أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سلوم - عراق الدولة... حلم ام اسطورة؟















المزيد.....

عراق الدولة... حلم ام اسطورة؟


سعد سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 1603 - 2006 / 7 / 6 - 10:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفلاسفة و فقهاء القانون و علماء الاجتماع والمؤرخون والسياسيون مختلفون حول تعريف الدولة،هذا مع ان احدا منا لم ير في يوم من الايام هذا العفريت المسمى الدولة او على حد تعبير احد الفقهاء الفرنسيين(لم يحدث ان تناولت القهوة يوما مع الدولة) لكنها تبقى بالنسبة لنا مصدرا للرعب (تجنيد،ضرائب،معتقلات) أو اداة للقمع والقهر حسب النظرة الماركسية.أو حلما شاعريا(دولة ما بين النهرين) أو أملا بالخلاص (دولة الامن والاستقرار السياسي) او مرجعية للهوية والانتماء (الجنسية ،المواطنة ،الاقامة) او تظل مجرد اسطورة(على حد وصف ارنست كاسيرر) او محض هيمنة لفئات متسلطة تعكس انفصال الشعب عن الحكومة،والمجتمع عن الدولة،والفرد عن المجتمع.
وقد لانبالغ اذا ما ذهبنا الى ان شعبا لم يغرم بالدولة مثلما اغرم بها العراقيون وارتبطوا بها منذ القدم في نوع من الصلة المازوخية(لا استطيع ان اعيش معها لااستطيع العيش من دونها).كانت الدولة تبطش بهم مثل الطبيعة او انها كانت صورة منها .فالطبيعة في العراق كما يشرح عالم الآشوريات جاكوبسن لا تضبط نفسها . انها تتحكم بمشيئة العراقي وتبطش به وتدفعه إلى الشعور بتفاهته إزاءها. وتجربة العراقيين مع الطبيعة الغاضبة اوجدت حالة ذهنية من القلق و اللااستقرار، جاء التعبير المباشر عنها في فكرة الكون لدى سكان مابين النهرين ، فعلى الرغم من انهم رأوا في الكون نظاماً لا فوضى غير ان ذلك النظام لم يكن أميناً يطمئنون اليه . لقد شعروا ان في تلافيفه حشداً من الارادات الفردية المتنازعة إمكاناً ، الملأى باحتمالات الفوضى .ويرى جاكوبسن انه بموجب هذا كان العراقي القديم يرى النظام الكوني متحققاً بجمع مستمر للارادات الكونية الفردية الكثيرة ، كلها عاتٍ ، وكلها رهيب . ولذلك جعل فهمه للكون يعبر عن نفسه في صورة الجمع والتوحيد بين الإرادات ، أي رأى النظام الكوني كنظام من الارادات (أي كدولة) .يتبين من هذا ان نظرة العراقيين القديمة للدولة لم تكن انسجامية ولا تأخذ الطابع التنظيمي او العقلاني بل تعتمد على جانب الصراعات والتناقض في فهمها للدولة.وهم بذلك ربما نفذوا الى فهم طبيعتها الموضوعية على الرغم من منطلقهم الاسطوري.في كتابه(مفهوم الدولة) يحاول عبد الله العروي ان يستجيب لتحد ادراك موضوعية الدولة-على الرغم من انه قد يدخل في حيز الاسطورة- فينطلق من الدولة كواقع أوَّلي مزامن لكل ظاهرة انسانية فيرفض ان يتصور الفرد خارج الدولة،كما يرفض ان يميز بين الدولة والمجتمع. فالفرد معطى داخل المجتمع،والمجتمع معطى،ومن ضمن تشكلاته الدولة. التعريف المشهور(الانسان حيوان سياسي) يعني في نظر العروي ان الانسان لايسبق الانسان ،ما يسبق الانسان هو الحيوان،والحالة الطبيعية السابقة على حالة المجتمع هي الحالة الحيوانية وعندما نتصور فردا خارج الدولة نتصورفردا غير أنساني(حيوان).كما يذهب الى ان من يتكلم عن التربية التي تجعل من الانسان الحيواني انسانا انسانيا او التي تفتح عين الفرد على الغاية التي يعيش من اجلها،يتكلم حتما عن الدولة.كل مربي لابد له من مربي والدولة هي مربية المربين.العقل اكتساب لدى الطفل ولدى الراشد القيمة العليا،مهما كان مصدرها تلقن،التلقين يرتكز على النفوذ،النفوذ ينتهي في نهاية التحليل بالدولة.هكذا نجد كل الانبياء والمصلحين والرسل يدخلون،بعد حين يطول أو يقصر،هم انفسهم او بالنيابة،الى حيز الدولة.مثل هذا الادراك لاهمية الدولة في حياة البشر وتحقق كينونتهم يفهمه العراقي اليوم في ظل حاجته الى التحقق الانساني بعد اعوام الغياب والقهر مثلما يلمس اليوم بان حريته لايمكن ان تتحقق الا في ظل القانون.فالوظيفة الرئيسة للقانون هي تنظيم استخدام القوة في العلاقات بين الأفراد بما يجعل من القانون (تنظيما للقوة) من حيث الشروط التي يستطيع بمقتضاها الفرد استخدام القوة نحو فرد آخر، والأفراد المخولين على وجه الخصوص في استخدام القوة بحيث ان أي استخدام آخر للقوة يكتسب صفة (العمل غير المشروع).وينظر عادة إلى الدولة بوصفها الكيان الذي(يحتكر) الاستخدام المشروع للقوة في داخل المجتمع.واحتكار الدولة للقوة هو أمر ضروري من اجل هدف مشترك يقوم على السعي إلى تحقيق تكامل الجماعة وترابط أفرادها، و(القبول) الجماعي بذلك له إذن ما يبرره وهو ان احتكار القوة أمر ضروري من اجل هدف مشترك،وخاصية الهدف المشترك الذي تنشأ عنه الدولة والذي هو (تقديم الحماية وكفالة الأمن للمواطنين) هي التي تفرض عليها ضرورة استخدام القوة، والدولة لان استخدامها للقوة ضروري ينبغي لها ان، بل لا مهرب لها من ان تسعى لاحتكار استخدام القوة.
ويعكس توفير الامن من قبل الدولة (شرعية) وجودها واستمرارها ، والشرعية هنا لاتخرج عن كونها التوافق مع المعايير الاسمى وهي أيضا توافق اعمال الدولة مع الدستور والقانون وكل ذلك من الشروط الضرورية لتوفير الاستقرار . لذا فأن تطبيق القانون من قبل الدولة يوفر الامن للجميع لممارسة حرياتهم وخلاف ذلك( اي في ظل غياب القانون) يغيب الامن وتداس الحريات ولا يبقى للحقوق أي معنى . والمجتمع الحر هو المجتمع الآمن ، وهذا ماجعل كل الدساتير في الدول العصرية والمتحضرة تعطي الاولوية لصون الأمن الوطني على الحريات الفردية .ومن المهم ان نلاحظ ان مشروع الدولة في بلداننا العربية لابد من ان يحظى بعنصر( الرضا الشعبي العام) لان عدم توفر هذا الرضا على الحكومة يتسبب في الاخلال بالامن بل قد يؤدي الى الانقلاب والثورة على الحكومة واسقاطها عن طريق العنف وذلك على خلاف المجتمعات المدنية الغربية (بريطانيا على سبيل المثال) حيث ان اقصى ما يسببه عدم الرضا العام على الدولة هو التصويت العقابي في انتخبات مجلس العموم حيث يفقد حزب المحافظين (مثلا) الاغلبية فتسقط حكومته ويصبح حزب العمال اغلبية فيشكل الحكومة الجديدة ببرنامج حكومي جديد ويظل مشروع الدولة قائما دائما أبدا .ان اهمية عنصر الرضا الشعبي باتت تمثل احدى اسس بناء الدولة العراقية الجديدة من خلال التداول السلمي للسلطة بحيث اصبح لدى الشعب لاول مرة القدرة على الاختيار والاسقاط انتخابيا أي اصبح الشعب صاحب رأس مال رمزي رغم تحكم الدولة وامتلاكها لكل شيء .وهذا التحليل يدفعنا لنتناول مقاربة بورديو لتعريف الدولة من أجل ايضاح طبيعة رأس المال الرمزي كبعد جديد من أبعاد الدولة.
ينظر ماكس فيبر الى الدولة كمشروع سياسي يحتكر العنف المشروع داخل المجتمع ويتفق بورديو مع هذا التعريف للدولة لكنه يعتبره ناقصا لذا يضيف عليه بورديو بعدا رمزيا حيث تحدث عن ما يسميه (رأس المال الرمزي) كبعد اساسي من ابعاد الدولة. فمثلا حق الدولة باستخدام العنف المشروع داخل المجتمع هو حق شرعي عائد للدولة وحدها وبالتالي للفئات الاجتماعية المهيمنة عليها تحديدا. ولا يحق لأي فئة اجتماعية منافسة للدولة أو اي من الفرقاء الداخليين المتنافسين او المتصارعين امتلاك جيش خاص او قوة شرطة او ميليشيات مسلحة.وهذا الحق المشروع يسميه بورديو (رأس المال الفيزيائي:حق احتكار استخدام العنف الفيزيائي) ولكن درجة اعتراف الناس بهذا الحق وقبوله تُكّوِن رأس المال الرمزي.وهذا الاعتراف أو القبول العام يتم من خلال بنى معرفية ترتكز الى توافق اخلاقي وتوافق منطقي.والبعد الرمزي يبقى هو العنصر الاهم بالنسبة لبناء مشروع الدولة العراقية اليوم. وهو محكوم بالفعالية الوظيفية للدولة في خلق الهوية الوطنية،فدورها التوحيدي الشمولي يعد مطلبا أساسيا لمشروع الامة/الدولة،ويعتمد ذلك بالدرجة الاساس على حسن ادارة التنوع الثقافي لجميع الثقافات الفرعية أو تأصيل انفتاح الهوية الوطنية على التباينات الثقافية المحلية والفئات الاجتماعية التي تمثلها.وقيمة البعد الرمزي تكتسي صفة المطلب الملح في ضوء مخرجات العنف الطائش في العراق والصراع على السلطة بين الفئات الاجتماعية المتنوعة،أي ان سيطرة الدولة على رأس المال الفيزيائي(جيش،شرطة)ورأس المال الاقتصادي(الثروات/النفط) و رأس المال السياسي والقانوني(السيطرة على مفاصل الدولة وأصدار القوانين) ورأس المال الثقافي و الاعلامي(التعليم/توجيه الاعلام)،ستكون ناقصة دون توفر مقتضيات رأس المال الرمزي أي اعتراف جميع الفئات وقبولها(عنصر الرضا الشعبي) فاعتراف الشعب بمجمله وقبوله هو ما يمنح الدولة عنصر الشرعية في وجه الثقافات المحلية والفئات الاجتماعية التي تمثلها.
المفارقة في حلمنا او اسطورتنا الخاصة عن (عراق الدولة)،انها تجيء في وقت تنحسر فيه الدول وتتقلص سيادتها امام قوى العولمة الصاعدة،وفي وقت تبرز فيه وجوه المدن العالمية وتتراجع جثث الدول مختبئة في جحورها.فواشنطن وطوكيو ونيويورك وسنغافورة ودبي تظهر اليوم وكأنها مدن عالمية اكثر من كونها تابعة لاقاليم او دول او قارات ، مثلما كانت في القديم بابل وروما،اسبارطة وأثينا،قرطاجنة وغيرها من مدن العالم القديم حواضر تدل على العظمة والعالمية .في العراق/الدولة لدينا بدلا من المجتمع(مجموعة مجتمعات او جماعات) وبدلا من الاقاليم حفنة من المدن المتباينة المتناثرة :البصرة،بغداد،السليمانية،وبدلا من الدولة (مشروعا) وما زلنا في مرحلة بناء (مجتمع دولة) و طور تشييد(الدولة / الامة).قد يبدو من سخرية الزمن اننا وعلى ارض اقدم المدن والحواضر العالمية في سومر وبابل واشور وبغداد ما نزال في مرحلة انطلاق الدولة وبنائها.وقد نظل نتبع وهما جديدا في عصر المدن ونجمع خيوط مدننا القديمة لينطلق عصر جديد من بابلنا او تتحد البشرية مجددا في بناء وهمنا ببداية عصر جديد.



#سعد_سلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسونامي عراقي لكل يوم
- حكومة سرية لشعب علني:اسئلة قديمة على طاولة حكومة جديدة
- عبد شاكر وقضية الحوار المتمدن
- حين تسقط التاء عن الثورة
- من نحن؟الهوية الضائعة بين العراق التاريخي والعراق الاميركي
- عام مسارات
- من يسرق النار هذه المرة؟
- هل من غاندي أو مانديلا عراقي؟ الانتخابات وعملية البحث عن رمز ...
- حرية الصحافة والاعلام في الدستور العراقي
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة السادسة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الخامسة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الرابعة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب: الحلقة الثالثة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الثانية
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الاولى
- المحافظون الجدد في بابل:الحلقة الخامسة
- المحافظون الجدد على ارض بابل:الحلقة الرابعة
- المحافظون الجدد على ارض بابل:الحلقة الثالثة
- المحافظون الجدد في بابل الحلقة الثانية
- المحافظون الجدد في بابل الحلقة الاولى


المزيد.....




- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سلوم - عراق الدولة... حلم ام اسطورة؟