أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ياسين النصير - عن المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي















المزيد.....



عن المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي


ياسين النصير

الحوار المتمدن-العدد: 1601 - 2006 / 7 / 4 - 08:31
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



تحية للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي
نحو حزب شيوعي عراقي قوي

ياسين النصيِّر
1

ما كنت لأكتب هذه المقالة عن الحزب الشيوعي العراقي وهو يستعد لمؤتمره الثامن، لولا شعوري الشخصي، أن المرحلة التي يمر العراق بها تتطلب تظافر القوى الوطنية كلها مصحوبة برؤية جديدة لأعرق حزب عراقي مناضل واكب تحولات العراق منذ ثمانية عقود وما يزال. وبالنسبة لي لم أجد من يتحمل خطابي ويفهمه غير الحزب الشيوعي العراقي بوصف الحزب الذي تبنى مشروع الحداثة منذ نشوئه وحتى اليوم، كما أن خطابي هذا موجه لقوى اليسار كلها بغض النظر عن تقارب وجهات نظري مهعا أو ابتعادها. فالمؤتمر الثامن ليس تجمعا لقيادات وكوادر حزبية إرتأت ان تعقد اجتماعا في هذه الفترة لتراجع فيه مواقفها السابقة وتخطط لما سوف تعمله في المرحلة اللاحقة، بل هو ثمرة لوجود ظواهر كبيرة نشأت في العراق بعد المؤتمر السابع، وأخرى نشأت بعد سقوط النظام الفاشي في العراق في 9/4/2003 تتطلب عقد مؤتمر جديد يعالجها ويضع الحلول الممكنة لهذه الظواهر.فالكل يستشعر الحاجة ماسة لأن يكون ثمة تغيير في ستراتيجية الحزب يتلاءم وحجم المتغيرات التي حدثت في العراق، وإلا يصبح وجود حزب شيوعي ولا يفّعل حياته التنظيمية والمفاهيمية بطروحات جديدة مجرد تجمع غير ذي نفع. فالمعروف أن الحزب الشيوعي العراقي لم يعمل يوما في ظل دولة عراقية مستقرة، عدا فترة الحكم الملكي ولو بحدود، حيث كان وما يزال يعمل في ظل دولة عراقية تتشكل ويعاد تشكيل مكوناتها ثم لما تستقر على بنية معينة يجري تغييرا لها إما بانقلاب عسكري أو بصدور قرارات تغير من طبيعة مكوناتها والأمران تظافرا معا في الحكم منذ عام 1958 وحتى يومنا هذا. اليوم يزداد هذا الوضع ارباكا وسوء، وهو غياب واضح حتى لمفاهيم تشكيل الدولة العراقية ،إلى الحد الذي اصبح التفكك ايديولوجية تروج لها بعض الأحزاب الإسلامية والقومية. لذا يتطلب أن يكون ثمة فهم معاصر وجوهري من قبل الحزب الشيوعي العراقي لما يحدث لمفهوم الدولة العراقية لا سيما بعد ظهور قوى سياسية جديدة قد لا تكون افاقها منسجمة مع قيام دولة عراقية موحدة. ثمة بوادر ملموسة لنشوء دويلات عراقية قد تكون تمهيدا ليوغوسلافيا جديدة وممزقة في العراق. ومثل هذا التفكير هو الأكثر حضورا في خطاب عدد من القوى السياسية ومن بينها القوى الكردية لا سيما في ميادين: الاقتصاد والثقافة والجغرافيا.من هنا فعلى المؤتمر أن يوضح مثل هذه الملابسات ليس للقوى اليسارية العراقية فقط، بل لعموم القوى الوطنية العراقية والعربية أيضا. فمثل هذه الدينمايكية الإيديولوجية للحزب الشيوعي مطلوبة في مجتمع يتحرك ويحرك العالم من حوله. دينمايكية متابعة ما يحدث واصدار القرارات التي تتلاءم وسياق الحدث. لذا فالمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي حدث تاريخي كبير نعول عليه برسم سياسات جديدة ومهمة تتلاءم وسياق المرحلة التي يمر العراق والمنطقة والعالم بها. فنحن لسنا بحاجة لانتخاب قيادة جديدة،أوأعادة انتخاب قيادة قديمة، فمثل هذه المهمة الثانوية أخذت من تجربة الحزب الكثير حتى بتنا نعرف من خرج ومن بقى من القيادات أكثر مما نعرف ما هي ستراتيجية الحزب اللاحقة.المهمة التي تفرضها المرحلة العراقية الحالية هي وضع برنامج جديد يؤشر لما يحدث. اليوم لابد من عمل جديد، نريد مؤتمرا كاشفا وصريحا لا لبس في قراراته ولا تأكيدا لأي نزعة فردية أو ذاتية فيه، مؤتمرا يعري من أفسد تاريخ الحزب ومن سرق منه هيبته وسمعته وحضوره وتاريخه، نريد مؤتمرا صريحا وشفافا يقول للعراقيين خاصة شهداء الحزب وأصدقاءه أننا عند المسؤولية في تبني برنامج يتطابق مع شعار الحزب المركزي " وطن حر وشعب سعيد". وبما ان الحديث عن اشخاص خرجوا من الحزب ثم بقوا يتسمون باسمه ونضاله ليس وقته الآن، لكني ارى ضررا كبيرا قد مارسه الحزب بسكوته هن عدم تعرية أولئك المشعوذين والسراق والبلطجية والآفاقين أمام قواعد الحزب واصدقائه، وإلا سيبقى الخلل قائما. وهذه مهمة ليست هينة عندما يكشف الحزب عن قرارات اتخذت خطأ مثل وجود حزب شيوعي كردي مستقل في كردستان العراق، وهو كما اتضح كان انشقاقا في الحزب الشيوعي العراقي قاده نفر من القادة الأكراد ليؤسسوا حزبا شيوعيا قوميا!!!. أن الحزب الشيوعي العراقي كما أسلفت في مقالة سابقة، تيار لنهرعراقي ثالث يجري منذ زمن بعيد ولن يجف او ينحرف عن مساره الوطني. لذا أشعر أن للحزب علينا دينا كبيرا، يستوجب أن نوفيه بالملاحظات وبالقول الواضح عما نفكر به نحن أصدقاؤه تجاه شعبنا ومسيرته التقدمية، مهما كانت هذه الملاحظات سلبية أم إيجابية. لذا تصبح الكتابة عن تجربته التزاما وطنيا، وإلا بقينا كمن ينتظر النتائج دون مساهمة. إن دور المثقف لكبير في أن يقول ما يستوجب الواجب الوطني عليه، وان يشارك الناس همومهم، وأن يقول الكلمة الحق بصدد تجربة كبيرة لا تخص أعضاء الحزب وحدهم، بل حركة التقدم العراقية كلها.
لذا ابدأ القول أن ما قاله الاصدقاء من الشيوعيين المنتظمين وغير المنتظمين حول المؤتمر الثامن مهم جدا ويستوجب مناقشة طروحاتهم والاجابة المنهجية عن تساؤلاتهم وبوضوح، لان مثل هذه الممارسة تعمق مسيرة الحزب وتشده إلى جماهيريته. شخصيا لي وجهة نظري الخاصة، ربما تخالف بعض الطروحات التي تفضل بها بعض الزملاء، لذا ستكون ملاحظاتي غير ملزمة للإجابة عنها. فالمؤتمر الثامن للحزب وفي ظل ظروف جديدة يجب أن يكون مؤتمرا شعبيا، يشارك الشيوعيون فيه وغير الشيوعيين، وأن يبدوا اراءهم وبوضوح في كل المسائل التي تطرحها وثائق الحزب للمؤتمر. وأعني بالشعبية هنا المشاركة الفاعلة لقطاعات عريضة من المجتمع كأن ينزل رفاق الحزب ومثقفوه ومؤيدوه للشارع العراقي لاستطلاع آراء الناس حول المهمات الجديدة التي يفرضها الشارع على الحزب والقوى الوطنية الأخرى للنهوض بها. إن من مهمات الحزب أن يكون شعبيا والشارع ملك لمن يعمل.
2

في البدء ارجو أن لايفهم من عنوان مقالتي" نحو حزب شيوعي عراقي قوي" أنني أدعو لتسليح الحزب الشيوعي في ظل دولة المليشيات المسلحة، فمثل هذه الدعوة تتناقض والمبدأ الذي نؤمن به، فقوة الحزب الشيوعي التي ادعو لها بعيدة عن مفهوم التسليح في ظل مجتمع يبدأ خطواته نحو مدنية المؤسسات، نحن بحاجة إلى المناضل الإيديولوجي الآن بنفس حاجتنا إلى المناضل المسلح ببندقية يوم ذاك. كلا الممارستين مهمة في مسيرة الحزب.
أعود لعنوان مقالتي حيث يثيرجملة تساؤلات لاسيما وأني لست منتظما الآن في الحزب الشيوعي العراقي كي اعرف بالضبط المتغيرات النظرية والفكرية التي طرأت على تجربته بعد هذه السنين العجاف التي مرت بها الحركة الشيوعية العالمية والعربية. ثم ما مر به الحزب الشيوعي العراقي بالذات وهو يقارع حسب امكانياته، قوى البعث والتيارات والقوى الأخرى مهما اختلفت طرقها، كما قارع القوى الداخلية التي شقت الحزب وصفوفه وشككت بمناهجه وأفكاره وحاولت أن تصنع تيارات أخرى موازية او بديلة، كلا العدوين قاومهما الحزب بوضوح طروحاته وثقفة الشعب العراقي بما كان عليه الحزب الشيوعي العراقي وهو يخوض تجارب هي محن المجتمع العراقي قبل أن تكون محنه الخاصة.. وما يظهر من بيانات بعد الكونفرنسات والاجتماعات المفصلية للحزب الشيوعي العراقي لا يفي بالغرض حيث تبقى بياناته حبرا على الورق، فلم يجر تطويرها نظريا بدراسات تتابع المتغيرات على بنية المجتمع العراقي واقتصاده والسياسات المتعلقة بذلك، ولم تعقد حولها مؤتمرات تفصليلية توضح المستجدات التي جرت على النظرية والتطبيق، ولم تناقش على مستوى الشارع السياسي، بحيث يمكن للجماهير المثقفة ان تسهم فيها- لاحظ الفقر المدقع في موقع الحزب الشيوعي http://www.iraqcp.orgوما اتخذ من قرارات في المؤتمر السابع وما لحقها من دراسات وشروح وتفصيلات، أن لا شيء غير معلومات مجتزئة عن قرارات المؤتمر السابع لم تبلغ إلى مستوى الإعلام المنهجي الذي يتوجب على حزب عريق كالحزب الشيوعي العراقي أن يقوم به- ولذا قد لا تأحذ هذه المتغيرات الجديدة صياغتها المتوخاة على مستوى التطبيق بالطريقة التي طرحت بها، واعني لماذا لا يطرح الحزب الشيوعي وكانه هو الحزب الحاكم.، دراسة مفصلة عن الواقع الاقتصادي وسبل معالجته وهي بالطبع ستكون أراءه واراء القوى الوطنية والإسلامية الأخرى مجتمعة ،فمعالجة الحزب لهذه الأفكار لا تستند لما يؤمن به وحده، بل لما هو قابل للتطبيق من أفكار تيارات واحزاب أخرى. وكأنه هو المسؤول المباشر عن الملف الاقتصادي، والشيء نفسه المسؤول عن الملف الزراعي والنفطي والخدمي ..الخ هذه الممارسة تقوي الحزب بنظر الجماهير من جهة، وتحفزالكثير من الفئات او التجمعات الثقافية غير المنتمية للأحزاب ان تتقرب من الحزب، وأن تناقش طروحاته وتتواصل معه، ومن جانب اخر تحفز الكادر الحزبي نفسه على رصد حركة الشارع ومتطلباته، وبذلك تفتح صفحة جديدة من العلاقة بين الحزب والشارع العراقي بمختلف اتجاهاته لمناقشة قضايا المجتمع بروح جماعية ،وهو جد ضروري في مواجهة قوىاجنبية أقليمية ومحلية تسحب العراق الى الخلف وبدون برنامج سياسي؟. لذا تصبح التساؤلات التي يثيرها العنوان مبررة لنا بحيث نطلب من الحزب الشيوعي العراقي أن يكون قويا في مرحلة ظهرت فيها قوى غير منضبطة تاريخيا وعمليا قد تكون من مهمتها مستقبلا وضع حد لوجود الحزب الشيوعي العراقي كما جرى في العراق عندما تبنى حزب البعث كل طروحات الحزب الشيوعي العراقي داخليا وخارجيا لكنه لم يفلح. فالتبني دون نظرية ليس طريقة صائبة لحل مشكلات المجتمع وفهم المتغيرات فيه، أو كما فعلت بعض دول الجوار ومنها إيران، عندما حاولت أن تستبدل افكار حزب تودة بافكار إسلامية لبرالية لكنها سرعات ما تحولت إلى راديكالية .وقد تكون الخارطة السياسية التي نشأت بعد دخول قوات الاحتلال قد مهدت لقوى اخرى أن تظهر وبقوة كما حدث في التشكيلات الحزبية والعشائرية التي قاربت المئات. لماذا تثار مثل هذه الأسئلة الآن بعد ان حدث التغيير في العراق على يد القوى الأجنبية وليس القوى الداخلية وإن لم يعدم تأثيرها؟ ثم لماذا على الحزب الشيوعي العراقي بالذات أن يكون قويا وليس التنظيمات اليسارية الاخرى؟. ولماذا الحزب الشيوعي علية أن يكون قويا وهو الذي لا يملك امكانات مادية وتنظيمية تؤهله للقيام بذلك؟ ثم هل يكون قيام حزب شيوعي عراقي قوي دعوة لتبريرالأخطاء التي ارتكبها، وكأن هذه الأخطاء لم تجر نتائجها على وجوده ومنطلقاته وعمله بحيث نطالبه بعد ذلك أن يكون قويا ؟ ثم لماذا ينبري، وهذا هو المهم، المثقفون، للدعوة لوجود حزب شيوعي عراقي قوي في هذه المرحلة في حين أن الكثير من مثقفي اليسار العراقي لديهم تصورات جيدة عن مثل هذه الأوضاع ولا يدلون بها، إما لابتعادهم عن طرح مثل هذه الافكار أو لأنهم شعروا أن سياسات الحزب لم تكن بالمستوى الذي يستدعي فيهم روح المشاركة الفاعلة في التغيير؟. وهل ان الظروف الموضوعية والذاتية التي يمر الحزب الشيوعي العراقي بها الآن تسمح لمثل هذه الدعوة التي لا تخلو من مغامرة نقدية قد يكون اثرها معاكسا لما اريد لها؟ أم أن ما يجري اليوم يمهد لمثل هذه الفرصة النقدية؟ ثم وهذا هو السؤال المهم: هل يملك الحزب الشيوعي العراقي قوة ذاتية تمهد له لأن يكون قويا في فترة إعادة بنائه مجددا بعد الهزات الكبيرة التي تعرض لها طوال سبعين سنة؟هذه الأسئلة وغيرها تدفعنا كي نعاين التجربة معاينة لا تخلو من مغامرة وإن لم يكن القصد منها تنظيرا جديدا بقدر ما تكون إثارتها مدعاة لإثارة اسئلة جديدة لا سيما وأن الواقع العراقي ما يزال محملا باحتمالات كثيرة لم تظهر بعد. فأنا أعتقد جازما أن الحزب الشيوعي العراقي شيخ الحركة الوطنية وشبابها، هو أكثرالتيارات السياسية حاجة إلى تجديد مفهوماته كي يستوعب طروحات المرحلة العراقية الحالية. كما إنَّ النظرة الجدلية لأفكاره تجعلة بحاجة دائما لأن يجدد شبابه بحيث لا يبدو أنه تقادم أو تقاعس. فما في الماركسية من نشاط معرفي وفكري وعملي يجعلنا نعيد الاسئلة المفصلية في حياة الإنسانية من جديدة لتثوير تلك الطاقات الكامنة في الشعوب من أجل أن يرى ويبصر غده بطريقة مختلفة عما جرت سابقا، ولنا في مفكري الحداثة من مشيل فوكو إلى هابرماس.مثالا في أعادة قراءة ماركس بطريقة معاصرة تتلاءم وسياق الحداثة في الغرب. من هنا فإثارة اسئلة التجديد تعني فحص مسيرة الحزب من خارج أطرها التنطيمية، واعني علينا نحن المثقفين وممن يؤمن بالتيار اليساري تقع مسؤولية البحث عن آفاق أكثر رحابة لمسيرة حزب يمثل ضمير الأمة وجوهر صراعها مع الامبرالية والتخلف والأنظمة الفاسدة. وقد اثبتت التجارب المؤلمة التي مرت على الشعب العراقي والعربي ان إضعاف الحزب الشيوعي العراقي هو إضعاف للحركة الوطنية في الدول العربية كلها، وعبثا نحصر فاعلية الحزب الشيوعي العراقي بالعراق فقط، فمن له حضور في بعض منتديات الثقافة العربية يلمس وبوضوح حضور الحزب الشيوعي العراقي وتجربته الكبيرة في تلك البلدان. وإذا كان سابقا يقال قووا تنظيمكم قووا الحركة الوطنية، على الحركة الوطنية التي تحولت إلى مجمعات ثقافية تقع مسؤولية تقوية الحزب الشيوعي العراقي لأن وجودها – وهذه حقيقة ربما يغفل عنها الكثير- مرتبطة بوجود حزب شيوعي عراقي، لانه القوة الوحيدة من التيار اليساري العريض التي بقيت مناضلة وتحملت كل الصدمات، ليس من أجل من انتمى إليه، بل من أجل العراق كله، وبقوته ستقوى الحركة الوطنية وإن اختلفت مشاربها واهدافها معه.

3
اشعر وأنا الذي بدأت مسيرتي التنظيمية مع الحزب الشيوعي منذ عام 1958،ثم تابعت خطواتي المتعثرة والمنتظمة معه، ان الحزب الشيوعي العراقي ليس منظمة خاصة باعضائه فقط، بل هو تيار لحقيقة واقعية وفكرية يمكن أن يكون العديد منا ضمن توجهات التيار دون ان يعني ذلك انخراطا في تنظيماته. فالحزب الشيوعي هو اختيار بين مناضلين على برنامج عمل فكري وتنظيمي له ابعاد إنسانية كبيرة يسعى من خلالها لإسناد المجتمع بخطوات عملية تمهد له أن يكون حرا وديمقراطيا وإنسانيا ويعطي الحقوق للجميع ويشيع توزيع الثروة القومية بالتساوي.من هنا بدأت بإثارة اسئلتي السابقة لشعوري انني فرد من الذين لم يخرجوا كثيرا عن مسار الحركة الوطنية التي تتطلب دائما أن نكون يقظين لمسارتها في ظل الظروف المحلية والعربية والدولية. ففي هذه الظاهرة، تتداخل التجارب الشخصية بالتجربة الحزبية العامة، ويصبح دور الفرد مهما مثله مثل دور الجماعة المنتظمة دون أن يعني ذلك التقليل من جهد الجماعة المنظمة. لذا يصبح من حق المثقف أن يقول في الخصوصيات التي هي من شأن التنظيم شيئا قد يكون التنظيم مشغولا بغيره. فالماركسية التي تعلمناها داخل التنظيم ليست نظرية فردية او جماعية بل هي تكوين معرفي يتطلب لتطبيقة مشاركة فردية وجماعية يكون الحزب المنظم أحد أشكال هذ ا التكوين، لذا فهي ليست سهلة التطبيق بالرغم من شعبيتها بحيث يمكن تداول مفرداتها بسهولة ومن ثم تطبيقها لمجرد ان احدا منا اختار فهم بعض معادلاتها،بل هي معادلات رياضية معقدة ترتبط بالآلة والتقنية والاقتصاد والعمل والاجور والرأسمال والسلعة والسوق وفائض القيمة والمنتجين والدورات الاقتصادية والموارد والبنية الإيديولوجية والاسواق، ومنها مكونات الشعب الذي وجدت فيه، ومن بينها البنية المعقدة لتركيبة مجتمعنا العراقي.. فبالقدر الذي تكون طروحات الماركسية شعبية وتمس حاجات الناس اليومية وتتقبلها شرائح عديدة من الناس خاصة العمال والفلاحين وفئات الطبقة الوسطى العراقية، تحتاج في التطبيق إلى دولة ومؤسسات وعلوم وتقنية وايديولوجية وأجهزة تنفيذية وقانونية. فتطبيقها عمليا يعد من اعقد الممارسات الفكرية في العصر الحديث، بل وأكثرها تعقيدا عل المستوى العملي والنظري بالرغم من شعبيتها، وهو الأمر الذي استدعى قوى كبيرة وايديولوجية مضادة و قوى محلية قادرة على الوقوف بوجه تلك الطروحات الماركسية لمنعها من النزول إلى الشارع. ومن هنا فالدعوة مفتوحة وفق وجهة نظري لكل مثقف كي يعالج اية قضية يراها في مكون الشيوعية في العالم العربي والعراق بوجه خاص، بمعزل عن إن يكون هذا المثقف منتظما فيها أم غير منتظم. ومثل هذه الدعوة المفتوحة التي يتيحها لنا المؤتمر الثامن تصب في خانة ضرورة وجود حزب شيوعي قوي وسط الظروف التي يعيشها المجتمع العراقي بوصفه اكثر الاحزاب العربية التصاقا بواقعها، بل والأكثر فاعلية فيها.
4
لذا فالقوة التي اعنيها للحزب الشيوعي العراقي تتركز في أربع نقاط أساسية:
النقطة الاولى: نحن نعيش مرحلة عراقية معقدة، ومن ملامحها المدمرة هو غياب الدولة وكيانها الواحد، وتوزعها على كيانات عدة. لعل اوضح هذه الكيانات هو الكيان الكردي،الذي تشكل بالرغم من عدم رضا دول الجوار،في حين أن كيانات جديدة بدأت تتشكل بتدخل من دول الجوار كما تسعى إيران وتركيا. وهذا ما سوف يؤدي إلى تفكيك الدولة العراقية وجعلها دويلات عرقية وطائفية وقومية وهو ما ينذر بخطر عميم. وبالرغم من أن الدول الكبرى أمريكا وروسيا والصين قد اعلنت في مايو 2005 انها مع وحدة العراق، ولا تسمح بقيام دويلات منفصلة فيه. إلا أنها لا تستطيع أن تمنع نشوء كيانات عدة ضمن هذه الوحدة تدين بالولاء لهذه الدولة أو تلك، وهو ما ينسجم والطبيعة الديموغرافية للسكان في العراق. وعليه فأن كل ما سوف يحدث في العراق من تحديث وعولمة وبناء اقتصادي وثقافي سيجد نفسه موزعا تبعا لهذه الكيانات بالرغم من أنها في الظاهر تخضع لسلطة مركزية واحدة.وثمة شواهد قريبة ملموسة بدأت تطفو على سطح الحياة السياسية مثل قضايا النفط والموانئ ونقاط الحدود وجوازات السفر وغيرها. سيكون العراق في هذه الحال مفككا من غير أعلان التفكك الرسمي فيه. وهذه الطريقة التي تلجأ إليها أحزاب الإسلام السياسي والاحزاب الكردية ستؤدي إلى كارثة كبيرة إن هي خضعت لموافقة أمريكا والدول العربية لاحقا. علينا أن ندرك أن لا أحد غير القوى الوطنية تتحمل مسؤولياتها التاريخية في منع التمزق ونشوء الكيانات العرقية والمذهبية، عندئذ سيبقى العراق متخلفا ومفتتا وغير قابل للتعايش ما لم يكن تابعا لهذه الدولة أو تلك. في ضوء ذلك علينا أن نفكر جديا بضرورة وجود كيان وطني بمسؤوليات عليا يكون صاحب القرارات الأستراتيجية الخاصة بكيان الدولة العراقية، وهو ما يحتم على التقدميين أن يطروحوه ويفعّلوه، وهذا الكيان يتشكل من مختصين من النخب السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية الوطنية المستقلة والمعروفة بنزاهتها. وله تأسيس قانوني ومؤسساتي يكون مقبولا من قبل المحيط الدولي والعربي. بمعنى اشبه ما يكون بالمجلس الأعلى لوحدة العراق. وهدف هذا الكيان الوطني و – لنسمه- " المجلس السياسي الأعلى لوحدة العراق" مع تجريد المنتمين إليه من صفاتهم الحزبية والمذهبية والقومية والإقليمية، هو جعل مفهوم وحدة العراق الإايدولوجية القارة لهذا الكيان.. الهدف الإستراتيجي القريب والبعيد منه هو العمل على عدم تفكيك الدولة العراقية التي بدأت بوادر تفكيكها من الآن. وتكون قرارات المجلس ملزمة لكل الجهات بتغليب مصلحة العراق العليا فوق أي مصلحة حزبية أو قومية أو طائفية أو جغرافية. هذا ما نحتاجه اليوم قبل الغد، وبالطبع ستتبع تشكيلة هذا المجلس تشكيلات أخرى من أهمها؛ هيأة عليا لمركزة وتخطيط الاقتصاد العراقي والعمل على توصيفه وتوصيف احتياجاته الأساسية ووضع الخطط الشاملة للنهوض به. اتوجه بخطابي هذا للحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره الثامن لمعرفتي الخاصة أنه الحزب الأكثر حرصا على وحدة العراق وضمان عيش ابنائه وبناء اقتصاد قوي وجعل العراق يعيش القرن الحادي والعشرين لا القرون الأولى من نشوء المجتمعات العربية. إن فهم الحزب الشيوعي العراقي للمتغيرات الجديدة التي طرأت على الواقع العراقي بعد الفترة المظلمة التي مر العراق بها، وقد اسميتها في مقالات سابقة بـ " المرحلة العراقية" تمييزا لها عن المرحلة اليابانية في آسيا والمرحلة الألمانية في أوربا،تجعلنا نعيد النظر بتلك المفهومات السابقة جملة وتفصيلاً. سواء ما يخص منها الفكر الماركسي نفسه، أو فكر التيارات القومية والدينية. بمعنى آخر أن الدعوة لقوة الحزب الشيوعي هي في اعادة تركيب منظوماته الفكرية من جديد. فما حدث في الواقع العراقي من حروب مدمرة ومن ضياع ثروات الوطن، ومن ثم المتغيرات الجديدة في 9/4/2003 ثم ما لحق هذا التغيير من تشكيلات وممارسات وانتخابات وطوائف وجغرافيات ومناطقيات وعشائريات وغيرها، لهو كفيل بأن يجعلنا لا نعيد ترديد مقولات لم تصمد أمام مثل هذا الذي حدث، بل علينا فهم المرحلة العراقية فهما في إطرها: المحلية والعربية والعالمية. فالحزب بحاجة إلى منظومة فكرية ومفاهيمية جديدة تتلاءم وسياق المرحلة العراقية. بالطبع لا أعني التخلي عن الماركسية والشيوعية كمستقبل للبشرية، أو الدعوة لحزب يساري اشتراكي كما يحدث في بلدان أوربا ونحن بعد لم نتخط اقتصاديا مفاهيم السوق الشعبية في التعاملات الاقتصادية، ولكن الالتزام بالماركسية وبوحدة العراق يعني إيجاد طرق أكثر انفتاحا على العالم وعلى المجتمع العراقي بما يكفل ترويج افكار الحزب دون أي طروحات بعيدة عن التطبيق. ما يؤخذ على طرح المفاهيم النظرية سابقا هو أنها تقدم كما لو كانت مسلمات غير قابلة للحوار والمناقشة، في حين أن اي مفهوم جديد أو قديم لا يطرح نظريا ما لم يكن له شواهد واقعية تستوجب النظر منها إليه. بهذا الصدد لا نضع العربة قبل الحصان، بل علينا تحليل الواقع اولا ومن ثم تكوين الأسئلة عنه وأخيرا البحث عن المقولات النظرية التي تقترح حلولا لتلك الأسئلة. وعندي أن الكثير من المفاهيم، حتى تلك الاساسية التي حددت المادية التاريخية والمادية الجدلية ليس مكانها حياة الشعب واحتياجاته، بل اللجان المتخصصة والحلقات الدراسية المعنية بتوسيع قاعدة الثقافة الفكرية وتعميمها. لقد كانت تلك المفاهيم النظرية جزء من التثقيف العام لقواعد الحزب بالرغم من تباين مستوياتها الثقافية وهو أمر لم يكن مقبولا من قبل البعض لقصور فهمهم بمثل هذه النظريات الأمر الذي كانوا فيه يستمعون ولا يفهمون ما يقال. تعاليم هذه النظرية عندما تطرح بمعزل عن تحليل الواقع، تولد أخطاء كبيرة منها: الفهم القاصر لمسألة الدين. أما إذا تحدثنا عن قائمة ما يجب أن يقرأه أعضاء الحزب من الأدبيات الثقافية والإنسانية فسنجد أن تراث العراق ونتاج أدبائه ومثقفية كان غائبا إلا ما ندر.من هنا يصبح فهم المتغيرات الجديدة في المرحلة العراقية وطرح مفاهيم جديدة/ قديمة لفهمها هو أحد اهم النقاط التي يجب أن تكون أمام أعين المعنيين.ومن بينها طريقة التثقيف، ولربما عدنا لهذه النقطة مرة أخرى بحيث يمكن شرحها بوضوح. فما نعنيه بالقراءة ليست فتح كتب لتقرأها، بل تبحث عن الكتب التي تؤكد حاجة المجتمع العراقي إلى التحديث والتطور كي تصبح منهجا ثقافيا للقراءة. إن الحزب بحاجة إلى ثورة ثقافية تعيد تنظيم العلاقة بين أعضائه واصدقائه والشعب عن طريق منهاج ثقافي يضع أولويات الحاجة العراقية للحداثة والتطور.
النقطة الثانية: عدم إغفال العمق الإستراتيجي للثقافة العربية الإسلامية في ممارسات الحزب اللاحقة، سواء على مستوى البنية الفكرية الخاصة به، أو على المستوى العملي والثقافي. فأنا شخصيا على ثقة بصواب وجهة نظري، وهي إن إنهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة الاشتراكية فيه مثلا، لم تؤد إلى إنهيار اللغة أوالأدب أوالثقافة أو التيارات الفلسفية والفكرية والتجديدية الروسية السابقة، بل ما زالت إلى الآن قوة معرفية يأتي إليها أي دارس جديد. فما تملكه الثقافة العربية الإسلامية من قوة معرفية كبيرة ومهمة ومتشعبة وعلى مختلف الأصعدة، يجعلها مادة قابلة للدرس الجديد واكتشاف آليات جدلية كامنة فيها مكنتها من أن تحيا طوال اربعة عشر قرنا وما تزال. أن رؤية نقدية غير انتقائية تجعلنا نعيد تركيب منظومتنا الفكرية بطريقة تعمق الماركسية وتثورها دون أن يقع ذلك في أطر هذه الثقافة القديمة. فالماركسية ليست نظرية غربية وإن قامت في المجتمعات الغربية، بل هي نظرية إنسانية ظهرت في ألمانيا لوجود ظروف موضوعية لذلك. كذلك الإسلام فهو ليس دينا عريبا فقط، ولا هو دين لقوم دون قوم ولا ثقافته ثقافة عربية فقط،- وإن قامت في الأرض العربية- بل أن ظهوره هو نتيجة النضج الفكري والثقافي والحضاري والديني في هذه المنطقة والذي يمتد من العهود السومرية والبابلية القديمة حتى بداية القرن الهجري الأول، وما يزال هذا النضج يتغذى بالجديد من ثقافات العالم، وكلا الثقافتين - اي الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الماركسية- فكر إنساني شامل يلتقيان ويفترقان في الكثير من طروحاتهما النظرية والتطبيقية. ولذا تشكل دراستهما معا بطريقة جدلية الكشف المنهجي عن العمق الفكري لهذا الموروث الإنساني الكبير دون ان نقع في أحادية فكرية. فنحن لا نستطيع أن نستعير جذورا حتى لو كانت إنسانية كلها دون أن نجد لها ملائمة مع الجذور الإنسانية القديمة في مجتمعاتنا. ولذا يجب التنصيص في وثائق المؤتمر الثامن أن الحزب الشيوعي العراقي حزب تقدمي تمتد جذوره إلى الحضارات الإنسانية التي نشأت في بلاد الرافدين وتعمقت وترسخت هذه الجذور في الفكر الإنساني الذي غذا هذه الثقافة ومن بينها الثقافة الإسلامية العريقة التي انتصرت في افضل فصولها للحق والعدل والحرية والتفكير والحوار والبحث العلمي فانفتحت على حضارات اليونان والاغريق والعالم كله لتصنع منظومة فكرية قوية كانت عونا للكثير من امم العالم، أن الحزب الشيوعي العراقي هو ابن هذا المنظومة في جوانبها الإنسانية والتقدمية المشرقة ولذا فهو يسعى حاليا ومستقبلا من أجل بناء وطن وثقافة وفكر لا تتنكر لتلك الجذور ولا تلغيها او تعوضها بأي فكر اخر ،أن الحزب الشيوعي العراقي حزب ذو منهجية منفتحة على العالم وعلى افكاره ونشاطاته القديمة والحديثة ومن بينها الثقافة العربية الإسلامية بكل ما فيها من عناصر تقدمية مشرقة يمكن تطوريها وتجديدها بالدرس والعمل والاجتهاد والانفتاح على ثقات الأمم الأخرى.وعلى مستوى العلاقات مع الاحزاب الإسلامية نجد أن عددا منها يؤمن بالديمقراطية وبالتعددية وبحقوق الإنسان وبالتقدم ومؤسسات المجتمع المدني وبالانتخابات طريقة لتبادل السلطة، وهذه ارضية جيدة للعمل المشترك، مما يعني أن الثقافة الإسلامية بفروعها وأصولها قادرة على الانفتاح على التجارب العلمية في العالم خاصة وان أوضاعا اجتماعية واقتصادية وثقافية متبادلة مع دول العالم تجعل هذه الثقافة منفتحة على الآخر.
النقطة الثالثة: الطريقة المنهجية التي تمكن الحزب الشيوعي العراقي من أن يكون مشاركا فعالا في إدارة حكم العراق بالرغم من الاعتراضات المنهجية على وجود أكثرية دينية تهيمن على البرلمان والوزارات من جهة، ووجود قوات أجنبية محتلة في العراق من جهة أخرى. وهذا الفهم يجعلنا نعيد النظر بمسألتي : التيارات الدينية وقوى الاحتلال. فالقول بأن الحكومات الدينية يمكن أن تزول عندما تتغير بنية المجتمع قول ناقص الوعي، وقليل الخبرة، فالدين راسخ رسوخا كبيرا في مثل بنية مجتمعاتنا العربية،وعلينا ان لا نتجاهل هذه الحقيقة، فإنكار مثل هذا العمق للدين ليس حقيقة، بل والدعوة المنهجية إلى أن تستمر هذه الحكومات في إدارة الدولة مشاركة مع القوى الوطنية غير الدينية في تسييرعملية البناء والعمران والتحديث لاحتواء بنية هذه الأحزاب منهجية تقدمية تؤمن بالكثير من قيم العصر .. والطريقة العقلانية هي أن ندعو للإصطفاف معها شريطة أن لا يكون ذلك على حساب وحدة العراق ومركزية اقتصاده والاستفادة من الحداثة الغربية في كل مناشط الحياة وفروعها. فالاحزاب الدينية جزء من الحركة الوطنية التي ندعوا لتقويتها وندعوها لتقوية الحزب الشيوعي أيضا شريطة ان نكون نحن على وعي بأهمية الدين ومؤسساته في إدارة الدولة العراقية وفي تحريك المجتمع دون التعرض لثوابته وقد اثبت الحزب الشيوعي أنه حزب عراقي وطني لمراعاته شعور الناس الديني.. إن في المصاهرة الفكرية بين العلمانية والدينية مع بقاء الفواصل قائمة بين أطراف العملية السياسية، هي الطريقة التي تجعل التيارات اليسارية اكثر قدرة على الاستمراربالرغم من وجود قوى دينية لا ترغب في ذلك، وبعكسها ستجلب أية تصورات قاصرة أعداء جددا وهو ما يجعل قوى التدمير اللامنهجية تقوى وتستمر وستجد لها بؤرا وإسناد داخليا وخارجيا. لقد مرت تجربة الحزب الشيوعي بتحالفات مع قوى قومية لكن هذه القوى تنكرت لكل قيم التحالف الوطني واستغلت الدين والقومية كي تستأثر بالسلطة وبالتالي لمغازلة القوى الدينية السلفية والامبريالية العالمية وغيرها من أنها البديل عن الحركة اليسارية العربية، والنتيجة كان الفشل الذريع لها ولمنهجها الفكري ، حيث الخلل لم يكن بالتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي، بل في بنيتها الفكرية عندما تصورت أنها تستطيع ان تلبي طموحات كل فئات المجتمع العراقي واحزابة بدلا عن قوى اليسار الحقيقية. على الحزب الشيوعي العراقي أن يعلن برنامجه الفكري للجميع، وأن يجدده تبعا لمستجدات محلية وعربية وعالمية، دون أن يتخلى عن اسم الحزب ومبادئه، ولكن بالمقابل عليه أن يطورها لا أن ينقص من مدياتها، أن يطورها بما ينسجم والعملية الجدلية للواقع العراقي بعد دخولنا القرن الحادي والعشرين وكل المنطلقات الفكرية في هذا القرن لم تعد بأسسها القديمة. الدعوة لفهم آليات الثقافة الإسلامية كعمق للفكر الماركسي ليس انحرافا او تجاوزا على الفكر الماركسي، بل هو استجابة منهجية لهذا الفكر من ان يكون حيا ومتجددا في كل المراحل التي تمر بها التجربة الفكرية والعقلانية للمسار الوطني دون أن يعني ذلك كما اسلفت تنازلا أو انحرافا بل فهم جدلي لحركة المجتمع العراقي في تحولاته الجديدة. أما كيف تتم تلك المزاوجة؟ فالتجربة الصينية واحدة من التجارب الكبيرة في عالم اليوم التي زاوجت بين تراث الكونفوشيوسة وقيم الحداثة. علينا أن نفهم أن الدين ليس واحدا في كل تجارب العالم فالدين المسيحي في أوربا يعتبر أكثر حداثة من بعض الأحزاب الأوربية وأنه ضمن منهجيته الدينية يعد أكثر حداثة من بقية الأديان لعمق آليه تطوراته الحديثة وقبوله مبدأ الدولة العلمانية واتضاح قيمه الحداثية في التعامل مع الفنون والثقافة والسينما والمسرح والرواية. كما كان الدين الإسلامي في مراحله السابقة حيث المدارس الفكرية جزء من هويته العميقة الجذور وحيث الترجمات من ثقافة شعوب أخرى أصبحت ثقافة إسلامية بحكم ما تجده الثقافة الإسلامية فيها من فائدة. وعندما تعاملت قوى التقدم العالمية مع المسيحية بروح إيجابية، وانتج التفاعل حرية وحركة واسعين في شتى الميادين، على الاحزاب الشيوعية العربية أن تجد- وهي قادرة - طريقة أكثر حضارية في التعامل مع الأديان دون أن يعني ذلك تغييرا في مسارها الفكري .
أما ما يخص قوى الاحتلال فالأمر أكثر وضوحا، ان وجودها مرحلي ومؤقت، ولكن علينا في الوقت نفسه أن لا نفرط بالقيمة التقنية والتحديثية التي توفرها لنا العلاقة مع الغرب المتطور. وعبثا نفهم الحرب على أنها احتلال اقتصادي وعسكري للعراق بل علينا ان نفهم أن أية حضارة جديدة يكون لها ذراعها العسكري الذي يثبت قيمها وقد كانت الحضارة الإسلامية لها مثل هذا الذراع العسكري يوم اعتمدت الفتوحات طريقة لتوسيعها ونشر الدين.الحضارة الغربية اليوم تمتلك كل قوى التقدم الحضاري وعبثا ندير ظهرنا لهذا التقدم، فهذه فرصة تاريخية علينا استثمارها إلى اقصى حد لها حيث التعاون مع الشيطان الذي باع قدراته التقنية في مسرحية جوته " فاوست" للبشر،هو جزء من فهم التطور في ألمانيا لاحقا. مثل هذه المعادلة هي التي تجعلنا نعيد الكرة ثانية من أجل أن نشتري هذه البنية التقنية من الشيطان الغربي بمقابل أن نكون متقدمين وليس متخلفين، إننا إذ نغذ السير في القرن الواحد والعشرين علينا ان نتسلح بالعلم والتقنية والعولمة والقدرات الحديثة العالية، فليس شعبنا أميا ويحتاج لمجموعة من الأفكار القديمة والمتخلفة كي تسيره، بل هو التكوين المنفتح على الحداثة والذي بأمس الحاجة إلى الممارسة العملية التي تنقذه من ذلك الوهج السلفي والتراجعي والمتخلف والساكن. فمثل هذه الفرصة واحدة من فلتات التاريخ بالنسبة لشعبنا الذي يستحق أن يكون يابانيا أو المانيا بامتياز. وعلى الساسة أن يدركوا إن إيران وسوريا وتركيا ومصر والسعودية والاردن وغيرها ليست دولا متقدمة كي تمنحنا تقنيات جديدة ومتطورة، أنها في أسفل السلم بالنسبة للتقنيات الحديثة. لكنها مهتمة في توفير التقنيات الغربية في أسواقها. ومن يروج لسياسة الاعتماد على مثل هذه الدول يعيد التخلف للعراق بطريقة اكثرعدوانية من النظام السابق. أن لا شيء يفصلنا عن أن نكون حداثيين عندما يلتفت العالم المتقدم لنا. وبعكس ذلك علينا أن نناضل بطريقة أكثر قوة ضد من يربط اقتصاد العراق وحاجاته بدول الجوار كي تتقدم هي بينما نحن ننزف ثرواتنا ونتأخر.إن الاعتماد على التقنية الغربية في عالم اليوم واحدة من طرق الحداثة التي تنقل مجتمعنا وشعبنا إلى مصاف الدول المتقدمة علينا أن نتشبث بالغرب كله دون استثناء كي يمنحنا فرصة لان نكون حداثويين وعلمانيين ودينيين واسلاميين وماركسيين وقوميين دون أن نفقد موقعنا لصالح دول الجوار .
النقطة الرابعة: في ظل هذه الظروف المعقدة وغير الواضحة لابد من دور إعلامي بارز للحزب الشيوعي العراقي فلا طريق الشعب ولا الثقافة الجديدة لهما دور مهم في إعلام الحزب بعد أن اصبحت الفضائيات هي الأكثر حضورا في حياة الناس. لقد بدأنا نستلم ما يقوله قياديو الحزب من أراء في مقابلات تعملها الصحافة والفضائيات الأخرى، ثم تنقلها طريق الشعب وموقع الحزب إلينا وكأنها أكتشفت بئرا زئبقيا. ياللمفارقة أن يكون ما يصرح به القياديون الشيوعيون في مواقع غير مواقع وصحافة الحزب!! هل هذه مفارقة أم القصور عينه في الكادر الصحفي والإعلامي للحزب ؟ للأسف ان مهمة الحزب في هذه المرحلة لا تنهض به صحافته الحالية. شخصيا اضحي بالثقافة الجديدة وطريق الشعب لصالح قناة فضائية تدخل البيوت العراقية ويشاهدها الشيوعيون واصدقاؤهم وكل حسب عمره لما يريد الحزب أن يقوله، واوسع من صحافة المحافظات العراقية. لقد تحولت الثقافة الجديدة وطريق الشعب إلى مناصب يدرج فيها اسماء المريدين لبعض القيادات دون عمل، يا للبؤس!! وعلى هؤلاء الدرجة اسماؤهم أن يخجلوا إن لم يساهموا فعليا في تطوير المؤسسات الثقافية. وإلا ما معنى أن يدرج اسم شاعر يكيل الشتم والسباب للحزب الشيوعي العراقي في هيأة تحرير الثقافة الجديدة؟بالتأكيد وأنا على دراية أنه يرفض أن يبقى اسمه ضمن هيأة التحرير ولكن اصرارا ما يجعل هيأة التحرير مصرة على بقاء أسمه بحجة أنه شاعر كبير. صحيح انه شاعر كبير ومهم ولكن صحافة الحزب هي إعلام الحزب وليست مناصب. وما معنى أن تكون ثمة هيأة كبيرة تحري أساسا وهي المجلة التابعة للحزب الشيوعي؟ .ثم لماذا يسمح الحزب لمن تربى على سياسة وثقافة ومواقع وقيادة الحزب الشيوعي العراقي سنوات طويلة ولما لم يحصل على موقع قيادي فيه بعد المؤتمر الرابع أو الخامس تبنى سياسة ان يكون هو الحزب أعلاميا بطريقة تبعد الحزب عن قاعدته وجماهيريته ؟. هذه الدونية التي عليها إعلام الحزب يجب أن ترفض، نطالب وبوضوح بوجود قناة تلفزيونية خاصة باعلام الحركة الوطنية ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي، وتجربة قناة الفيحاء التي قامت على جهد فردي واحدة من التجارب الناجحة. فالمسار الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي مهم في توضيح وفهم ما تتطلبه المرحلة من الحركة الوطنية.


5

وخلاصة ما اردته توصيله
1- أني اكتب لنفسي قبل ان اتوخى من هذه الكتابة أية مؤشرات تنظيمية أو فكرية لاحقة،فالكتابة للذات واحدة من أهم المعالجات التي أصحح بها خطوط الطول والعرض الفكرية التي أمارسها في انتاجي الثقافي، لذا فالمحاولة ليست معنية باي منحى آخر بعد ان امضيت فيها اكثر من اربعين سنة دون أن يصيبها تغيير جذري. كما أنها دعوة صريحة وواضحة لكل مثقف عراقي أن يمارس دور الكتابة عن واقع وتطور الحزب الشيوعي العراقي بالذات بوصفه حزبا جماهيريا ذا تأثير قوي على الشارع الثقافي والاجتماعي. وباعتبار الكتابة واجبا شعبيا نمارسه طوعا واختيارا دون أن ننتظر من قيادي الحزب او منظريه اي مبادرات فكرية تعوضنا عما نحن من عزلة. ولربما هذه الحقيقة الواضحة هي التي تدفعني لأن أقول الرأي الذي ينسجم أو يخالف كممارسة لحقي الذي فرضته السنوات التي كنت منتميا فيها. لذا فانا لي حق في ارث هذا البيت ولن اسمح لأي كان أن ينتزع هذا الحق مني بعدم الكتابة اولا، أو لأن يجعلني منقادا لما يقوله الحزب دون أن امارس حقي النقدي في قبول او رفض ما يقوله ثانيا. فالهدف الاساس لي من وراء هذه الكتابة هو اشاعة روح النقد للحزب الشيوعي العراقي بين كل من انتمى ومن لم ينتم إليه، فالكتابة عن حركة وبنية يسارية قوية مارست دورا عظيما في تنوير المجتمع وفئاته ورسخت مبادئ الوطنية واسست نوعا من العلاقة بين التنظيم ومتطلبات الشعب الثقافية والفكرية ونقلت التفكير المحلي من واجهة الاستقبال العشوائي للأفكار إلى التدقيق والنقد والمخالفة لها، تصبح حقا مشروعا لكل مثقف كان يوما ضمن حركة اليسار العراقي. بمثل هذا الحق ادعو كل المثقفين لأن يمارسوا دورهم في مثل هذه المرحلة لإبداء الرأي مهما كان وبأي اسلوب يكون من أجل تقوية الحزب الشيوعي العراقي الذي يصبح قادرا على الأخذ مجددا بحركة المجتمع العراقي بعد ما حدث من هزة كبيرة في احتلال العراق كي لا يقال ان الشيوعيين العراقيين واصدقائهم وعلى مختلف مستوياتهم قد اصابهم الوهن والذبول عنما احتلت دولة عظمى بلدهم، فبقوا معصوبي الفكر يستمدون معالجاتهم من الحركات الإسلامية، أو الرأسمالية فمثل هذه الحركات غير الثورية وذات المنحى الارتكاسي الجديد قد تضيف للمنحى الاستعماري الذي اقامت عليه الدول الكبرى تصوراتها الجديدة في المنطقة خاصة بعد ان مهد انهيار المنظومة الاشتراكية لها اللعب دون أن يكون ثمة حكم يضبط مسار لعبها.لذا فالخشية ان يتحول التنظير الراديكالي تنظيرا لليسار العراقي.

وعلى الجانب الآخر ثمة قصور فكري قاتل في الاحزاب الشيوعية العربية - عدا بعض منطلقات الحزب الشيوعي العراقي بوصف أكثر الأحزاب العربية احتداما مع احداث المجتمع العراقي- هو انهم تخلوا عن تحليل واقعهم، وانتبهوا أكثر للأحداث السياسية وكأن مجريات الحكم ومتطلباته هي الأكثر حضورا في الماركسية اللينينية من البنية الفكرية التي تقوم على تحليل مستمر ومتغير لبنية المجتمعات التي يعيشون فيها. فالمتتبع لمسار الفكر الماركسي في المنطقة العربية يجد أن الثبات النظري هو الأكثر ممارسة في حين أن الممارسة السياسية هي الاكثر حركة وتجريبا، وهو ما يخالف المنهج الذي تعلمناه من أن السياسة هي احدى البنى الفوقية التي تتغيربتغيرحركة الواقع، في حين أن تلك البنى الجذرية بحاجة إلى تغيير دائم لفهمها تبعا للمتغيرات في بنيتها – إلا من معالجات غير متكاملة تظهر هنا وهناك-. ومن هنا لم تجر اية دراسة على الطبقات الاجتماعية والفئات والشرائح العربية ومن ضمنها العراقية التي تكونت خلال الخمسين سنة الأخيرة، حيث جرى تغيير بنيوي لشرائح هذه الطبقات. فلم تعد توصيفاتها السابقة قادرة على استيعاب مكوناتها الجديدة. ولا الاحزاب قادرة على فهمها فهما جدليا بحيث يمكنها أن تفرز رؤى واسلوب عمل جديد. وهذا يؤشر إلى حقيقة مرة، وهي أن: لا يوجد منظرون جدد بعد منظري الحزب الأوائل، يستوعبون هذه المتغيرات نظريا، وكأن الدائرة التنظيرية قد اقفلت نوافذها على ما طرح سابقا. في حين أن اي تغيير في بنية الطبقات الاجتماعية يستدعي تنظيريا جديدا لها، وقد يكون هذا التنظير مغايرا لبعض طروحات ما سبق. ثم ان ظروفا مؤثرة قد غيبت شرائح اجتماعية وحولتها من موقع إلى آخر خاصة وان العراق شهد في الخمسين سنة الأخيرة تحولا جذريا في بنية هذه الطبقات وفتتها إلى شرائح صغيرة بعد ان هيمنت النزعة العسكرية على بنية المجتمع. وقد يصب هذا الفهم لاحقا في تصحيح مسارها أو اضافة لها ما يمكن أن يكون خلاصة لتجربة جديدة. فالحزب الشيوعي العراقي وطوال سبعين عاما قد أحدث تيارا ثقافيا وفكريا شعبيا وقويا ويتطلب الامر منا أن نعيد لهذا التيار حيويته وفتوته في الكتابة نظريا وممارسة للكيفية التي نجعل بها هذا الحزب شعبيا وذا تأثير قوي في الشارع العراقي.وفي المقدمة من هذا كله هو أعادة توصيف بنية المجتمع العراقي من جديد.
2- أن المرحلة العراقية التي اشرت لأبعادها اكثر من مرة تمر على العراق والعالم العربي
والعالم كله وفيها مؤشرات كبيرة تتطلب انتباها نظريا خاصا بها لانها ستنتج نتائج ربما غير متوقعة المعالم فتخلق مكونات نظرية وواقعية قد لا نجد توصيفها لها مما يضطرنا الموقف إلى ان نتبنى طروحات مغايرة للسياق النظري الماركسي للتحليل والاستشهاد، وهو منحى غالبا ما تقع فيه الممارسة العربية للنظرية الماركسية بأخطاء. منها الظهور القوي لقوى الإسلام السياسي والعودة إلى مفاهيم القرون الوسطى في فهم علاقة الدولة بالدين، ثم نشؤ الحركات الراديكالية المتطرفة كإفارز واقعي وحقيقي للحاضنات التعليمية والثقافية التي اسستها الحكومات العربية. ثم بعد ان يحدث الخلل نتبنى طروحات مغايرة لما نؤمن به فيحدث شبة تراجع أو تقدم قد لا يكون مقبولا، وغالبا ما تكون هذه الطروحات مفروضة من قبل دول كبيرة.. مما يعني على المدى البعيد خللا في فهم آليات الواقع ومتطلبات الاستعداد النظري له.والعراق اليوم والمرحلة الكبيرة التي يشخصها الواقع بعد 9 نيسان 2003تتطلب إعادة نظر شاملة وكبيرة في الطروحات والمفاهيم النظرية القديمة لا لتغييرها بل لإشباعها تحليلا، فنحن في العراق كنا سابقا نقبلها كما هي وكأنها مسلمات ثم لما تمتحن على ارضية الواقع نجدها مغايرة لفهمنا لها واعني بالذات منطلقات النظرية الماركسية كلها بمفاهيمها المادية و الديالكتيكية والتاريخية.ولنا في فهم انهيار تجربة الاتحاد السوفيتي مثالا واضحا على تبعية الفهم لما يقال عن هذه التجربة وليس مما نراه ضمن واقعنا عن سبب الإنهيار.
3-إن ما حدث بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية العالمية لهوحدث كوني مثير
للجدل ما يزال قائما كلما كانت هناك هزة جديدة في العالم، وما حدث في العراق بعد 9 نيسان 2003 لهو احد أهم هذه الهزات الكبيرة التي لم نجد لها تحليلا موضعيا خاصا بنا في ممارسات وأفكار التيارات اليسارية العربية والعراقية يوازي حجم هذا المتغير الكوني الذي يوازي في افعاله ومؤشراته إنهيار المنظومة الإشتراكية إن لم يكن أكثر تأثيرا منها على المستوى العالمي والمنطقة في القرن الحادي والعشرين.فلم نجد اجتماعا للأحزاب الشيوعية العربية ولا للأحزاب الشيوعية العالمية يعالج هذه الظاهرة الكونية الجديدة التي يشكل غزو العراق مقدمة ونتيجة لها في آن واحد، وهو ما يجعل هذه الأحزاب أنها ما تزال تحت صدمة هزة الإنهيار السوفيتي وما تزال تصحح وترمم انسكاراتها السابقة، ثم لما تستفيق منها حتى بدأت الانهيارات الجديدة بعد غزو العراق تظهر وتمارس دورا تدميريا أكبر على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم، والمتضرر الكبير منها هو حركة اليسار العربية وطلائعها الثورية؛ والاحزاب الشيوعية العربية منها بالذات. لسنا بصدد أن نخط نظرية أو تصور فكري غير ملموس فالاسئلة التي اثرناها هي نتاج حركة الواقع العربي والعراقي بوجه خاص، ولذا لن تكون الإجابة عنها آنية ومرحلية وإن لم تخل من مثل هذا الطماح الآني البسيط، إن ما نبغيه من هذا المقال هو أن نكون أكثر قدرة على فهم ما يجري وقد اثبتت التجارب العملية أن مثل هذا الفهم لن يأتي من القراءة ومن معاينة تجارب الآخرين ما لم تكن المعاينة مصحوبة بالتجربة ولو أن هذه التجربة قامت على منطلقات ومقدمات فكرية بسيطة، فما حدث في العراق ليس هينا ولا هو ردة فعل على تغيير نظام فاشي وظالم لا يعرف العالم مثيلا له، بل أن ما حدث هو بنية مزدوجة ومركبة.
أولاً: إن ما حدث هو فرض لحركة عالمية بدايتها انهيار المنظومة الاشتراكية وظهور العولمة والكولنيالية الجديدة وقوة رأسمال الشركات الاحتكارية وصعود اليمين الراديكالي العالمي يقابله انحسار مميت في قوى اليسار الدولي وحركاته التحررية ثم ظهور حركات راديكالية دينية وقومية جديدة اخذت زمام المبادرة لكنها تمت في سياق الفراغ الذي احدثه انحسار التيار العالمي للتحرر والحرية.
ثانياً: هي أن المنطقة العربية والشرق الاوسط نفسه لم يعد منطقة خمول اقتصادي وسياسي، بل أن وجود مؤشرات كونية مهمة تشير إلى اهمية هذه المنطقة على مختلف المستويات الاقتصادية الكبيرة لما تختزنه من موارد طبيعية توظف في تقوية الطبيعة الراديكالية للتيارات الاسلامية والقومية، أكثر مما تصب في صالح شعوب المنطقة. لذا بدأ التفكير جديا في الدوائر الغربية بتجسير الهوة بين العولمة الغربية والتيارات الراديكالية الإسلامية المؤثرة في المنطقة، وهذه التيارات الحاكمة والمؤثرة تجد نفسها منجذبة للغرب بفعل الضعف الفكري والتعليمي لسكان هذه المنطقة، ثم انفتاحها السريع على المشروع الغربي خاصة في جوانبه الاقتصادية ذات الربح السريع، وهو ما وضحت طلائعه في حركة الاسهم والتبادل التجاري الكبير في منطقة الخليج ثم المتغيرات الدولية المتأرجحة تجاه الانظمة العربية الجديدة والقديمة بحيث لا يمكن ان تستقر الطروحات الغربية على قرار معين وثابت بشأن القضية الفلسطينية والعراقية. فالدول الكبرى تحتل العراق من أجل إشاعة الديمقراطية ثم تفكر بالخروج السريع منه. !!
ثالثاً: هي أن دول الجوار لها يد طولى في صنع القرار العراقي، ونظرة فاحصة على بنية وتركيب هذه الدول خاصة أيران وتركيا نجد أنها تعاني من مشكلات بنيوية كبيرة.فلم يكن لايران أي حضور او توسع ايديولوجي في الدول الاسلامية التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي السابق لذا ليس من عمق لها هناك، فعمقها كما تعتقده يكون نحو المنطقة العربية وبالإتجاه العراقي تحديدا بحجج دينية وتاريخية،لا عمق لإيران من غير العراق لا وجود له.لذا لن يقف تدخلها عن حرف المسارات الوطنية مستقبلا للعراق ومن يستقرئ ما حدث في غيران أن الصراع الآن قائم بين قوى الأصلاح الديني والقوى السلفية الدينية وهو صراع تخلت إيران من خلاله عن أن تكون دولة ذات مسار تقدمي تحرري، كما أن الكثير من القوى الإيرانية اليسارية السابقة تخلت عن برامجها لتجد لها فرصة في حضن هذه الدولة التي تخط طريقا غير واضح في طرق العالم الحديث.أما تركيا فتعاني من مشكلة حزب العمال الكردستاني ومن مشكلة أكثر تعقيدا قبولها عضوا في الدول الأوربية، والمشكلتان تجد لهما حضورا في العراق. من هنا فالقرار العراقي ليس تابعا ولكنه لن يغفل أثر الجيران على العراق. لذا يكون للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي حضور في ذاكرة العراقيين كلهم إذا شخص وبوضوح هذه العناصر في أولا وثانيا وثالثا.


لاهاي في 24/5/2006 - 2/7/2006



#ياسين_النصير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكونات الطبقة الوسطى العراق نموذجاً
- قراءة في رواية الضالان
- أدباء عراقيون - الشاعر سعدي يوسف
- أدباء عراقيون -ابو كاطع: شمران الياسري
- أدباء عراقيون- غائب طعمة فرمان


المزيد.....




- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ياسين النصير - عن المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي