مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 21:14
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
(صديقي الأبيض)
اللون الأبيض رافقني منذ صغري، وكلمّا أرى أيزيديا لا تكتمل صورته في ذهني إلا إذا كان مرتديا ثوبه الأبيض.
الأيزيدي شخص بثوب أبيض.
والأبيض هو لون الصحّة. الممرضات، والأطباء يلبسون الأبيض، وملاءات أسرة المرضى في المستشفيات بيضاء.
الشفاء لونه أبيض تمام البياض.
وإذا ما مات أحدنا، فكفننا سيكون أبيضا، وسترافق روحه ملائكة بيض إلى السماوات. الملاك أبيض، وله أجنحة بيضاء.
أجمل الغيوم هي الغيوم الصيفية البيضاء الناصعة البياض، وهي تسر الناظرين عندما ترفعها ريح خفيفة، وترسل الشمس من بينها ضحكتها. تلك هي غيوم صديقة فهي لا تحمل الضغينة؛ لأنها لا تزال عذراء وخالية من المطر.
والأبيض لون السلام، والسلام حمامة بيضاء.
السلام أبيض، والجنّة بيضاء.
ولكن الاستسلام أبيض أيضا، فالعَلم الأبيض هو راية الاستسلام.
والمخيم الذي نقلونا إليه خيامه بيضاء. بيضاء من الخارج ومن الداخل. آلاف الخيام، كلها بيضاء.
منظر مشبّع بالبياض، فهو من اليمين أبيض، ومن اليسار أبيض، ومن الأمام، ومن الخلف. وكأنه طوفان من الثلج، ولا يمكن التخلص منه إلا بالدخول إلى خيمة.
وما أن أهرب، وأتمدد حتّى يجابهني لون سقف الخيمة الأبيض جدا. أكره المخيمات، أكره خيمتي.
أكره اللّون الأبيض.
مشتاق لحديقتي الصغيرة الخضراء، وورودي الملونة.
مشتاق لغصن شجرة زيتون خضر في فم حمامة ليست بيضاء.
مشتاق للدخول إلى غرفتي، وتأمل اللوحات، والشهادات على جدرانها.
ولكنني في مخيم، وخيمتي تقع في القاطع (E) لا انتمى إلى هذا الحرف. لا شيء فيّ يمت بصلة إلى هذا الحرف. لم أنم منذ ست وثلاثون ساعة. بزغ الفجر. ليس من عادتي أن لا أنام.
هل سأموت؟
نهضت للمرة الرابعة والسبعين.
كلّ شيء أبيض. الفجر أبيض. السماء بيضاء، والأرض عبارة عن خيام بيضاء، وخرجت إلى الأبيض، وها هو قطيع من الغربان يطير فوقي.
تهاجر الغربان مثلي إلى مكان ما.
هذا القطيع لونه أسود يشبه السواد في حياتنا، آه، لقد تغيّر المنظر فجأة، تغيّرت الأصوات، اني أسمع نعيب الغربان، وقد أنام قليلا.
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟