أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرازق أحمد الشاعر - ضمير بين فردتي حذاء














المزيد.....

ضمير بين فردتي حذاء


عبد الرازق أحمد الشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 6689 - 2020 / 9 / 27 - 01:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كان يوما مرهقا للغاية، استقبل فيه إريك عشرة وفود من دول مختلفة، ولم يستطع أن يأخذ قسطا من الراحة إلا في غرفة الحمام الملحقة بمكتبه. ولما انتهى دوام صاحبنا الصباحي، كان ظهره ينز عرقا ورائحة إبطيه لا تطاق. ركب إريك سيارته الفارهة وشغل المكيف واستمع إلى موسيقاه المحببة، لكنه قبل أن يستغرق في ذكرياته الوردية، تعطل محرك السيارة فجأة، فتحولت إلى كهف مهجور يتوسط المسافة بين المكتب والمنزل.
ولأن رجل الأعمال الوسيم لم يجد فراغا ذات يوم ليتعلم ميكانيكا السيارات، فقد وجد أن أسلم طريقة لتجنب المزيد من المتاعب أن يشير بيمناه إلى أي حافلة عابرة. بعد خمس عشرة دقيقة من انتظار ممض، توقفت حافلة على جانب الطريق، حشر فيها إريك جسده المنهك، ليجد نفسه وسط كوكتيل من الروائح العطنة. استطاع إريك أن يجلس بعد عشر دقائق من التمايل والتشبث. حرك صاحبنا ساقيه ليحجز ما استطاع من فراغ، وحرك قدميه في الحذاء ليسمح للدم بالتدفق إلى أصابعه. وفجأة، تحركت محفظة جلدية بين فردتي الحذاء، فانحنى رجل الأعمال في غفلة من جاره السمين، والتقط المحفظة ودسها في جيبه الأيسر.
كان أول شيء فعله إريك بعد عودته إلى منزله أن أخرج المحفظة، وقلب أوراقها النقدية. لم يكن مبلغ الألف دولار المحشور داخل المحفظة يعني الكثير بالنسبه له، لكن وجود بطاقة هوية لم يكن سببا مقنعا لإعادة المبلغ إلى صاحبه. حشر إريك الأوراق العشرة في محفظته، وألقى المحفظة بهويتها داخل خزانة ملابسه، ومارس قيلولته كالمعتاد دون ذرة تأنيب واحدة.
وبعد أن تناول قسطا كافيا من النوم، طلب خادمه ليعهد إليه بالذهاب إلى أقرب مرآب للسيارات لاصطحاب ميكانيكي لإصلاح سيارته. لكنه الدهشة عقدت لسانه حين دخل عليه الخادم وفي يده ورقة من فئة المئة دولار يمدها إليه: "وجدت هذا المبلغ عند مدخل البيت يا سيدي، وأحسب أنه سقط منك هناك." لم يدر صاحبنا أيأخذ الورقة التي ليست له من خادم ربما يحتاجها أكثر منه ومن صاحبها، أم يتركها لزنجي فقير لم يبرر له فقره المدقع أن يمد يده إلى مال ليس له.
كان أول شيء فعله صاحبنا بعد عودة سيارته سالمة أمام منزله، أن التقط بثبات تلك المحفظة الجلدية من بين طيات ثيابه، ليقرأ تفاصيل عنوان صاحبها.
بعد نصف ساعة من القيادة المتهورة، وصل إريك إلى بيت صاحب البطاقة، وأعطاه المبلغ كاملا غير منقوص. فلما أراد الرجل أن يشكره، نظر إليه بعينين مذنبتين وكأنه يتوسل منه الصفح قائلا: "لا تشكرني، بل اشكر خادمي."
لم يكتف إريك يوما بالسيارة والنزل الفاره في أرقى ضواحي المدينة، ولم يقنع أبدا بوظيفته ولا بدخله ولا بحسابه البنكي الذي كان يتضخم كل شهر. لم يقتنع إريك يوما بأنه غني رغم امتلاكه لأصول عقارية بملايين الدولارات وأسهم في البورصة بمئات الآلاف، لهذا لم يجد غضاضة في دس ألف دولار ليست له في محفظته المكتظة بالبنكنوت دون أن يفكر بالبحث عن صاحبها.
أما الخادم، فلم يكدره سواد بشرته وخلو بيته من الفاكهة الطازجة طوال الأسبوع، ولم يزعجه عدم تناول أبنائه للحوم ولو مرة كل شهر. ولم يخمن يوما محتويات حقيبة سيدة الجلدية الثقيلة، أو يلتفت إلى الأكياس الملونة التي كان يحملها من السيارة إلى الثلاجة كل يوم. ولم يحلم يوما بسيارة أو بدراجة، فقط كان يحمد الله على الكفاف الذي يحميه من السرقة والعوز. ورغم أنه لم يكن في جيبه أو في حقيبة زوجته وسترات أبنائه جميعا مبلغا كبيرا كهذا، إلا أن فقره لم يقنعه بأحقيته في الاستيلاء على ورقة نقدية سقطت من جيب سيدة عند المدخل دون أن يدري بفقدها.
لم تكن الحاجة إلى المال هي الدافع لأن يستحل إريك مال غيره، ولم يكن خوفه على مستقبل أبنائه مبررا للاستياء على عشر ورقات من فئة المئة دولار سقطت ذات غفلة بين فردتي حذائه. لكن افتقاره إلى الأمان النفسي، والرغبة في إشباع طموحات لا تحدها سماء، والسعار غير المبرر نحو القمة، والاندفاع الأعمى نحو الثراء دونما اعتبار لحل أو حرمة دافعا نفسيا خسيسا لسارق غير مضطر.
أما الخادم، الذي عصم نفسه خطيئة المقارنة بغيره، والتمرد على قضاء الرب، والرضا بالنصيب وإن قل، فقد كان أهنأ نفسا وأرقى سلوكا. ولهذا، لم يسوغ لنفسه ارتكاب خطيئة السرقة، ولم يهون على نفسه وسائل الكسب الحرام متذرعا
بالظروف والغلاء وارتفاع الأسعار.
لا تحاول أيها القارئ العزيز أن تمد عينيك إلى حليلة جارك لأن زوجتك ليست جميلة كما ينبغي، أو لأنها غير ممشوقة القوام كغيرها. لا تبرر إهمالك لعملك بمعاذير الراتب والغلاء، ولا تضع في جيبك أموالا وضعها صاحب مصلحة في درج مكتبك نصف المفتوح لأنك تريد أن تشتري لحما لأطفالك أو ثوبا لزوجتك. لا تكن كإريك مهما ضاقت بك الحال، أو قست عليك الظروف. فالسرقة سرقة وإن وضعتها الظروف بين حافتي حذائك وأنت تركب حافلة الحياة مع أشخاص لا تعلم عنهم شيئا، فلربما يعانون أشد مما تعاني، لكنهم لا يقبلون أن يضعوا في جيوبهم أوراق الآخرين الخضراء مهما كانت حاجتهم إليها.
[email protected]



#عبد_الرازق_أحمد_الشاعر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزيزي القارئ، هل أنت عنصري؟
- سلام دي جانيرو
- وداعا بتول .. قصة لم تكتمل
- أطفال الرب
- صفارات الإنذار


المزيد.....




- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرازق أحمد الشاعر - ضمير بين فردتي حذاء