أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق مثليي الجنس - خالد تركي آل تركي - المثلية الجنسية: دفاعاً عن إنسانية الإنسان















المزيد.....


المثلية الجنسية: دفاعاً عن إنسانية الإنسان


خالد تركي آل تركي

الحوار المتمدن-العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 09:52
المحور: حقوق مثليي الجنس
    


كثيراً ما يتشدَّق بالعلم والدراسات العلمية المطالبون بحرية المثلية الجنسية، ولو افترضنا أن العلم أثبت أن المثلية ميل طبيعي وموجودة في بعض الكائنات الحيوانية أو تم تحديد جينات معينة مسؤولة عن الميول المثلية، ‏‎فإن العلم ليس كل شيء، مقابل العلم هناك الدين والفلسفة والفن، عندما يتم إقصاء كل هذهِ الأنشطة باسم العلم فإن ذلك يعني(النزعة العلموية) والتي تعني بالنسبة لي إلغاء حرية الإنسان ونزع كرامته وجعله أقرب إلى الآلة وتلاشي الفرق بينه وبين الحيوان، تعني التنازل عن إنسانية الإنسان(ولقد كرَّمنا بني آدم)، تعني التخلي عن الأخلاق والقيم، كل ذلك يتم باسم العلم!
ثم إن العلم ليس من اختصاصه أساساً أن يحكم على هذا الأمر أخلاقياً كان أم لا، حسنا أم قبيحاً، صائباً أم خاطئاً، الحكم في ذلك هو إجماع البشر والنزعة الإنسانية المُتمثِّلة في صوت الضمير والدين والأخلاق. كل ما يستطيعه العلم في تلك القضية هو البحث عمَّا إذا كانت هناك عوامل بيولوجية(جينات محددة مثلاً) تقف خلف الميل الجنسي للفرد، بالإضافة إلى إمكانية إثبات أو دحض تأثير العوامل البيئية والاجتماعية والنفسية والمواقف التي كان الفرد خاضعاً لها وواجهته خلال حياته.
ومن السخف أن نجد من يستشهد ببعض الحيوانات التي وُجِد عندها ممارسات لهذا النوع من السلوك الشاذ ليُبرِّر للإنسان هذا السلوك المنحرف!
فلا وجه للمقارنة هنا، فالفرق بين الإنسان والحيوان فرق في النوع وليس في الدرجة، يقول بيجوفيتش:
"إن الفرق بين الإنسان والحيوان ليس شيئاً جسمياً ولا عقلياً، إنه فوق كل شيء أمر روحي يكشف عن نفسه في وجود ضمير ديني، أو أخلاقي أوفني"(بيجوفيتش، 2010م).
كذلك مسألة قِدم هذا السلوك وتواجده لدى شخصيات تاريخية لا يعطيه الشرعية أو السواء، جريمة القتل حدثت مع ابن آدم عليه السلام من أخيه ولازال الناس يقتلون بعضهم بعضاً حتى الآن، فهل نُشرِّع للقتل ونجعله سلوكاً طبيعياً ونحترم حرية من يطالب بممارسة ميوله للقتل والإجرام؟
هناك موت ولكن الحياة هي الأصل.
هناك مرض ولكن العافية هي الأصل.
هناك كراهية لكن الحب هو الأصل.
هناك انحراف وشذوذ ولكن السواء والفطرة هما الأصل.
وجود المتضادات لا يعني الاستسلام والخضوع لها والقبول بها، وجودها يعني مجاهدتها ومقاومتها ونبذها بكافة الطرف والوسائل حتَّى تستقيم الحياة وننعم بالعافية وينتشر الحب وتعود الفطرة.
إن ذلك المثقف الذي يسعى إلى التساهل مع تلك القضية ويحاول تمريرها بشكل أو بآخر من خلال أعماله، خائن لنفسه ولمجتمعه وعار على منظومة الثقافة والفكر، بل عار على الإنسانية! لو سألنا هذا المثقف: هل تتمنى أن يكون ابنك أو ابنتك من المثليين؟ أم أنك تتمنى أن يكون أبناؤك أسوياء يعيشون حياتهم ويمارسون أنشطتهم(كالنشاط الجنسي) بصورة طبيعية وشرعية(قانونية)؟
أجزم أنه سيتمنى ويرجو أن يكون أبناؤه أسوياء ومتوافقين مع الفطرة وقيم المجتمع.
المثلية ابتلاء في الميل الجنسي للإنسان، إن لم يُشفى صاحبه/تها من هذا الميل فيجب عليهم الصبر على هذا البلاء وسيُؤجرون عليه، مع ضرورة اللجوء للطب النفسي حتى وإن لم تكن النتائج مشجعة، فيكفي شرف المحاولة.
ويجب أن يتوقَّف عن مشاهدة المقاطع الإباحية وممارسة(الاستمناء)، لأن تلك العادة سَتُعزِّز ذلك الميل الجنسي لديه أكثر فأكثر حتى يصل الفرد إلى الشعور بأن تلك الميول أصبحت جزء لا يتجزَّأ من شخصيته والتي لا يراها تكتمل سوى بحضور تلك الميول.
ويرى الدكتور أحمد عكاشة أن العلاج السلوكي القائم على التنفير أعطى نتائج مشجعة، وذلك من خلال إعطاء مؤثِّر يسبب الألم كالصدمات الكهربائية البسيطة بالتزامن مع تخيُّل الفرد للصور التي تستثير وتؤجِّج تلك الميول، أو حقن الفرد بحقن خاصة تسبب الألم أو الشعور بالغثيان، وبالتالي يبدأ هذا الإنسان تدريجياً بالشعور بالنفور والكراهية تجاه هذا السلوك ولا تستثير غريزته الجنسية رؤية تلك المظاهر والصور كما في السابق. إلا أن الإشكالية تكمن في أنه لم يثبت حتى الآن أي نتائج مشجعة في محاولة تعديل ميول الفرد وتوجيهها وإعادتها إلى صورتها الطبيعية(عكاشة، ص٦٣٢).
‏‎الشخص قد يكون بالفعل ليس له ذنب في تلك المشاعر التي تنتابه لذات الجنس، يشعر أن شهوته لا تتحرك سوى تجاه الذكور أو تشعر بأنها لا تريد سوى الإناث، وهذهِ المشاعر لن يحاسب الله الإنسان عليها لأنها ليست باختياره، بل وجد نفسه خاضعاً لها بأفكاره ومشاعره وأحاسيسه، لكن بإرادة الإنسان واختياره يستطيع الكف عن ممارستها كسلوك جنسي، أو الاسترسال مع تلك المشاعر لتكون واقع في حياته. وفي كل الأحوال يجب أن يعلم كل مثلي أنه لو تم تشريع المثلية في كل العالم لن تكون سلوكاً حسناً وسيظل كل إنسان يزدريها في داخله حتى ولو كان خاضعاً لها، ضمير الإنسان والفطرة القابعة في أعماقه ستحاكمهُ وتقضُّ مضجعه(فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).
ومن كان راضياً بحالته المثلية ومقتنع تمام الاقتناع بهذا الميل المثلي ووافق ذلك تواجده في بيئة ومجتمع يؤمن بحقوق وحريات المثليين، فإنه في الغالب لن يشعر بتأنيب الضمير، لأنه لن يحدث هناك صراع بين مُكوِّنات الجهاز النفسي الثلاثة(الهُوَ، الأنا، الأنا الأعلى)، فهذهِ المستويات والأنظمة منسجمة ومتفاعلة فيما بينها؛ لذا لن يبادر الفرد بالسعي للتخلص من هذا الميل ومحاولة تعديله وإرجاعه إلى مساره الطبيعي، لأن الشخص في هذهِ الحالة يرى نفسه طبيعياً على الأقل من منظوره الشخصي أو منظور المجتمع الذي يعيش فيه ويساند ويدعم تلك الميول.
إن وجود الرغبة والميل ليست مبرراً للفعل والمطالبة بحقوق وحريات تلك الميول، وليس كل ما يشتهيه الإنسان يصبح من حقه أن يفعله، وإلَّا فلماذا احتاج الإنسان إلى القانون؟ هناك من لديه رغبات في القتل والتدمير، هناك من لديه ميول جنسية نحو الأطفال(البيدوفيليا)، هل لمجرَّد تواجد تلك الميول لديهم يجب على غالبية المجتمع أن يخضع لهم ويعطيهم الحرية لممارسة تلك الرغبات الشاذة؟
الإشكالية تكمن في عدم إدراك فلسفة الأخلاق والقانون، فكل مجتمع يتميَّز بمنظومة أخلاقية، ولكن هناك قواعد أخلاقية عامة يشترك فيها الجميع ويعتبرون المساس بها خطاً أحمراً، ومن المؤكد أن هناك رغبات عند البعض ستتعارض مع المنظومة الأخلاقية، لذا أتى القانون ليضبط تلك الرغبات المنحرفة، ويحمي المجتمع والأفراد.
وعدم السماح بها ليس تقييداً لحرية الإنسان، وإنما محاولة لضبط هذه الحرية، وتوجيهها توجيهاً سليماً.
إنسانياً ودينياً وقانونياً(على الأقل في المجتمعات العربية والإسلامية) ليس من حقك أن تفرض تلك الميول على المجتمع أو تمارسها في العلن أو تُشِّرع لها، وإن حصل وكنت مِمَّن يمارسونها، فعلى أقل تقدير لا تُخبر أحداً بذلك واكتم الأمر، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أصاب من هذهِ القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله)، وعلى هذا الإنسان أن يعلم أنها كبيرة من كبائر الذنوب تستوجب عقاب الله في كل الأديان والشرائع، وعليه أن يلجأ للطب النفسي بحثاً عن العلاج.
ولمن لا يهوى التعقيد، أقول أنظر إلى الأمر على ظاهره وببساطة، العلم وتجاربنا كبشر يخبرانا أن(فتحة الشرج) لكلٍ من الذكر والأنثى وظيفتها إخراج الفضلات، والعضو التناسلي للذكر(القضيب) وظيفته إخراج البول والنكاح(الجماع بين الرجل والمرأة في علاقة شرعية) للتكاثر واستمرارية الحياة. كذلك العضو التناسلي للأنثى(المهبل) وظيفته استقبال العضو التناسلي للذكر(الإيلاج) وبهذا يتحقَّق الإشباع الجنسي لكلا الطرفين، ولا يمكن أن تحظى الأنثى بالإشباع الجنسي عبر أنثى مثلها، وكذلك الذكر. لم يعهد الإنسان في تاريخه البشري الفطري ولا في حاضره العلمي التقني أي وظيفة أخرى لتلك الأعضاء!
إن هذا الكون بكل مافيه، والإنسان بجسده ونفسه وروحه، سيمفونية ربانية بأنامل ملائكية لا يمكن عزفها والاستمتاع بنغماتها وحدوث التفاعل ورؤية آثارها ونتائجها الإيجابية ما لم يكن الإنسان في حالة التناغم والانسجام التي أرادها الله له. حينها لن يفقد المعنى والوضوح في حياته، سيظل يدرك قيمته كإنسان ويحترم كينونته ويحتفظ بكرامته، سيُنتج ويُبدع في حياته ويَعمُر الأرض على الوجه المطلوب.
إن اللجوء للسلوكيات الشاذة والطارئة على الجنس البشري والتي تحاول عبثاً إنكار مفهوم الفطرة، يعني الوقوع في العبثية التي تقوده إلى العدمية وزوال المعنى لوجوده وحياته، فيصبح كائن يميل إلى الإفساد في كل شيء، يحارب الفضيلة ويكره من ينادي ويتمسَّك بها!
وقد يسأل أحدهم :
هل إجماع البشر واتفاقهم على أمر مُعيَّن يُعد دليلاً كافياً لصحته أو إثباته؟ ألم يكن البشر مجمعين في وقت ما على أن الأرض مُسطَّحة ثم اتَّضح خلاف ذلك؟ لماذا الفطرة التي تقولون بها لم ترشدهم إلى كروية الأرض؟ كيف أعرف أن هذا الإجماع ناتج عن الفطرة وليس عن تحيز؟
يؤكِّد الباحث رضا زيدان على وجود فرق بين مغالطة الاحتكام إلى الجمهور ومتابعة القطيع وبين استنباط بنية طبيعية في إدراك البشر من خلال اتفاقهم رغم اختلاف الظروف والعادات بين المجتمعات، فهناك مُسلَّمات عامة لا يمكن للإنسان أن يتصوَّر معارضتها إلا لمرض أو بمجاهدة نفسية طويلة، كأن يشك الإنسان مثلاً في وجود نفسه أو العالم، وهذه المُسلَّمات أو المشتركات البشرية اختلفت تسميات الفلاسفة والعلماء حولها، فمنهم من أسماها: الفطرة، ومنهم من اعتبرها الحس المشترك، وفريق أطلق عليها: الموقف التلقائي. ورغم اختلاف تلك المسميات إلا أنها جميعًا تُعتبر اعتقادات مبدئية بسيطة عن العالم والوجود يشترك فيها جميع البشر ويستحيل إنكارها.
فتطابق المباني اللغوية، والنفسية، والاجتماعية المشتركة بيـن البشر(كالأوليات العقلية: الكل أكبر من الجزء، السببية، عدهم التناقض) في كافة المجتمعات مع اختلاف التجارب بين مجتمع وآخر واختلاف المعتقدات...إلخ، هذا كله يدل على بنية إنسانية مشتركة (الفطرة)وليس مجرد إجماع، على سبيل المثال: لماذا لم يُجمِع البشر في أحد المجتمعات على نفي قانون السببية؟
ويضع زيدان شرطان للفطرة، فحتى يُحكَم على أمرٍ ما بأنه من الفطرة، فلا بد من توفر شرطين:
١.أن يمثِّل هذا الأمر شرطاً أصلياً للمباني اللغوية، والنفسية والاجتماعية المشتركة بين جميع البشر (كالأوليات العقلية)، فالأوليات العقلية لا يمكن أن تخضع للشك؛ لأنها أنماط بشرية يُنظَر بها للعالم وتُشكِّل أساس المعرفة، ولكونها قضايا لا يمكن إثباتها؛ بل تؤخذ كمُسلّمات، وينتهي البرهان إليها.
٢.أن يعبِّر هذا الأمر عن حاجة اجتماعية، ونفسية. فلو قال أحدهم أن البشر كانوا قد أجمعوا على أن الأرض مسطحة، ثم اتضح خلاف ذلك، فإن الجواب يكون:
بدايةً البشر ليس جميعهم قد أجمعوا على أن الأرض مسطحة، فهناك حضارات قد ذكرت كروية الأرض.
ولو افترضنا أن البشر قد أجمعوا على ذلك، فإن هذه المسألة لا ينطبق عليها شَرطيّ الفطرة، فهي ليست من الشروط الأصلية للمباني اللغوية والنفسية، والاجتماعية المشتركة بين البشر، وكذلك لا تعبِّر عن حاجة اجتماعية أو نفسية.
ولو أخذنا على سبيل المثال قضية وجود الله والحاجة للدين، فإننا نجد أن الشرطان ينطبقان عليهما، فوجود الله والحاجة للدين شرطان أصليان للمباني اللغوية والنفسية، والاجتماعية المشتركة بين البشر؛ لذلك تم اجماع البشر عليهما، كما أنهما تُعبِّران عن حاجة اجتماعية ونفسية.
(زيدان، 2017 م).
وعندما نعرض المثلية الجنسية على الشرطين السابقين، سنجد أنهما لا ينطبقان عليها، فعندما يقول أحدهم:
أنا وُلِدت بهذا الميل الجنسي، لذا فهو ميل طبيعي وفطري، ولا يحق لأي شخص أو جهة محاسبتي عليه.
وللرد على هذا القول أو الرأي نقول أن البشرية أجمعت على أن الذكر يميل جنسياً للأنثى والأنثى تميل للذكر، وهذا الميل يعبر عن حاجة جنسية للإشباع وحاجة نفسية للاستقرار، وحاجة اجتماعية لتكوين أسرة. أمَّا الحالات الشاذة التي حدثت عبر التاريخ، وتحدث في هذا العصر، فإنها ناتجة عن مؤثرات خارجية وأسباب متعددة وعوامل متداخلة ومعقدة، هذهِ العوامل مهما تعدَّدت ليست مُبرِّر لممارسة هذهِ السلوكيات، هذهِ العوامل قد تكون تَعرُّض الفرد إلى التحرش الجنسي والاغتصاب في طفولته، أو وجوده في وسط ذكوري يخلو تماماً من الإناث لفترات طويلة، أو وجودها في وسط أنثوي يخلو تماماً من الذكور لفترات طويلة، وقد تكون نوع من أنواع الابتلاء ليختبر الله إرادة الإنسان وصبره، فكما أن هناك من يُبتلى في جسده كأن يكون مشلولاً فلا يستطيع المشي، فكذلك هناك من يُبتَلى في ميله الجنسي، ولا يمكن القطع والجزم بأن تلك العوامل تؤدي بالضرورة إلى المثلية الجنسية(آل تركي، ٢٠١٩م).
وللتعليم دور بارز في معالجة وتصحيح التصورات المغلوطة والفاسدة، فعندما يكون هناك على سبيل المثال منهج يُقدَّم للطلاب يتناول مثل تلك الموضوعات(الجنس وكل ما يرتبط به) بأسلوب علمي فلسفي يقوم بإعداده نخبة من المختصين في الطب النفسي والعصبي والتربية وعلم النفس والاجتماع، سينعكس ذلك بصورة إيجابية في بناء جيل واعي ومدرك ويحسن التصرف، لكننا وللأسف نكتفي بالمناهج الإسلامية التقليدية التي تتحدث بصورة جافة وبرؤوس أقلام حول اللواط والسحاق والعقوبات الشرعية والعقاب الأخروي، وهذا لم يَعُد يُجدِ نفعاً في عصرنا هذا، والتربية الأسرية أيضاً لها دور كبير في سلامة أو اعتلال الأبناء، وعلى الوالدين تربية أبناءهم وتعليمهم طريقة التصرف وفق القيم السائدة في هذا المجتمع حتى لا يصبحوا محل سخرية أو استغلال من الأخرين، فهناك في كل مجتمع عادات وقيم ومفهوم خاص للرجولة، فما تعتبره أنت في بلدك أنه من أبجديات الرجولة فإنه لا يُعتبر كذلك في البلاد الأخرى، فالرجولة مفهوم ثقافي اجتماعي يختلف باختلاف المجتمعات، بينما الذكورة مفهوم بيولوجي بحت لا علاقة له بالعادات والتقاليد.
قُرب الوالدين من أبناءهم وخصوصاً في مرحلة المراهقة(وهي المرحلة التي تكون فيها الأفكار الجنسية هي السائدة) وتقبُّلهم ومناقشتهم بكل وضوح وبدون حياء، وكذلك تفعيل دور المختصين في الخدمة الاجتماعية وعلم النفس في المدارس والتواصل الفعال مع الطلاب واقتحام عالمهم وأولياء الأمور ومعرفة أوضاع الأسرة وحالة الطالب، ولا يخفى أيضاً دور الإعلام الكبير من خلال التوعية واستضافة المختصين، هذهِ جميعها تساهم في القضاء على جميع الأفكار الشاذة والتي أصبحت ظاهرة وتكاد أن تصبح أسلوب حياة في بعض المجتمعات!!
ختاماً؛ رغم أنه تم حذف المثلية الجنسية من الدليل التشخيصي والإحصائي واعتبارها نوع من أنواع التنوع الطبيعي أو مجرد أسلوب حياة للفرد، إلا أن عدم اعتبارها اضطراباً جنسياً نفسياً لا يعني ذلك أنها سلوك طبيعي، بل إنها لو كانت اضطراباً نفسياً لكان الأمر أقل خطورة، لأنها لو كانت اضطراباً نفسياً فإنه قد يُلتمس لهم العذر في ذلك من الناحية الدينية والطبية، وقد يلتمسون هم العذر لأنفسهم بحجة أنهم مرضى لا حرج عليهم! لكنها أشد من ذلك من كونها حياد عن الفطرة، حيث أنها نزع للصبغة الإنسانية والتخلي عنها(صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)، النزول من المرتبة الإنسانية إلى المرتبة الأقل من الحيوانية، ولا يعني كونها حياد عن الفطرة أنه ليس لها علاج، بل كما ذكرنا آنفاً أن هناك العديد من الحالات التي قد استجابت للعلاج النفسي.
كنت في السابق أميل إلى الرأي بأن المثلية ماهي إلا اضطراب نفسي جنسي، لكن يبدو أن الأمر ليس كذلك لاعتبارات عدة أهمها:
١.الاعتبار الديني:
حيث أنه بحسب الشريعة الإسلامية هناك نصوص قد يقيس عليها البعض مِمَّن لايهتم بالدين أصلاً ولكن من باب هوى النفس وايجاد الأعذار الواهية، فقد يقول أحدهم أن صيام شهر رمضان رغم أنه ركن من أركان الإسلام ولا يقوم إسلام الشخص إلا به، ورغم ذلك فان الشارع الحكيم أعطى الرخصة للمريض، فكيف إذاً عندما يكون الإنسان بغريزته الجنسية لا يشعر سوى بميول مثلية؟ وهكذا سيبدأ عقل الإنسان في البحث عن كل ما مِن شأنه تبرير تلك المثلية. من هنا يكون عدم اعتبار المثلية اضطراباً نفسياً جنسياً من مصلحة التيار الإيماني ويزيد من قوة النزعة الدينية.
٢.الاعتبار العلمي الطبي:
لم يستطع الطب حتَّى الآن على المستوى النفسي والعصبي والبيولوجي والتشريحي إثبات أو نفي أن المثلية اضطراب نفسي جنسي، لايوجد رأي طبي قاطع ومُوحَّد يجزم بذلك.
٣.الاعتبار التاريخي:
بناءً على ماورد في الكتب المقدَّسة للأديان السماوية الثلاث(اليهودية والمسيحية والإسلام)، وكذلك الأدب الإنساني(القصص والروايات والقصائد) واستنكار جميع الشعوب والحضارات لها وازدراءها عبر التاريخ الإنساني، فإنه يُستخلص من كل هذا أنها حياد عن الفطرة، ورغم ذلك لم تُذكَر الأسباب التي تقف خلفها في تلك الكتب المقدسة سوى أنها شكل من أشكال المعاصي التي يُزيِّنها الشيطان في نفوس الناس.
وقد تكون المثلية شكلاً من أشكال الاضطرابات النفسية، كردة فعل مثلاً لحدث معين وعوامل بيئية مختلفة، لكن وجودها لدى أشخاص أسوياء من الناحية النفسية والاجتماعية ولم تعتريهم أي مواقف وأحداث صادمة، يعني أنها في الغالب حياد عن الفطرة، وكما أن الشرك بالله حياد عن فطرة التوحيد، فكذلك المثلية حياد عن فطرة الميل الجنسي الطبيعي.
يتَّضح من كل ما سبق أهمية الدين والجوانب الروحية للإنسان والبشرية، عندما يبدأ البشر في التخبُّط باسم العلم، يأتي الدين لينقذهم وينتشلهم من تلك الظلمات، كذلك صوت الضمير الإنساني، هذا الصوت الذي يسقط أمامه ويفر منه كل نزعة تدَّعي العلم وكل ناعق ينطق باسمه. ومهما حاولت النظريات العلمية والفلسفية بمختلف مساراتها إخفاء هذا الصوت، لن تستطيع، سيظل صوت الضمير الإنساني يعمل ويزداد قوة كلما انحرف الإنسان والمجتمع عن جادَّة الصواب والسواء.
المراجع:
١.آل تركي، خالد تركي. المعادلة الثلاثية(الإنسان والدين والليبرالية). دبي: دار ملهمون. ٢٠١٩م.
٢.زيدان، رضا. الإجماع الإنساني(المحددات ومعايير الاحتجاج). ط١. لندن: مركز براهين للأبحاث والدراسات. ٢٠١٧م.
٣.بيجوفيتش، علي عزت. الإسلام بين الشرق والغرب. ترجمة محمد يوسف عدس. القاهرة: دار الشروق. ٢٠١٠م.
٤.عكاشة، أحمد، الطب النفسي المعاصر. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.



#خالد_تركي_آل_تركي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرقية(العلاج) بالموسيقى
- ضرورة العلمانية: الأديان قَدَرٌ وفعل والعلمانية تعايش ورد فع ...


المزيد.....




- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...


المزيد.....

- الجنسانية والتضامن: مثليات ومثليون دعماً لعمال المناجم / ديارمايد كيليهير
- مجتمع الميم-عين في الأردن: -حبيبي… إحنا شعب ما بيسكُت!- / خالد عبد الهادي
- هوموفوبيا / نبيل نوري لكَزار موحان
- المثلية الجنسية تاريخيا لدى مجموعة من المدنيات الثقافية. / صفوان قسام
- تكنولوجيات المعلومات والاتصالات كحلبة مصارعة: دراسة حالة علم ... / لارا منصور
- المثلية الجنسية بين التاريخ و الديانات الإبراهيمية / أحمد محمود سعيد
- المثلية الجنسية قدر أم اختيار؟ / ياسمين عزيز عزت
- المثلية الجنسية في اتحاد السوفيتي / مازن كم الماز
- المثليون والثورة على السائد / بونوا بريفيل
- المثليّة الجنسيّة عند النساء في الشرق الأوسط: تاريخها وتصوير ... / سمر حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق مثليي الجنس - خالد تركي آل تركي - المثلية الجنسية: دفاعاً عن إنسانية الإنسان