|
الحرب القادمة مِّن يصهر مِّن / كان الصلح مع إسرائيل من أجل استرجاع الأرض ، أما اليوم من أجل المحافظة على الأرض ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6674 - 2020 / 9 / 11 - 20:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ لا بديل أمام المنطقة العربية ومحيطها إلا أن يملء الإسرائيلي الفراغ ، ذاك الفراغ الذي أحدثه سقوط الدولة العثمانية وايضاً بعد فشل المشاريع العربية في إعادة بناء الدولة العربية ، بل كان اتفاق كامب ديفيد بين السادات وإسرائيل هو المحرك الأول والأكبر والأخير في بناء هذا الفراغ ، وبهذا المعنى يمكن ، على نحو أو أخر ، إعتماد أسباب خسارة العرب ، بأنها اعتبارات أخرى في ما يجري اليوم من تخندقات واتفاقيات وتكتلات بدأت منذ الحرب العالمية الأولى ، إذنً حسب المنطق العلمي ، لا يكفي ابداً التعامل مع طرف ما دون جمع معلومات عن طبيعته وأخلاقه تماماً كما أوصى نبي ورسول هذه الامة في الحديث الشريف ، ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) ، وبالتالي المعنى الحقيقي للحديث ، هو السؤال والاستفسار والبحث عن خُلّق المرء ، فكيف إذا كان الطرف الآخر محتل ويسعى منذ اليوم الأول إخضاع الأرض والمقدسات إلى طاولة التفاوض ، وبالرغم أن قرارات الدولية واضحة وتنص على حق الفلسطيني في جزء من أرضه ، لكن ايضاً ولكي يكون واضح من الأول وعلى ماء بيضاء ، نشير إلى مسألة ثابتة لا تتغير ، فمنذ القرن السادس عشر حتى الآن ، اليهودية الصهيونية لم تُهزم في أي مشروع اقتصادي أو صناعي أو أي حرب كانت داعمة لها بالمال ، وبالتالي لكل ذلك أسباب جوهرية لا يمكن تجاوزها أو المرور عنها باستخفاف ، لأن أصل الفكرة التى قامت عليها الصهيونية ، هي الطابع اليهودي التقليدي ، ( صهر الآخر وعدم الانصهار بالآخر ) من هنا ، حافظت اليهودية على خصوصيتها ، بالرغم من أعدادهم المتواضعة وبالرغم ايضاً من أنهم أقدم مجموعة كانت تلقت الرسالة الربانية ، وبالفعل استطاعوا التمدد بخطوات ثابتة في جميع مناحي الحياة البشرية ، مستخدمون العقل وليس شيء آخر ، الثورة الصناعية وطفرة التكنولوجية ، لكن مع كل هذا الانخراط والإدماج ، سيلاحظ المراقب ، بأن البشرية انصهرت في إنتاجات الشركات اليهودية أو الحروب التى قادتها دون أنصهار اليهودية بهم ، لقد حافظت على كينونتها ومشروعها إلى الرمق الأخير وأثناء حمأة الصراعات التوسيعية في المنطقة ، كانت تضرب دون هوادة تحت الحزام .
بدَّ هذا بالطبع واضحاً في تعاملها مع المشروع السلطوي الفلسطيني ، فمشروع أوسلو في البداية ، مكن المجتمعين اليهودي والفلسطيني بالاجتماع في قضايا متعددة ، وبالرغم من كثافة العرب في أرض فلسطيني التاريخية والانفتاح الدولة العبرية على كل من مصر والأردن والمغرب وتونس وقطر ، إلا أن اليهودي حافظ على لغته العبرية واستطاع أن يستقطب الفلسطيني بدرجة الأولى إلى أنماط الحياة الإسرائيلي ، من حيث طريقة الملبس وقصة الشعر ووضع النظرة الشمسية والتكلم العبربة وبناء المنازل ، وأمور كثير لا تعد ولا تحص ، لكن المطلع على حياة الإسرائيليون ، يجدها خالية من الطباع والثقافة الفلسطينية ، بل حتى الفلافل والحمص هناك محاولات يهودية حثيثة في إعادة أصولهما إلى التراث المطبخ اليهودي ، لهذا عندما وقع إسحاق رابين اتفاق أوسلو الرئيس الوزراء الأسبق ( المغتال ) ، كان في جارور مكتبه مشروع بناء الجدار ، بالفعل وضعت حكومته مخطط المرحلة الأولى وخصصت المبالغ المطلوبة وأمنت مجموعة من المقاولين الإسرائيلين والفلسطينيين وايضاً من العرب من أجل تأمين المواد التى تحتاج لبنائه ، وبالتالي ارئيل شارون بعد انسحابه من قطاع غزة كان لديه مشروع فك الارتباط عن مناطق التى يوجد فيها كثافة عربية وتنفيذ مشروع صفقة العصر ، ضمن تصور خارج الجدار وداخل الجدار ، وبالتالي المشروع الإسرائيلي ( التاريخي ) اشتغل على عدم السماح للكثافة العربية مِّن فرض الثقافة العربية في المجتمع اليهودي في وقت اجتهد على تميع الثقافة الفلسطينية ومن ثم فرض قشور الثقافة الاسرائيلية وليست اليهودية من أجل التحكم بالفلسطيني عن بعد ، وهذا القلق كان هاجس كبار حكام إسرائيلي الأربعة ، بن غوريون وبيغن ورابين وشارون .
مع ذلك ، كان هناك منظور انعتاقي غير مرتقب ، مخفي داخل هذه النظرة الكابوسية ، فبعد رحيل شارون تنامى لدى الحركة الصهيونية شعور بالتخوف من عدم قدرة الدولة العبرية من إفراز مجدداً شخصية محورية وجامعة لليهود والصهاينة ، وقد أبدى الخاخام الأكبر عوفاديا يوسف قلقه عن اللحظة التى تصبح إسرائيل غير قادرة على استيلاد قائد يضع أولويات الأمن القومي اليهودي قبل كل شيء وبين سياسي لا يرى من منصب رئيس الوزراء سوى مكاسب حزبه وأموره الشخصية ، وبالتالي مشروع الجدار يعبر عن الثقافة اليهودية التقليدية ، قد يكون في ظاهره يهدف إلى عزل الفلسطيني وتضيق الخناق عليه بهدف ترحيله ، لكن في جوهره ، هو تعبير عن نمط يهودي أصيل ، لا يمكن العيش دونه ، بل أثبتت الثقافة اليهودية عبر التاريخ بأن التقوقع أمر مطلوب ونافع طالما لا تستطيع صهر الآخر ، لكن سرعان ما تنفتح في لحظة قدرتها على صهر الآخر ، إذن جميع المناورات التى خاضتها تل ابيب في الماضي كانت تهدف لكسب الوقت ، حروب واستنزافات وحروب متقطعة وعمليات اغتيال وزرع خلافات واستقطابات وتمكين أشخاص افشلوا المشروع العربي إلى أن وصلوا اليوم لمرحلة كانوا يتخفون من الوصول لها ، لهذا يسعون بكل قدراتهم لبناء علاقات إستراتيجية مع الأنظمة العربية ومن أمكن من الشعوب ، وايضاً في المنطقة برمتها وفي مقدمتها القارة الأفريقية ، لأن يزداد شعور تخوف اليهود من تغير المزاج العام في أوروبا وأمريكا الشمالية ، فالأجيال الجديدة لم يعيشوا مرحلة الهولوكوست والمأساة التى حلت باليهود ( المحرقة ) ، وبالتالي ما يجري في الانتخابات الحالية في الولايات المتحدة ، يصنف بكسر العظم بين تيار المسيحي الصهيوني وتيار يجد بنفسه ، جزء من المظلومية في العالم ، لهذا حزب الديمقراطي ، يقود اليوم حراك يساري ، ينادي بحقوق السود والأقليات كما ينادي ايضاً بحقوق الفلسطينيين في فلسطين وهذا ما يجعل الانتخابات ، معركة مصيرية على الرغم من أن قيادة حزب الديمقراطي ليسوا مؤهلين تماماً لهذا الشعار .
إذن ، اليوم إسرائيل طرحت تساؤل ، هل من سبيل أو بالأحرى من مخرج لهذا الواقع الثقيل ، بالفعل لقد انفتحت على جميع الأطراف المتصارعة في المنطقة ، بنت علاقة مع الاخوان المسلمين عبر قطر وتركيا ، فالأموال التى تصل إلى قطاع غزة من الدوحة تتم عبر المؤسسة الاستخباراتية ( الموساد ) وليست الخارجية ، بل العلاقة أبعد من ذلك ، قد لا يخطر على بال أحد ، فالذي انتشل دولة قطر من عزلتها من المقاطعة التى فرضتها الدول الأربعة وأعادها إلى البيت الأبيض ، هو لا سواه نتنياهو الرئيس الحالي لحكومة إسرائيل ، بل وافق نتنياهو لقطر باستثمار مشاريع في قطاع غزة بلغت 2 مليار دولار ، بالإضافة أن قطر أصبحت الجهة المعتمدة في تهدئة الجبهة الجنوبية لإسرائيل ، وهذا مكنها لتكون الجهة الحاضنة لمفاوضات الأفغانية الأفغانية برعاية أمريكية وبالتالي ، المسألة ليست كما يتصورها البعض على أنها مصالحة داخلية بقدر أن هناك عملية إعادة تأهيل لحركة طالبان .
في المقابل ، تعمل إسرائيل حالياً على ملفين ، الأول هو البحر الأبيض المتوسط ، تدير ملف الثروات بين الدول المتباحرة بذكاء وبالتالي ، يعود المختلفون لها أو لواشنطن ، أما الملف الآخر ، هو تفعيل مشروع السكة الحديدية بين المتوسط والخليج العربي والعراق والأردن ، وهذا الملف سيمهد لربط الدول المتلاصقة جغرافياً ، بعد ما تم تفكيكها في الحرب العالمية الأولى ، اليوم قد أُتخذ قرار إعادة تفعيل المشروع ورُصدت الأموال من أجل ربط الدول المتحالفة بشبكة حديثة طالما إسرائيل تعتبر الجهة التى ملئت الفراغ ، والذي سيسهل عبرها التحرك عسكرياً باتجاه البحر الاحمر واليمن والعمق الأفريقي ، بالتأكيد تسعى اسرائيل إلى نقل مياه النيلين إليها ، الذي سينشأ اقتصاداً جديد للمنطقة ، بالطبع يشمل الموارد الطبيعية والزراعية والصناعية ، وبالتالي اسرائيل تهدف من ذلك تشكيل قوةً بقيادتها من أبناء المنطقة من أجل مواجهة أطماع غربية تختلف مع الحركة الإنجيليين ( صهيون البروتستانتية / كنعان الثاني ) أو محلية تعتبرها جسم غريب عن الجغرافيا . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة الاستخفاف وثقافة الاحتطاب ...
-
الحدثان الأهم في انفجار لبنان ...
-
بين فيروز قاتل جدنا وفيروز أيقونتنا ...
-
قصيدة الاستسلام / بين خيمتنا وخيبتنا ...
-
الثنائية من أصول التكوين يا نصرالله ...
-
إلى الرئيس السيسي رئيس الجمهورية ...
-
في أي حادث سير ، مرتكب الحادث يتحمل ببساطة المسؤولية ، فكيف
...
-
المواجهة الأعنف في القارة الصاعدة ...
-
يساء فهمي دائماً ولستُ من محبي التبرير ..
-
اخطائتوا عندما نكثتوا عهدكم ...
-
من مشروع تحريري إلى مشروع تصاريح زيارات ..
-
زمن الاصطفافات والعالم بارك المعاهدة ...
-
مناعة الشاب غابرييل عالية ...
-
نتيجة تبعية مطلقة ، صُنعَ نموذج سيء ...
-
تستحق السيادة عندما تكون سيد نفسك ..
-
لجنتان واحدة وطنية وأخرى دولية ، ما هو المانع ...
-
هل يمكن يا سيدي الحصول على المال بلا إصلاحات ...
-
الوقوف إلى الجانب الخاطئ من التاريخ ...
-
السد الإثيوبي مقابل الاستراتيجية المائية ( المصرية )...
-
الإمارات شطرت الذرة وتعوم بين المجرات ...
المزيد.....
-
ماذا دار في أول اتصال بين وزير دفاع أمريكا مع نظيره الإسرائي
...
-
ألمانيا تحتفل بالذكرى الـ 35 لسقوط جدار برلين بعرض فني في ال
...
-
وفا: ترامب يجري اتصالا مع الرئيس عباس ويؤكد أنه سيعمل من أجل
...
-
شاهد.. أكوام من السيارات المحطمة تعود إلى شوارع إسبانيا مع و
...
-
مصر ترحب باعتماد مشروعها لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من ال
...
-
-وول ستريت جورنال-: ماكرون استجدى ترامب للحصول على تنازلات ح
...
-
زاخاروفا: زيلينسكي مستعد للتضحية بمواطني أوكرانيا من أجل الح
...
-
تايوان تسعى إلى كسب ود إدارة ترامب القادمة
-
بالفيديو.. ظهور شاهقة مائية في نابل التونسية.. ما هي وما تفس
...
-
وزير الدفاع البولندي يعلق على خطط ترامب بشأن أوكرانيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|