هيثم الحلي الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 18:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الخيارات المتاحة لليوم الوطني للدولة العراقية: نطاق الدراسة في الحلقة السابعة, سيشمل الخيارات المتاحة لمناسبات العيد الوطني، وموجز الوقائع التي شكّلت مقدماتها, مع مناقشة تحليلية للرؤى السياسية والاجتماعية المختلفة إزاء كل منها, وأسبابها ومبرراتها، التي تشكل الاستجابة الفكرية والسياسية للمكونات المختلفة في النسيج السياسي الوطني، وتبحث الدراسة في دواعي الاتفاق والخلاف, بين المكونات الوطنية وانعكاساتها، التي تستمد جذورها الفكرية ومواقفها من الذاكرة التاريخية لها.
لقد شهدت الساحة الوطنية, وأروقة المجلس التشريعي والحكومة, والمؤسسات التابعة للدولة, فضلاً عن الهيئات السياسية والاجتماعية, تقديم مجموعة من المقترحات المستندة إلى الوقائع التي جرى عرضها, وعليه فإن الحلقة الأخيرة, تشكل مخرجات الدراسة, ومادتها الإستنتاجية.
لقد كان تفضيل كل جهة لمناسبة معينة, مرتبط بيوم معين، مستمد من رؤيتها السياسية والأيديولوجية الفكرية, وتقييمها للأحداث، وشكل الحكم ونظامه, الذي تسعى إليه, بما ينسجم وأفكارها ومدركاتها وقناعاتها العامة، فالقرينة الاستدلالية للأفكار المتقدمة, منحصرة بالغالب في الخيارات التالية:
1. يوم تشكيل الحكومة "الوطنية" النقيبة الأولى في ت2 1920: يشكل هذا التاريخ بقناعة المؤيدين له, الإيذان ببدء الحكم الوطني العراقي وتشكيل أول حكومة عراقية في الدولة العراقية الحديثة, غير أن الرافضين لهذا التاريخ, يعتبرون حكومة السيد عبد الرحمن النقيب الأولى, قد تشكلت برؤى وترتيب مباشر من قبل الاحتلال البريطاني, وجرى تسمية جميع الوزراء في الحكومة من خلاله، وقد رفض الكثير من الشخصيات الوطنية عروض الدخول فيها, لكونهم قد أنفوا من تعيينهم من قبل الأجنبي، من وجهات نظرهم, فيما يعدّها آخرون, خطوة أولى على الطريق, وإعلانا لتأسيس الدولة العراقية في العهد المعاصر, فضلا أنها من منجزات الثورة العراقية الكبرى, فاعتبرت الفكرة لاغيه, لجهة التباين في تقييمها.
2. يوم تشكيل الحكومة النقيبة الثانية في آب 1921: ويرى أنصار هذا المقترح, أنها أول وزارة تشكل بتكليف رمز سيادي, هو الملك فيصل الأول، وقد رفض المقترح لنفس الأسباب التي عورض بموجبها المقترح الأول, وكون الحكومة الثانية قد رتبت أيضاً من قبل الانكليز، رغم وجود الملك الهاشمي, على سدة الحكم, بموجب الاستفتاء والإجماع الشعبي، وتكليفه للنقيب برئاستها، ولكن الاختيار كان بريطانياً لشخصه، ولم يكن الملك بعد قد امتلك سلطاته بقوة دستورية، إذ لم يعتمد بعد الدستور, ولم يتشكل مجلس تشريعي دستوري منتخب, لشرعنه الحكومة.
3. ذكرى انطلاقة الثورة العراقية الكبرى في 30 حزيران 1920: كان الاختيار الآخر وهو ذكرى الثورة، التي عرفت في أدبيات التاريخ العراقي المعاصر بثورة العشرين، وكان المقترح يحضى بقبول واسع, ولكن لا إجماع عليه، ويتعلل أهل الرفض, بأن الثورة لم تحقق أهدافها بشكل كامل, وأنها وإن شكلت الضغط الحقيقي على الطرف البريطاني, للانصياع للمطالب الشعبية, وتشكيل الحكومة الوطنية، غير أنها تشكل حلقة في سلسلة من أحداث المقاومة المسلحة التي سبقتها, والتي أفرزتها ونتجت عنها, والتي قام بها الشعب العراقي إزاء الاحتلال البريطاني.
تقييم ثورة العشرين في الأدبيات البحثية: دونت الأدبيات البحثية لثورة العشرين, والدارسة لأسبابها، تقييمات متباينة لها وكما يلي:
أ. منها من يحشرها في خانة الطبقية والتأثر بالثورة الشيوعية العالمية، التي سادت أجزاء من العالم, إثر ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، في العام 1917, التي قادها في روسيا الحزب البلشفي[5], والتقارب الزمني بينهما, فهي أول ثورة شعبية بمستواها على صعيد المنطقة العربية عموماً والإقليم، وقد خرج بهذا التحليل, بحث المؤرخ الروسي الأستاذ "كوتولوف", في كتابه "ثورة العراق".
ب. تقييمات أخرى تحشر الثورة بمنظار قومي, لجهة العنوان العروبي لزعمائها, بمن فيهم الزعماء الدينيين, ذوي الأصول غير العربية العراقية، الذين أصروا على اختيار ملك عربي للدولة العراقية, ولم يطرحوا أو يؤيدوا خياراً آخر, حتى من داخل المؤسسة الدينية، ومثّل هذا الاتجاه, الشيخ محمد رضا الحائري, نجل قائد الثورة، الشهيد الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي, وكذا عموم أعضاء المجلس العلمي الأعلى, الذي تأسس في النجف لقيادة الثورة, والذي هو إمتداد لتنظيم حزب الجبهة, ذي الإتجاه القومي العروبي, خاصة لجهة التنسيق الواضح مع قيادة الثورة العربية في الحجاز, وإعتماد رايتها وأهدافها.
ج. وقد عبّر البعض الآخر عن الثورة من منظار عشائري, لجهة قيام زعماء العشائر العربية الفراتية, بقيادتها ميدانياً, لدواع وطنية حقيقية, وتأكيدا لدورهم المجتمعي القيادي, وبعضهم حفظاً منهم على امتيازاتهم, وطاعة أبناء عشائرهم لهم, وذلك ينسحب على ساحات الثورة الأخرى, وجبهاتها في عموم العراق, لجهة أدوار رؤساء العشائر فيها.
د. والتحليل الأكثر شيوعاً, وهو حشر الثورة في خانة المؤسسة الدينية, والولاء للمرجعيات الدينية، فقامت الثورة بهدف حفظ مكانتها الوطنية والاجتماعية, وهذا التحليل قد ينسحب إلى مساحة برؤية طائفية ضيقة.
وهذه التحليلات الضيقة, تستخدم أدوات صحيحة في التحليل, لكنها تعتمد مادة غير ملائمة، فالثورة قد قامت بأهداف معلنة لم تخفيها، وعملت بشفافية عالية، وقدمت تضحيات كبيرة، ولا زالت الوثائق البريطانية تعد عشائر بني حكيم "حجيم" في الرميثة, غير مستسلمة لها, لأنها وقعت اتفاقية وقف إطلاق النار بشروط مع الطرف الآخر، وقد اجتهد البحاثة الأستاذ علي الوردي, في دراسة الموضوع بعمق كبير, في مباحث كتابه الشهير "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق المعاصر".
وعليه لم يقر التاريخ المقترح, في إعتبار يوم الثلاثين حزيران، عيداً وطنياً للعراق، وهو أمر منطقي، باعتبار أن الثورة لم تنجز سائر أهدافها, في إقامة الدولة المستقلة, لكنها كانت قد وضعت العراق, على سكة هذا الهدف,ولكن يتوجب بالتأكيد, الإحتفاء بذكراها, بإعتباره يوما وطنيا خالدا, في تأريخ العراق المعاصر.
4. يوم تتويج الملك فيصل الأول في 23 آب 1921: يقترح أنصار النظام الملكي, اعتماد يوم التتويج والجلوس على العرش, عيداً وطنياً للعراق, باعتباره العيد القديم والأول في الدولة العراقية الحديثة، حيث أصبح لها رمزاً سيادياً, وتدعم الفكرة, الحركات السياسية المساندة لعودة النظام الملكي الدستوري الى الحكم، وهي تؤيد ترشيح أحد سليلي العائلة المالكة الهاشمية ملكا للدولة العراقية, وفق نظام ملكي دستوري "ويكون فيها حكماً لا حاكماً".
خيار الملكية وتنظيماتها: لقد نشطت عدة تجمعات سياسية, في المشهد السياسي والاجتماعي, في إتجاه خيار الدعوة للنظام الملكي, أو عودة عرش العراق الهاشمي, ومنها:
أ. الحركة الدستورية الملكية: [6]، أقدم تجمع ملكي، الراعي لها ومرشحها "لعرش العراق", هو الشريف علي[7] بن الشريف حسين[8] ، بن الأمير الشريف علي[9] "بن عم الشريف الملك الحسين[10] "، بن الشريف عبد الله " أمير مكة "، بن الشريف محمد آل عون الجد الأعلى للأسرة الهاشمية، التي ينتهي نسبها الى الإمام الحسن السبط، والتي حكمت الحجاز والعراق, ولا زالت في الأردن.
وقد أسقطت عبارة "الحركة" عنها لاحقاً, لتتحول إلى تجمع شعبي عام، وكان لها دور أوسع, في المراحل الأولى من تشكيل العملية السياسية، لكنها انحسرت مؤخراً خاصة في مساحة دعمها سياسياً واجتماعياً، واقتصرت على دعم شخصيات وحركات سياسيه, لها حضور سياسي محدود، وتشكل بعضها امتداداً لبعض الزعامات السياسية, إبان العهد الملكي أو أنجالهم[11], وقد فشلت الملكية الدستورية, في حجز مقعد لها في المجلس التشريعي، بدءا في انتخابات الجمعية الوطنية العراقية, التي ترشحت لها بقائمة مستقلة برئاسة الشريف علي, ثم تكرر ذلك الإخفاق في انتخابات مجلس النواب, بدورته الأولى, إذ ترشحت بقائمة متحالفة مع المؤتمر الوطني العراقي بزعامة الدكتور أحمد الجلبي, وكذا بدورته الثانية, إذ ترشحت ضمن قائمة الإتلاف الوطني, الذي شكل لاحقا التحالف الوطني, مع إئتلاف دولة القانون.
ب. الاتحاد الملكي الديمقراطي الدستوري: وهو تنظيم يدعو للملكية في العراق، لم يحقق الحضور الذي يؤهله للتواجد في الندوة البرلمانية، رغم اتساع رقعة نشاطه خاصة خلال المراحل الأولى لتشكيل العملية السياسية, في الكثير من محافظات العراق، وكان مرشح التنظيم للعرش, يشغل منصباً استشارياً في البلاط الملكي الأردني، وهو الأمير رعد, نجل الأمير زيد بن الشريف الحسين، الأخ الأصغر للملك فيصل الأول[12], كما أن الأمير الدكتور زيد بن رعد بن زيد, يشغل حاليا موقعا دبلوماسيا مهما في الحكومة الأردنية, وقد سبق ان رشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة, إذ تنافس بقوة مع الكوري "بان كي مكون" الذي يشغل الموقع حاليا.
ج. خيار الأمير الحسن بن طلال: سعت بعض الشخصيات في السياسة والإعلام, في مرحلة مبكرة من تشكيل العملية السياسية, وبدء المعاضل الأمنية والاجتماعية والسياسية، إلى تداول اسم الأمير الحسن, شقيق الملك الحسين العاهل الأردني الراحل، وولي عهده حتى قبيل وفاته، إذ أعفي من ولاية العهد, ليتولى العرش بدلاً عنه الملك عبد لله الثاني بن الحسين بن طلال بن الملك عبد الله الأول[13], وهو الشقيق الأكبر للملك فيصل الأول, ولم يرفض الأمير الحسن هذا المشروع, في الكثير من وسائل الإعلام, وينشط حاليا في البحث, من خلال مركز الفكر العربي.
وتعتبر الدعوة للملكية, من الوجهة الدستورية القانونية, لا زالت قائمة، ويكفلها الدستور العراقي, الذي ترك تقرير ذلك معلقاً, في حالة توفر طلب شعبي واسع، يجرى استفتاء للاختيار بين نظامها والنظام الجمهوري الحالي.
الجهات الداعمة لخيار الملكية: وتدعم الملكية الدستورية عموماً في المعادلة العراقية، الطبقات والأسر ذات النفوذ التقليدي القديم في المدن العراقية، وفضاء من رؤساء العشائر ومشايخها، الذين يرون فيها عودة إلى امتيازاتهم الاجتماعية, إضافة إلى بعض الاتجاهات التي ترى في الملكية, مخلصاً من الاصطفاف الطائفي في السياسة والمجتمع، لجهة القبول الشعبي العام التقليدي, الذي تتمتع به العائلة الملكية, لانحدارها من أسرة هاشمية شريفة، عرف لمكونات واسعة في المجتمع العراقي احترامها وولاءها لهذه الرمزية.
وقد لوحظ تركيز الملك فيصل الأول على هذه الجزئية, عند اختياره مناسبة عيد الغدير، موعداً لحفل تتويجه، ومن جهة أخرى أن العائلة تتبع مذهباً دينياً, يمثل طيفا كبيرا في المجتمع العراقي, فهي بذلك تلقى القبول التقليدي منها أيضا, وفي الوقت نفسه, فهي ليس لها جذر في فئة أو جهة, أو مكوّن إجتماعي بذاته, مما يجعلها على مسافة واحدة من الجميع.
ويضاف الى ذلك, ما حققته الملكية, في السلم الأهلي المجتمعي, الذي بدأ انهياراته مع بدء العهد الجمهوري, وكذلك الإنجازات التنموية, التي تحققت بفضل مجلس الإعمار, الذي كان يخصص له نسبة كبيرة في موازنة العراق, رغم محدودية إمكاناتنها.
الإتجاهات الرافضة لخيار الملكية: وفي الجانب الآخر, كان النظام السياسي في ظل الملكية, لا يتمتع بتأييد وقبول واسع, من الكتل الممثلة للطبقات الشعبية "الكادحة"، والريف العراقي المتعب، نتيجة التحالف التقليدي بين النظام السياسي ورؤساء العشائر والإقطاع والفئات المتنقذة "الارستقراطية", الذي ولّد شكلا من الصراع الطبقي في المجتمع، ولا زالت آثار ذلك, في الاتجاه المعارض للملكية, لدى تلك الأوساط وممثليها السياسيين، المعبر عنهم عموماً باليسار العراقي وممثلي الطبقات الشعبية، فضلا عن التيار القومي العروبي, الذي كان حليفا له في مرحلة العهد الملكي.
لقد شكلت الجمهورية لهذه التيارات, انتصاراً لفئات اجتماعية واسعة, للتمثيل السياسي, وشغل المناصب العامة, والمشاركة في المسؤولية, التي كانت حكراً لفئات منتقاة, في التمثيل الاجتماعي العشائري, ووجهاء المدن الكبرى, والنخب المتنفذة، باستثناء المؤسسة العسكرية, التي قبلت بفترات لاحقة, بعض الضباط, من التمثيل الاجتماعي الواسع[14], فكانوا النواة لتنظيم الضباط الأحرار.
والرفض الطبيعي الآخر, لخيار الملكية, هو من الكيانات السياسية الكردستانية، لجهة العلاقة غير الحميمة مع الحركة الوطنية الكردية تاريخياً، حيث شهد العهد الملكي منذ تأسيسه تحفظات كبيرة من الأكراد, كونه يمثل المكون العربي، برغم انغماس النخب المثقفة والسياسية الكردية التقليدية, في العمل السياسي والحكومي, وبولاء مطلق وبشكل واسع، حيث شغل الكثير منهم مناصب رئاسة الوزراء وحقائب وزارية وحتى مناصب رئاسة أركان الجيش، وكانت آخر حكومة عراقية برئاسة أحمد مختار بابان, حيث أسندت له للتطمين والموازنة, مع حكومة الإتحاد الهاشمي العربي[15] المتشكلة إلى جانبها, برئاسة نوري السعيد.
وظهرت العلاقة الكردية الغير ودية, منذ البيعة الملكية الفيصلية في عموم الوطن، والخطوات اللاحقة في العملية السياسية، ثم أحداث السليمانية بقيادة الأمير محمود الحفيد, وعشائر البرزنجية, الممتدة بعمقها إلى العهد العثماني، والتي لم تخمد بالقوة والسياسة, حتى انطلقت الحركة البارزانية في تخوم أربيل, بدءا بالشيخ عبد الكريم وأنجاله, حتى عهد الملا مصطفى البارزاني[16]، الذي قاد عدة حركات مسلحة في مواجهة الحكومة والجيش العراقي[17].
فتشير أدبيات تأسيس الملكية في العراق, والإجراءات التي رغب بها الملك فيصل الأول, لإستكمال تنصيبه ملكا في العراق, وذلك من خلال البيعة الشعبية, التي شاركت فيها سائر الألوية العراقية حينها, من خلال ممثليها والشخصيات الفاعلة فيها والوجهاء المعروفين في اللواء, فسارت الأمور كما رغب بها الملك العتيد, وأسفرت عن البيعة الوطنية وبنسب كبيرة.
وباستثناء لواء السليمانية, الذي لم تكن النتائج فيه كمثيلاتها في الألوية الأخرى, غير أنه جرى تكرار إجراءات البيعة, حتى سارت الأمور في اللواء, على وفق المطلوب, فجرت عملية التتويج بأريحية كبيرة, وفي الموعد الذي حدده الملك العتيد بنفسه, وهو يوم بيعة الغدير للإمام علي, وذلك لرمزية إنتساب الملك, للبيت الهاشمي النبوي, مما يمنحه الشرعية الدينية, إضافة للشرعية الشعبية, والدعم الدولي والإقليمي والعربي.
وبرغم إن المرحلة اللاحقة في الجمهوريات المتعاقبة, لم تكن مخملية, لجهة العلاقة بين الدولة والحركة الكردية، فقد شهدت نزاعات مسلحاة عنيفة, منذ السنة الأولى للجمهورية، وحتى إعلان الحكم الذاتي في السبعينات، والذي انهار بدوره, لتعقبه في الثمانينات, العمليات الأكثر قسوة في تاريخ القضية الكردية في العراق, غير أن الحركة الكردية عموماً, تعتبر نفسها جزءا من النظام الجمهوري, ومؤيدة له لاعتبارات موضوعية وتاريخية.
الجانب الرافض الآخر, هو في العلاقة غير الدافئة، للملكية عموماً, مع المؤسسة الدينية والمرجعية التقليدية، وقد ظهر ذلك جلياً, في عدم تحمس هذه المؤسسة لرموز الدعوة الملكية، والذي قد تكون من أسبابه, شكل العلاقة بين المؤسسة الدينية التقليدية, والتيار الإسلامي السياسي، وأن بعض أطراف هذا التيار, قد ولد في رحم المؤسسة الدينية، وبذلك ترددت المرجعيات الدينية كثيراً, في تأييدها للخيار الملكي, وبعضها عارضته علناً، فضلاً عن أن الرمزية في الانحدار عن السلالة الهاشمية, لا تشكل ميزة, أو فارقاً كبيراً في هذه العلاقة، لتوفرها أيضاً لمكونات واسعة في المؤسسة الدينية والكثير من البيوتات والأسر والعشائر العراقية، والسواد الأخر منها, تشكل أعمدة لأنساب وقبائل شريفة كبرى في المجتمع العراقي.
المؤشر الآخر الواضح, يتمثل في عدم تحمس الإدارة الأمريكية لهذا الخيار، إن لم تعارضه علنا, لمخالفته اتجاهاتها الفلسفية وإدعاءاتها القيمية, بلدعوات الى التحرر والجمهورية ورفض الأفكار المحافظة، عكس الجانب البريطاني, الذي أسس الملكية العراقية في الأصل, ودعم الحركة المعاصرة الداعية لها, من مطلقاته التقليدية، غير أن المؤكد أن بريطانيا, لا تملك الكثير, لصنع القرار في العملية السياسية في الدولة العراقية المعاصرة.
الموقف المجتمعي من الملكية: بقيت بقايا الملكية ومؤيدوها, تعيش في أمجاد الماضي, رافعة العلم الملكي العراقي، وهو الراية الأولى للثورة العربية الكبرى, التي رفعها الشريف الحسين عندما انطلقت في الحجاز عام 1916[18], وكانت المستشارة السياسية في دار الاعتماد البريطاني المس بيل، قد سعت لتأييد بقاء الراية الفيصلية للثورة العربية, علماً رسمياً للعراق، مع إضافة نجمتين ذهبيتين "كوكبة" على جانبيه, للدلالة على القوميتين الأكبر, العربية والكردية، التي يجمعها نهرا دجلة والفرات.
ولا زالت الملكية وأنصارها، تحتفل بيوم التتويج لفيصل الأول، وتقيم سنوياً في يوم الرابع عشر من تموز, مجالس العزاء في ذكرى "استشهاد" حفيده الملك الشاب فيصل الثاني, وولي العهد الوصي السابق على العرش, خاله الأمير عبد الإله, ونساء العائلة المالكة، حيث قضت العائلة، عدا أسرتي الأمير زيد, والشريف الحسين بن علي، زوج الأميرة بديعة بنت الملك علي, والأميرة هيام, زوجة الأمير عبد الإله, وبنت أمير ربيعة, محمد الحبيبي, في ذلك الصباح, من يوم 14 تموز 1958م، فانتهى معها العهد الملكي في العراق .
وفي المقابل تحتفل سائر الفئات الاجتماعية والكتل السياسية بنفس اليوم, ذكرى "تفجير الثورة" التي وضعت العراق على طريق التحرر والاستقلال عن التبعية الأجنبية، خاصة أن جيلين أو أكثر من المجتمع, ظهر وهو يحتفل بعيد الثورة, وتربى وفق هذا التصور, في مناهج التربية الوطنية والتاريخ المعاصر، واستماعاً من الآباء الذين بغالبيتهم, كانوا جزءاً مما يعرف بالحركة الوطنية التحررية, وهذا هو السبب وراء الرفض الشعبي لخيارات الملكية, في تحديد يوم العيد الوطني الرسمي للدولة العراقية.
5. المؤيدون لذكرى ثورة تموز وقيام النظام الجمهوري: إن الحجم الكبير من الأوساط السياسية والاجتماعية، تنظر إلى يوم 14 تموز 1958, الخيار الأمثل والشرعي, ليكون يوما وطنيا للدولة العراقية, بصفته يمثل فصلاً حاسماً في التاريخ السياسي المعاصر، إذ سقطت فيه الملكية, وتأسس النظام الجمهوري, أو النهضة العراقية الحديثة، التي شهد العراق فيها, انجازات وتحولات واسعة, في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إنسجاما مع الساحة العربية, التي بدأت بالتحولات الثورية الى النظم الجمهورية, إقتداء بالشقيقة الكبرى مصر, التي تحولت الى النظام الجمهوري, بعد حركة يوليو تموز, من العام 1952, بقيادة الزعين عبد الناصر.
وبالتالي فإن أجيالاً عراقية عدة, لم تعرف غير الجمهورية، واعتادت التفاخر فيها والاحتفاء بانجازاتها، كونها قد ترعرعت في ظلها، ولم تعي سواها نظاما للحكم, فضلاً عن الكثير من الأوساط المثقفة, التي تعدّ الحكم الجمهوري تقدماً للأمام, مقابل الملكية بوصفها تراجعاً إلى الخلف .
غير أن الاصطفاف السياسي والفكري الحاد, الذي ظهر في صدر المرحلة الجمهورية, قد فرز المجتمع تبعاً له إلى اتجاهين، قد برزا في تلك الحقبة، الأول الاتجاه الوطني الديمقراطي اليساري[19]، والاتجاه الثاني القومي العروبي[20], وقد تميز الفرز بعنف سياسي واجتماعي، تولد عنه انحسار للأمن والاستقرار, نتيجة تعدد المحاولات لقلب نظام الحكم بالقوة العسكرية, من قبل أنصار الاتجاه الثاني, في مقابل إستئثار الإتجاه الأول فيه, قبل أن يتحول الصراع العنيف بينيا, بين أنصار الإتجاه القومي العروبي أنفسهم.
إن السبب في تأزم مستوى الصراع, هو انتقال الاصطفاف السياسي الشعبي, من المؤسسة السياسية والمجتمعية, إلى المؤسسة العسكرية، إذ انتقل الفرز السياسي نفسه إلى صفوفها، حيث تحلق كل طرف فيها, حول أحد قطبي "الثورة", والحكم الجمهوري الجديد، وهما رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الزعيم "العميد الركن"[21] عبد الكريم قاسم، ونائب رئيس الوزراء نائب القائد العام للقوات المسلحة وزير الداخلية, العقيد الركن عبد السلام عارف[22].
وبرغم أن الرجلين لم يلحظ عليهما قبل الثورة, أي خلاف إيديولوجي سياسي، بل إنهما لم ينضجا سياسياً وفكرياً لمستوى الفكر والسوق "الإستراتيجية"، وفق التأهيل المهني العسكري, الذي حضيا به، ونسبة للرتبة العسكرية التي كانا يحملانها, والمناصب التي شغلاها قبل الثورة, الذي لم يتعد مستوى "آمر لواء", وكانا مؤهلين لإشغاله بجدارة، وهو دون ما تحملا مسؤوليته, في الدولة والسياسة والحكم, بثلاث طبقات أو أكثر, وهو الأمر الذي عانته جميع الأنظمة والحركات الثورية العسكرية أو الراديكالية, في سائر الأقطار العربية, سواء التي سبقت العراق وهي "مصر", في نموذج المشير عبد الحكيم عامر, والأخرى التي ظهرت بعده.
والحقيقة الأخرى, أن الجدل السياسي العقيم, الذي ساد وقسّم المجتمع العراقي, بين الهويتين الوطنية "القطرية" والقومية، وانسحابه إلى المؤسسة العسكرية, والتي كان عليها أن تنأى عن الخلافات السياسية والإيديولوجية، كان يمكن حصره في نطاق الحوارات الفكرية الثقافية والمراكز البحثية، التي ستجتهد حتما, بعدم وجود المبرر للتقاطع المجتمعي بين الاتجاهين.
لقد انتقل هذا السجال الفكري عبر قاطرة الزمن, وامتد أثره في الخلاف السياسي الحضاري, حول خيار اختيار المناسبة الوطنية وتقييمها، مما يتطلب استيضاحه من التاريخ, إذ أن مناسبة ذكرى الثورة, أصبح يحتفى بها, من قبل أنصار التيار اليساري, والحجم الأكبر من الوسط الوطني, غير المتحمس للفكرة القومية, باعتبارها ذكرى للزعيم, وتخليدا له, وإنصافا لذكراه, دون أن يكون للجهات التي شاركته في تنفيذ الثورة, وبعضها سبقته الى التنظيم والتخطيط اليها, أية مساهمة في الذكرى, مما جعلها محل إختلاف, وليس توافق سياسي ومجتمعي.
ذكرى يوم الاستقلال بين وقائع الماضي ومعطيات الحاضر: لقد جرى في الحلقة السابقة, مناقشة الخيارات المستحدثة لليوم الوطني, وخاصة يوم إسقاط النظام السابق, يوم التاسع من نيسان 3003, والذي جرى رفضه منطقيا, عند الإحتفاء الرسمي, بيوم جلاء القوات الأجنبية عن العراق, وإنهاء إحتلالها العراق, بما سمي بيوم العراق, في آخر أيام العام 2011, وقد حسم مجلسا الوزراء والنواب, هذا السجال, في إختيار يوم الثالث من تشرين الأول, الذي يصادف يوم إنهاء الإنتداب البريطاني, ودخول العراق عضوا في عصبة الأمم, والذي ترتب عليه الإعتراف الدولي بالعراق, كدولة مستقلة كاملة العضوية, متفوقة على سائر الدول العربية الأخرى, إذ تبعته المملكة المصرية, بعد ذلك في خمسة أعوام.
إن اختيار ذكرى الاستقلال, بيومه في 3 ت 1932, عيداً وطنياً رسمياً للدولة العراقية، يمثل وسطاً جامعا ومشتركاً, تلتقي فيه جميع الفئات السياسية والاجتماعية, ولا يشكل تقاطعاً مع أية جهة منها، وهو يشكل فرصة لإثارة اهتمام الجيل الشاب من العراقيين, للتعرف على الحدث والواقعة, والذكرى المرتبطة فيها, في تعاضد الجميع لانجازه وتحصيله, وفق ما يشكله على المستوى الوطني والدولي والإقليمي.
فالحدث يسجل تقدماً على سواه, من الدول العربية, في إنجاز بنائه لدولة المؤسسات مبكراً, وفي تشكيله لعملية سياسية, سارت وسط أمواج من اختلاف الرؤى والأفكار, لكنها اشتركت في الجامع الوطني لبناء الدولة, حيث شغل العراق الموقع, الذي يليق بمكانته التاريخية والحضارية والبشرية, والذي يستحقه لحجم الموارد المادية التي يمتلكها, وموقعه الحيوي العالمي, ودوره المحوري في الوطن العربي والعالم الإسلامي, فهو بذلك يعد الخيار الأمثل والتأريخي, والوطني الجامع, والذي يتمتع بالأرجحية الكبيرة والمنطقية, على سائر الخيارات الأخرى.
ومن شأن هذا الخيار الوطني وخرجاته, أن يتعلم الإنسان العراقي, خاصة الجيل الجديد, من تجربته الذاتية نفسها, والتي بناها بظروف مشابهة, لما يمر به اليوم, إن لم تكن أقسى منها، مع تداخل العوامل المؤثرة المتقاطعة, والتأثيرات المتشابكة، لكن مخرجاتها يجب أن تنسجم مع تطلعاته, كشعب حي ضارب بعمقه في التاريخ, وصانع لأول حضارة في تأريخ الإنسانية, والذي كتب الإنسان على ترابه, كلمته الأولى, وقدم العلوم والمعارف والثقافات الى سائر شعوب الإنسانية, فهو جدير بمسيرته نحو البناء والازدهار والتحرر والاستقلال، باستحضار الحالة التي تميزت بعقلانية رجاله وزعمائه, في السير بالبلاد إلى شاطئ الاستقرار والأمان والعدل, والتطور الحضاري, وبناء الدولة العصرية.
دهيثم الحلي الحسيني, باحث في الدراسات الإستراتيجية, والتأريخ العسكري المعاصر
هوامش الدراسة: [5] ويعني في الروسية جماعة الأكثرية, وهو الممثل للطبقات الكادحة والشغيلة, من العمال والفلاحين، الذي تحول لاحقاً الى الحزب البلشفي, أو حزب الأكثرية, ثم الشيوعي الروسي, ثم الشيوعي السوفيتي، مقابل "المنشفيك" وهو حزب الأقلية, الممثل للطبقات الأخرى والكثير من الضباط, الذين مالوا إلى العمل القومي والوطني، فكانوا يمينا مقابل اليسار، وقامت الحرب الأهلية بينهما، التي انتهت بانتصار الشيوعيين بقيادة الزعيم فلاديمير لينين.
[6] المصادر: وثائق الإعلام للملكية الدستورية، كتاب أمراء البلد الحرام، أدبيات البحث والدراسة في العائلة الملكية العراقية.
ودراسة إعلامية تعريفية "بروفايل", عن راعي الملكية الدستورية الشريف الحسين بن علي، في مقابلة صحفية موسعة معه, ومع أركان الحركة الملكية الدستورية، دهيثم الحلي الحسيني، موقع معهد صحافة الحرب والسلام iwpr، مقر الحركة في قصر الخضيري, بغداد, 2004.
[7] ابن الأميرة بديعة خالة الملك فيصل الثاني, وبنت الملك علي, عاهل الحجاز المخلوع والشقيق الأكبر للملك فيصل الأول. المصدر السابق.
[8] كان الشريف الحسين, يشغل منصب المستشار السياسي للملك فيصل الثاني, وهو زوج خالته, ومن أشراف الأسرة الهاشمية، وكونه يسكن خارج القصر, فقد نجا وعائلته من حادثة مقتل الأسرة, ولجأ مع أسرته إلى السفارة السعودية, ومنهاغادر العراق إلى بيروت, ثمأقام في لندن مع أسرته, والشريف علي أصغر أنجاله, إذ غادر العراق مع أبيه طفلا، أكمل تأهيله العالي في الاقتصاد السياسي، وانتخبته العائلة في المنفى, راعيا للملكية ومرشحا للعرش.
[9] الأمير الشريف علي, هو أمير مكة والحجاز, بعد وفاة أبيه الأمير الشريف عبد الله, في العام 1904م، نافسه على الإمارة, بن عمه الشريف الحسين بن علي، بدعم من الدولة العثمانية, إثر إنقلاب الإتحاد والترقي, فخلعه عنها ونفاه إلى مصر، وهو أيضا خال الملك علي وأخويه، الملك عبد الله أمير شرق الأردن ثم ملكها, بعد ضم الضفة الغربية لفلسطين إليها بعد النكبة، والملك فيصل الأول, أول ملوك العراق.
[10] الشريف الحسين بن علي، أمير مكة ثم ملك الحجاز، ووالد الملك فيصل الأول وإخوته، خلعه حلفاؤه البريطانيون عن المملكة، ونصب ولده الأكبر الملك علي، ملكا في الحجاز, ونفي الى قبرص, ومنها سمح له بالمغادرة الى العقبة في الأردن, حيث نجله الأمير عبد الله, على إمارة شرق الأردن, ثم الملك الأول المؤسس, للمملكة الأردنية الهاشمية, ولا زال قبر الزوجة الصغرى للشريف الملك حسين, والدة الأمير زيد, وحفيدة الصدر الأعظم, خديجة خاتون, شاخصا في مقام السيدة أم حرام, في ضواحي مدينة لارناكا القبرصية, إذ توفيت فيها, عند مرافقة زوجها في منفاه القبرصي.
[11] الحركة الوطنية العراقية التي يتزعمها الأستاذ سعد صالح جبر، نجل رئيس الوزراء المعروف في العهد الملكي، وأطراف من التحالف الوطني العراقي والمؤتمر الوطني العراقي.
[12] الأمير زيد بن الحسين, الأخ الأصغر للملك فيصل الأول, والذي رافقه في سائر سيرته, قائدا لقوات الثورة العربية في شمال الحجاز, ثم ملكا في سوريا, ومن بعدها ملكا مؤسسا في العراق, عين سفيرا للمملكة العراقية في لندن, حتى صبيحة سقوط النظام الملكي يوم 14 تموز 1958م, نافس بن أخيه الأمير عبد الإله, خال الملك فيصل الثاني, على الوصاية وولاية العهد للملك، لكنه لم يفلح، فجرى إبعاده الى لندن, إذ أثبتت وثائق الأسرة الملكية الدستورية, حصر الوراثة في أنجال الملك فيصل الأول, ثم أنجال الملك علي, دون سواهم, فضلا عن وصية الملك غازي, الى زوجته الأميرة عالية بنت الملك علي, بالوصاية وولاية العهد, الى أخيها الأمير عبد الإله.
وقد سلم الأمير زيد من الأحداث صبيحة الثورة, والتحق إلى الأردن مستشارا ونائبا للملك، وهو نفس المنصب الذي خلفه عليه نجله, الأمير رعد بن زيد, المرشح لعرش العراق, من قبل الإتحاد الملكي الدستوري, برعاية الإعلامي نبيل الجنابي, وحاليا يتولى نجله الأمير الدكتور زيد بن رعد, منصبا دبلوماسيا رفيعا في المملكة, وقد ترشح لمنصب الأمانة العامة للمنظمة الأممية.
[13] الملك عبد الله الأول بن الحسين, الشقيق الأكبر للملك فيصل الأول، والمرشح الأسبق لعرش العراق من قبل الحركة الوطنية العراقية إبان الثورة العراقية، نجل الشريف الحسين, أمير مكة وملك الحجاز, تولى إمارة شرق الأردن, وبعد ضم الضفة الغربية الفلسطينية اليها, أعلن تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية, ونودي به ملكا عليها.
[14] وقد ذكر ذلك صراحة في مذكراته, الدكتور صالح مهدي البصام, وكان من النخب الاجتماعية المقربة للبلاط الملكي, والمسؤول عن تهريب الباشا نوري السعيد, من منزله المجاور له على دجلة, الى بيت الأسرة الإستربادية في الكاظمية, معتبرا ذلك الانتماء المرفوض في المؤسسة العسكرية, من الفئات الشعبية العامة، هو السبب في خيانة النظام والولاء للعرش، أهـ . عن مذكرات الدكتور صالح البصام ومقتل نوري السعيد، بيروت 2003م.
وهو رأي متسرع لجهة الأسباب المتعددة والمعقدة لمقدمات ثورة تموز وإسقاط الملكية, تفاصيل موضوع الدراسة في "المؤسسة العسكرية العراقية ودورها السياسي بعد العام 1958م"، الباحث دهيثم طالب الحلي الحسيني، بيت الحكمة، نيسان، 2004م.
[15] كانت الحكومة الاتحادية, برئاسة الباشا نوري السعيد, تضم حقائب الخارجية والدفاع والمالية، لوزراء عراقيين وأردنيين، فيما تضم الحكومة العراقية برئاسة بابان, الحقائب الوزارية الأخرى، ا هـ عن الحسني، الوزارات العراقية. وموسوعة العراق السياسية، عبد الرزاق أسود.
[16] الملا مصطفى البرزاني, من القادة البارزين في الحركة الوطنية الكردية, وهو النجل الأصغر لمؤسس الانتفاضة البارزانية، ورث عن أخوته ووالده نفوذا دينيا واجتماعيا وسياسيا، أسس الحزب الديمقراطي الكردستاني لقيادة الحركة الوطنية، وتربطه مع الرموز الوطنية العسكرية, من الضباط الأحرار في الجيش العراقي صلات قوية، لم تلبث أن انحسرت لدواعي المطالب بالحقوق القومية الكردية، واستمر أنجاله بقيادة الحركة الوطنية الكردية من بعده، وشغل نجله مسعود البارزاني, رئاسة إقليم كردستان العراق، بعد انتخابه له، وزعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني.
[17] تعرف بأدبيات التأريخ العسكري العراقي, بحركات برزان الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وقد أرخ لها الفريق نوري السعيد باشا نفسه, بمحاضرات في كلية الأركان العراقية, إبان عهده في رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع العراقية. عن وثائق كلية الأركان, ومحفوظات المدرس الأقدم في الكلية سابقا, اللواء المهندس الركن, دهيثم الحلي الحسيني.
[18] راية الثورة العربية الكبرى, بألوانها الأربعة, التي ضمنها بيت الشاعر العراقي صفي الدين الحلي, بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا, أو هي تمثل ألوان الدول الإسلامية في التأريخ الإسلامي, الراشدة والعباسية والعلوية والأموية, حسب تسلسل البيت الشعري, ولا زالت معظم الدول العربية, تحمل هذه الأوان الأربعة في أعلامها الرسمية, وهي العراق ومصر والسودان وسوريا والأردن وفلسطين والإمارات والكويت واليمن, وألخرى لإجزاء منهذه الأوان, كما إتخذته الأحزاب القومية العروبية راية لها, تحت مسمى علم الثورة العربية, وعلم الثورة الفلسطينية.
وقد إنطلقت الثورة العربية الكبرى في الحجاز عام 1916، في النصف من شعبان, برصاصة أطلقها الشريف الحسين، وتاسست إثرها المملكة الحجازية, إذ نودي بالملك الشريف حسين عليها, وشاركه فيها أنجاله الأربعة, فتولى الأمير علي, قيادة الداخل, ثم ورث الحكم بعد نفي أبيه الى قبرص, حتى سقوط أخر مواقع المملكة, في المدينة المنورة, بإحتلاله بقوات الأمير عبد العزيز بن سعود, الذي ألحق الحجاز بإمارة نجد, ثم نودي به ملكا عليها, مؤسسا للملكة العربية السعودية.
وحارب تحت الراية, نجل الملك الأمير عبد الله, الذي دخل عمان, واسس فيها إمارة شرق الأردن, ثم ألحق اليها الضفة الغربية الفلسطينية, مؤسسا للمملكة الأردنية الهاشمية, ونودي به ملكا عليها.
وكذا حارب تحت راية الثورة العربية الكبرى, الأمير فيصل, في قيادته للجيش الشمالي حتى دخوله دمشق، وتشكيله فيها أول حكومة عربية في العصر الحديث، قبل أن يخلعه الفرنسيون عنها, بعد معركة ميسلون في خريف 1920، وكان النجل الأصغر الأمير زيد, برفقته في مسيرته, ثم تولى عرش العراق, بطلب القادة العراقيين ورموز الثورة العراقية الكبرى, وتأييد البريطانيين, فضلا عن المساندة العراقية الشعبية, والبيعة العامة لتنصيبه.
[19] مثله الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي وبعض التنظيمات اليسارية الأخرى, مثل حزب الشعب والحركة الشعبية والقاسمية.
[20] مثلته حزب الاستقلال أولا, ثم حركة القوميين العرب والحركة الاشتراكية العربية وحزب البعث العربي الاشتراكي، والتنظيمات القومية الأخرى المتشكلة بعدها، أو المنشقة عنها.
[21] الزعيم عبد الكريم قاسم, رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة, استمر برتبته العسكرية, وتدرج وفق استحقاقه طيلة عهده, برغم توليه المناصب القيادية في الحكومة والمؤسسة العسكرية، إذ ترفّع إلى رتبة لواء ركن، بعد الثورة في العام 1958, في جدول الترقية اللاحق, في 6ك2 1959, ثم استحق رتبة فريق ركن, فترفع إليها في 6 ك2 1963م، قبيل انتهاء عهده بإعدامه في 8 شباط عام 1963, على يد أنصار التيار القومي العروبي, من الحزبيين المدنيين والضباط الممثلين لهذا الإتجاه.
عرف الزعيم قاسم بنزاهته الملفته, وزهده عن أشكال الفساد, وترفعه عن إستغلال المنصب, وتميز عهده بتطبيق الإصلاحات الاجتماعية لمصلحة الفئات الشعبية، وقمع المعارضة القومية العروبية بالقوة, منذ أحداث الموصل عام 1959, وإعدام قادتها الضباط, وجلهم من قياديي الضباط الأحرار, المشاركين في ثورة تموز تخطيطا وتنفيذا, وأبعد رفيق دربه ونائبه وشريكه في قيام الثورة, عبد السلام عارف, عن الساحة السياسية, بتهمة عدم الولاء, فضلا عن الخلاف الفكري والسياسي.
[22] الرئيس عبد السلام محمد عارف, نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية ونائب القائد العام للقوات المسلحة, في حكومة ثورة تموز 1958, وكان برتبة عقيد ركن, وقد قاد بنفسه, اللواء الآلي الذي نفذ الحركة ودخل بغداد, وإحتل المواقع الحساسة فيها, صبيحة يوم الثورة. وقد تولى رئاسة الجمهورية في 8 شباط 1963، منح إثرها رتبة مشير ركن "مهيب"، وتعد سابقة, وخارج تقاليد المؤسسة العسكرية العراقية, نفذ في صدر ولايته, حكم الإعدام برفيق الأمس وقائده, الزعيم عبد الكريم قاسم, وأركان حكمه.
نجح الرئيس عارف, بإقصاء شركائه ومنافسيه في السلطة, بحركة عسكرية في 18 ت2 1963، خاصة من البعثيين, المنفذين الفعليين للحركة العسكرية الإنقلابية, على الزعيم قاسم, المعروفة بحركة الرابع عشر من رمضان, في 8 شباط 1963, بمشاركة قواعدهم المدنية والعسكرية, وقادتهم الحزبيين, وكبار الضباط الذين إنتموا للحزب, لهذه الغاية, ومعهم أنصار التيار القومي العروبي الأخرين, كحركة القوميين العرب والحركة العربية الإشتراكية, فقيل أن الرئيس عارف, قد أخرج من السجن, الى رئاسة الجمهورية.
وقد عرف باتجاهه للوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة, والولاء للزعيم العربي, الرئيس جمال عبد الناصر، ضمن الإتجاه القومي العروبي الناصري, وكان يمثل رمزا لهذا الإتجاه, في فترة الصراع السياسي, مع الزعيم قاسم ومريديه, وأنصار التيارات اليسارية, من الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين, وذلك في صدر الحكم الجمهوري, ثم قضى في حادث طائرة فوق البصرة, في العام 1966.
#هيثم_الحلي_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟