أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - تشكّلُ مفهوم الفرد وحقُّ الاعترافِ بالخطأ














المزيد.....

تشكّلُ مفهوم الفرد وحقُّ الاعترافِ بالخطأ


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6679 - 2020 / 9 / 17 - 11:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تاريخُ وعي الإنسان وتكامله هو تاريخُ وعيه بأخطائه وتجاوزها، الحياةُ لا تُعلِّم إلا من يعترف بأخطائه. من لا يعترف بأخطائه لا يتعلم، التعلّم هو فنُ الإصغاء والاستيعاب والتفكير، والاعترافُ بالأخطاء بلا شعورٍ بالخوف. كلُّ مَنْ لا يعترف بأخطائه ستُرغمه الحياةُ على تكرار فشله. الأخطاءُ أعظم معلّمٍ في الحياة لمن يمتلك شجاعةَ الاعتراف بالخطأ. مَنْ لا يمتلكُ شجاعةَ الاعتراف بالخطأ لا يمتلكُ أيةَ قدرةٍ على تغيير ذاته، ولا يمتلكُ أيةَ قدرةٍ على تغيير العالَم، مَنْ يعجزُ عن ‏تغيير ذاته يعجزُ عن ‏تغيير العالَم. خوفُ الإنسان من التغيير خوفٌ من اعترافه بأخطائه.
التربيةُ على الخوف من الخطأ والتنكّر له تضعف قدرةَ الإنسان على اكتشاف نفسه، والتعرّفِ على التضادّ في طبيعته البشرية ومواطنِ ضعفه وهشاشته، وتنسيه حالاتِ عجزه في شيخوخته ومرضه وموته. التنكّرُ للخطأ يرسّخ الغرورَ والطغيانَ والتكبّر والتجبّر عند كثيرٍ من الناس. اكتشافُ مواطن ضعف الكائن البشري ضرورةٌ يفرضها الفهمُ الواقعي لكيفيةِ بناء صلاته بما يحيط به، وتحديدِها في ضوء طبيعته البشرية، وبنيته السيكولوجية، وطبيعة تكوينه، وليس وفقا لما يتمناه، وتمليه عليه رغباتُه، وتقديرُه الموهوم لمواهبه، وما يخلعه على نفسه من قدرات واستعدادات زائفة.
في مجتمعنا الفردُ لا يُفكّر، الجمهورُ يُفكّر نيابةً عنه. المسؤوليةُ الفرديةُ مُستلَبة، أنت مسؤولٌ عن الكلّ من دون أن تكون مسؤولًا عن نفسك، والكلُّ مسؤولٌ عنك من دون أن تكون مسؤولًا عن نفسك. منذ أن يبتدئ مشوارُ الحياة مع الإنسان يمتدح الناسُ طاعتَه لاختيارات غيره له في: ما يأكله وما يلبسه، ما يحبّه وما يكرهه، ما يريده وما لا يريده. يريدون منه: أن يفكِّر لغيره، أن يفهم لغيره، أن يشعر لغيره، أن يتألم لغيره، أن يفرح لغيره، أن يحب لغيره، أن يكره لغيره، أن يتذكر لغيره، أن ينسى لغيره، أن ينجز لغيره.كلُّ ما يفعله الفرد في حياته هو إعادةُ إنتاجه لصورة غيره.
في مجتمعنا يعاد استنساخُ صور متشابهة للبشر، تُستلَب فيها فرديةُ الكائن البشري ومسؤوليتُه. يتحدّث القرآنُ الكريم عن الفرد والمسؤولية الفردية في آيات متعدّدة، وردت في سياقات متنوعة، منها: "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" ، "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ" ، "وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ" ، "مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" ، "وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" .
لا معنى لمجتمعٍ تعدّدي من دون بناءٍ لمعنى الفرد. عندما يتحقّق معنى الفرد في أيّ مجتمع يتحقّق معنى التعدّد والتنوّع والاختلاف. يتشكّل معنى الفرد بعد أن تترسّخ تقاليدُ الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه. مالم ينشأ ويتشكّل وينضج مفهومُ الفرد في مجتمعنا، يظلُ المجتمعُ يفتقرُ لأشخاصٍ يمتلكون فرادةً في التعبيرِ عن مواهبِهم الخلاقة، والاعلان عن قدراتِهم على الإبداع والابتكار، وتميّزًا في مواقفهم المغايرة للتفكير اللامنطقي، والسلوك اللاأخلاقي.
لا يمكن أن يتشكّل معنى الفرد في مجتمعٍ يفرض على الإنسان الخضوعَ والانصياعَ لكلِّ تقاليده وأعرافه، وألا يخرج على النموذج الواحد المشروع، الذي يمثّله: "الخليفة / السلطان / الشيخ"، وإن كان لا يصلح عقليًا وأخلاقيًا وسلوكيًا أن يكون قدوةً ومثالًا يُحتذى. "الخليفة / السلطان / الشيخ" يعزّز حضورُه وسطوتُه جهلَ المجتمع وعبوديتَه الطوعية، لذلك يرضخ أكثرُ الناس له بشكلٍ طوعي. يريد من الكلِّ أن يرون ما يراه، ويفكرون بما يفكر فيه، ويشعرون بما يشعر فيه، ويستسلمون لقرارته مهما كانت. "قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ" . مثلُ هذا المجتمع تسود حياتَه رؤيةٌ واحدةٌ للعالَم، ومعتقدٌ واحد، وفهمٌ واحد للحياة، ونوعٌ واحد يتكرر من المواقف، وسلوكٌ واحد الكلُّ فيه يكرّرُ الكلَّ.
في مجتمعنا تتجذّر تقاليدُ الإذعان والخضوع والطاعة العمياء، المشتقّة من:
1. قيم البداوة والتقاليد القبلية المتغلغة في البنية العميقة لمجتمعنا.
2. نمط تديّن كلامي فقهي راسخ، يضمحلّ فيه حضورُ مقاصد الشريعة وقيمها المركزية، ولا يهتم ّكثيرًا بأهدافِ الدين المحورية، ورسالتِه في تكريس الحياة الروحية والأخلاقية.
3. استبداد سياسي مقيم، متجذّر ومتراكم عبر تاريخنا البعيد والقريب. الاستبدادُ عدوُّ معنى الفرد، الفردُ يستمدّ معناه من الاختلاف، الاستبدادُ يستمدّ معناه من التطابق. يبدأ الاستبدادُ بمختلف أنماطه حين تنشد التربيةُ والتعليم محوَ الملامح الخاصة للكائن البشري.
الاستبدادُ يشدّد على الإذعان والانقياد والطاعة العمياء.كلُّ استبدادٍ ينشدُ إنتاجَ نسخٍ متماثلةٍ للكائن البشري. لا ينجز الاستبدادُ وعودَه إلا بمحو الفردية.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكّلُ مفهوم الفرد والحقُّ في الخطأ
- تشكّلُ مفهوم الفرد والحقُ في الاختلاف
- الاستملاك الرمزي للهلال
- الثناءُ على الجيلِ الجديدِ
- جودت القزويني الحلقةُ الخاتمة في فنٍّ يوشك على الغروب
- الكتابة فن الحذف والاختزال
- #محمد_عمارة في محطاته الاعتقادية
- محمد إقبال والمفارقات في فكره بوصفها مثالًا للمفارقات في الف ...
- مدرستا الإسلام الهندي: إسلام تعدّدي وإسلام أُحادي
- الأشاعرة الجدد و#علم_الكلام_الجديد
- #الأميّة_الأكاديمية_والثقافية: أسباب ونتائج
- #وليُّ_الله_الدهلوي والإسلام التعددي الهندي
- هل أسس شبلي النعماني علم الكلام الجديد؟
- السؤالُ الميتافيزيقيُّ الجديد يفرضُ علينا بناءَ علمِ كلامٍ ج ...
- التديّنُ الشكلي
- التديّن الشعبي والتديّن الشعبوي
- التديّنُ الرحمانيّ
- التديّن الأخلاقي
- الفنُ القصصيّ في القرآن الكريم ثالث عناوين الضجة في النصف ال ...
- تلوّينُ النصِ


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - تشكّلُ مفهوم الفرد وحقُّ الاعترافِ بالخطأ