|
الرصاصة الأخيرة في نعش الإله الأخير ...
راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.
(Rawand Dalao)
الحوار المتمدن-العدد: 6668 - 2020 / 9 / 5 - 00:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
( الرصاصة الأخيرة في نعش الإله الأخير ! )
قصة بقلم #راوند_دلعو
كان يا ما كان في قديم الزمان ، قصة من سالف العصر و الأوان ، و نَائِيَ البُعدِ مِن أقاصي المكان ... حتّى كان !
كان هناك شابٌ مفعم بالحيوية و العنفوان ... يتنقّل من بستان لبستان ... يسكن البراري و الفَلا بلا عنوان ... يعشق اصطياد الآلهة و الأنبياء و الكُهّان ... إذ كان يصطاد الآلهة بأقلام الرصاص ... و يروِّضُ الجبروت بالسلاسل و الأقفاص !
فكان كلّما سمع بوجود إله أو نبي ، ذهب إلى الغابة و أعدّ له كميناً مُحكماً من الحجح المنطقية و الأدلة العقلانية ... ثم كَمَنَ له و ترصّد به ... فإذا ما دخل الإلهُ أو النبي في مداه البصري ، التقف قلماً رصاصياً من كِنانتِه الفكرية ، ثم راح يَزِنُ و يضبط زاوية السَّمْتِ بدقة متناهية ... ثم هووووب ! يُطلق قلمه الرصاصي السّام فيصيب الإله بمقال عقلاني في القلب ، أو نقد منطقي في الجبهة ، أو بحث استدلالي في الصدر ، أو كتاب تنويري في العنق ! ... ليهوي الإله أو النبي ذبيحاً ساقطاً في واد سحيق من التناقض و التهافت و الخرافة و البطلان ...
و كان كلّما اصطاد إلهاً أو نبياً قيّده بسلاسل من منطق عقلاني رصين ، و حَبَسَهُ في قفص مع أقرانه من العفاريت و الجن الملاعين ... ثم ألقى به جثةً هامدة بلا صوت و لا رنين ، في واد الآلهة و المجانين ... حيث تتراكم جثث الأنبياء و الأوثان و الأساطير و الخرافات و التَنَانِيْن ...
و بعد سنوات من معاقرة الحروف و إدمان العيش بين الكتب و الرّفوف ، ثم احتراف التأليف و التحقيق و البحث الشّغوف ... و ابتكار الرصاصات الفكرية التي تقتل الأنبياء و الآلهة بالكلمات و الصّروف ... انتصر صياد الآلهة بسلاحه الوحيد المتمثل بقلمه الرّصاصي على جميع الأنبياء و الآلهة الزائفة الذين صادفهم في حياته ... فصار مشهوراً في الملأ الأعلى ببصيرته الصائبة و أقلامه الرصاصية السّامة الثاقبة .... إلى أن أصبح اسم ( صياد الآلهة ) مثيراً للرعب في عوالِم الآلهة و الجن و العفاريت ، و كل العوالم الخرافية ، و الروايات و القصص الأسطورية ، الفضائية منها و المائية ... !
■■■
ها هو الصياد العبقري جالساً في قُمرَتِه الفلكية ، ممتشِقاً قلمه الرصاصي بِحزمٍ عقلانيٍّ و هدوءٍ شاعريٍّ ، مترصداً مرور أي إله في سماء الفكر ، محتسياً كأساً من النبيذ الحَي البِكْر ، مُطلاً على الوادي المليءِ بجثث الآلهة المتعفنة التي اصطادها ، و الجيف الفلسفية المتفسّخة التي اغتالها ، و الأديان النتنة المُتحلِّلَة التي اجتَالَها ...
و لو تراه مُمْتَشِقاً قلمه الذي ينفث دخاناً من نور ... كاشفاً للناس طريق العلم و التحرر و العقلانية و السّرور ...
ها هو يُشِعُّ تحرراً و عقلانية ، و نوراً يضيء العالم كله بأبحاثه و كتبه و مقالاته النّورانية .... ها هو و قد قَتَل برصاصاته الفكرية كل خرافة شريرة ... و اغتال كل أسطورة مستطيرة .... !
●●●
لكن من سوء الحظ و سخرية القدر أَنِ انقَضّ المرضُ المزمن على صياد الآلهة مبكِّراً و هو في ريعان الشباب ... ليعاني أشدّ العذاب ... مِن آلام و أوجاع تطيشُ لها الألباب ... فما إن أتى المرض المزمن حتى تلف جسده النحيل ... و لم تعد تنفع معه لا العقاقير و لا المحاليل ... فساءت حالته و أوشك على الرحيل !!
و بعد أن أنهكه المرض ، دخل الموت على الصّياد الذي تحامل على نفسه و جلس في قُمرَتِه ... إذ كان يعمل على إتمام بحث فلسفي عظيم ! لكن للأسف ، قاطعه الموت و قال له :
《《 هيّا أيها الصيّاد ... سلم روحك و سلاحك و استسلم لي ! فلا مقالات و لا أبحاث و لا تضليل للناس بعد اليوم ... فأنا مُرسَلٌ إليك من الإله الأخير الذي لم تستطع اصطياده إلى الآن .... و هو ( الله ) ، رب النبي محمد الذي بُعِثَ إلى العالَمِيْن بالقرآن ، فقد أمرني جل جلاله أن أقبض روحك عنوة بلا استئذان ... فأنت الآن فانٍ فانٍ فان ...》》
فوقع الصياد المريض عاجزاً و قد أنهكه الوهن و التعب ... لتفيضَ عيناه بالدمع بعد أن استفحل المرض منتشراً في جسده الضعيف ...
ها هو يحاول مد يده إلى قلمه الرصاصي الأخير ليقتل به الإله الأخير الذي يدعونه بال ( الله ) .... لكن الضعف قصر بيده عن الوصول إلى كنانته حيث انهارت قواه و فقد قدرته على الحركة ..!
ثم راح الموت ينزع رونق الحياة عن جسد الصياد رويداً رويداً ...
إنه النَّزْعُ الأخير !
لقد جاءه الموت الزؤام ... فهوَت يده ثم سقط قلمه الرصاصي مُتدحرِجاً على الأرض و رائحة جثث الآلهة تفوح منه !!
آهٍ كم اصطاد هذا القلم من آلهة ... و كم أردى من أنبياءٍ و مُتَألّهة !!
مات صياد الآلهة ... فانتشى الإله الأخير الذي يُسمِّي نفسه ( الله ) فرحاً و هو يقول :
《 كل من عليها فان ... و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام ... أنا الملك أنا الدّيَّان ... و عزتي و جلالي أنا الإله الوحيد ، أنا رب القرآن ... أنا الإله الأول و الأخير ... أنا الفرد الصمد الحي السرمد رب الأكوان ... خالق الجماد و النبات و الحيوان ... أنا الذي لا يدركني عقل بشر ، و لا فِكرُ جَان 》.
○○○
مات صياد الآلهة ... فحزن التنويريون العقلانيون أيّما حزن على وفاته ، ثم أعلنوا عليه الحِداد ... فأُطفئت الأنوار في كوكب الأرض و أُغلقت المختبرات و المعامل ... و نُكِّسَت أعلام جميع الدول العِلمانية المتحضرة التي كانت تهتدي بمنهج الصياد العقلاني في محاربة الآلهة و الخرافات و الأساطير و الأديان ...
و قامت كوكبة من كبار علماء الأرض و حَمَلَةِ جوائز نوبل بتَأبِينِه و دفنِه أعزلاً بلا يراع و لا قلم ... و عزفت الفرق العسكرية أعظم السّيمفونيات التراجيدية أثناء مراسم التأبين ... إلى أن خطب عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين بالجموع قائلاً :
《 وا أسفاه !! ... لقد رحل للتو صياد الأنبياء و الآلهة ... لقد خسرنا المدافع الأول عن العلم الحقيقي ...لقد فقدنا المحارب الأول للعادات و التقاليد و الموروثات البالية ... إنه المفكر الذي حرر نظرية المعرفة من المسالك المعرفية الفاسدة و المغالطات المنطقية ... فليرقد بسلام 》》
ثم خطب تشارلز دارون في الجموع قائلاً :
《《 لقد أضاء الراحل حياتنا بعد أن اصطاد كل الخرافات و الخزعبلات التي اطّلع عليها في حياته القصيرة ... لقد حرر عقولنا بنقده لكل الأفكار و الفرضيات الزائفة و اصطياده لكل الآلهة الكاذبة ... لعمري كيف سيلقى صيادنا العظيم ذلك الإله الأخير المتغطرس الذي يسمي نفسه ( الله ) و هو أعزلٌ دون قلمه الرصاصي ؟
يا له من سيء الحظ ، فمن المستحيل أن يستطيع الدفاع عن نفسه بعد أن جرده الإله الأخير ( الله ) من قلمه الرصاصي بالموت !!
لكن لن نيأس ، فكل الإنسانية معه ... و نتمنى له الانتصار على كل إله جبار ... 》》.
و في مشهد تشاؤمي محزن خرج الفيلسوف العدمي نيتشة ثائر الشعر صارخا :
《《 ألم أقل لكم ... تباً للإله الأخير !!!
لقد رحل الصياد و بقي قلمه هنا .... يالحظه العاثر !!! كم هو محزن و مؤلم أن تكون صيادَ آلهةٍ محترفٍ ، تقضي عمرك و أنت تصطادُ جميع الآلهة ثم يهزمك الإله الأخير !!! لقد أخبرتكم أن الإله خبيث دنيء جبان ... و أنّ هذا الوجود محض عبثية و شر .... يجب أن نتكاتف لنكمل رسالة الصياد ثم نقتل الإله الأخير 》》.
و بعد أن انتهت مراسم الدفن احتفظ العلماء بقلم الصياد في أهم المتاحف في العالم المتحضر ... ليبقى منارة للأجيال القادمة ... و رمزاً لتحطيم الخرافات الهادمة ...
■■■
و بعد آلاف السنين ، بعثَ الإله الأخير ( الله ) ذلك الصيّاد من قبره ... ثم أمر أن يؤتى به مقيداً بالسلاسل لتتم محاكمته على رؤوس الأشهاد ...
فقال ( الله ) لصياد الآلهة :
《《 مممم أهلا بمن تجرأ على كل الآلهة ... أهلاً بالكافر ... أهلاً بمن كان الناس يسمونه ( صياد الآلهة ) ...
مممم يخبرني علمي القديم بأنك حطمت كل التابويات و الصناديق ، ثم قمت باصطياد جميع الآلهة خلال حياتك القصيرة ... لكنها آلهة خلبية كاذبة أيها الغبي ... و أنا الإله الواحد الأحد لا إله غيري .... يالخيبتك قهقهقهقه !!!
يا أيها الكافر الجاحد العُتُلّ الزّنيم ... يا لك من سفّاح فكري شرير حيث إنك لم تترك إلهاً من شرِّكَ و شرّ قلمك الذي ينفث مقالات سامة ، و أبحاث لامّة ، و مؤلفات وقحة غير هامة ...
لكنك غبي نعم غبي فقد أفنيت عمرك في صراع الوهم و الآلهة الزائفة قهقهقهقه ....
كلّا و القمر ... و باسقات الشجر ... و الثّلج و المطر ... و الفجر و السَّحَر ... لأُخزِينّك و أُصْلِيَنَّكَ سَقَرْ ، و ما أدراك ما سَقر ... وادٍ لا يُبقِي و لا يَذَر ...
و التين و الزيتون ، و القلم و مايسطرون ، لأصفَعَنّ بناصِيَتِك الكاذبة ... ثم لأمسخنَّك قرداً ثم خنزيراً ثم إلى جهنم ...
و عزتي و جلالي لأُجرِّعنّك ماءً كالمهل يشوي الوجوه ... بئسَ الشرابُ شرابُك و بئسَ المقامُ مقامك ...
أتعرف الآن ما الطّامة يا أيها الصياد الزّنديق الغبي ؟
الطّامة أنك كنت على ضلال ... قهقهقهقهقه !
فها أنت الآن تقف بين يدي الإله الحقيقي ( الله ) الذي أنزل القرآن ....
دعني أُفاجئُك و أخبرك بأنّني موجود أيها الكافر الحقير ! و عزتي و جلالي لأشوينّك إلى الأبد ، في نارٍ لم أُدخِلْهَا بعدُ أحد !
فها أنت أخيراً تقف في حضرتي أعزلاً بلا قلم و لا سلاح ... أخذَتْكَ العزة بالإثم خلال عمرك القصير ، لكن الموت الذي أرسلناهُ إليك تسلّل إلى يدك فشلّها و عطّلها ... و ها أنت الآن دون قلمك الرصاصي ، فأرني كيف ستصطادني اليوم ؟؟
أين مقالاتك ... ؟ أين مناشيرك ...؟ أن مؤلفاتك و فلسفاتك ؟ أين مناقشاتك و حواراتك ...؟ أين مؤتمراتك و محاضراتك و تجاربك و مختبراتك ؟ أين عقلانيتك التي كنت تتبجح بها ؟ أين قصصك و رواياتك ؟ أين قصائدك ؟ أين كتاباتك المسرحية التي كنت تسخَر فيها مني و من أنبيائي و مساجدي ... ؟
أرني الآن كيف ستكتب و تنشر ضدي لتصطاد الإله الحقيقي و الوحيد ... !!
أنا الله الجبار الواحد الأحد ... و لا حقيقة إلا أنا ... 》》.
فقال الصياد :
[[ و من قال لك يا إلهي أنني سأكتب ضدك أو أتجرأ حتى على التفكير في ذلك ... فأنا ما قتلتُ كل الآلهة الزائفة إلا لأنتصر لك وحدك ...
ألست أنت الماورائي الذي لا تدركه العقول ؟
ألست أنت خالق الكون الذي يحمل كل صفات الكمال التي لا نستطيع الإحاطة بها ؟ ألست أنت الذي تمايَزْت عن مخلوقاتك و تنزَّهتَ عن التشبه بهم ؟ ]]
فقال الإله الأخير :
《《 نعم أيها الخبيث ... أنا الماورائي الذي أُدرِكُ العقول و لا تدركني العقول ... 》》.
فقال الصياد :
[[ إذن عندي في جيبي مقالة أخيرة ... كنتُ قد حضّرتُها قُبيل وفاتي ... فأرجو منك أن تعيد لي قلمي الرصاصي مرة واحدة فقط ، لأكمل هذه الرسالة ، ثم أُلقِّم بها قلمي الرصاصي ، ثم دعني أرميك بالقلم ، فإن كنتَ خالق الكون الحقيقي المُنزه الذي لا يدركه العقل ، فسيعود سهمي رصاصة إلى صدري ثم سترميني في جهنم ...
أما إن كنتَ إلهاً زائفاً مثل كل تلك الآلهة التي قمتُ باصطيادها خلال حياتي القصيرة ، فستقع رسالتي قلماً رصاصياً ينغرز في مَقْتَلِك ... فستموت ... و سأكون قد قتلتُ الإله الأخير ...
فهل تقبل هذا التحدي يا الله ؟
ألست أنتَ مَن تحدّيتَنا نحن البشر في الدنيا بأن نأتي بكلام مثل كلامك أو نأتي بمنطق ينفي وجودك أو ينال من صفاتك .... ؟ فاليوم أنا أتحداك و أنت أهل للتحدي لأنك الرب الخالق الواثق ... أليس كذلك ؟
ثم يا إلهي العظيم ، لا بد لعنجهيّة ربوبيتك أن تدفعك إلى قبول التحدي الصادر عن مخلوق تافه ضعيف قاصر عاجز مثلي .... أليس كذلك ؟
فهل تقبل التحدي ؟ ]]
فقال الإله الأخير بعد أن أخذته العزة بجبروته :
《《حسناً ... أنا واثق بأنني الخالق الحقيقي للكون ، و أنَّنِي إن أردتُ شيئاً أقولُ له كن فيكون ... صاحب الأسماء الحسنى المتعالي الذي لا تدركني العقول ... أنا الذي أرسلت محمداً بدين الحق و أظهرته على الدين كله ... و لو كره صياد الآلهة .... قهقهقهقه ...
فهيّا ... هات رسالتك التافهة و لتَرمِنِي بها .... و سترى كيف سيرتدّ عليك قلمك الرصاصي ليقتلك برصاصتك الورقية الخُلّبية الأخيرة ، ثم فلتذهب إلى الجحيم أيها الكافر الجاحد الزنديق .... 》》
ثم التفت الله إلى خَزَنَةِ جهنم و قال لهم :
《《 أشعلوا النار و سَعِّرُوها ... حضروا أوديتها و جهزوها ... هيّؤوا للصياد الأخير كل العذابات و أقسى درجات الإحراق و الإيلام 》》 .
♤♤♤
( الرصاصة الأخيرة في نعش الإله الأخير )
فأخرج الصياد من جيبه رسالة يعلوها الغبار و قد أكل التراب حوافّها ، فنفض عنها الغبار ثم قرأ و الله يسمعه :
{{{ يا الله .... يا مَن تدَّعي بأنك لا تدركك العقول ... ماذا أقول ؟ ثم كيف لي أن أقول و مقالي مهما ارتقى معقول ؟
يا الله ، كيف تدّعي بأنك لا تدركك العقول إن كنت تفهمني الآن و تعي ما أقول ؟
( التخاطب )
فَمَن فَهِمَنِي لا بد أنه استوعب خطابي ، و من استوعب خطابي لا بد من امتلاكه لأداة استيعاب التخاطب ، ألا و هي العقل ، و من امتلك عقلاً امتلك دماغاً بالضرورة ، فالعقل و الدماغ متلازمان لأن الدماغ وعاء العقل ، و العقل مرآة الدماغ ...
أما الدماغ فخلايا عصبية تتشابك لتجري عبرها سيالات عصبية ناتجة عن تفاعلات كيميائية ...
و بذلك أستنتجُ أنه لا بد لمن استوعب الخطاب البشري من امتلاك دماغ ... و من امتلك دماغاً لا بد أن يكون مادياً و المادي تدركه العقول البشرية ... و كل ما تدركه العقول لا بد أن يكون امتداداً لهذا الكون ، فهو مخلوق ؟!!
فطالما استوعبتني فأنت مخلوق !
يا الله ، لقد احترتُ بادّعائِك الاتصاف باللّاإدراكِيّة ، بل لا أراك إلا مُدرَكاً بعقولنا البشرية !! و ما أرى دعواك إلا كذباً لأغراض دونيّة ... ! إذ لو كانَتْ لا تُدرِكُكَ العقول ، لتَنزَّهْتَ عن أن تكون محلاً للخطاب أصلاً ...
♧ فإن أنا أشرتُ إليك بقولي : ( يا الله ) فأنا حتماً أخاطب مخلوقاً !! لأنني بمجرد قولي ( يا ) فقد حيّزتُك بحيِّزِ المخاطَبِ ، و أحلَلتُك محلّ المُنادى ...
أمّا المُتحيّزُ فقد أطّره المكان و حاصرته الأبعاد و الجِّهَوِيّة ، و من اتصف بالمكانيّة و البُعديّة و الجهويّة ، أدركته العقول البشرية ... و كل ما أدركته العقول البشرية كان امتداداً لهذا الكون ... فهو مخلوق ...
و أما المُنادَى فلا بد من امتلاكه لأداة استيعاب ، و إلا لما كان محلاً للنداءات البشرية ... و السمع صفة من صفات المخلوقات الحية ، فهي آلية قائمة على تحويل موجات الصوت إلى سيالة عصبية ... و مدار ذلك على الفيزياء و الكيمياء ... و من خضع للفيزياء و الكيمياء مادة ... و كل مادي تدركه العقول ، و كل ما أدركته العقول لا بد أن يكون امتداداً للكون فهو مخلوق ... فثبت أنك مخلوق !
♧ و إن أنا أشرتُ إليك بقولي : ( هو الله ) وصفتُك بالذكورية ، لأن ( هو ) ضمير المذكر ، و الذكورة من صفات مملكة الحيوانات المادية و كل مادي تدركه العقول بالضرورة ... و كل ما أدركته العقول كان امتداداً للكون فهو مخلوق ... فمن أشير له بال ( هُوَ ) ... حتماً مخلوق !!
♧ و إن رفعتُ يديّ متوجها بالدعاء إليك فقد نسبتُ لك الجِهَويّة و التّحيز ، لكن المتحيز مادي و المادي تدركه العقول ، و كل ما أدركتهُ العقول كان امتداداً للكون ... فهو مخلوق !
♧ و إن رددتَ علي و خاطَبْتني ، فهذا يعني أنك وَعَيْتَنِي و وَعيت فحوى خطابي ثم استجبت ، و هذا تواصل أفكار !!! و الأفكار تتولد من العقول فأنت عقل ، و العقل ينتج عن دماغ من خلايا عصبية و تفاعلات كيميائية ... و الكيمياء مادة و كل مادي لا بد أن تدركه العقول ، و كل ما أدركته العقول فهو مخلوق فأنت مخلوق ... !!
و بالتالي لا تتصور أركان التخاطب إلا ضمن نطاق المُدرَكات العقلية ... و لا يقوم بها إلا مخلوق.
■■■
ثم فتحتُ كتابك الذي تسميه ( القرآن ) لأقرأه بهدف التعرف عليك و على صفاتك ، فوجدت كل الدلائل التي تثبت أنك مخلوق !!!!
( التوحيد )
فقد وصفتَ نفسك بأنك واحد أحد متفرد لا شريك لك ... و الواحديّة عدديّة ، أمّا العددية فناتجة عن المُجرّدات العقلانية الرياضيّاتية التي يستقيها الكائن البشري من البديهيّات الحسية في الوسط المحيط ، فالعقلانية وظيفة دماغية ... فهل يُتصور التنفس بلا رئة ؟ و كذلك لا تُتصور العقلانية بلا دماغ ....
أما الدماغ فخلايا و مَشَابِكٌ عصبونية مدارها على الكيمياء ، و الكيمياء مادة ... و كل مادي تدركه العقول ... و كل ما أدركته العقول لا بد أن يكون امتداداً لهذا الكون ، فهو مخلوق !!
و بالتالي لا تتَصوّر العددية خارج نطاق المُدركات العقلية ...
كما أن وصفُك لنفسك بالتفرد و الواحديّة إخضاع لك لقواعد المنطق الرياضياتي و العقلانية الرياضياتية المتولدة عن الدماغيّة المادية ... و من لا تدركه العقول منزه عن الخضوع للعقلانية ، فخضوعك لها دليل ماديتك و كل مادي هو حتماً امتداد للكون ... فهو مخلوق !
و الواحدية تستلزم الاستمرارية الاتصالية في ذات الواحد ، كما تستلزم الانفصالية عما سواه ، مما يقتضي التحيز و المكانيّة و الحَدّ ... و المُتحيِّزُ المحدود مادي مخلوق ...
♧♧♧
( الصفات السبعة )
ثم نسبتَ لذاتك في القرآن صفات منها :
( القدرة و الإرادة و العلم و الحياة و الكلام و السمع و البصر ) ...
1_ فأما صفة ( القُدرة ) فلا يتكيّف جوهرها إلا بوجود عَقَبَةٍ تمنع ... ليتم وصف من تجاوز العقبة ب( القادر القدير ) ... و من عجز عن تجاوزها ب( العاجز ) ، و كلاهما حتماً مخلوق !! لأن مفهوم العقبة و تجاوزها مُتَصَوَّرٌ ضمن عالم المادة ... فلا تُتَصور العقبة خارج إطار المادة ، و بالتالي لا تَتَأتّى القدرة و التجاوز إلا ضمن حدود كوننا المؤطَّر بالمادة ، فكان القدير و العاجز مادة ، و كل مادة تدركها العقول ... و كل ما أدركته العقول مخلوق ... !
فمن وصف نفسه بالقدير أقر بأنه يقبع ضمن هذا الكون المادي ... لوجود عقبات يستطيع تجاوزها فكان قديراً !
٢_ و أما صفة ( الإرادة ) فقرار ... ثم اختيار ... ثم انبعاثٌ و تَوَجُّهٌ نحو المُراد تاركاً اللَّامراد ...
و لا بد للانبعاث مِن أركان و هي : مُنبَعِث و حيّز و مُنبَعَث إليه ، و هذا لا يتأتّى إلا في إطار حيّز كوني من المادة ... فثبت أن المُنبَعِث مادة و الاختيار مادة و المُنبَعَثُ إليه مادة ... وكل مادي تدركه العقول و كل ما أدركته العقول مخلوق ...
كما أن الإرادة تستلزم خضوع المُرِيد للزّمنيّة ، لأن الانبعاث يأتي بعد القرار و الاختيار ، كي تتحقق الإرادة ، إذ يستحيل تحقق الانبعاث قبل القرار و الاختيار ... فلا يعقل أن تختار الشيء أولاً ثم تريد اختياره !! بل تأتي الإرادة ثم الاختيار ...
و من خضع للزمنية لا بد أنه مُؤطَّرٌ بالماديّة ، و كل مادي تدركه العقول ، و كل ما أدركته العقول مخلوق !
فلا يصح وصف من لا تدركه العقول بصفة الإرادة ، لأنه مُنزّه عن التوجُّه المنوط بالخضوع للزمنيّة و التحيُّزيّة ...
كما أن أصل الإرادة انبعاثات نشأت عن قرارات إرادية نتجت بدورها عن سيّالات تولّدت في الجُمَل العصبية عند الكائنات الحية ، و الدماغ كيمياء و مادة ، و كل مادي تدركه العقول و كل ما أدركته العقول مخلوق.
و بالتالي لا تتصور الإرادة خارج نطاق المدركات العقلية ... فكل مريد مخلوق ...
٣_ و أما صفة ( العلم ) فهي تجمٌّعٌ للبيانات و المعلومات في الذواكر الخلوية العصبونية ، ثم تسليطٌ لعملية التفكير الدماغي على محتويات تلك الذواكر بمُعَالَجَاتٍ من مثل :
الملاحظة و الاستقراء و التحليل و التركيب و الاستنتاج و الاستنباط و الابتكار ...
و هذا كله يحدث حتماً في دماغ من خلايا عصبية ، فلا بد للعالِم من امتلاك الدماغ إذ لا يُتَصوَّر العلم دونه ... فلا تقوم العالِمِيَّة إلا بالدماغيّة ، و الدماغ خلايا عصبية و تفاعلات كيميائية مادية ... و كل مادي تدركه العقول ، و كل ما أدركته العقول مخلوق !!
٤_ و أما صفة ( الحياة ) فسلاسل تفاعلات كيميائية بين مركبات عضوية ، تجاوزت عتبة معينة من الترابط و التعقيد و الدورية ، لينتج عنها الحركة و الانبعاث و الاستجابة و التنفس و الإطراح و مجمل الاستقلابات الأيضية الحيوية ... فنسمي الكائنات التي تتمتع بتلك الدورة من التفاعلات الكيميائية المعقدة بالكائنات الحية الحيوانية ...
فالحياة حَيويّة حيوانيّة ماديّة ، نتجت عن تعقيد التفاعلات الكيميائية العضوية ... فكل حي هو مادي و كل مادي تدركه العقول ، و كل ما أدركته العقول مخلوق ...
فطالما أنت حي فأنت مخلوق !
٥_ و أما صفة ( الكلام) فإشارة اتصال تنقل البيانات من المُرسِل إلى المستقبِل ... ضمن نظام اتصالات لا يمكن أن يكون إلا مادياً في وسط مادي ... فكل مُتكلِّم مُرسِل للبيانات بالتشوير ، و المُشَوِّرُ حتماً مخلوق ! لأن التشوير لا يتصور إلا في عالم المادة و كل مادي تدركه العقول و كل ما أدركته العقول مخلوق !
كما أن المُرسِل الذي يولد الإشارة إنّما ولَّدها لأنه ( بحاجة ) إلى إرسال المعلومات إلى المستقبِل ، فلجأ للتشوير لإيصال البيان ... و طالما أنه محتاج للإرسال فهو مخلوق لأن كل صاحب حاجة مخلوق ...
٦ _ و أما صفة ( السّمعِ ) فاستيعاب الدماغ للصوت الحامل للبيان بعد قيام الأذن باستقبال الإشارة و تحويلها من موجة صوتية إلى سيالات عصبية تُترجَم في مُستَقبِلٍ عصبي ( الفص الصدغي من الدماغ في حالة البشر ) ....
و من هنا نجد أن الصوت و البيان و الأذن و المستَقبِل العصبي كلها ماديات تدركها العقول ... و لا تقوم صفة السمع إلا بها ... فالمتصف بالسمع لا بد أن يكون مادة ... و كل مادة تدركها العقول ... و كل ما أدركته العقول مخلوق ... فالسّميع مخلوق.
كما أن السميع ( المتصف بصفة السمع ) يعي الترددات و الإشارات الصوتية بآلية خاصة نسميها السمع ، و هي آلية تختلف عن آلية وعي إشارة البصر ( الضوء) ... و اختلاف الآليات يدل قطعاً على أنه مخلوق ، لأن اتصافه بالسمع و البصر لدليل على أنه مُجزّء و كل مجزء مخلوق ...
٧_ و كذلك أقول في صفة ( البصر ) ... فهي وعي الدماغ للضوء الحامل للبيان اللوني بعد أن تقوم العين بتحويل الضوء إلى سيالات عصبية كيميائية يتم تفسيرها في مُستقبلٍ عصبي ( و هو الفص القفوي من الدماغ عند البشر ) ... لكن العين و الضوء و اللون و المُستَقْبِل العصبي كلها ماديات تدركها العقول ... فالبصير تدركه العقول ... يعي الأمواج و الفوتونات الضوئية بآلية تختلف عن آلية وعيه للموجات الصوتية ، فهذا دل على التجزئة و كل مجزء مخلوق ...
و لو كان خالقاً لتنزه عن الحاجة إلى معنى و آلية السمع و البصر ....
■■■
ثم نظرتُ ( يا الله ) في القرآن فوجدتك قد وصفت نفسك بصفات المخلوقات ... و أنك محل إدراك العقول البشرية ! مما ينفي عنك اللاهوت و الخالقية.
فوصفت نفسك بالقِدم و البقاء ... و هما صفتان زمنيتان ... فها أنت أخضَعت نفسك في قرآنك للزمنيّة ... فلِلْقديم ما بعده ، و ذلك يُلزمه بأن يكون محتوىً ضمن إناء الزمن ، خاضعاً لمفهوم الاستمرارية ... و من خضع للزمنية و الاستمرارية كان حتما مادة ... فهو مخلوق.
و كذلك صفة ( البقاء ) ، فلِلْبَاقي الخالد ما قبله حتماً ، و هذا يستلزم خضوعه للزمنية و الاستمرارية ... لكن الاحتواء ضمن الزمنية مع الخضوع للاستمرارية يستلزم قطعاً المادية ... فثبت أنك مُدرَك بالعقول و كل ما أدركته العقول مخلوق !! ♤♤ و لا يستلزم تنزيهك عن الاتصاف بصفات المخلوقات السابقة كلها ، اتصافك بأضدادها ... فالذي لا تدركه العقول منزه عن صفة السمع و الصمم بنفس الوقت ، لأن الصمم صفة مخلوقاتية كالسمع ... فسلب السمع لا يستلزم إثبات الصمم إلا للمخلوق ... فإثباتك السمع لنفسك هروباً من وصمك بالصمم دليل مخلوقيتك !!!
و كذلك القول في صفة البصر و ضدها العمى ، و العلم و ضدها الجهل ، و الإرادة و ضدها الجبر ، و القدرة و ضدها العجز ، و الحياة و ضدها الموت ، و الكلام و ضدها الخرس ...
فكل الصفات التي أثبتها لنفسك في القرآن لا تعدو أن تكون هي و أضدادها صفات مادية تدركها العقول !! .... و إنما أثبتَّها ظناً منك أن إثباتها ينفي عنك أضدادها ، و قد فاتك أن من لا تدركه العقول لا تصح في حقه كل هذه الصفات البشرية و لا أضدادها .... فبربك أين الألوهية التي لا تدركها العقول ؟؟؟
♡♡♡ كما أن اتصافك بكل هذه الصفات معاً يستلزم التراكبية و التجزيء و التبدّليّة ... و هذا يستلزم المخلوقية ، كما أن تعدد الصفات يستلزم ماديّة الذات ... إذ لا تُتصور ذات بعدة صفات إلا إذا كانت مجزأة ... و كل قابل للتجزيء مادة ... و كل مادة تدركها العقول ... فثبتت مخلوقيتك من كل الأوجه.
●●●
أمّا لو سبرنا تلك الصفات التي وصفتَ بها ذاتك في القرآن و ظاهرها الصريح التجسيم و التشبيه القبيح ، مما اضطر الكهنة إلى علاجها بالكذب و التأويل و التشبيح ... لوجدنا العجب العجاب !!!
فمما نسبتَهُ لنفسك _ على سبيل المثال لا الحصر _ من صفات بشرية صريحة تستلزم مخلوقيتك ما يلي :
ففي القرآن نجد أنك تمكر و تخادع و تستهزئ و تغضب و ترضا و تحب و تكره و تضحك و تتواصل و تبين و تُضِل و تُضلِّل و تتفاعل و تشتري و تبيع و تسأل و تستجيب و تجيب و تنتظر و تمهِل و تراوغ و تنتقم و ترحم و تعفو و تعذب و تمتلك و تتحكم و تتجبر و تتكبر و توحي و تخاطب و تحارب و تعرض و تناصر و تؤمن و تعتقد و تسالم و تهادن و تقسم و تستجيب و ترد و تغير كلامك و تشتُم و تنسخ خطابك و تنسى و تهدد و تتوعد و تضر و تتجلّى و تجيء و تستوي على عرش فوق الماء يحمله ثمانية ! و تتواجد في جهة السماء ... و لك كرسي ... و كلامك ( قرآنك) مليء بالركاكة و التناقض و الأخطاء !
و لك وجه و ساق و يد و جنب و عين و حَدّ و كل يوم تكون في شأن ... ! كما أنك ذكرت بأنك ستتفرّغ لمعاقبة الجن و الإنس في المستقبل البعيد يوم القيامة ، مما يعني اتصافك بالانشغالية كما جاء في سجعية الرحمن !!!
و لك بيت على الضفة الشرقية من البحر الأحمر فيما يسمى بمنطقة الحجاز و تحديداً في مدينة مكة ، حيث تقع بالقرب من الطريق الدائري في حي يسمى بالحرم ، و هو عبارة عن غرفة واحدة سوداء مكيفة و مزينة ، كما و يوجد حول غرفتك المكعبة ساحة كبيرة يدور فيها الناس ، و في بيتك ركن يماني ، و من مقتنياتك الحجر الأسود !
و كلها صفات حيوانية تتصف بها الرئيسيات و منها الكائنات البشرية .... و لا يمكن أن يتم تصور هذه الصفات إلا ضمن عالم المادة و الطاقة و الفيزياء الكلاسيكية ...
فبربك أين الألوهية و اللاإدراكيّة ؟
□□□
أما قول المدافعين عنك بأن لك سمعاً يليق بك و لكن ليس كسمعنا ...
و بصراً يليق بك ، و لكن ليس كبصرنا ... الخ الخ في كل الصفات ...
فهي سفسطة الفاشل الذي ياتي بأي كلام متناقض ليبرر عقيدته الموروثة ...
فما معنى جملة ( لك سمع ليس كالسمع ) و ( لك بصر ليس كالبصر ) و ( لك إرادة ليست كالإرادة ) !!
إنها سفسطة الترقيع و العجز و الضعف الفكري عند المحمديين بهدف الدفاع عن نصوص قرآنك المليئة بالتجسيم !!
ثم بعد كل هذه الوثنية ، تدّعي أن رسولك حارب الوثنيّة !!
♤♤♤
و أخيراً نأتي ( لصفة الوجود ).... إذ تتشارك جميع الموجودات بالتواجديّة .... فإذا كنت يا الله موجوداً فقد شابَهت مخلوقاتك بصفة الوجود !!!! لأن التّواجُديّة تستلزم الاستمرارية في حالة التواجد ... فلا يتصور معنى الوجود إلا في المخلوقات المدرَكة الخاضعة للزمنية الاستمرارية ... فكل موجود قابل للإدراك ، و كل قابل للإدراك ستدركه العقول و كل ما يُحتمل إدراكه من قبل العقول مخلوق !
أما لو كنت إلهاً لا تدركك العقول لتمايزت و ارتقيت و ترفعت عن صفات المخلوقات ... و بالتالي تنزَّهْتَ عن الاتصاف بالوجود .... و لا يستلزم من سلب الوجود إثبات العدمية لأنك منزه عن كليهما كما بينت عند حديثي عن الأضداد ...
و زبدة الكلام أنك لو كنت إلهاً لا تُدرِكُك العقول لتنزّهت عن الاتصاف بالوجود !
لتنزّهت عن الاتصاف بالوجود !
لتنزهت عن الاتصاف بالوجود !
لتنزهت عن الاتصاف بالوجود !
فأنت غير موجود !!!!!!!
]]]
و عندما تلى الصياد رسالته انطلقت كالسهم و غرزت في صدر الإله الأخير ، فانفضح أمره و تبيّن أنه مخلوق خيالي من صنع عقل الإنسان ... فخر الله مغشياً عليه بعد أن تم كشف مخلوقيَّتِه و إدراكيَّتِه من قِبَل العقول .... فقد أثبت الصياد برصاصته العقلانية الأخيرة أن رب القرآن عبارة عن اختراع ناتج عن دماغ بشري لا يعدو أن يكون بشرياً بكل صفاته ... مما ينزع عنه اللاإدراكية المتعالية ...
و بعد أن تم فضحه أمام الملأ الأعلى ، قال الإله الأخير و هو يُحتضر :
《《 يا أيها الصيّاد ، أعترفُ بأنك كشفت حقيقتي بذكائك و فطنتك ... لكن قل لي بربك إن كنتُ أنا لست الإله الحقيقي فمن هو الإله الحقيقي خالق الوجود الذي لا تدركه العقول ؟ 》》
فقال صياد الآلهة :
《 في الحقيقة لا أدري ، فأنا مخلوق بشري أفكر بعقل ناتج عن دماغ ... و مهما كنتُ عبقرياً سيبقى تفكيري ضمن أطر المادة و الطاقة .... فجميع تصوراتي و ذواكري البيانية الكائنة في دماغي تأتي من هناك ... فلن يستطيع عقلي البشري أن يكتشف ما وراء الكون المادي ... و بالتالي فالعقل البشري و المنطق العقلاني أداة انكشاف ضمن هذا الكون المادي فقط ، أما ما وراءه فلا يصلح العقل كأداة كشف لعدم امتلاكه الأدوات ... فمن يريد إعمال عقله في ماوراء الكون كمن يريد أن يوظف الأذن في مجال رؤية الضوء !!! هل تستطيع الأذن أن تفسر الإشارات الضوئية ؟ هل تستطيع العين أن تستقبل و تفسر الإشارات الصوتية ؟ و كذلك العقل لا يصلح أداة كشف للماوراء .... و الإله على فرض وجوده لا يخلو من حالين:
◇◇ إما أن يستطيع العقل اكتشافه فيكون امتداداً للكون ، أي مجرد مادة ، فهو بالتالي وثن منبثق عن تصورات العقل ...
◇◇ أو أن يكون غير قابل للإدراك ، مما يجعل العقل قاصراً عن إدراك كل شيء عنه بالمطلق .... و هنا يتوقف العقل و يكون الجواب السليم : لا أدري ... 》
فقال الله و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة :
《《 و هل يُعقل أن يأتي هذا الكون بلا صانع ؟ 》》
فقال الصياد :
[[ أنا لم أقل هذا ... لكن عدم معرفتنا لحيثيات و تفاصيل وجود الكون لا يعني أن نفترض أنه نتج عن شبح ماورائي بصفات بشرية مضحكة كصفاتك يا عزيزي الله ... لأننا مهما حاولنا اكتشافه بالعقل فلا بد أن ننسب له صفات من عالمنا المادي كالوجود و الوحدانية و القدرة و الإرادة و الحياة و التعاطف و و و ...
فالماورائي مُنَزّه عن كل ما يدور في العقول لا سيما الوجود ... ]]
ثم كان آخر ما قاله الله :
《《 و ماذا عن دليل السببية و تناسق الكون الذي يوحي بوجود المصمم ؟》》
فقال الصياد :
[[ عزيزي الله أنا أعرف أنك تحتضر الآن و أن جوابي لن يفيدك بشيء ... لكنني مع ذلك سأجيبك ...
♧♧ إن السببية لا تصلح دليلاً على وجود صانع للكون لا تدركه العقول ... لأن السبب يسبق النتيجة قطعاً ... فمن المستحيل أن ينطلق الدخان قبل إشعال النار !!! فكونك سبباً للكون يعني أسبقيتك عليه و هذا يعني خضوعك للزمنية ... و خضوعك للزمنية يعني أنك جزء من المنظومة الكونية ... فثبتت عليك المادية و بالتالي أنت مخلوق ...
♧♧ أما التناسقية الكونية فوهم ... بل أرى في العالم الشر و الألم و الفوضوية أكثر من التناسقية ...
كما أن :
1_ حقيقة ( التطور بالانتخاب الطبيعي ) التي اكتشفها العبقري عمرو بن بحر الجاحظ ثم برهنها السيد تشارلز دارون.
2_ بالإضافة إلى الحسابات الرياضياتية التي قدّمتها الإنثروبي لاحتمالية تشكل كوكب الأرض ...
تفسِّران بشكل منطقي تلك التناسقية التي نلمسها في الكون ... فلماذا نفترض وجود مصمم غير قابل للإدرك كمصدر للتناسقية الظاهرية ؟ ]]
و عندما أنهى الصياد كلامه انتفخ الله و اهتز عرشه ، ثم سقط وثناً ضخماً على كوكب الأرض ...
و هكذا مات الإله الأخير ... الذي اتضح أنه وهم ، لا إله !
و أثبت الصياد أن فكرة الإله أرقى من أن يحوزها الوجود .... لأن التواجد صفة مخلوقاتيه يؤطرها الزمان و المكان ....
بينما ينزّه العقل الخالق المفترض عن الزمنية و المكانية و التواجدية و العددية و الرياضياتية و جميع الصفات المخلوقاتية و العقلانية.
و هكذا انتصر الصياد و مات الإله الأخير ...
و بعد الضوضاء التي أثارتها تلك الرصاصة التي أطلقها الصياد الأخير على الله فأرداه ... عم الفناء و الصمت في أرجاء الكون !!
ثم رويداً رويداً ... صدحت القصيدة اللاأدرية الراونديّة .... فخرجت كوكبة ضخمة من ملايين العلماء لدفن الإله يقودهم صياد الآلهة ...
فها هي كتيبة علوم الأحياء تتوسط الجمع ... تمشي بثبات و شجاعة و ثقة منقطعة النظير ... و على رأسها السيد تشارلز دارون ... و من ورائه جميع علماء الأحياء من حملة نوبل بالبيولوجيا و الطب و الإنسانيات ...
و عن يمينها كتيبة الفيزياء ، تتقدمهم العظيمة ميري كوري يمسك يدها السير إسحق نيوتن ، و هما يدفعان الكرسي المتحرك الذي يجلس عليه ستيفن هوكنغ العظيم ...
و عن يسارها تظهر كتيبة الكيميائيين العظماء بقيادة ألبرت أينشتاين و ماكس بلانك ...
و ها هي كتيبة كبار العباقرة و المخترعين بقيادة العظيمَين نيكولا تيسلا و توماس إديسون و هما يتشاجران كالأطفال !
لتظهر من جهة الشمال كتيبة الثرثرة و الفلسفة ، يقودهم رجل أشعث لا يتوقف عن الصراخ و العويل ... إنه العظيم كارل ماركس ممسكاً بتلابيب المعلم الأكبر أرسطو طاليس العظيم ... في حين أن راسل و أبيقور يقومان بتهدئة الموقف ...
لتأتي من الجنوب كتيبة الفنانين ... يقودهم فينسنت فان كوخ و ليوناردو دافنشي ...
و من جهة الشمس أشرقت كتيبة الأدباء و الشعراء ... لكنني لم ألاحظ من يقود الجموع ؟
ثم اجتمعت كل الكتائب و راح العلماء يحفرون حفرة بحجم الله ...
ثم دفنوه بها ...
و في المشهد الأخير يظهر صياد الآلهة من بين الجموع ليضع إكليل ياسمين أبيض على ضريح الله.
قلم #راوند_دلعو
من كتابي #صيّاد_الآلهة.
#راوند_دلعو (هاشتاغ)
Rawand_Dalao#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا نرسل أبناءنا إلى المدرسة ؟
-
أحاشيشٌ محمدية _ دعاء ركوب الدابة و المرأة !!
-
التأجيج الطائفي وحش يبتلع إنسانية الإنسان تحت غطاء المُقدَّس
...
-
تحويل البيئة التعليمية إلى وطن (مَوطَنَةُ المدرسة)
-
طفولة على مذبح الطلاق _ قصة قصيرة
-
كوميديا الأغبياء _ من هلوسات الدعاة الجدد و تكريم المرأة
-
لن تجد تنويرياً داعماً لإسرائيل
-
قانون نيوتن الثالث في التعامل مع الديانة المحمدية
-
عيد العبيد
-
مفكرٌ مغمور جداً جداً .... !!
-
قِيثَارِيّات على مذابح الوُرُود
-
قيثارية الطائفية
-
فيه اختلافاً كثيراً _ سجعية الواهبة نفسها للنبي
-
تقاسيم على مقام النيكوتين !!!
-
لماذا نزهد براغبنا و نرغب بزاهدنا ؟
-
وداع الفَيُولا
-
جريمة
-
صرخة سلام على هامش الحروب الطائفية !!
-
أمير أمراء النغم ، كبير ملائكة الموسيقا !
-
علمنة الفلسفة
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|