نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 1603 - 2006 / 7 / 6 - 09:49
المحور:
المجتمع المدني
( صفحات من اوراقي الخاصة )
من الشعر العربي :
( عايرتني بالشيب وهو وقار / ليتها عايرتني بما هو عار )
عجبت لمن يبحث عن السيئات بالمجهر ويعايرني بها , وظنه ان قيام الساعه آذنت على المجيء , وسيلقى نبيل عودة الى نار جهنم , لكفره بما يخربشه أدباء الغفلة- وللسانه الساخر غير المتردد , ولولا الحياء لرددتت قول المتنبي :
( أفي كل يوم تحت ضبني شويعر / ضعيف يقاويني , قصير يطاول )
ولكني لست المتنبي فارس حلبة الشعر في زمانه , ما انا الا حداد في مهنتي وهاو للثقافه في اعماق نفسي , يحب الصدق ويحب الابداع الحقيقي , ولا يستطيع زجر لسانه عن التافهين ابداعاً وفكراً .
حتى اني لست ناقداً الا بالمفهوم المجازي , حملت قلم النقد لتغطية اصدارات الادباء الشباب بالاساس , الذين تجاهلهم نقادنا المحليين في وقته , للكتابة عن الادباء البارزين .. مما "يرفع اسهمهم " . ووجدت نفسي اتورط واحمل السلم بالعرض لمن يظنون انفسهم في قمة الابداع الادبي او قمة النقد ... وهم غلاظ الفكر وغلاظ النفوس . ما ينشده نبيل عودة ان يرى من جديد حركة ثقافية عربية (محلية في اسرائيل) تعيد للأدب مكانته في الوعي الجماهيري , وفي تغليب انتماءنا الوطني على كل انتماء أخر , خاصة في هذا الوقت العصيب الذي اصبح فيه الانتماء مشوهاً , والموازين تخضع للعقل الطائفي الضيق , والناس نوعان لا ثالث لهما : اما اهل الجنة او اهل النار , فكيف اصمت على من يرى بالادب تسالي وتباهي ,"او قطعة لذيذة من الحلوى" , على حد تعبير من تعابير مارون عبود الذكية ... وكأنه يرى ما يحدث في ادبنا اليوم ...
فوجئت ان بعض " المحرضين" يرسلون لمواقع الانترنت تعليقات تتعلق بأخطاء لغوية " اكتشفوها " في نصوصي , وتساءل احدهم : هل هذا ناقد؟
وقال اخر : أي كاتب هذا الذي يخطيء في القواعد ؟ وتمشقوا سيوفهم اللغوية وتقدموا الطابور مثل الجنرالات العرب , ليس في الحرب , انما في الاستعراضات التي لا تطلق فيها حتى "فشكة" واحدة .
احد "الفطاحل" اشعلها معي حرباً هوجاء , ولانه فطحل لم يجد في جعبته الا ما يملكه من تعابير سوقية فأمطرها علي , فأضحكني من المسخرة التي صنعها لنفسه , وحتى في حديثه عن شطارته النقدية ونظرياته لم اجد الا خنفشارية في الفهم وخنفشارية في النقد وخنفشارية في الابداع.
ان ما نعانيه في ادبنا عامة , وخاصة في شعرنا المحلي , ليس مجرد أزمة ادبية , بل اكثر من ذلك , تسيب مطلق وسيطرة جارفة للتعابير فاقدة اللون والمعنى .. وجملا من الصعب استيعابها , من الممكن تغيير ترتيب كلماتها , او قراءتها من الشمال الى اليمين .. دون ان يتغير المعنى , لان المعنى اصلاً غائب من ذهن الشاعر , وهو يعتمد على " الصديق الناقد" ليفسر ما لا يفهمه صاحب الشعر , فكثرت الاهداءات وكثر الاصدقاء "النقاد !!" فآية غذاء روحي في هذه النصوص الفارغة من اللغة والمضمون ؟ واشبه بالصحراء القاحلة ... والتي لا تجسد كلماتها اي معنى او ايحاء لصورة ما .. حتى لو قام الناقد المحترم بالرقص حول نصوصها كما يرقص الهنود الحمر حول النار ( وما اكثرهم في ثقافتنا ) وأرغى وأزبد وادعى ليفسر ويشرح .. فلن يحول الصحراء الى جنة خضراء.. !! ويجيء متثاقفون ليحولوا اللغة الى دين يعبد ,ونصوص مجردة من الفكر ومن المنطق اللغوي البسيط , متجاهلين ان الابداع ليس قواعد اللغة , انما القدرة على الخلق , القدرة على التواصل مع القارىء وطرح همومه واحلامه بالمستقبل , والقدرة على التصدي للسلبيات والالتزام بالحقيقة ورفض التضليل ... استطيع ببساطة ان ادفع نصوصي لزملاء متمكنين من قواعد اللغة .. ولكني لا اظن ان هذا سيضيف لنصوصي ولمواقفي الفكرية شيئا جديدا .. هذا من جهة ... أما من الجهة الأخرى فالعار الثقافي والفكري متاح , والدجل السياسي الذي يمارسه قادة "القبائل الحزبية" .. والتهريج القومي الأخرق , وسباق "الماراتون" على الشعارات التي لا ترجمة بالواقع المعاش لها .. فهذا كله متاح ... وتنشره صحافتنا المحترمة ( الساقطة صحفيا ) بلا تردد , وتضفي على اصحاب النصوص القابا فخمة , ولا اعتراض عليه , ولتذهب الثقافة والسياسة العقلانية والوطنية الحقة الى الجحيم .. اما خطأ قواعد فيستنهض همم الفصحاء التافهين ادباً ونقداً وفكرا ... ويا ليتهم ينهضون لانقاذ مجتمعنا من المهرجين وتجار السياسة .. الملتصقين التصاقا سياميا مع انظمة الفساد العربي ...
حقاً نبيل عودة ليس نحوياً وغير ملم بالقواعد في مستوى الفطاحل , ولا يخطط لمنافسة سيبوية او حتى ايتامه في ثقافتنا.
لغتي يا سادة هي لغة تعتمد على السماع , واجهل اعراب حتى جملة واحدة بسيطة .
لا انكر اني "احسدهم" على قدراتهم في النحو والصرف واتمنى ان امتلك ناصية هذا الجحش الذي يتمرد كلما حاولت امتطائه.
نبيل عودة حافظ على لسانه العربي وطور قدراته اللغوية .. بجهوده الخاصة . في المدرسة الابتدائية كان نصيبي مع معلم لا يلم بالقواعد والنحو والصرف , ويعجز من شرح واضح للمادة الدراسية , وكان التعليم بالنسبة له تمضية للوقت , وهذا نموذج للمعلمين الذي كان من المفروض ان ينشئوا جيلاً امياً بلغته وثقافته تمشياً مع العدمية القومية التي حاولت اسرائيل فرضها علينا . وفي المرحلة الابتدائية الاخيرة وبداية المرحلة الثانوية , وقعنا على معلمين من نوع اخر , انقذوا ما يمكن انقاذه , وادخلونا لسحر تراثنا العربي وادبنا , ليس حسب المنهاج الممل وقتها , انما بالحث على المطبوعات النادرة التي كانت تتسرب لمكتباتنا ... ثم انتقلت لمدسة ثانوية تدرس باللغة العبرية .
في بداية الستينات من القرن الماضي , حدثت طفرة هامة في الطباعة والنشر , كسرت حواجز التجهيل والقطيعة الثقافية مع العالم العربي , وكشفت امامنا كنوزاً ادبية .... وبالطبع من المستحيل تجاهل دور مجلة " الجديد " وبقية صحافة الحزب الشيوعي " الاتحاد " ( التي تعلمت القراءة على صفحاتها وانا في الصف الثالث ) و "الغد" في التثقيف الادبي والوطني الى جانب رسالة هذه الصحف السياسية والفكرية والثقافية . ولا بد من الاشارة الى المهرجانات الشعرية والسياسية والثقافية التي نظمها الشيوعيون , في الناصرة وكفر ياسيف والعديد من المدن والقرى العربية . , وكانت زاداً ثورياً يلهب الجماهير ويرص صفوفها ويزيدها عنفواناً في مواجهة سياسة التجهيل القومي والاضطهاد ... وللأسف حلت الشيخوخة المبكرة على هذا النهج بعد غياب فرسانه الاوائل , ثم التغييب المبرمج للمثقفين والمفكرين والذي صار نهجاً حزبياً وثقافياً , كان تأثيره أشبه بالانتحار الذاتي على طريقة "الخاراكيري " اليابانية ,ورافق ذلك انتشار ملامح مدمرة من عبادة الفرد , كان من نتائجها تدمير اهم قوة سياسية للعرب في اسرائيل , واعني الحزب الشيوعي ( والجبهة ) صاحب التاريخ المجيد في مسيرة العرب في اسرائيل وصيرورتهم ... وتحول اليوم الى مجرد حزب آخر يجتر نفسه وتمزقه الصراعات الشخصية , فخلت الساحة الحزبية من المثقفين المبدعين ومن المفكرين السياسين البارزين , ومن النشاط الثقافي والفكري التنويري والسياسي . واصبح رجل دين نصف امي يجمع حوله اضعاف ما يستطيع اي حزب وطني او يساري ان يجمعه في اجتماع ما ... واصبحت مقاهي الارجيلة علامة مميزة , بعد ان كانت نوادي الشبيبة الشيوعية والنوادي الثقافية المحلية لا تتسع لالاف الشباب والطلاب في برامج ثقافية وسياسية وفكرية . واصبحت التفاهة والتصحر الفكري هي الميزة السائدة عند معظم الاجيال الناشئة ... وصار همنا الاساسي ايصال عضو او اكثر للكنيست (البرلمان الاسرائيلي) وبدأت عضوية الكنيست تتحول الى مكسب شخصي وليس الى مهمة ( تكليف ) من الحزب , ويجري الصراع حولها داخل الاحزاب لانها ضمان لدخل مرتفع ولشروط اجتماعية ممتازة ولتقاعد هنيء... واصبحت الموضوع الحاسم في اهتمامات اعضاء الاحزاب العربية في اسرائيل . وبالطبع يجب الا ننسى ان منصة الكنيست والحصانة البرلمانية هي من الضروريات من اجل "التهريج" الوطني .. اي الادعاء القومجي الفارغ من المضمون .. واستغلال حرية التجول في دول "الاشقاء" العرب وبيع الأنظمة فرامانات الثورية والوطنية - ليس بلا مقابل مادي ... والدفاع عن فساد الانظمة وبطشها بالمثقفين والقوى الدمقراطية .. ويا ليت اؤلئك المناضلين الأبطال امثال رياض ترك وعارف دليلة ومأمون الحمصي وميشيل كيلو وزملاءهم يتمتعون بعشر الدمقراطية التي يتمتع بها المهرجون في القدس وتل ابيب والناصرة وحيفا . وبنفس الوقت وقف التواصل مع القوى الوطنية والدمقراطية العربية ومناصبتها العداء . وكيف لي ان اكون حياديا في هذا الجو السياسي الخانق والفاسد ؟ حتى مهرجانات التضامن والدعم لا تنظم للدفاع عن القوى الدمقراطية في الدول العربية ومع المثقفين الذين يتعرضون للبلطجة السلطوية ( سوريا نموذجا ) انما مهرجانات - تهريج – للتضامن مع انظمة شرشوحة بلا مؤسسات وبلا حقوق مدنية للمواطنين ..
حقاً لم اجد الوقت الكافي لاركب جحش القواعد واتقن سياسته , فانا يا سادة , ايتام سيبوية الغليظي العقل , لم يقع من نصيبي ان اكون من اصحاب الوظائف المريحة , كالتعليم مثلاً او العمل الثقافي والتنويري في الصحافة , او العمل المكتبي المريح .
في زمني كان الحاكم العسكري الاسرائيلي ونظام الحكم العسكري على العرب في اسرائيل , يتحكم بالوظائف المختلفة , وكنت عائداً من دراستي السياسية في الاتحاد السوفياتي (1970) ووجدت نفسي آخذ تحدياً مصيريا واذهب للعمل في الصناعة , كحداد , المهنة التي قضيت فيها اكثر من 35 سنة , ووصلت فيها الى مرتبة مدير عمل ومدير انتاج في اكبر المصانع واهمها في اسرائيل .. رغم ان اقرب الناس لي يظنون حتى اليوم اني اعمل بالصحافة واعتاش منها . وكنت قد نفذت مشروعا لبناء مصنع بتروكمياوي في ايران في زمن الشاه (1977 -1978) وبعدها كانت لي فرصة للعمل كمدرب مهني في مدرسة صناعية , مما يعطيني المجال للعمل الثقافي والابداعي الواسع , ولكن بلدية الناصرة الجبهوية اختارت قريب لرئيس البلدية , حسب اوامر الرئيس ..رغم انف اللجنة , وكانت تلك اولى العلامات لغياب القيم والمصداقية والمنافسة الشريفة , لدى الجيل "الجديد" من القيادات " الثورية" ... ولم اعترض وقبلت الواقع المعيب , ولكن ما توقعته وقتها , ويؤلمني ان اقول اليوم انه يتحقق بالكامل ... سقوط الفكر وسقوط السياسة (بمفهومهاالحزبي ) وسقوط الثقافة , وسقوط القيم الوطنية , وتحولت الشعارات الى اداة من الدعاية الفارغة الفظة والى البرنامج الاساسي في احزابنا وتنظيماتنا " الوطنية ". وسرعان ما برزت سيطرة الشخصانية والفساد وغياب المحاسبة والرقابة , واصبح الدجل القومي والسياسي بضاعة رائجة , والتعامل مع انظمة الفساد العربي قمة الوطنية , فخضت معاركي النقدية الثقافية والفكرية والسياسيه العنيفه... وواصلت ممارسة مهنتي في الحدادة حتى اليوم ... مع فترة استراحة امتدت من عام 2000 حتى عام 2003 , حيث (كمصاب بالعمل ) عملت بتحرير صحيفة نصف اسبوعية ( ثم 3 مرات كل اسبوع ) كنائب لرئيس التحرير , وكانت تلك مدرستي الصحفية الهامة , ومدرستي لتطوير الفكر والوعي الشخصي , خاصة بالعمل مع ابرز صحفي ومفكر في المجتمع العربي داخل اسرائيل , رئيس التحرير الكاتب والشاعر والمفكر الممتاز والصحفي البارز سالم جبران , ثم فصلت مع رئيس التحرير من العمل في الصحيفة التي نجحنا بتحويلها الى صوت وسوط سياسي واجتماعي وثقافي غير مهادن ... فانهالت الضغوط من "اليسار" ومن المتزمتين دينياً على صاحب الجريدة ليتخلص من الكافرين ... نبيل عودة وسالم جبران , وقبرت تلك التجربة المميزة في الصحافة العربية في اسرائيل , رغم انها تركت اثارا ايجابية لا يمكن تجاهلها !!
اهتماماتي الثقافية والابداعية والصحفية لم تتوقف خلال مسيرتي الحياتيه , وكثيراً ما انجزت مقالاتي وقصصي ومقاطع من رواياتي وانا تحت ضغط العمل في المصانع ( وهذا المقال احدها ) فهل يتوقع ايتام سيبوية ان اعطي للتقعر اللغوي اهمية في كتاباتي , في زمن الكتابة اعطي للفكر والمنطق واسلوب الكتابة والوضوح في الطرح كل جهدي واهتمامي , واعطي للمواقف والهموم الاجتماعية والسياسية كل طاقاتي وتفكيري .. واكاد افتقد لاوقات الفراغ !!
حقا انتم لا تخطئون في القواعد... ولكنكم بلا ابداع حقيقي , وبلا فهم حتى لمتطلبات اللغة في النصوص المختلفة .. وبدون فكر ثقافي تنويري وانتم عاجزون عن فهم اعماق اللغة العربية , والقدرات التعبيرية المذهلة في كلماتها وصياغاتها , وما تختزنه هذه اللغة من طاقات سحرية , وافاق حدودها السماء .
والمضحك ان المتفاخرين والشاتمين ينسون ان ابداعاتهم لا تتعدى كونها عظام رميمة لا روح فيها وما فعله نبيل عودة هو تجروئه على اقلاق راحة النائمين ذوي الشخير المرتفع الذي يلصقوه عنوة بالأدب والنقد.
فارقدوا بسلام ما شئتم...
ان كشف عيوب تفكيركم وتهريجكم الثقافي والسياسي والاجتماعي , ليس حسداً ولا كرهاً لكم وانما لتصويب الناشئين من شرها , وخاصة ما تقومون به من جعل المؤلفات السخيفة ابداعاً جديراً ... وما اصدق مارون عبود عندما قال : " اولى واجباتنا ان نكش الذباب الجاثم على موائد الادب فمنظره يطرد الشهوة ". صدق ... !
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟