|
المسرح والمدينة - عندما يرفع الستار
عباس كاظم رحيمه
الحوار المتمدن-العدد: 6675 - 2020 / 9 / 13 - 02:54
المحور:
الادب والفن
المسرح والمدينة: عندما يرفع الستار ان مفهوم المسرح والمدينة -الذي ارتبط بالمركز الثقافي لجامعة البصرة تحت اشراف الدكتور عبد الكريم عبود عوده- يعد فكرة مثيرة للجدل عبر تحديد علاقة احدهما بالآخر، وما يمكن ان تحققه للمشهد المسرحي، وايضا لما لهذه التسمية من الجدة والابتكار والخصوصية. فهي قد تحيلنا الى حميمية العلاقة بين المسرح والمدينة، بالإضافة الى ما يثيره من مشاعر الألفة والاطمئنان المتحقق من مضمونه كمفهوم يتشابك فيه الطابع الفني بالاجتماعي. غني عن البيان، إن المسرح يستمد وجوده وهويته من المدينة ومن هنا فإن هذه العلاقة تكون في مواجهة دائمة ما بين الواقع بتمثلاته وارهاصاته اليومية، وبين المسرح كمكون جمالي وفكري ينهل من حكايا المدينة وقصصها، حيث يتلون المسرح ويتخذ صبغته من صبغة المدينة؛ لأن من اساسيات المسرح الاساسية أنه فن مكاني. من هذا المنطلق يسعى المسرح للتوجه الى جمهور المدينة، إذ ينفتح على جمهور واسع من الفئات المختلفة التي ترتاد المسرح، كما - ويعيد الى الاذهان طرح العلاقة بين المسرح والمدينة عودة الى بداياته- مثل المسرح الإغريقي، والمسرح الكنسي، ومسرح الإليزابيثي، ومسرح العلبة الإيطالي... وغير ذلك، على الرغم من هذا الكم الذي يُحدَد فيه المسرح كاتجاه تنظيمي له قواعده الفنية المتأصلة فيه. ومن ثم تكون هذه القواعد هي معطيات فكرية وجمالية تنشأ من تأثير المجال الذي يحتوي المسرح عن غيره من الاساليب الثقافية والاجتماعية المتنوعة. فما يقصد بالمسرح؛ هو ذلك النشاط الذي يدل ظاهريا على تفاعل وتماهي الذات بين واقعها كتجربة يومية تنبع من نمط حياتي معين، وبين تجربة جمالية تتشكل من خلال خبرة الفنان بوصفه كائنا اجتماعيا منبثقاً من فضاء المدينة. في سياق هذا التفاعل يصبح متلقي الفن المسرحي قطباً أساسياً يتجاوز الجانب الفردي المنغلق على ذاته، لصالح الفرد المندمج ضمن المجموع الجماهيري. ويتجلى ذلك ايضاً، على مستوى العرض المسرحي حيث يكون منتج العرض في احد مراحله؛ وخاصة اثناء تقديم العرض متأرجحاً ما بين مرسل ومستقبل للعرض في الآن نفسه. وفي هذا الإطار، يرتبط تطور المسرح بتطور البيئة التي ينشأ فيها ويعبر عنها سواء بالتضاد مع هذه البيئة أو بالتعبير عنها بتفاصيلها اليومية المعاشة انطلاقا من رؤية جمالية لهذا الواقع، وهذا هو شأن المسرح في جدليته المتنامية وسعيه الى التغيير في اتجاهاته الشكلية والاسلوبية. واستنادا الى ذلك يتحول المسرح الى ظاهرة اجتماعية. من هنا تكون العلاقة وثيقة الصلة ما بين المسرح والمدينة؛ يمكن ان يكون فيها المسرح وسيطا اعلاميا ارجاعيا ما بين الارث الحضاري الإنساني والمسرح بإمكانياته الفنية التعبيرية خاصة تأكيده على الطابع المحلي انطلاقا من ان المتخيل هو جزء من الواقع، فنحن لا نقدم الواقع بصورة متخيلة وانما نتخيل الواقع كما نريده على المسرح. لا يتوجه العرض المسرحي الى النقد بقدر ما هو طريقة جديدة في التفكير المنفتح على اثارة الاسئلة، بمعنى أن فضاء المدينة هو عامل تجديد وتنشيط للمسرح متى ما اصابه الخمول والسكون. وفي الشأن ذاته، يحيلنا (المسرح والمدينة) الى الانفكاك والانفصال عن مسرح العاصمة وما يمثله من مركزية ثقافية مهيمنة، مفترضاً تمايزه عن مسرح المحافظات، ما يشكل نظرة متعالية تنظر الى مسرح المحافظات بأنه مسرح يفتقد الى الخبرة واقل كفاءة في توظيف تقنياته جماليا وابداعيا، فاصبح المركز يمارس نفوذه على مسرح المحافظات بوصفها "هامش" محاولاً سحب الهامش الى سلطته فتصبح العاصمة مركزا لا يمكن أن تجد نموذجا مسرحياً متكاملاً خارج حدوده. ومن خلال ثنائية المركز/ الهامش أنشأ ما يعرف بمسرح المحافظات وهي دعوة الى جعل هذا المسمى تابعاً ومقيدا بشروط ثقافة المركز، فكل محافظة تقوم بإنجاز عروضها المسرحية وارسال نسخة "CD" الى العاصمة لغرض استحصال موافقة العرض على مسارحها. لقد ظل دور مسرح المحافظات هامشياً على مستوى المشاركة سواء في المهرجانات المقامة على مسارح العاصمة أو المشاركة في المهرجانات العربية والدولية، الا أن المسرح والمدينة يناقض هذا التوجه شاملا بذلك مسرح العاصمة ومسرح المحافظات تحت عنوان اوسع واشمل وهو المدينة من غير تصنيفات متعالية. اجمالاً، يعد المسرح والمدينة خطوة رائدة في انعاش المسرح واضافة طاقات ابداعية جديدة اليه فلا يمكن للمسرح أن يعيش إلا عبر التجارب الجديدة والرؤى المختلفة ذات الطابع الجمالي الاصيل. وهذا التصور لمفهوم المسرح لا يكون ثابتاً ضمن أطر قبلية تصبح مرجعاً للحكم المعياري الخاص الذي يختص في نوع من المسارح دون أن يكون جامعا لكل الظاهرة المسرحية. مسرح يتجاوز كل التوصيفات النظرية الانطباعية لحساب كل الخيارات الجمالية والفنية في طرق انتاج شكلاً مسرحياً نابع من تقديم افضل للواقع الاجتماعي والتأثير في المتلقي.
#عباس_كاظم_رحيمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية (هلو. سات) تأليف وإخراج د. ماهر الكتيباني
المزيد.....
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|