|
عبر القرى نحو شنكال
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 6679 - 2020 / 9 / 17 - 19:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
(عبر القرى نحو شنكال) بالرغم من الجراح الثخينة، دائما نتلمس الطريق إلى شنكال، ولكن بعكازات بالكاد تحملنا، فالذهاب من القرية إلى شنكال تشبه التوجه من مطار دوسلدروف إلى بابل، فلا تزال تسمّى عند البعض منا ب (السفر شرقا)، وهي مناسبة تدعو للفرح، وربما للاحتفال كما أيام زمان عندما كانت سيارة (حسن حجيكا) البيك آب هي الوسيلة الحديثة الوحيدة للتنقل. كان (أبو فلاح) يستخدم منبّه السيارة (الهورن) ثلاث مرات متتالية فجرا وهي علامة كي يستعد وينتظر على الطريق من يروم الذهاب إلى شنكال من أهالي (السكينية العليا) ومن ثم النزول إلى (السكينية السفلى) ولهم نفس العدد من التنبيهات، وكان يحرص على إطلاقها قبل أن يصل للقرية ثم يتجه شرقا وبمحاذاة التلول إلى أن يصل قرية (المجنونية ـ تل حيالى) فيلتقط من يتواجد على الطريق، وهكذا هو الأمر في قرية (الوردية) و (زرافكي) و(قصركي) إلى أن يصل إلى شنكال. الركاب يشترون من مغازات الصولبند ودكاكين السوق ما يحتاجونه. ويقفل راجعا قبل المغيب؛ ليحكي من ذهب في مغامرة اليوم إلى الشرق عمّا شاهد من عجائب وغرائب المدينة . منذ أيام (حسن حجيكا) و(شيخ ماجو) وذهابنا إلى شنكال يكون لأمر مهم أو ظرف طارئ، فقبل الفرمان كان من يدخل في يوم السبت إلى المدينة يذهب مباشرة إلى عيادات الأطباء؛ لأن السبت عطلة رسمية وصرنا الآن نشبه المدن الأوربية في عطلاتها الأسبوعية المكونة من يومين متتالين، وعيادات الأطباء تكون مفتوحة على مدار اليوم، وأكثر المرضى من النساء، ومن أرادت أن تسرع بالعودة إلى بيتها عليها أن تنقد الفرّاش بأكبر نقد كاف، ولا تتبع تعليمات مصلحة نقل الركاب فهي مصلحة لئيمة ولهذا عاقبها الله بمحوها عن الوجود. ويوم الأحد كان يوم السعد الكبير لأن الجميع يراجعون الدوائر الرسمية وعلى الأغلب لأجل (التعيين) أو في سبيل الحصول على رعاية اجتماعية بطريقة أو بأخرى، أو ترويج معاملة لأحد أركان المربع الذهبي المكوّن من هوية الأحوال المدنية والجنسية العراقية وبطاقة السكن وبطاقة المواد الغذائية، وشعارهم في ذلك عدم الاستسلام لليأس، فلا حياة مع اليأس؛ لأنك قد تحتاج أشهرا لأنهاء معاملة ورقية لك وحينئذ تكون من المحظوظين ويحق عليك ذبح ديك الجيران المزعج سرا لعمل وليمة بالمناسبة. أما الاثنين فهو يوم مخصص للثلاجات والمجمدات العاطلة وجلبها إلى المصلحين، وإن سألت (أبو حيدر) المصلّح التلعفري الطيب الخلق لماذا تتعطل ثلاجاتنا وهي جديدة فسيقول لك: "والله قرداش السبب هو من المنشأ فالصناعة التركية والإيرانية سيئة للغاية وبعد أن يأخذ نَفَس من سيجارته سيضيف قائلا: أو ربما السبب من الكهرباء فهي ضعيفة وخاصة كهرباء المولّدة الملعونة". تقول احدى بناتي إن الأذن اليسرى ل(داود) مشغّل موّلدتنا لا ترتاح من الطنين نتيجة لعناتك ومسبّاتك له عندما يعبث بقاطع الدورة ـ السركت ـ خاصتنا. والثلاثاء يوم مشئوم للمعيز، فقد قارب الصيف من نهايته وجف الحليب من ضروعها لذا حلّ بيعها وإلا ستعلف كلّ شيء دون مقابل وهكذا نتخلى عن معيزنا بعد أن شربنا من حليبها وأكلنا من أجبانها طيلة الأشهر الماضية نبيعها دون أن يرف لنا جفن، نعم كلّ أربع سيارات تجد أحداها تحمل بعض المعيز وهي تنظر للخلف وبدلا من أن تقول: ".. مااااااء.. تقول مااااال.." أي (البيت) لعلها تريد أن ترجع للبيت بدلا من السوق، ولله في خلقه شؤون. وفي يوم الأربعاء لو سئلت طبيبا مختصا بالكسور عن الموسم الذي تكثر فيه الإصابات لأجابك دون تردد فصل الشتاء نظرا للصقيع و(الزحلقة) على الصقيع وخاصة الصغار وكبار السن، ولكن لو أجريت مسحا أو راقبت عيادات الكسور والمستشفيات لرأيت أن النسبة في الصيف هي ضعف الشتاء على الأقل في (شنكال) لثلاثة أسباب: أولها لم نعد نرى الثلوج والصقيع في الشتاء، وثانيا استخدام السيراميك في البيوت الحديثة وفي أماكن ينبغي استخدام الكاشي بدلا عنه فالعملية أشبه بارتداء بذلة ألسموكن صباحا إيغالا في الأناقة لذا نرى الصغار يتزحلقون ويسقطون ما أن يبلل الكبار تلك الأرضية لمسحها، والسبب الثالث يكمن في الملاعب الخماسية ذات الأرضية الاصطناعية والتي لم يعتاد عليها الناس بعد، فتراهم يندفعون بكلّ قواهم ويختل توازنهم فتكون النتيجة كسر أو فسخ في أقل تقدير. وبما أن اليومين التاليين عطلة فيوم الخميس هو يوم التسوق بكلّ أشكاله وألوانه وأجناسه وطبعا بالآجل (بالديَن) حتى لو كانت الجيوب مليئة بالنقود. والجمعة شلل رباعي تام في كلّ مكان. أما بعد الفرمان فقد نسينا كلّ شيء ولم يبقى في الذاكرة إلا صوت واحد تردده إيكو على أسماعنا ليل نهار: متى سنعود لشنكال؟ *******
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصراخ
-
خبز التنوّر والدهن الحرّ
-
الفزاعة وأغاني المطر
-
صديقي الأبيض
-
يومنا المقدس
-
ثرثرة دخيل كارو وقصص أرنست همنغواي
-
تهريب الحزن من بوابة كردستان
-
عندما تغني فيروز اسامينا.
-
جبل شنكال الوجيد
-
قصص نسيمة شلال ودموع داي شمى
-
أغنية بابلية لنادية مراد وخدر فقير
-
نصائح مجانين سيباى للأمراء الثلاثة
-
هرمان هسة وجاره الأيزيدي
-
غوته الشنكالي
-
عرش الأمير الخالي
-
اللعب بجماجم من طين
-
غزلان خدر فقير
-
لحن من لالش لخسارة شنكال
-
السبايا
-
الأم تيريزا وابنتنا ليلى تعلو
المزيد.....
-
المغرب.. كشف تفاصيل ضبط خلية -الاشقاء-
-
الجيش الأمريكي يعلن استهداف -أحد كبار قيادات- تنظيم تابع لـ-
...
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تعيين دوغ بورغوم وزيرا للداخلية
-
مباحثات إيرانية قطرية حول اتفاق وقف إطلاق النار بغزة ولبنان
...
-
ترامب يعلق على تقارير سحب القوات الأمريكية من سوريا
-
روبيو: ترامب مقتنع بضرورة حل الصراع في أوكرانيا بالوسائل الد
...
-
واشنطن: استمرار الصراع يدمر أوكرانيا ويفاقم خسائرها في الأرا
...
-
المغرب.. تفاصيل دقيقة حول الآليات والمواد والمساحيق التي تم
...
-
الولايات المتحدة تخطط لفرض رسوم جمركية على الصين بسبب -شحنات
...
-
روبيو: عرض ترامب شراء غرينلاند -ليس مزحة-
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|