عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1603 - 2006 / 7 / 6 - 09:51
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
سأحدثكم عن حادثة طريفة حدثت معي في دمشق, في مطلع الثمانينات إذ كنت برفقة مجموعة من الكتاب والأدباء العراقيين والسوريين , حيث كنا نجلس في مقهى الروضة بدمشق , ومقهى الروضة هذا يؤمّه الأدباء اللذين يتقاطرون إلى دمشق من المحافظات , وكذلك الأدباء والكتاب اللذين يتواجدون في دمشق , وبينما نحن جالسون وإذ بأحد الكتاب السوريين يقول لي أن الأديب ( فلان ) يريد أن يسلم عليك , فجلت بنظري وقلت أهلاً وسهلاً أين هو : قال في باب المقهى , قلت فليتفضل ووقفت شاخصاً بنظري صوب باب المقهى , قال لا إنه ينتظرك في الخارج , فهرولت إلى باب المقهى , وإذ بالأديب الكبير بالباب , ورحبت به غير مصدق أن هذا الأديب المحترم والكبير في السن وكذلك في الأدب , يأتي من مقهى الكمال بدمشق ,إلى مقهى الروضة فقط ليسلم عليّ , إذ كان يكفي أن يرسل لي أي أحد لأهرول إليه0 محترماً مكانته وقدره , فقلت له تفضل إنني أجلس مع فلان وفلان من الكتاب العراقيين والسوريين , قال لا جئت لأسلم عليك لأنني سمعت أنك قدمت إلى دمشق , وأنا سأسافر إلى اليمن غداً وأحببت أن أراك , ففرحت كثيراً لذلك , ولكن الذي آلمني هو أن هذا الكاتب الجليل, لا يدخل إلى مقهى الروضة لأن اللذين يرتادونها هم من أعدائه , وأعدا ؤه هؤلاء هم شعراء وكتاب ومفكرين أجلاء , طردهم نظام صدام حسين حينها من العراق , أو هم فروا هرباً من النظام الطاغية مثلما هرب هذا الكاتب الجليل , والمسألة لا تعدو كونها خلاف في الرأي , أو وجهات النظر التي يفترض أنها لا تفسد للود قضية , لازلت أتذكر هذه الحادثة وكأنها حدثت منذ سويعات وأنا غير مصدق هذه الحساسية بين الكتاب والأدباء على الرغم من أنها أصبحت سمة وخاصة عند الكتاب العرب , فالبعض يأتيك حاملاً دفتراً صغيراً وهو يريد أن يصبح كاتباً أو أديباً أو شاعراً هكذا ببساطة وبكل صفاقة , أما أن يستعير أحدهم منك كتاباً مهم في الثقافة ويعرف أن الثقافة هي جوهر المسألة , والعلم أضحى الآن هو سيد الأمم , وأنا لا يهمني ما تكتب, حتى لو كنت كاتباً تدعي انك مهماً حيث قرأت بضع كتب وبدأت تصول وتجول على طريقة عنترة , ولا تترك الناس من شرورك , وأنت تلعب بالأوراق كما أسيادك من طغاة الحكم , اللذين علموك بعد إهانات كثيرة , هذا إذا كنت تُهان أصلاً , كيف تكتب التقارير التي تحمل كل الأذى والشرور , وإذ بك تصبح كاتباًَ , هكذا ببساطة , مثلما بياع الطماطم , أو الخيار الخ المسألة أن بعض اللذين يريدون كل شيء جاهز , فهم لا يريدون أن يتعبوا في شيء ولا يتحملوا مسؤلية شيء وهم كأناس وضعاء لا يهمهم شيء أيضاً , المهم أن يرضوا مراهقي الحي وبنات الجيران , وكأن الكتابة مجرد قميص يرتدونه لإرضاء غرورهم , إنني أريد أن أتحدث عن هذه الذهنية الغريبة عند هؤلاء الناس اللذين زاد تهم وسائل القهر في بلداننا السوداء وضاعة , ونسوا أن الحياة تتسع الجميع , لكي تكون كاتباً يفترض أن تكون أخلاقياً , وتنمحي من أعماقك ودائماً سبل الشر , وإلا فأنت تفقد جانباً مهماً من شروط إنسانيتك , عندما تتعامل مع الفكر يفترض أن تكون ديمقراطياً وتقبل بالرأي الآخر , وتحترم آراء الجميع , تصور مثلاً إن واحداً لا يعرف إلا بغلة أهله العرجاء , أي سخر نفسه ان يكون عبداً لمجموعة من المفاهيم الفكرية والسياسية , وكل من لا يتفق معه في هذه المفاهيم يلغيه من العالم , فبربكم هل هذا مشروع محبة أم مشروع كره , أنت عندما تؤسس لنفسك مشروعاً فكرياً أو سياسياً , يفترض أن يكون مشروع محبة , أي مشروع يستوعب الجميع ويعمل لخير الجميع , وإلا تحول الأمر إلى مشاريع عصابات أو أناس يجمعون بعضهم قطيعياً ليقنعوا أنفسهم أنهم قادرون على فعل شيء ويظل الفعل الوحيد الذي يقومون به هو فعل الكره , والمأساة تكمن أنهم يصدقون بعضهم بعضاً , ويظل الغير المختلف مشروع تنافر بالنسبة لهم , أنا هنا أريد أن أتحدث عن مشروع مثل مشروع الحوار المتمدن الذي استوعب الجميع , وترك الكل يدلي بدلوه في هذا الموقع الفكري الثقافي والإنساني الهام , ومن هنا يحتاج موقع الحوار المتمدن لا إلى أن نكتب فيه فقط بل أيضاً أن يتحول الكتاب المختلفين في هذا الموقع إلى كتاب متفقين على الكتابة , فلا يضير أن نتضامن مع هذا الكاتب أو ذاك , أو نقف إلى جانب هذا الكاتب أو ذاك وهذا لايعني أننا لا نختلف مع هذا الكاتب الذي نتضامن معه أو نحترمه , أي لماذا لا نجرد الكاتب كإنسان عن كتابته كمفاهيم , أم أن عمى السلطات التي عشنا تحت وطأتها جعلتنا نرى أنفسنا أننا الوحيدين اللذين نعاني وغيرنا في النعيم , أو غيرنا يفترض أن يشمله جزء من كره السلطة الذي خلقته فينا بسبب القهر , أتصور أن هذا المفهوم , أو السلوك هو منزلق خطير عند الكتاب وعلينا تصحيحه , إذ كلنا في معاناة القهر واحد , ما خلا المرتزقة ومخبري السلطات الذين يدسونه أسادهم للكتابة في جميع المواقع الإلكترونية التي بدأت تشكل خطراً عليهم وفضح دجلهم , وكلكم يعرف نماذج من هؤلاء إذ أجمل ما في الديمقراطية هو العلنية , ( عندما كتبت مقالة ملف العلمانية في الحوار المتمدن ) كانت وجهة نظر مني ليلتف كتاب الحوار المتمدن إلى بعضهم البعض ويصبح بينهم تواصلاً , ويعرفون بعضهم البعض أكثر فأكثر , ويصبح بينهم مواقف إنسانية وأخلاقية , وليس كتاب, كل واحد منهم ينشر في الموقع نفسه ويصمون آذانهم عن البعض , إذ كيف تدخل إلى مكتبة في الصباح لأخذ صحيفتك التي كتبت فيها مقالاً , وترى زملاءك اللذين كتبوا معك بالعدد نفسه , جالسين في هذا المكتب ولا تلقي عليهم التحية هكذا بكل بساطة , إذ أن مقالة الملف ليس تقديم وتأخير أحد على أحد وليس انتقاص من اللذين لا تذكر أسماؤهم أو تقليل من أهمية مقالات اللذين كتبوا لأن المسألة في الكتابة أبعد من ذلك بكثير , الديمقراطية أولاً والديمقراطية أخيراً , وأيضاً القيم السامية للكتابة واحترام الآخر شيء مهم جداً , فأنا مثلاً( لا يهمني أن أكون كاتب مقالات مهم أو غير مهم) , المهم أنني أكتب وذلك بسبب الألم والعزلة , وبسبب الموت البطيء الذي أعيش , وبسبب الابتعاد عن النفاق والدجل والروائح الكريهة, ولأنني مقتنع أن موقع الحوار المتمدن على رأسه إدراة متمدنة ديمقراطية , تريد اعطاء فرصاً من الحرية للجميع فهل يأتي زمن نبتعد عن الغرور الكاذب , والادعاء بالمفهمنة , وننتقد أنفسنا ونتخلص من عيوبنا قبل أن نوجه عقدنا إلى الآخرين , إذ أن الكتابة في هذا الزمن وخاصة عندما تعالج مسائل معقدة , مثل الديمقراطية , والعلمانية , وأشكال الحكم , والدين , تحتاج إلى دراسات فكرية وفلسفية عميقة , وهذا يتطلب مجموعة من مفكرين كبار يدرسون مناهج , موضوعية وذاتية واقتصادية للبلدان التي تعالج من أجلها هذه المسائل لكي تكون الدراسة أكثر عمقاً وإيغالاً في أعماق الظروف الذاتية والموضوعية المطروحة للمسألة نفسها , أما الباقي فيتحول إلى انطباع ذاتي عن هذه المسألة موضع الحوار وليعرف أن ليس كل من عاد إلى الكاتب الفلاني أو الفيلسوف العلاني أصبح كاتباً ومفكراً مهماً لأنه يا صاحبي ليس هكذا تورد الأيل , فلنتعلم أولاً كيف نفكر بشكل حر وديمقراطي ولنحترم أراء الغير 0 أنها دعوة محبة ,
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟