|
ذبح العقول مرتبط بذبح العجول
فؤاده العراقيه
الحوار المتمدن-العدد: 6660 - 2020 / 8 / 28 - 09:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ارتبط الوعي منذ بدأ الخليفة بالإنسان الذي تميز بعقله القابل للتطور عن ما هو للحيوان فاستمر الإنسان في تطوير نفسه على مر العصور وتوقف الحيوان على طبيعته التي طغت عليها الغريزة لاستمرارية وجوده فقط ليبقى على نفس شاكلته باستثناء بعض الحيوانات التي تطورت بتدخل من الإنسان ، بمعنى حتى الحيوان قادر على أن يطوّر نفسه فيما لو وجد المعين لتطوّره كما حدث لبعض الحيوانات في البلدان المتطوّرة والتي ساهم الإنسان بتطويرها وبتعليمها ليخلق منها كائنات مُسيطرة على غرائزها فصارت أكثر تطورا من بعض الأناس لدينا الذين لا يزالوا منقادين لغرائزهم ليؤول بهم الحال إلى كائنات مشوهة وأضعف من الحيوان بالرغم من امتلاكهم للعقل ولكنه أخذ يضمحل لديهم ويصغر، فالعقل هو الفاصل للوجود، وكان من المفترض أن يتقدم الإنسان بواسطة الإنسان نفسه نحو إنسانيته أكثر من غرائزه، وأول تلك الغرائز هي غريزة الجوع وتأتي بعدها غريزة الجنس وبعد اكتفائه من هاتين الغريزتين ستتحول الغرائز لديه للجشع وللأنانية ، فصار الإنسان لدينا يصب اهتمامه على غرائزه بالدرجة الأساس وهكذا أخذت شعوبنا تتراجع للخلف كلما تقدم الزمن بها بفضل غريزة الجشع التي طغت على النظام الرأسمالي الذي حول العالم لغابة حالت دون أن يرتقي الإنسان بإنسانيته، ولا تزال الحروب قائمة ولا يزال الإنسان مهددا لا يعرف مصيره من تلك الحروب التي أخذت تتنوع، وكلما تقدم الزمن بالشعوب المستعمَرة اخذت بالتراجع للخلف لكون الزمن يمضي مسرعا وهي تراوح في مكانها فتؤول أوضاعها للرجوع، والإنسانية مرتبطة بوجود الإنسان وعقله الذي ميزه عن الحيوانات، وكلما ازداد الإنسان انسانية ازدادت أحاسيسه رهافة ورحمة ،وهناك عوامل مساعدة وأسبابا عديدة تساهم في اضمحلال الإنسانية لغاية إعدامها من ضمنها قنوات اليوتيوب التي انتشرت في الآونة الأخيرة وما تحتويه من محتويات فارغة من محتواها ساهمت في ضياع الوقت والعمر لدى غالبية متابعيها الذين ادمنوا عليها بسبب اسلوب التشويق والتفاهة التي تتمتع بها تلك القنوات حيث تلعب على خداع المتفرج دون أن يشعر ليكون عبدا ومدمن متابعة لهؤلاء الدراكولات مصاصين العقول . ومن أقبح الفيديوهات التي رأيتها ليوتيوبرز مصري لديهم الكثير من المتابعين وكان بخصوص احتفالية أضحية العيد. اعداد المتابعين لمثل هذه القنوات تكشف لنا عن مدى ضحالة الفكر والعقل العربي وما توصل له من ضآلة أخذت تتناسل كسرطان يتغذى على العقول ثم يأخذ بنهش الأجساد حيث صار النجاح في عالمنا اليوم يعتمد على مدى تفاهة المحتوى ويتناسب عكسيا مع تلك التفاهة فمع تلك المحتويات تتزايد أعداد المشاركين وأعداد المتابعين ومعها تتضاعف أموال اليوتيوبرية حيث صارت هذه الشعوب تفضل المواضيع الشفافة والسطحية والفارغة من المعنى، تبحث عن تسليتها وتمضية أوقات فراغها وقتل العمر الذي صار فائضا عليها،فيتخذون أسهل الطرق لقتل العدو الأول لهم وهو الوقت ، وعداد العمر يمضي بهم سريعا ليسجل أكبر الخسائر، هذا العمر الذي لا يتكرر والذي جاءهم صدفة وضربة حظ من بلايين الصدف، وها هو يضيع سدى ولا سبيل لهم لقتله والتخلص منه سوى بهذه القنوات التي تنتعش بهم و تنعشهم، دائرة ملتوية وضعها لنا أصحاب المصالح بتمويل ضخم جدا يغدق به النظام الرأسمالي على هذه القنوات اموالا طائلة ولكنها لا تأتي لقطرة من بحر الاموال التي يسلبها من بلداننا في محاولة منه لتشجيع هؤلاء اليوتيوبرية لتضخ أكبر عدد ممكن من محتوياتها الفارغة من محتواها، والتي لا تغني العقل قيد انملة بل تجعله كالصخر الجلمود يعيش دون أن يدري عن أسباب عيشه شيئا، ولا يدرك غاياتً لحياته سوى اللهاث لجمع المال والتكاثر الأحمق. , رغم ان التمويل ضخم لكنه لا يعد إلا فتاتا لما يكسبوه من ثروات هي اصلا كانت لنا لولا هيمنتهم على عقولنا ، فأخذ النظام ينفق الفتاة علينا ليجعلنا نضرب بعضنا ببعض،هو يأخذ حصة الأسد ويعطي لنا منها الفتات لنقتل انفسنا بها، فتاتا لا تذكر أمام ما يأخذوه، ينثروها علينا ليخدعوا بها عقولنا بتلك القنوات فصار قتل الوقت عملا شاقا وملازما للغالبية بعد دخول النت ، الركض خلف الفراغ واللهاث دون مجهود ودون أن يبالوا للنتائج وما جنوه من أفعالهم المهم أن يعيشوا الحياة بلا تعقيدات. وكان من ضمن المحتويات لمثل هذه القنوات ذلك العجل الذي سحلوه معهم تحت ضحكات اطفالهم وتهليل كبارهم بعد أن ربطوه بحبل لا يتجاوز طوله المتر بحيث لا يستطيع العجل التحرك من خلاله لا يمينا ولا شمالا، هكذا سيكون وضعه لمدة ٢٤ ساعة القادمة لحين موعد ذبحه، عبارات الاستهزاء والضحك كانت مستفزة للغاية والأدهى من هذا هو إنعدام الشعور لديهم بأفعالهم المقززة تلك بعد أن ترسخت بداخلهم وصارت عادة توارثوها عن أجدادهم لتكون من ضمن الأفعال المألوفة والعادية جدا، صارت نهجا من ضمن حياتهم لا تستوجب التفكير , المهم إنها لا تنافي الأخلاق فلا ينبغي عليهم أن يتألموا لالم الحيوان، يتعاملون معه وكأنه بلا حس وبلا شعور وأمام الأطفال تكون عملية الذبح عادية ولو صادف لديهم أن بكى طفل أو حزن على الحيوان فسيؤنبوه وبقسوة وخصوصا لو كان ولدا, فليس من شيمة الذكور ان يتألموا أو يبكوا على حيوان حتى لو كانوا أطعموه بأيديهم ولعبوا معه، فهو مخلوقا لهم لينعموا بأكل لحمه. بعد حفلة الضحك غسلوا العجل ومن ثم أعطوا مهمة إطعامه للأطفال ولا بأس يتسلوا باللعب معه قبل ذبحه، كانت تعليقاتهم مستفزة على شاكلة إنه كيوت ومؤدب ثم ترافقها ضحكاتهم التي تتعالى مع شعورهم بالفرح، أما موضوع الذبح فكأنه حدثا عاديا لا علاقة له بمشاعرهم التي أشك بتواجد ها اصلا، مهرجان من الفرح اقاموه على رأس هذا العجل المسكين بانتظار تقطيعه إلى أقسام، الكبد والقلب سيكونان من نصيب أول يوم من أيام عيدهم حيث تعودوا، واحتفالية الرأس ستكون لها طقوسها الخاصة حيث يجتمع الأهل والاحباب عليه، لا تسلم حتى معدته وامعائه منهم. ولا أدري لما وضعت نفسي في مكان العجل عندما أدخلوه للحديقة وهم يحيطون به من كل حدب وصوب خوفا من هروبه وخسارة النقود التي دفعوها به ، اختنقت وأنا أتصور نفسي محصورة بينهم لا حول لي ولا قوة ولا أي منفذ لينقذني من أنياب هؤلاء الذين اجتمعوا على ذبحي ؟ هذا محتوى واحد لا يقل تفاهة من آلاف المحتويات المطروحة يوميا مع ملايين المشاهدين ولكم أن تقيسوا العمر الذي يهدر بها والعقل الذي سيضمر بسببها. فمع كل هذه الممارسات لا نستغرب من ظهور داعش وغيرها، فكيف ستنشأ نفوس هؤلاء الأطفال بعد أن ربطوا أمامهم الفرح بالدم ؟ مؤكد ستنهار أجيال وأجيال بعد أن ذبحوا العقل لديهم واغتالوا السؤال؟
#فؤاده_العراقيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفعيل قانون العنف الأسري من أجل عراق خالي من العنف
-
عن الأحداث الأخيرة
-
غياب العقل وغياب الضمير معاً
-
القوانين وتأثيرها على تهذيب أو استهتار الرجال
-
فيروس العقول أخطر بكثير من فيروس كورونا
-
ما يحتمله الإنسان مُرغما لا يُدرج من ضمن القوّة
-
بحث في كتاب (الأنثى هي الأصل ) للكاتبة والأديبة نوال السعداو
...
-
صورة مُزرية لذكر شرقي
-
وفاة البروفيسور عالم الفيزياء Stephen Hawking خسارة كبيرة لل
...
-
لنكسر حاجز الصمت أمام ظاهرة التحرّش
-
رد على مقال الشاعرة فاطمة ناعوت (سأقولُ يومًا لأطفالي إنني ز
...
-
اسطوانة الدعارة المشرعنة في العراق (تعدد الزوجات)
-
وداعا جان نصار
-
ايهما الاهم _ جمال ألعقل ام ألشكل ,أم هما متساويان ؟
-
الحجاب حرية شخصية
-
تأملات في مفاهيمنا المعكوسة
-
تعديل أم تخريب لقانون الاحوال الشخصية العراقي
-
الخروج عن المالوف
-
صيادلة أم مافيات دواء ,أطباء أم قصاصي رؤوس
-
ما بين التحريم والتحليل
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|