون السرية" المنتشرة ، حسب معطيات الصحفيين الأمريكيين في شتى أصقاع العالم. وكقاعدة لا يتم هنا استخدام سجني أبو غريب وغوانتنامو بسبب " الحساسية الفائقة" لعملية استجواب المعتقلين.

ويسمي ديك مارتي 9 دول أعضاء في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا متورطة في هذه الأعمال. لكن عدد هذه المراكز في الواقع أكثر من ذلك، بكثير. فتحت قيادة رامسفلد العامة ظهرت في أمريكا مجموعة من " رجال السوبرمان ممن لا يخضعون لسلطان" ويستطيعون فعل ما يحلو لهم دون حسيب أو رقيب.

إن ظهور " المتحكمين السريين بمصائر الناس" يستدعي الكثير من الاستفسارات والمخاوف. بما في ذلك ، في المقام الأول، ألا يتحول هؤلاء في ظل الفوضى السائدة في استخدام الوسائل لدى إدارة الجمهوريين إلى ما يشبه " الكوبوي" من الأفلام المروية عن الغرب المتوحش فيستلمون زمام الأمور بأيديهم ثم يشرعون بتفجير المنازل، واغتيال الشخصيات السياسية وقتل الديبلوماسيين ويصبحون لا فرق بينهم وبين من جهزوا للنضال ضدهم؟

نحن مع النضال الحازم ضد جميع مظاهر الإرهاب لأننا نعاني من عمليات الإرهابيين ضد رعايانا داخل البلاد وخارجها. لكننا نتفق مع الرأي القائل بوجوب إنشاء قاعدة قانونية تحدد فعلا الأنشطة غير المشروعة لأجهزة الاستخبارات الأجنبية ولو على أراضي أوروبا والأفضل في كل مكان . والأهم هنا هو أن يمارس

الرأي العام العالمي ضغوطا أخلاقية على إدارة بوش بهدف إعادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى مواقع مراعاة القانون الدولي. ذلك أن الإدارة الأمريكية الحالية ، وسواء في الساحة الدولية أم في الحياة الداخلية في أمريكا، تنحدر باستمرار باتجاه اللاشرعية.

وتبنى في روسيا مجلس الدوما الروسي في القراءة الثالثة والأخيرة القانون الذي يتيح للرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة والأجهزة الخاصة الروسية لأغراض مكافحة الإرهاب الدولي خارج حدود روسيا.

وصوت لصالح القانون 429 نائبا (تبني القانون يتطلب 226 صوتا فقط).

وقد أعد مشروع هذا القانون بمناسبة مصادقة روسيا على معاهدة مجلس أوروبا حول درء الإرهاب، والقانون الذي تبناه مجلس الدوما حول التصدي للإرهاب.

وقد نشأت ضرورة تبني مثل هذا القانون بعد أن أمر الرئيس فلاديمير بوتين الأجهزة الخاصة بالعثور على المجرمين الذين قتلوا موظفي السفارة الروسية في العراق وتصفيتهم.

ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ضرورة إيجاد من قتلوا خمسة دبلوماسيين روس في العراق. وقال منتسبون إلى الأجهزة الخاصة الروسية إن هذا مهمة صعبة جدا وباهظة التكاليف ولكن تنفيذها أمر ممكن.

ويوكل بمهام من هذا النوع إلى وحدة خاصة أنشأها جهاز الاستخبارات الخارجية في عام 1998 باسم "زاسلون" . وتضم الوحدة نحو 300 شخص. ولا تحيط هذه الوحدة الأجهزة الخاصة الروسية الأخرى علما بخططها، ويمكن ألا تعلن عن نتائج العملية الخاصة حتى إذا كانت ناجحة.

والمطلوب أولا، حتى يتسنى تنفيذ العملية الخاصة، إيجاد القتلة. ويعتقد السفير الروسي في العراق فلاديمير تشاموف ورئيس رابطة رجال الأمن القدامى سيرغي غونتشاروف بأن قتلة الدبلوماسيين الروس كانوا قد رحلوا من العراق.

ولا يستبعد الباحث اوليغ ياكوبوف أن يكون مدبرو ومنفذو العملية الإرهابية يرتبطون بالحركة الشيشانية.

وهناك من يرى ضرورة البحث عن جذور الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول سيرغي غونتشاروف إنه يعتقد بأن مسلمين لم يتورطوا في حادث خطف الرعايا الروس وإنه يظن أن هذا الحادث يصب في مصلحة الأمريكيين لأن هذه العملية الإرهابية يمكن أن تدق إسفينا في العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي وهو ما تصبو الولايات المتحدة إلى تحقيقه.

ووعد مدير جهاز أمن روسيا الاتحادية نيقولاي باتروشيف برصد جائزة مالية قيمتها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن الإرهابيين. ويظن اوليغ ياكوبوف أن الأمر سيتطلب مئات ملايين الدولارات.

ويرى غالبية الخبراء ضرورة أن تدخل الأجهزة الخاصة الروسية في تعاون مع بلدان العالم العربي. ويقول اوليغ ياكوبوف: لم يعد العالم الإسلامي يصف الإرهابيين بالمجاهدين.

ولم يكن مصادفة أن يعلن فلاديمير بوتين قراره بالبحث عن القتلة في اجتماعه مع المسؤول السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود. وقال الرئيس الروسي إن روسيا ستكون ممتنة لجميع أصدقائها الذين سيدلون بمعلومات عن المجرمين الذين قتلوا "مواطنينا في العراق". ومن حكم المؤكد أنه لم يمكن للرئيس الروسي أن يقول هذا لو لم يعد الضيف السعودي من أصدقاء روسيا.

#محمد_النعماني (هاشتاغ)       Mohammed__Al_Nommany#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات