|
طقوسُ الثقافة التّذْكارية في كرة القدم الأوروبية
بوناب كمال
الحوار المتمدن-العدد: 6689 - 2020 / 9 / 27 - 19:16
المحور:
عالم الرياضة
للوهلةِ الأولى؛ يبدو أنّ الرياضة والموت جزءانِ من عوالمٍ لا تلتقي، فلا مكان للموت في المسابقات الرياضية، لأنّ الرياضة شكلٌ من أشكال التعبير عن كثافة الحيوية الجسدية والمرح وتحسينِ الحياة، وإذا اقترنتِ الملاعب وصالات الألعاب الرياضية بالموت فإنّ ذلك يكون إمّا حالةَ نُزوعٍ لخيالٍ فنّي أو استثناءاتٍ غير عادية، مثل إعدام جُناة النازية في الصالة الرياضية لـ نورمبرغ أو قتلِ معارضي نظام الدكتاتور بينوشيه في الملاعب؛ أو مشانقَ نصّبتها المحاكم الثورية ،بقيادة أيقونة الثورة تشي جيفارا، للخاسرين والمنشقين في قصرٍ رياضي تمّ تشييده من طرف دكتاتور كوبا السابق فولجنسيو باتيستا. مثل ما تجذبُ طقوس الحداد الجماعي انتباهَ وسائل الإعلام وباحثي العلوم الاجتماعية، فإنّ الأحداث الكارثية في الملاعب تسترعي بدورها اهتمامَ هؤلاء؛ ولا أدلّ على ذلك من المآسي التي وقعت في إبروكس بارك (غلاسكو) وملعب هيلزبره (شيفيلد) وملعب هيسل (بروكسل)؛ ناهيك عن مآسي أخرى مؤثّرة مثل تحطم طائرة مانشستر يونايتد في ميونيخ سنة 1958 وكارثة سوبرغا الجوية التي قضتْ على فريق تورينو الأسطوري 4 ماي 1949؛ هكذا شرعتْ ثقافة التّذكار والنّصب التذكارية في فرضِ نفسها على ثقافة كرة القدم في أوروبا، وأصبحت جزءا من الحياة الاجتماعية داخل أندية كرة القدم. طقوسُ الذاكرة تشملُ ممارسات الذاكرة في أندية كرة القدم الأوروبية نصْبَ لوحاتٍ تذكارية في الملاعب الرياضية، ونشرَ قوائمَ أسماء شرف مع سِيرٍ ذاتية لمُنتسبينَ توفّوا في الحرب، إضافة إلى إعلاناتِ نعْيٍ في المجلّات؛ وتماثيل ومقالاتِ مُعجبين ورموز روحية تُعرضُ في المزاد؛ وحتى القُمصان يمكن أن تُعبّر عن تخليد الذكرى، فعلى سبيل المثال طُرّزتْ قمصان فريق Scottish Heart of Midlothian FC بأسماء اللاعبين الذين قضوْا في الحرب العالمية الأولى؛ وعلى جدول الأعمال في بداية السنة تُبرمجُ دقائق الصمت، ويبرزُ في خضمّ ذلك جدالٌ ،أو سوء فهمٍ، بين بريطانيا وإيطاليا، حين يَستبدلُ المشجعون الإيطاليون دقيقة الصمت بدقيقةٍ من التّصفيق. الشّرف والشّهرة في غرّة أكتوبر 2006؛ وبحضور أكثر من 2500 مشجّع، دُفن رماد ملك ملعب ستامفورد بريدج بيتر أوسجود تحت نقطة ضربة الجزاء، هتفت الحشود Osgood is good. Osggod is good ؛ وارتفعَ رقم قميص أوسجود في سماء لندن؛ لم تهدفْ هذه الاحتفالات إلى تذكّر لاعبٍ متوفّى فحسب، بل اعتنتْ بإقرارِ المجد والشرف الذي يحظى به نادي تشيلسي؛ تُحافظ "قاعات المشاهير" على الذاكرة وتخلّدُ لاعبين استثنائيين، ومتحفُ مشاهير كرة القدم الإنجليزية في مانشستر أصبح مكّةً لشغوفي اللعبة؛ وحصلَ أن حدث خلاف بين إدارة المتحف ونجل أسطورة إيفرتون تومي لاوتون بشأن من له حقّ حيازة جرّة اللاعب الأسطورة. إدانةُ الذّاكرة بين عاميْ 1933 و 1945 ألغتِ النازية إنجازات الرياضيين اليهود من الذاكرة الجماعية، وحذفت سجلاتهم ووثائقهم من أندية كرة القدم؛ ومنذ سنة 2005 أُجريت عديدٌ من الدراسات التاريخية بخصوص تاريخ الأندية الألمانية خلال فترة الاشتراكية القومية، وتشملُ فصولا مخصّصة لمصير الرياضيين اليهود الذين وقعوا ضحيةً للسياسة العنصرية النازية؛ وبالمثل تعرّضت النساء غير البيض للاستبعاد من قائمة المشاهير في الرياضة الأمريكية؛ وفي هذا دلالةٌ على أنّ الذاكرة الاجتماعية انتقائية ومنحازة من حيث المعايير الاجتماعية والثقافية، ما يجعلها خاضعةً على الدوام للمراجعة. معضلة رماد الآباء منذ الثمانينات؛ عرفت المملكة المتحدة تعايشًا غريبا بين المقبرة وملعب كرة القدم، أيْ استخدام الملاعب الرياضية كحقولٍ لنثرِ الرماد أو حدائق لدفن الجِرار؛ ومع ذلك فإن العديد من الأندية أبدتْ خشيتها من مخاطر هذا التقليد على صحة اللاعبين أو سلامة العُشب؛ لذلك أصرّت بعض إدارات الفِرق على بَعْثرةِ الرماد أو دفنه بجوار الملعب؛ أما نادي مانشستر سيتي فقد اختار إنشاء حديقة تذكارية خارج ملعب الاتحاد؛ أنديةٌ أخرى ،مثل برمنغهام سيتي وَ ديربي كاونتي أف سي، أبرمت اتفاقيات مع الجمعية التعاونية ميدلانز لتنظيم "جنازات كرة قدم"، أين يكون في مقدور أقارب المشجعين المتوفّين شراء توابيت مزيّنة بشارات النادي؛ ويبدو أنّ المدافن في ملعب لابومبونيرا بـ بيونس آيرس قد أصبحت متكررة ومكلفةً لدرجة تدهور حالة عُشب الملعب، لذلك قرّر مجلس إدارة النادي تأسيس مقبرة بوكا جونيورز جنوب عاصمة الأرجنتين، وبينما تمّت ،فعلا، إعادة دفن العديد من نجوم الفريق في المقبرة الجديدة، استمرّت جرارُ المعجبين المتوفّين في الوصول إلى المقبرة من القارات الخمس. بتصرّفٍ عن: Wolfram Pyta & Nils Havemann (Ed) : European Football and Collective Memory, Palgrave MacMillan, 2015.
#بوناب_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التّيارُ السّائدُ في العلاقات الدولية وَالتّعامي عن العُنصري
...
-
وهمُ الأيديولوجيا: المنافسةُ الأمريكية ل الصين لا ترتبط بالع
...
-
أغاني المهرجانات في مصر والوعيُ الطّبقي المُسْتَتِر
-
النيوليبرالية والتّطْبيعُ مع العنف
-
رعايةٌ صحّية بلا حدود: كوبا والأممية الطبّية
-
تَعريفٌ بمُبادرةِ الحِزام والطّريق
-
تطوّر دراسات السياسة الخارجية في البرازيل
-
الشّعبويات غيْر الغربية: الفلبين نموذجًا
-
معهدُ نيجيريا للشّؤون الدّولية مُجمّعُ تفكيرٍ في السياسة ال
...
-
دور الموسيقي في بناء السّلام أوغندا نموذجًا
-
ضدّ المنهج السّقراطي في التّعليم
-
مراجعة كتاب: -قدّيسو التقدّم: تاريخ البنّ، الهجرة والهوية ال
...
-
عودة يوم القيامة: سباق الأسلحة النووي الجديد، وكيف يمكن ل وا
...
-
أدعوك للتعرّف على فريديريك نيتشه الجزء الأول
-
السياسة الخارجية النّسوية (مجلة فورين بوليسي) ترجمة : بوناب
...
-
مفهوم الهوية وتطورها في الحضارات القديمة
-
العالم يريدك أن تفكر كواقعي (ستيفن والت) ترجمة: د. بوناب كما
...
-
أسطورة المنهج في علم السياسة: الجزائر نموذجا
-
وهم السيادة
-
أفكار من مقدمة كتاب - مأساة سياسات القوى العظمى - ل جون ميرش
...
المزيد.....
-
هل ينتقل رونالدو إلى فنربخشة؟.. مورينيو يرد بسخرية
-
للمرة الرابعة.. ماكس فيرستابن يتوج ببطولة العالم لـ-فورمولا
...
-
شاهد.. حالة تحكيمية غريبة في الدوري الإسباني
-
لماذا يقاضي أشهر طبيب تجميل بريطاني رونالدو؟
-
هالاند يواجه عقوبة السجن في سويسرا ليوم واحد.. لهذا البسبب!
...
-
بعد الطلاق.. واندا تطلب مبلغا -خرافيا- من إيكاردي
-
ليفربول ضيفا ثقيلا على ساوثهامبتون.. التشكيلة والقنوات الناق
...
-
البطاقات الملونة تؤرق أنشيلوتي قبل مرحلة حساسة لريال مدريد
-
لأهم المباريات المنتظرة.. تردد قناة الكأس الرياضية alkass sp
...
-
ريال مدريد يكشف عن بديل كارلو أنشيلوتي
المزيد.....
-
مقدمة كتاب تاريخ شعبي لكرة القدم
/ ميكايل كوريا
-
العربي بن مبارك أول من حمل لقب الجوهرة السوداء
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|