أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - محمد زكريا توفيق - المفيش والبح















المزيد.....

المفيش والبح


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 6667 - 2020 / 9 / 4 - 14:27
المحور: الطب , والعلوم
    


ما هو "المفيش"، وماذا تعني كلمة "بح"؟ كلمة بح أعتقد أن جذورها قبطية قد أتتنا من مصر القديمة، وهي من أول الكلمات التي يتعلمها أطفالنا وتعني "مفيش". كلمة مفيش مرادفة لكلمة بح، وبح تعني مفيش. وكلاهما بمعنى عدم وجود الشيء.

يمكننا تعريف المفيش أو البح أو اللاشيء بأنه الشيء الغير موجود. بالرغم من عدم وجوده، إلا أنه يلعب دورا هاما في تصورنا وأفكارنا. العلوم والفنون والفلسفة والمنطق والرياضيات، كذلك حياتنا اليومية لا تخلو من تصور واستخدام هذا الشيء المسمى باللاشيء.

هل اللاشيء له خواص؟ نعم. منها أنه غير موجود، وأنه يدل على لاشيء ولا يحتوي على شيء، ولا ينتج منه شيء. ليس له وزن أو حجم أو لون أو طعم أو رائحة أو ملمس. لا يوجد إلا في تصورنا،
مثل الدائرة والخط المستقيم والغول والعنقاء والخل الوفي.

اعتقدت "أليس" في كتاب "لويس كارول" أنه كلام فارغ في فارغ عندما قدم لها الأرنب نبيذا غير موجود. وعندما أعجب الملك الأبيض بمقدرتها على رؤية لا أحد على الطريق.

من قصص الصوفية:

كان هناك ملك، دعا الجميع إلى وليمة كبيرة احتفالا بزواج ابنته. كان من عادة ترتيب المقاعد في مثل هذه الاحتفالات الرسمية، أن يجلس بجوار الملك باقي الملوك، ثم الأمراء فالوزراء والسفراء، ثم الأعيان. يأتي بعد ذلك عامة الشعب.

إلا أنه أثناء الحفل، فوجئ الحراس برجل عجوز، أشعث أغبر، رث الثياب، حافي القدمين، يتقدم بخطوات ثابتة، وبكل جرأة، ليجلس بجوار كرسي الملك في أحد المقاعد الشاغرة.

حينئذ، هرول أحد الحراس إليه وبادره سائلا: "يا هذا، إذا كنت تبغي مقعدا من مقاعد الشعب، فليس هذا مكانك. هل أنت من عامة الشعب؟
الرجل: لا، بل أنا أعلى منصبا.
الحارس: هل أنت من كبار الأعيان؟
الرجل: لا، أعلى من ذلك.
الحارس: إذن أنت من السفراء؟
الرجل: أعلى من هؤلاء أيضا.
الحارس متعجبا: ربما تكون من الوزراء أو الأمراء؟
الرجل: أعلى بكثير.
الحارس باستغراب: قد تكون من الملوك؟
الرجل: أعلى منهم كلهم.
الحارس: أعلى من الملوك؟ لم يبق إلا أن تكون من الملائكة!!
فقال الرجل بإصرار: أعلى من هؤلاء بدون شك.
أدرك الحارس أنه أمام رجل مختل العقل، فأراد مداعبته قائلا: "أعلى من الملائكة لا يوجد إلا الآلهة. فهل أنت إله؟
قال الرجل: أعلى من الآلهة أيضا.
قال الحارس بعد أن نفذ صبره: أعلى من الآلهة لاشيء"
فأجاب الرجل بكل ثقة: "أنا هذا اللاشيء.

لننظر إلى الحفرة مثلا. كنا نتساءل كنوع من اختبار الذكاء، ما هو حجم كمية التراب التي توجد داخل حفرة طولها متر وعرضها متر وارتفاعها متر؟ الإجابة الصحيحة هي لاشيء. فالحفرة لا توجد بها أتربة. لكن لها طول وعرض وارتفاع.

كتب "لا وتسي" في كتاب "تاو تي شنج": الثقب في مركز العجلة هو الذي يجعلها مفيدة. الفراغ في الباب وفي النافذة، هو الذي يجعلهما مفيدتان. الربح يأتي من الأشياء، لكن الفائدة تأتي من الثقوب والفراغات، أي من اللاشيء.

كان المصريون القدماء يهتمون بالصمت، ويعتبرونه أبلغ من الكلام. لذلك فهو فضيلة تدعو إليها كل القيم النبيلة. في قصيدة لا تكذبي، ذكر كامل الشناوي "الصمت الرهيب". فكيف يكون الصمت رهيبا وهو عبارة عن لاشيء؟

من أين تأتي عقدة الحبل؟ أين تذهب حين تحل؟ هل العقدة يمكن وجودها بدون الحبل؟ هل اللون يمكن أن يوجد بدون الشيء؟ هل الموجة يمكن أن توجد بدون الماء؟ عندما تهدأ الرياح، أين تذهب أمواج البحر؟

هل الحق والعدل أشياء في حد ذاتها؟ أم هي من اختراع العقل؟ هل يمكن أن يكون هناك صوت، عندما لا توجد أذن تستمع إليه؟ هل الكون كما نعرفه، يمكن أن يوجد بدون العقل الذي يدركه؟ هل الشيء يمكن أن يوجد بدون اللاشيء؟

في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين تغير مفهومنا للفراغ. الفراغ بين النجوم والذرات ليس عدما كما كنا نعتقد. إنما هو مليء بجزيئات ومضادات جزيئات المادة. في حالة خلق وفناء مستمرين.

الفراغ يبدو فراغا لأننا ننظر إليه في زمن طويل نسبيا. كمن ينظر إلى سطح المحيط من مسافة بعيدة، فنراه هادئا ساكنا، بينما هو يفور ويغلي بالأمواج والعنف. الفراغ هو كل الفيزياء الحديثة. وكل ما هو موجود أو ممكن قد أتى أو سوف يأتي من هذا الفراغ أو اللاشيء.

المادة تتكون عندما تحدث التواءات حادة في هذا الفراغ، مثل الالتواءات التي تحدث في طيات الملابس. المادة هي عقدة الحبل أو انثناءات الفراغ الكوني.

عندما تنهار النجوم والمجرات تحت تأثير ثقلها وقوة الجاذبية، تكون ما يعرف بالثقوب السوداء. هذه الثقوب السوداء موجودة في الفضاء الخارجي، ولا يستطيع أن يهرب منها شيء، حتى الضوء لا يستطيع الهرب من جاذبيتها. الثقوب السوداء تعتبر نوافذ في عالمنا هذا تقودنا إلى عوالم أخرى وأزمان أخرى.

تصور "ديراك" عالم الفيزياء الذي تنبأ بوجود مضادات جزيئات الذرة، أن البوزترون "مضاد الإلكترون" ما هو إلا ثقب أو فجوة داخل شحنة سالبة. عندما يتقابل البوزترون مع الإلكترون، فإن الإلكترون يقع في حفرة البوزترون، ويؤدي هذا إلى تلاشي كلا منهما ويصبحان لاشيء.

الأمثلة على أهمية اللاشيء في الفنون كثيرة. الفراغ المحيط بالأشكال له أهمية بالغة في التكوين الفني للوحات الفنية.

في سنة 1951م، بدأ الرسام الأمريكي "رينهارد" المتوفي سنة 1967م، في رسم لوحات فنية عبارة عن مساحات مسطحة كلها لون واحد، ودرجة واحدة. كلها أزرق، كلها أحمر، ثم لوحات كلها أسود.

في سنة 1963م، عرضت إحدى لوحاته، وهي عبارة عن مسطح أسود في شكل مربع طول ضلعه 5 أقدام في صالونات نيويورك وباريس ولوس أنجلوس ولندن.

أحد النقاد علق بأن هذا خداع ونصب في عالم الفن. آخرون أبدوا اعجابهم بالفكرة وقدرتها على التعبير عن نقاء النفس. الغريب أن لوحات "رينهارد" كانت تباع سنة 1965م بمبالغ تتراوح بين 1500-12000 دولارا. وحيث أن اللون الأسود ناتج عن غياب الضوء. فإن لوحات رينهارد يمكن اعتبارها محاولة لتصوير اللاشيء.

"جون كيج" مؤلف موسيقي للبيانو، يطلب من عازفي موسيقاه فترة من الصمت المطبق خلال العزف قدرها 4 دقائق و33 ثانية بالضبط. وفتر الصمت هذه (273 ثانية) تناظر درجة الصفر المطلق الحرارية (-273 درجة مئوية) والتي عندها تتوقف جزيئات الذرة عن الحركة. يقال إن من استمع إلى فترة الصمت هذه، يعتبرها أحسن أعمال كيج الموسيقية.

"ألبرت هوبارت" كتب مقالة عن الصمت، عبارة عن صفحات بيضاء ليست بها كتابة. في عام 1974م، صدر كتاب بعنوان "كتاب اللاشيء" عن دار النشر "هارموني هوس" عبارة عن عدة صفحات بيضاء. لاقى كتاب اللاشيء رواجا لدرجة أن دار النشر أعادت نشره في طبعة فاخرة سنة 1975م.

كان هناك رجل ينام في فنارة تطلق صفارة إنذار للسفن كل 10 دقائق لتفادي الضباب. في إحدى الليالي بعد منتصف الليل، تعطل الجهاز الميكانيكي الذي كان يطلق الصفارة، فاستيقظ الرجل مذعورا صائحا: "إيه في إيه".

غياب الطعام أو المياه قد يسبب موت. فقد الحبيب أو الثروة قد يؤدي إلى الانتحار. الصمت في بعض المواقف يعتبره القانون جريمة. في أحد قصص "شارلوك هولمز"، كان عدم نباح كلب في أحد الليالي، هو السبب في حل لغز القصة البوليسية. أي أن اللاشيء له تأثير الشيء وبنفس العنف.

في العصور الوسطى كان الخوف من الموت مصحوبا بالخوف من عذاب النار. أما في أوروبا اليوم، فالخوف من الموت أصبح هو الخوف من أن تصبح لاشيء. هذا يقودنا إلى السؤال الخالد. لمذا؟ لقد تساءل مئات الفلاسفة، لماذا هناك شيء بدلا من لا شيء؟

هذا سؤال فضولي ليس كباقي الأسئلة. كثير من الناس تعيش وتموت بدون أن تفكر فيه. أما الفيلسوف "مارتن هايدجر"، فيعتبره أعمق وأهم سؤال في كل الأسئلة الميتافيزيقية. الواقعيون وأصحاب التفكير الإيجابي يعتبرونه سؤالا تافها. لأنه سؤال ليست له إجابة عملية أو منطقية.

إنه سؤال غير ذات معنى، مثل سؤال- هل العدد 2 لونه أحمر أو أخضر؟ أما "ميلتون ميونيز"، الذي ألف كتابا كاملا عن معنى الوجود، يعتبر السؤال له معناه. لكن المشكلة تأتي من عدم قدرتنا على إجابته. لأن الإجابة تقع خارج العلوم والفلسفة.

بالنسبة للرياضيات، اكتشاف الصفر عن طريق الهنود، ساعد الخوارزمي على وضع أصول علم الحساب والجبر. الصفر بالرغم من أنه ليست له قيمة عددية إلا أنه عدد. وجوده بين الأرقام له أهمية كبرى. فالرقم عشرة يمكن التعبير عنه باستخدام الصفر في خانة الآحاد والرقم واحد في خانة العشرات. وكذلك الرقم 100 والرقم 1000.

المجموعة الصفرية أو العدمية التي تتكون من لاشيء، هي أساس الرياضيات الحديثة. وهي تختلف عن الصفر من حيث أن الصفر عدد ليست له قيمة، أما المجموعة الصفرية فهي مجموعة بداخلها لاشيء. وقد بنى فريج نظرية الأعداد بدءا من المجموعة الصفرية كبديهية لا تحتاج إلى برهان.

من هنا تتضح أهمية اللاشيء بالنسبة لفهمنا للأشياء. ومن يدري فربما يكون عالمنا هو عالم اللاشيء بالنسبة لعوالم أخرى تتكون من الشيء. أو يكون عالمنا هو عالم الشيء بالنسبة لعوالم أخرى تتكون من مفيش أو بح.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإيمان في مواجهة الإلحاد
- تحرير العقول من الخرافات
- رعب محاكم التفتيش
- أوديسة الفضاء، 20001
- دعوة لحكامنا لقراءة مونتسكيو
- تأملات في مسألة الدين والتدين
- الوقوف في الغابة في مساء ثلجي، لروبرت فروست
- العلم هو الحل للوقاية من الفيروسات
- العالم بدون موسيقى ذنب لا يغتفر– قصة حياة بيرليوز
- فوازير رمضان
- حوار مع كوفيد-19
- الطريق الذي لم يسلك، لروبرت فروست
- كورونا، البحث عن لقاح
- من دفتر الهجرة، أول زيارة للوطن
- كورونا، إيه حكايته
- تشارلي شابلن، فيلم العصر الحديث
- كنت شاهدا لحادث البرجين
- من دفتر الهجرة، ووترجيت
- من دفتر الهجرة، صديقي النبيل إميل
- من دفتر الهجرة، هيا بنا نتعلم


المزيد.....




- 9 مشروبات صحية لتعزيز مستويات الكالسيوم في الجسم
- أدوية شائعة الاستخدام قد تحارب الخرف!
- اضطراب الوسواس القهري عند الأطفال.. الأعراض وطرق العلاج
- استشارات طبية.. كيفية التعامل مع قصر النظر عند الطفل
- فوائد العسل لتقوية مناعتك في الشتاء
- بكتيريا السالمونيلا الضارة تخفي مفتاحا لعلاج سرطان الأمعاء! ...
- الرغبة في مضغ الثلج قد تكون علامة على هذا المرض
- الطيران المسيّر للاحتلال يستهدف مجددا الكوادر الطبية لمستشفى ...
- أفضل نمط حياة لصحة القلب وفحوصات مهمة
- عاجل | مراسل الجزيرة: إصابات بين الطواقم الطبية في مستشفى كم ...


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - محمد زكريا توفيق - المفيش والبح