عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6672 - 2020 / 9 / 9 - 10:19
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ما معنى النمو الاقتصادي؟, هو عبارة عن عملية يتم فيها زيادة الدخل الحقيقي زيادة تراكمية ومستمرة عبر فترة ممتدة من الزمن (ربع قرن) بحيث تكون هذه الزيادة اكبر من معدل نمو السكان مع توفير الخدمات الانتاجية والاجتماعية, ويعرف أيضا بأنه الزيادة في كمية السلع والخدمات التي ينتجها اقتصاد معين في فترة زمنية معينة وهذه السلع يتم انتاجها باستخدام عناصر الانتاج الرئيسة والمتمثلة بالأرض والعمل ورأس المال والتنظيم, ويوصف النمو الاقتصادي بالحقيقي عند استبعاد نسبة التضخم وعدم احتسابها عند احتساب أسعار السلع والخدمات. فهل حصل ذلك فعليا في الاقتصاد العراقي؟
فالنمو الاقتصادي في العراق لا يمكن الحديث عنه بدون تحقيق نمو في المؤشرات الاقتصادية الإجمالية والقطاعية للاقتصاد مع زيادة في حجم الاستثمار بهدف رفع وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين. ويعتبر الناتج المحلي الإجمالي احد المؤشرات المهمة حيث انه يعبر عن كفاءة الأداء الاقتصادي للبلاد وعن تطور الدخل القومي الذي سينعكس على تحسن دخل الفرد وتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للفرد. كما يمكن اعتبار النفط المصدر الأساسي لنمو الاقتصاد العراقي من خلال الإيرادات المالية الكبيرة حيث يعتمد الاقتصاد العراقي اعتمادا كليا على الصادرات النفطية وعوائدها في تمويل الموازنة الاتحادية العامة وهو المصدر الأساسي في تمويل برامج التنمية والإنفاق الاستثماري الحكومي. إلا انه في العراق لم تستثمر العوائد المالية النفطية في تطوير الصناعات القائمة أو إنشاء صناعات جديدة وهذا ما نلاحظه من خلال الشلل الذي أصاب صناعتنا الوطنية وزراعتنا واعتماده على الاستيراد لسد حاجة السوق المحلية وتوفير سلة غذائه وفتح الباب على مصراعيه للمنتجات الصناعية والزراعية الأجنبية التي غزت أسواقنا ودمرت اقتصادنا.
كذلك يعتبر متوسط دخل الفرد احد مؤشرات قياس النمو الاقتصادي حيث أن زيادة دخل الفرد الحقيقي أو زيادة قدرته على تلبية حاجاته تعني تحقق النمو الاقتصادي في البلاد الذي يؤدي الى تحسن معيشة المواطنين. ويعتبر توفير فرص عمل للمواطنين والقضاء على البطالة مؤشرا آخر للنمو الاقتصادي وكذلك توفير السلع والخدمات المطلوبة لإشباع حاجات المواطنين وتحسين المستوى الصحي والتعليمي والثقافي, كما يعكس النمو الاقتصادي تقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع, إضافة الى انعكاس ذلك النمو في تحسين وضع ميزان المدفوعات وتحقيق الأمن القومي للدولة.
تعتبر العدالة الاجتماعية أهم متطلبات التنمية الاقتصادية حيث أن عدم توافرها يؤدي الى إخلال في عملية التنمية, ويعكس النمو والتطور الاقتصادي الملحوظ مؤشرا للتنمية الاقتصادية.
إن السياسات السابقة للنظام المقبور قد أخرجت العراق من دائرة النمو الى دائرة التخلف حيث صنف العراق في إحصائيات الأمم المتحدة ضمن الدول الأكثر فقرا رغم موارده الطبيعية, والأكثر فسادا بالنسبة لمنظمة الشفافية الدولية.
هناك أيضا المؤشرات الاقتصادية – الاجتماعية للتنمية كالعمالة والبطالة والأجور ودخل الأسرة وتوزيع الثروة.. فهل حقق العراق تطورا في هذا المجال؟
في تقرير لصندوق النقد الدولي عن العراق, شخص أن الاقتصاد العراقي يعاني من مواطن ضعف هيكلية حادة ويعتمد النشاط غير النفطي (الخدمات والإعمار والنقل والقطاع الزراعي الصغير) اعتمادا شديدا على الإنفاق الحكومي وأشار كذلك الى أن الخدمات العامة لا تزال شحيحة وان معدل البطالة مرتفع ولا يزال الفقر متفشيا وان بيئة الأعمال تعاني من الضعف البالغ حيث يقبع العراق في أدنى قائمة الترتيب العالمي لسهولة ممارسة نشاط الأعمال من جراء ضعف الحكومة وعدم كفاءة النظام القضائي وعدم كفاية الأمن وقلة الاستثمار الأجنبي خاصة في القطاع غير النفطي عن نظيره في البلدان الأخرى المصدرة للنفط في المنطقة. إضافة الى التناحر السياسي الطائفي المتزايد. فأي نمو اقتصادي قد تحقق؟؟ هل النمو الاقتصادي الذي يتحدثون عنه ناجم عن تحسن في أداء الاقتصاد العراقي وتجاوزه للتضخم الذي يعاني منه العراق لفترة طويلة, وزيادة منتجاته الصناعية والزراعية وتنويع مصادر دخله وازدهار ملموس لتجارته من زراعة وصناعة تحويلية ترتبط بالأسواق الإقليمية والعالمية, لا أن تكون مرتكزة فقط على صادرات النفط الخام؟ وهل تم تقليص الفجوة التكنولوجية بين العراق ودول العالم المتقدمة؟ وهل تم القضاء على البطالة المستفحلة وخاصة بين الخريجين من الشباب؟ وهل تم توفير السكن الملائم وتوفير الخدمات وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية؟؟
لا يمكن القول إن هناك نموا اقتصاديا في العراق, وان ما تحقق ناجم عن زيادة انتاج النفط واثر ذلك في زيادة العوائد المالية، ولم يأت هذا النمو من عوامل داخلية ترتبط بزيادة إسهام قطاعات الانتاج غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، إضافة الى أن هذا النمو يفتقر الى الاستدامة, وحتى تكون هناك استدامة فمن الضروري زيادة معدلات الإنفاق الاستثماري في قطاع الانتاج غير النفطي لتنشيط الصناعة والزراعة والبناء والتشييد والسياحة والمصارف والأسواق المالية, إضافة الى ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص المهمش في الوقت الحاضر من اجل خلق فرص العمل. وبخلاف ما يتحدثون عنه من زيادة النمو الاقتصادي في العراق فان اقتصادنا الوطني مازال متخلفا وحيد الجانب يعتمد اعتمادا كليا على تصدير النفط الخام دون تصنيعه وتم التركيز على الاستثمار الأجنبي في القطاع النفطي دون القطاعات الأخرى التي أهملت كليا الى جانب القطاع الخاص في ظل ظاهرة الفساد والمحاصصة الطائفية في أجهزة الدولة وافتقار الدولة للسياسات الاقتصادية والمالية وتخبطها في هذا المجال. وأصبحت الدولة بأجهزتها الكبيرة دولة استهلاكية توجه العائدات المالية النفطية الكبيرة الى الاستيراد والاستهلاك بدلا من توجيهها نحو المشاريع الانتاجية التي تدر الأموال.
وبهذا الصدد تشير وثائق الحزب الشيوعي العراقي وبهدف تحقيق التنمية المستدامة في الاقتصاد العراقي الى:
1. ضرورة وضع خطة اقتصادية- اجتماعية استراتيجية واضحة المعالم تعتمد معرفة عميقة بخلفيات وأمراض الاقتصاد العراقي.
2. توظيف إمكانيات قطاع الدولة والقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي في مسار منسق ونهج سياسي ديمقراطي ثابت لانتشال البلد من تخلفه وتبعيته الاقتصادية وتخليصه من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة.
3. الاستفادة من التجارب الأجنبية بما ينسجم مع واقعنا الموضوعي وعدم استنساخها وتحديد أولويات واضحة.
4. التخطيط ضروري للإدارة العلمية للاقتصاد الوطني وهو لا يتناقض مع اللامركزية بل هو بديل للفوضى والعفوية.
5. عدم معالجة مشكلة الاقتصاد العراقي المتخلف بخصخصة قطاع الدولة وإنما تكمن في تحسين استخدام موارده واستثمارها بأسلوب سليم وتوظيفها بشكل عادل وصحيح لتكون مصدرا للتقدم والرفاه وتوظيف الريع في تطوير الطاقة الإنتاجية وتنويع الاقتصاد وليس بمشاريع بناء الأجهزة القمعية وعسكرة المجتمع والتسلح وبناء مرتكزات سلطة الاستبداد والدكتاتورية ولا بالحروب الداخلية والخارجية.
6. ضرورة الاستفادة من جميع أنواع الملكية (الدولة والخاص, المحلي والأجنبي, المختلط والتعاوني) ووضعها في إطار يؤمن الاستقرار في علاقات الملكية.
7. الشروع بإعادة بناء المرتكزات الأساسية والبنى التحتية الضرورية لإعمار وتنمية الاقتصاد الوطني (الكهرباء وقطاع الطاقة عموما ووسائل الاتصال والنقل, الخدمات الانتاجية, مشاريع الإسكان الضرورية, معالجة مشكلة البطالة وتدريب الأيدي العاملة الماهرة.
8. إعادة الحياة للمنشآت والمؤسسات الإنتاجية الصناعية والزراعية والخدمية.
9. تشجيع ودعم القطاع الخاص وتأمين الحماية له من الإغراق والمنافسة غير العادلة وتوفير التسهيلات المصرفية والتأمين والخدمات كي يستعيد هذا القطاع عافيته ودوره في رفد الاقتصاد الوطني.
10. تفعيل قانون التعرفة الجمركية وقانون حماية المستهلك وقوانين التقييس والسيطرة النوعية وغيرها بهدف دعم قطاعي الصناعة والزراعة وتوفير الحماية لمنتوجنا الوطني وحماية المستهلك العراقي من السلع الرديئة الداخلة إلى بلدنا.
11. تحفيز عودة الكفاءات العراقية وضمان الاستخدام الناجع لخبراتها وطاقاتها.
12. إقامة علاقات اقتصادية تجارية ومالية مع دول الجوار والبلدان العربية والعالم على أساس المصالح المشتركة والمنافع والاحترام المتبادلين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
13. والمطلوب الآن هو الانطلاق الحقيقي على طريق تنمية اقتصادية- اجتماعية مستدامة ومتوازنة وتحقيق العدالة الاجتماعية والعناية بالكادحين والفئات الاجتماعية الأكثر تضررا وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل.
إذن لم يتحقق النمو في الاقتصاد العراقي وحسبما قال (د. فلاح الربيعي) في مقالته (فقاعة النمو الاقتصادي).. (لا يعد تنمية اقتصادية بكل المقاييس ناهيك بكونه تنمية مستدامة, ما تحقق فعلا هو تنمية للتخلف بجميع أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أسهمت في تكريس السياسات الاقتصادية التي طبقت في العقد الذي تلا 2003 فتلك السياسات همشت قطاع الانتاج الحقيقي في تخصيصات الإنفاق الاستثماري وأسهمت في ذلك إعادة إنتاج التخلف).
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟