أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - السادية الإسلاموية والإسلاموفوبيا















المزيد.....

السادية الإسلاموية والإسلاموفوبيا


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 6666 - 2020 / 9 / 3 - 16:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الآن ومنذ عقود تجتاح العالم خاصة دول أوروبا وأمريكا موجة خوف عاتية من الديانة الإسلاموية ومعتنقيها، تعرف بـ”الإسلاموفوبيا“ تتمثل في تكرار نشر رسوم مسيئة لنبي الأسلمة وحرق القرآن والاعتداءات المتزايدة على المساجد وعلى المتأسلمين المهاجرين والمقيمين، رغم أقليتهم وبعدهم عن بلادهم الأصلية.
هل لهذا الخوف ما يبرره ويدعمه، ويفرض الرهبة والحذر على غير المتأسلمين؟
لقد بدأنا نسمع مؤخرًا ولأول مرة مصطلح ”الإسلاموية الأوروبية“ التي يزعم الأوروبيون أنها تمثِّل بالنسبة لهم تخلُّص الديانة من كلِّ ما هو رجعي متخلف إلى جانب ما هو إجرامي. ولكنها في الحقيقة مجرَّد شكل من أشكال الترويض أو التطويع التي تفقد فيها الديانة هويتها الحقيقية المدموغة بقوة في القرآن والسنة. ويقولون إنها قابلة لأنْ تتطوّر مثلما تطوّرت المسيحية، وإنَّ إسلاميتهم هذه ستتغلب في آخر المطاف وتتصالح مع معايير الحداثة، تمامًا مثلما كان الحال مع المسيحية من قبل، بينما يرى المتأسلمون في ذلك خطرًا ماثلًا أمام أعينهم، ويشعرون بأن ديانتهم تتعرّض لعملية إذابة، ويخشون من ضعف الوثاق الذي يربطهم بثقافتهم وتقاليدههم الإسلاموية. لهذا فإنَّ النقاش حول هذه الإسلاموية الأوروبية المزعومة يدور في حقل مليء بالألغام. وفي المقابل، عندما يرى المرء سلوك المتأسلمين المقيمين في أوروبا، يخيَّل له أنهم جاءوا ليدمروا بلاد الغرب التي تعوله وتنتج وتصنع لهم ولبلادهم الأصلية كل شئ، بعدما دمروا الأخضر واليابس في بلادهم .!!، خاصة وأن ثقافتهم الدينية لم تحثهم على احترام الانظمة الديموقراطية والإلتزام بالذوق العام والاخلاق، وطقوسهم الدينيه لاتخدمهم ولا تخدم غيرهم، بل تعوق الحياة وتدمرها سواء في مجتمعاتهم أو في المجتمعات التي يهربون إليها، فلديهم ميول وبائي قوية لعرض ديانتهم بإلحاح شديد وتحدي كبير رغم أنف الآخرين، لذلك ابتدعوا - مثلًا - صلاة جديدة هي ”صلاة الاستعراض“، حيث يفرشون سجاداتهم في منتصف الطرق ويصلون جماعات، مما يتسبب في إرباك الامن والسلامة وسير المشاه وتعطيل العمل ..!!! إلى جانب ما يخفونه في نفوسهم من مشاعر الكراهية والحقد للمتختلفين معهم والمخالفين لهم، والتي قد تنفجر هنا أو هناك مخلفة أنهار من الدماء والأشلاء والدمار. إنَّ المآلات الإجرامية لسلوك المتأسلمين في أي مكان يتواجدون فيه لا يمكن أن تُفهم إلا في نطاق ثقافتهم الدينية وإشكالياتها، والتي تعمل على تعميق أخاديد انعزالهم، وتأكيد حالة عدم انصهارهم واندماجهم مع بعضهم البعض ومع غيرهم. هذه الثقافة تحمل الكثيرين منهم في وقت ما وتحت ظرف ما على تحوُّل أجسادهم إلى قنابل يتطاير شررها في كل مكان.
إن المشكلة التي يعاني منها المتأسلمون لا تكمن فيما يرتكبونه من خطايا، فجميع البشر خطائين، ولكن فيما يمارسونه من زيف الإيمان الذي تفرضه عليهم هذه الثقافة الدينية، فمن الصعب على المتأسلم أينما كان، وبحكم ثقافته الدينية التي تربَّى عليها، ألَّا يقتدي بنبيه الموسوم بـ”الكريم“، ويكون على شاكلته، شخصًا متسلطًا، عديم الرحمة، عديم التسامح، يسعى بكل الطرق إلى المتعة من خلال تحقير وإهانة وإذلال الآخرين، وسحق آدميتهم، وجرح كرامتهم، وإنهاء حياتهم، دون أدنى شعور بالذنب، لأن ما يفعله مجرد أوامر إلهية خالصة، تدخل ضمن طاعة الله وطاعة الرسول، ومن ثم تقربه إلى الله وتفتح له أبواب الجنة على مصراعيها. كذلك من الصعب عليه أن يثق بمن حوله، ولا يشك دائمًا بالآخرين، ولا يتعصب لرأيه وفكره، ولا يسعى لمعاقبة من ينتقده أو يخالفه الرأي والفكر، فهو يعاني دون أن يدري من اضطراب الوسواس القهري، الذي يؤدي بالضرورة إلى تصرفات قهرية. فيصير بذلك شخصًا ساديًا طاغيًا في سلوكه تجاه الآخرين بمن فيهم بني ملته من المتأسلمين. يتلذذ بإيقاع الألم اللفظي أو الجسدي عليهم، ويجد متعة مصحوبة بصرخات ”الله أكبر“ الهستيرية، في الاعتداء عليهم وتدمير حياتهم، ومن ثم ينقل معه هذه ”المتعة الربانية“ إلى أي مكان في العالم، حتى لا يشعر بالضلال والضياع.

***
الأرستقراطي الثوري والروائي الفرنسي الماركيز دي ساد (1814 - 1740) الذي يُنْسَب له الإضطراب النفسي المتجسد في نيل وحصول المُتعة من خلال إلحاق الإذلال أو الألم والأذى بالغير، أيّ التلذّذ بالتعذيب عامةً، والذي يُعْرف بـ (السادية Sadism)، حاول في رواياته كشف التخيلات المثيرة للاستهجان والدفينة في أعماق النفس البشرية، من قبيل البهيمية والقتل والاغتصاب والعنصرية ... الخ، وذلك كمبدأ أساسي للسعي إلى المتعة الشخصية المطلقة بعيدًا عن أي قيود أخلاقية أو دينية أو قانونية، وتوصَّل إلى أن :« السعادة تكمن في ما يثير ويهيّج، وليس هناك شيء يثير سوى الجريمة، أما الفضيلة، التي هي ليست سوى حالة خمول واستراحة، فإنها لا تفضي إلى السعادة». ويتوصل ساد إلى أن «كل سعادة الإنسان تكمن في المخيلة».
ومن ناحيته تساءل الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي د. شفيق ناظم شفيق الغبرا في مقاله: «لماذا يتحول الاختلاف بين العرب إلى حالة اجتثاث شاملة؟ إلى حروب ”تكسير عظام“؟»، فيقول: « في العالم العربي حالة متقدمة من القساوة، خصوصاً عندما يقع الصراع بين العرب، فهم يطلقون النيران ويقصفون بالكلمات والمدافع وكأنهم في نهاية التاريخ. … معارك العرب مع العرب هي الأشرس بحكم التداخل والاعتماد المتبادل، وثمن ذلك هو الأكبر على الناس والأفراد».
ويستطرد قائلًا: «الاختلاف بين العرب يتحول بأسرع ما يكون إلى حالة اجتثاث شاملة. فبسبب العاطفة الجياشة والغشاوة التي تسيطر على العقول وبفضل رد الفعل القطعي تتعمق بينهم الحالة الصفرية الهادفة إلى إلغاء الطرف الآخر».
« هذه السلوكيات ليست استثناءات بل هي جزء من ثقافة سائدة ساهمت في إفقاد العرب القدرة على مواكمة النجاح والاقتصاد والمعرفة والعمل السياسي والإدارة وحل النزاعات، كما عكست هذه السلوكيات عدم قدرة العالم العربي على عقلنة خلافاته وصراعاته في الداخل والخارج. فقاعدة الاجتثاث صفرية لأنها ترفض الاختلاف والحلول الوسط ولا تجد مجالاً لها إلا في إلغاء الطرف الآخر، وهو ما تدمن عليه الدول والأنظمة كما التنظيمات بما فيها تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة»، فهذه التنظيمات خرجت من ظروف الاجتثاث التي يمارسها النظام العربي نفسه».
https://ar.qantara.de/content/لماذا-يتحول-الاختلاف-بين-العرب-إلى-حالة-اجتثاث-شاملة؟-حروب-تكسير-عظام-في-العالم-العربي?fbclid=IwAR1r860SZy12oyuFZcqmVvys__AxY06wYaOhGkTrEltMccbKrng1uuk--7k
الدكتور شفيق رغم معرفته الأكيدة، يتجاهل - لسبب ما - أن هذه السلوكيات ليست جزءًا من ثقافة سائدة، بل أن الثقافة السائدة هي التي وراء هذه السلوكيات، فقبل الماركيز دي ساد بألف عام ظهرت في صحراء شبه جزيرة العربان ديانة إلهية تخَيُّلِية تتفق تمامًا مع ما يكمن في نفوس ساكنيها من سادية، لتضع منهجًا كاملا لثقافة الإثارة والتهيُّج من خلال ارتكاب الجريمة المبرَّرة إلهيًا، فيرتكبونها بضمير مستريح، وشغف كبير لما فيها من سعادة عارمة ومتعة فائقة (إشفاء للصدور المريضة)، بحسب تعبير القرآن في سورة التوبة (الآية 14): {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}
صحيح ما توصل إليه علماء النفس من أن بداخل كل منا شخصية سادية قد لا تطغى علينا لكنها تظهر في بعض المواقف البسيطة، كأن نستمتع بألم لاعب كرة من الفريق الخصم، أو نسعد لتعذيب مجرم محترف، ولكن لا ننسى أن الإنسان هو الكائن الوحيد على سطح الأرض الذي يمارس القتل عمدًا ومع سبق الإصرار والترصُّد، ويعرف العنصرية ويمارسها ضد الآخرين، فيستعبدهم ويعاملهم باستبداد ويسلب حقوقهم المادية والمعنوية لمجرد أنهم يختلفون عنه، بناء على عناصر وضعها واعتمد عليها في تطبيق عنصريته كاللغة والعادات والمعتقدات والثقافات والطبقات الإجتماعية وغير ذلك ممَّا يتيح له السطوة والسيطرة على الضعفاء. ولكن من النادر أن نجد ثقافة بكاملها قائمة على هذا النهج اللاإنساني، وتدعو الإنسان إلى ممارسته ليشفي صدره من الغل والحقد إلَّا في ثقافة العربان والمتأسلمين وحدهم!
إن النهج العنصري المقيت حدث مبكرًا وفي فترات متقطعة وأماكن مختلفة بين البشر وتسبب في تفريقهم ونشوب الحروب المدمِّرة بينهم، ولكن الكثيرين منهم تعلموا، فحاولوا ومازالوا يحاولون العودة مرة أخرى إلى طريق الإنسانية، بينما أصحاب ثقافة ”إشفاء الصدور“ لا يمكنهم التخلص منه، ومازل التوحش يتفشى بينهم بشكل رهيب وتتعرض بينهم فئات معينة إلى أقصى درجات التمييز والتهميش والاستبداد والقتل. مجموعة الفرس الخبثاء (البخاريستاني والنيسابوري وغيرهما) عندما وضعوا أسس هذا المنهج (الإلهي المزعوم) حرصوا على أن يصنع المتأسلمون أعداءهم بأنفسهم، سواءً من غيرهم أو من أنفسهم، بحيث تتحقق سعادتهم بتعذيبهم وخزيهم لهم ونصرهم عليهم.
نقرأ أن نبيهم قال: “الناس سواسية كأسنان المشط” وهو حديث ضعَّفه أحد الدجاجلة ولم يستطع إلغائه، ( سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني، رقم: 596). كذلك هناك قول غير مؤكد ينسب إلى عمر بن الخطاب هو: ”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟“ ومع أن هذه الأقوال وغيرها تتعارض مع ما يقوله ربهم الأعلى: {لقد رفعنا بعضكم فوق بعض درجات}. إلَّا أنها تحدد مدى التفاعل بين الفكر الإسلاموي والواقع التعيس الذي يعيشه المتأسلمين ويعج بالعنصرية المقيتة ويضج بالعبودية المميتة!
كذلك هناك حديث مطاط ومبهم لنبي الأسلمة يقول: ”لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى“، ولم يقل ”بالاخلاق أو بحقوق الإنسان“!، فالتقوى ليس لها محدداتها، ويتم قياسها تبعًا للأهواء الشخصية، بينما الأخلاق وحقوق الإنسان لا يختلف حولها شخصان اثنان. كما أن هذا الحديث كما هو واضح يُعَد عنصريًا بامتياز ويفرِّق بين المؤمن وغير المؤمن، إلَّا أن المتأسلمين يتشدقون به دائمًا، زاعمين بأن "تأسلمهم غير عنصري" متجاهلين تماما ما يظهر في تصرفاتهم من تفرقه وتمييز بين البشر على أساس إعتقادهم بأنهم هم الافضل والآخرين هم الأسوأ (القمامه)!!
وفي نفس السياق نجد حديثًا للنبي يحض على مضايقة الآخرين وإظهار الرغبة بعدم وجودهم وتعمّد تجريحهم بطريقة ما وسدّ الطرق أمامهم وإهمالهم، مما يُشعرهم بالإهانة والألم والضغط النفسيّ. يقول الحديث : لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه!
وعندما وقع انفجار مرفأ بيروت في 4/8/2020، وخلف وراءه دمارًا هائلا وأكثر من 170 قتيل و7000 جريح و40 مفقود، 300 ألف شخص تشرّدوا من بيوتهم وأكثر من 200 ألف مسكن مدمّرًا تدميرًا كليّا أو جزئيا، خرج المتأسلمون يدعون بالرحمة للضحايا المتأسلمين وحدهم من دون الآخرين لان الدعاء بالرحمة للجميع من دون التمييز سيوقعهم في الخطيَّة او المعصية، إذْ لا يجوز الاستغفار والرحمة لغير المتأسلمين، فإلههم لم ينهاهم عن المواساة والحزن والمساعدة تجاه الآخرين.
هذه إذَنْ ثقافة الضباع التي تتعامل مع الغير بسادية واضحة المعالم، فتحث أتباعها على مناصبة العداء لمن يطلقون عليهم أوصاف الكفار والمنافقينً والروافض والملحدين والمرتدين … إلخ، وتخلق بذلك شعوبًا من أتعس شعوب الأرض، وأكثرهم تخلفًا عقليًّا واضطرابًا نفسيًّا، تتسم تصرفاتهم بالتوحش والكراهية.
والسؤال الأهم هو: لماذا ينقاد المتأسلمون كالعميان لثقافة كهذه ويقضون حياتهم في عداء للآخرين، أو حتى لأنفسهم؟
هذا السؤال يقودنا في البداية إلى أسئلة أخرى كثيرة أهمها:
كيف يتحول شخص عادي جدًّا إلى إرهابي مجرم، يدمر ويفجِّر ويقتل ويقطع الرؤوس والنفوس بدم بارد وضمير مستريح؟
كيف يفقد المرء المعرفة بنتائج وعواقب ما يقدم عليه من أفعال إجرامية مدمرة في حق الآخرين؟
لماذا تتخلى ثنايا عقله عن الإنسانية السوية لتصبح مختلة ومجنونة؟. من أين تأتي شراسَة النَّفس البشريَّة في الانتقام،
هل يُولَد المجرمُ مُجرمًا بالفطرة؟ بمعنى أن للجينات دورٌ في توجيه السلوك الإنساني نحو العنفِ؟ هل نحن عبيد لجيناتنا، أم أن هناك عوامل أخرى توجِّه السلوكَ البشري لتغيِّرَه عن مَنْحاه؟
الطبيب الإيطالي وعالمِ الجريمة الشهير "تشيزدي لومبروزو" (1835- 1909) له نظرية تختص بالسلوك الإجرامي تتبني الطرح الجيني من خلال فحص جماجم لأكثر من 383 مجرما ميتا و600 على قيد الحياة، إذ يرى في كتابِه "الإنسان المجرم"، أن المجرم شخص بدائي يتميز بملامح خاصة توفرت فيه بالوراثة، كوجود خلل عضوي، كأن يكونَ ضيِّق الجبهة، أو لديه شذوذٌ في تركيب أسنانِه، أو اعوجاجٌ في أنفه، أو قِصر غير عادي في أذنيه، ممَّا يشعره بمركب النقص، الذي يدفعه إلى ارتكاب الجريمة. ولكن تؤخذ على لومبروزو أنه ركز على الجانب العضوي فقط وبالغ فيه كعامل للسلوك الإجرامي، وأهمل بل أنكر تأثير العوامل الأخرى المادية والثقافية والبيئية والاجتماعية، في فهم سلوك المجرم، مع أنه أضاف إلى جانب المجرم بالوراثة أو بالفطرة خمسة أنواع أخرى من المجرمين وهم المجرم الصرعي والمجرم السيكوباتي والمجرم بالصدفة والمجرم بالعاطفة والمجرم محترف الإجرام. أنظر كتاب علم الإجرام وعلم العقاب، علي عبد القادر القهوجي، بيروت: الدار الجامعية للطباعة والنشر، بدون تاريخ، ص37].
ما يخصنا من هذه الأنواع التي ذكرها لومبروزو، هو المجرم بالعاطفة الذي يقع تحت تأثير ظرف استقائي خارجي يؤدي به إلى ارتكاب الجريمة، الأمر الذي ينطبق تمامًا على المتأسلمين جميعًا. فالمتأسلم عاطفي بحكم تربيته الدينية، مع أنه مثل بقية البشر، يولد بشخصية سوية وعادية لا تتسم بالعدوانية تجاه الآخرين، غير انَّه يخضع لتربية منحرفة تعتمد أساسا على ثقافة التوحش والكراهية منذ نعومة أظافره، مما يصيبه في أوقات معينة بالمزاجية العنيفة ويصبح عدوانيًا، فلا يتحكم في عاطفته التي تهيج وتثور بفعل أي مؤثر خارجي ذو صلة بعقيدته.
ومع أن المجرمين بالعاطفة يخضعون لتأثير انفعال حاد يتحول إلى طبع شاذ يتسم بالعنف والقسوة، سرعان ما ينطفئ بعد ارتكاب الجريمة ومن ثم يسقط فريسة للإحباط والندم بعد ارتكابها، وقد يؤدي به ذلك إلى الانتحار، إلَّا أن المتأسلم يرتكب جريمته تحت نفس التأثير الإنفعالي، ولا يصاب بالإحباط ولا يعرف الندم طريقًا إلى نفسه لأنه ارتكبها في سبيل الله ومن أجل رفعة دين الحق وإشفاء صدره المليء بالحقد والكراهية!
لذلك يرتكب المتأسلمون جرائهم بعيدًا عن سياسة الردع والعقاب القانوني، طالما ينتظرهم ثواب الله في آخرتهم. إنهم يتشبثون بمنظومة القيم التراثية الفاسدة والمدمِّرة، ويرون فيها المرجع الأساسي والأسمى لقواعد الضبط الاجتماعي، فيتولد لديهم حالة نفسية وشعور إيماني، مخالفًا تمامًا للقوانين المعمول بها في كافة بقاع الأرض. إن تعاليمهم الدينية التي تملى عليهم ليلًا ونهارًا تمارس عليهم سلطة شديدة تسيطر على وجدانهم وتطغى على مشاعرهم، بدافع غسل العار ورد الاعتبار وإلا نعت بالجبن والخوف الذي يصل إلى حد الذل والمهانة.
لا شك في أن الإنسان يولد سويًا نفسيًّا، ولا يرث الاضطراب النفسي من والديه بحيث يحمله ذلك على ارتكاب الجريمة، ولكنه يرتكب الجرائم عندما يعيش انحرافًا ثقافيًا وقهرًا سياسيًا وانحلالًا خلقيًا وفسادًا اجتماعيًا بسبب الثقافة الدينية الخرافية الطاغية والمهيمنة في بيئته والتي يعيش بها ويتعامل معها، حيث تبصم على شخصه وتؤثر فيه سلبًا وتوجهه إلى الانحراف الاجتماعي والتمرد على قيم وأخلاق المجتمع، وبالتالي تصبح لديه الجريمة نوعا من التمرد على المجتمع والعبث بقيمه. في مجتمعات كهذه لم تعد السياسة العقابية تفرِّق بين نوعية المجرمين من قبيل المجرم الفاسد القيم الذي يعتبر سويا نفسيا أي لا يعيش اضطرابات نفسية من شانها دفعه إلى ارتكاب الجريمة وبين المجرم الذي يعاني من الضغوط الفكرية والانحرافات العقائدية والقهر والظلم والغبن السياسي والاجتماعي والاقتصادي. يقول علماء النفس عن هذا المجرم إنه هو المحبط نفسيّاً والمزروعة داخله عشرات العقد المترابطة التي بدأت منذ الصغر، فيعتبر صيداً ثميناً لعالم الجريمة ومخططي الإرهاب.
ويقول علماء الاجتماع: إن البيئات الاجتماعية الحاضنة للكراهية والانغلاق هي خير معين للسلوكيات غير السوية للبشر.
بينما يقول الاقتصاديون: إن الفقر المدقع يدفع الناس إلى طلب مثاليات العدل والمساواة التي يظنون أن الجريمة إحدى طرقها كفعل انتقامي من الأثرياء والمرفهين.
والعقلاء المحنكون من ناحيتهم يقولون: إن غياب العدل وتفشي الظلم السياسي واحتلال البلدان من قبل عصابات دينية أو عسكرية أو عائلية أو فئوية ما، وتهجير أهلها ومنع رؤية الآفاق المستقبلية للسلام والعدل وإحقاق الحقوق المشروعة، دافعٌ كبير للإرهابيين، ولكن كل هذا لا يفسر ظاهرة الإرهاب بين الذين لاذوا بالفرار من بلادهم إلى حيث الحرية والرفاهية والكرامة الإنسانية! هؤلاء المهاجرون نتاج ثقافة دينية بالية ونظم حكم متهالكة ومجتمعات فقدت إنسانيتها منذ زمن بعيد.



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة القطيع
- العربان ونظرية المؤامرة
- شعب بين المطرقة والسندان 5/5
- شعب بين المطمرقة والسندان 5/4
- شعب بين المطرقة والسندان 5/3
- شعب بين المطرقة والسندان 5/2
- شعب بين المطرقة والسندان 5/1
- الديكتاتور الحقير!
- ومازال العمل جاريًا تحت تعريشة بني ساعدة!
- إشتراكية عبد الناصر وما آلت إليه
- لماذا خرج المصريون من التصنيف العالمي للإنسانية؟
- توجيهات سيادة الرئيس
- إلحاد الأمس وإلحاد اليوم
- نتيجة التخبُّط بين ثقافتين
- الإنسان بين الوهم والواقع
- ما سر عداء العروبان والمتأسلمين لعلم المنطق؟
- هل السفاهة من خصال العربان؟
- رد على تعليق الأستاذ منير كريم
- إعتذار المشايخ عن فتاويهم المدمِّرة!
- القول المعقول في أخلاق الرسول


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - السادية الإسلاموية والإسلاموفوبيا