|
حقيقة الصراع بين الإعجاز العلمي والإصلاح الديني
محمد ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 6671 - 2020 / 9 / 8 - 20:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في هذا العصر الذي أذعن فيه العالم بأمجاد العلم ولامست الأمم نتائجه المبهرة، حيث غدت الشعوب المتشبعة بالقيم العلمية تعيش فعليا حالة من اليودايمونيا، وكلما زاد تأثير العلم في مجتمع من المجتمعات زاد دنو ذلك المجتمع من الرافهية، وكلما زاد ابتعادا عن قيمه ازداد غرقا في البؤس والتعاسة والجهل وكل الآفات . في هذا العصر، استذوق العالم مجد العلم وتعرفوا إليه، ولما تعرفوا على العلم تعرفوا كذلك على كلمة "عالم" ، هذه الكلمة التي كان يستعلمها بعض رجال الدين التقليديين (الشيوخ) لتقديم أنفسهم للمجتمع، أما اليوم فلم تعد هذه الكلمة من متعلقات الفقيه التقليدي الذي رفض التطور تزامنا مع تطور العلم، وهكذا انزوى إلى الوراء وأفسح المجال إلى نظرائه من رجال الدين الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف، ولم يرفضوا خلع أسبالهم القديمة والبالية والإقبال على أحدث صيحات الموضة العلمية، عن المختصين في الإعجاز العلمي والمشتغلين به أتحدث . ولكن، رجال الإعجاز العلمي ليسوا وحدهم، فهناك صنف آخر من رجال الدين، عرفوا كذلك من أين تؤكل الكتف وهم "المصلحون الدينيون" أو "المتنورون" أو سمهم ما شئت، أولئك الذين تطوروا بدورهم مع كل قيم الحداثة والمواطنة وأقبلوا على قانون التطور سمعا وطاعة . دخل كل هولاء الأصناف الثلاثة من رجال الدين في حرب ضروس تروم إلى احتكار السلطة الدينية والتتويج بلقب الناطق الرسمي والأوحد باسم الدين، أما الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب أو لنقل السبب الجوهري، فهو رفضهم التام لتقاسم الأدوار والمهام ؛ فالشيخ لا يملأ عينه أن يناط به فقط كل ما هو طقسي أو تعبدي، والمصلح لا يرضيه أن يستأثر لنفسه بكل ما هو أخلاقي و اجتماعي فقط، والإعجازي لا يكتفي بالجانب العلمي، بل كلهم يريدون الجمل بما حمل. الشيخ التقليدي مقطوع له بالهزيمة في هذه الحرب التي لا معيار فيها للقوة باستثناء التطور ، فهو الآن في سكرات الموت يعيش أزمة وجود، وقد بدأ يستوعب حتمية فنائه القريب الذي لن يتجاوز -في نظري- قرنين من الزمان أو ثلاثة على أبعد تقدير، ولذلك فإن كل أفكاره المعادية للعصر والحداثة والرقي ما هي إلا تعبير عنيف عن نقمته على كل هذه الاشياء التي يعتبرها عدوة له، طبعا على أنغام البيت الشعري القائل"وإذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تموت جبانا" وتنفيذا منه لسياسة الأرض المحروقة انطلاقا من مبدأ علي وعلى أعدائي . أما فصول الحرب بين "رجل الإعجاز العلمي" و "المتنور أو المصلح" فهي لاتزال طويلة للغاية ولا أحد يمكنه التكهن بما ستفضي إليه وأيهما سينقرض أولا، والسبب في طول الحرب وعسر استحضار نتائجها بسيط، وهو أن كلاهما يستخدم نفس الأسلحة المنهجية : - التطور الدائم مع السيرورة. - رفض التفسيرات القديمة للموروث الديني . - تأويل النصوص المقدسة وبمعنى اقرب للصحة تحريفها. فكل هذه الاشياء مجرد وسائل منهجية في معركة البقاء اولا ثم الوصول إلى قمرة القيادة ثانيا، لكن الحق يقال؛ إن هذه هي أغرب حرب على الإطلاق، لأنهما كلاهما وجهان لعملة واحدة الإعجازي والمصلح المتنور . كما أن سبب الحرب الجوهري والذي هو رفض تقاسم الأدوار بين الإعجازي وبين المصلح الديني هو نفسه ما يقومان به الآن لكن دون شعور، فكلاهما منخرط في قضية الحفاظ على الدين وضمان بقائه من أجل مصالحهم الشخصية لا من أجل مصلحة الناس أو حبا في الدين، لأن بقائهم ملازم لبقاء الدين الذي يستغلانه في تحقيق مآربهم . بل إن الفرق الوحيد والأوحد بين رجال الإعجاز العلمي وبين المصلحين الدينين المتنورين هو أنهما يتقاسمان الأدوار من خلال هذه الآلية : الإعجازي يستهدف الجانب العلمي بينما المصلح يستهدف الجانب الإجتماعي والأخلاقي، الإعجاز يستهدف الدعوة إلى الدين وجلب الناس إليه وإدخالهم فيه، بينما المصلح يستهدف التبرير لهم من أجل البقاء فيه وعدم خروجهم منه عبر استبدال التأويلات القديمة للمورث الديني التي تعارض العصر بتأويلات جديدة تتوائم وقيم العصر . ففي النهاية كل الأهداف التي يبتغيها رجل الإعجاز العلمي و كذلك رجل الإصلاح الديني تصب في نفس المصب ألا وهو الحفاظ على الدين ونشره من أجل الاسترزاق والتكسب والحظوة والمكانة الإجتماعية المرموقة لا من أجل مصلحة الناس أو حبا في الدين . ولأن ازدهار العلم يؤدي بالضرورة إلى ازدهار القيم والأخلاق، فلأجل هذه التراتبية؛ فإن العلم والأفكار طبقة خارجية، بينما القيم والأخلاق طبقة داخلية، واسترسالا في هذا النسق، فإن رجل الإعجاز العلمي يتكفل بكل ما هو خارجي: العلوم وجلب الناس الذين هم خارج الدين إلى الدين ودعوتهم إليه، بينما يتفكفل المصلح الديني بكل ما هو داخلي: الأخلاق وتهذيب القيم الوجدانية والمعاملات الاجتماعية والحفاظ على الناس في داخل الدين وضمان عدم خروجهم منه . فالإعجازي يتولى مهمة الهجوم على خصوم الدين المفترضين من أجل توسيع الأقاليم وضمها، بينما المصلح يتولى مهمة الدفاع الداخلي، الإعجازي جندي، والمصلح شرطي أنيط به ضبط النظام الداخلي . فحرب هؤلاء الثلاثة من رجال الدين، هي حرب نشبت من أجل الريادة والقيادة فقط، لا لأن اهدافهم متضاربة أو أن مبادئهم متناقضة . فعندما تجد المصلحين الدينين يكتبون الكتب بالعشرات ويفندون من خلالها نظريات الإعجاز العلمي ويتهمون الإعجازيين بالكذب والسفسطة وهذا ما نشاهده اليوم صباح مساء، فاعلم بأنهم لا يفعلون ذلك من أجل أن تعرف أنت الحقيقة وإنما لغاية تحطيمهم فقط، وعندما تجد رجال الاعجاز العلمي يستشهدون بكتب السلف والفقهاء القدامى ويهمشون تأويلات المصلحين ويحجمون عنها، فليس لأنهم يحترمون الفقهاء ويدعمونهم وإنما فقط لغاية في نفس يعقوب . أما من يريد لك أن تعرف الحقيقة أن تعرف الحق، فهو من سيقول لك ابحث بنفسك وابحث في نفسك .
#محمد_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل البشرية نتاج لزنى المحارم ؟
-
جميلة أنت كجمال الجو في تلك الليلة
-
قصة خشوع التابعي الذي قطعت ساقه وهو يصلي
-
الإلحاد المتعصب
-
هل تنبأت التوراة بالعقيدة الإثني عشرية الشيعية ؟
-
لماذا نفضح الهلوسات الفقهية ؟
-
حقيقة الإعجاز الغيبي عن وسائل النقل الحديثة
-
الأبناء في الذهنية الفقهية
-
وجودتي المؤسفة
-
المفكر الإسلامي محمد ابو القاسم حاج حمد ونظرته الدونين للأبن
...
-
كيف ينظر الفقه الشيعي للمخالفين
-
لماذا يتراجع الملحد عن أفكاره عند اقتراب الموت ؟
-
نظرية العذاب الأبدي تسير نحو الأفول الأبدي
-
الدوافع الدينية والنفسية للإرهابي
-
غرائب الفقهاء : مسائل خيالية وأجوبة ذهانية وهلوسات
-
غرائب الفقهاء: حيل شرعية وشبهات
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|