اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6659 - 2020 / 8 / 27 - 21:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل نسبت ام تناسيت
لا بد لذاكرتك ان تنهض من كبوتها وتتذكر
بانك ذات صباح ركبت اللوري الخشبي ، وكنت واحداً من العشرات الذين يتمسكون بعباءات امهاتهم ، وهم ذاهبون لزيارة الضريح المقدس في كربلاء ...
لكن في طور الفتوة صرت لا تحتاج الى من يجرجرك خلفه ، صرت تعرف الطريق لزيارة : تلك المتاهة من التاريخ ، المعمدة بالدم وصهيل الخيول وبكاء الهاشميات اللواتي كان من الممكن ان يصبحن - لو انتصرت حركة الحسين : نساء الخليفة الجديد ، اللواتي سيرفلن - بدل ذل الأسر - بالمجد والعز ، ولكانت إمكانية عدم بكائنا السنوي : واردة ، ولتحولت أيام شهر عاشوراء الى فرح واحتفالات . ولكن غابة من السهام والسيوف طارت صوب معسكر الحسين : انطلقت بسرعة عجيبة واطاحت بذلك الحلم الهاشمي ، ومنذ ذلك التاريخ الذي يزيد على الف واربعمائة سنة : انفردنا نحن الشيعة برفض طريقة المؤرخين الباردة في رواية ما حدث : نحن لم نتحدث مثلهم عن دولة إسلامية توجهت بكل ما تملك من عنف للقضاء على المتمردين عليها ، كما تفعل كل دولة .. كلا ، نحن الشيعة لم نتكلم عن دولة ، بل تكلمنا عن عائلة إغتصبت سلطة ودولة العائلة الهاشمية المنصوص عليها من السماء في ان يكون علياً ثم أولاده وأحفاده : هم الخلفاء بعد وفاة محمد ...
في ذلك الزمن البعيد : لم تكن صراعات مراكز القوى على السلطة السياسية ( الخلافة ) سلمية ، بل كانت صراعاً عنيفاً دموياً يحسمه السيف . وكان أشخاص الزعامات السياسية - في ذلك الزمن البعيد - معروفة للناس ، ولا يجرؤ احد من العوام على ان ينافسهم عليها . فبعد وفاة مؤسس الديانة ، وبعد اجتماع السقيفة : حصر الوعي العام للناس شرعية الحكم ببيوت خاصة ، جميعها من قبيلة قريش ، وقد تميزت تلك العوائل بعصبيتها الشديدة لنفسها : وقد وضعت نفسها حتى فوق الديانة : وسمت الدولة باسمها ( = دولة أموية أو عباسية او فاطمية ) . اذن لم يسبق المسلمون سواهم من الأمم ويسارعوا الى بناء دولة المساواة امام القانون وتكافؤ الفرص ، بل ظلت النظرة التي كانت سائدة في العالم كله يومذاك : والتي تشطر الناس الى : خواص وعوام تتحكم بنوع عدالة الدولة التي بنوها ، فالتمييز كان واضحاً بين قبيلة قريش وبين باقي القبائل والعشائر والعوائل . وتمييز : الخواص عن العامة من المسلمين كان واضحاً في مسائل القيادة والحكم ، وهذا التمييز واضح الآن في التشريعات القانونية المستلة من افضلية الطائفة الوهابية في المملكة العربية السعودية على باقي الطوائف ، وأفضلية الطائفة الشيعية في ايران على باقي الطوائف الاسلامية . لقد نجح العرب - المسلمون ، في بناء دولة العائلة في التاريخ . لا يريد الشيعة ان يفهموا بأن التاريخ هو مجموعة احداث بشرية تتقدمها صناعة القوة التي لا تعني : حيازة القوة العسكرية فقط ، فالقوة العسكرية لم تطح لوحدها بالدولة الأموية في دمشق ، والعباسية في بغداد ، والفاطمية في القاهرة ، بل تمت الإطاحة بها جميعاً نتيجة تضافر عوامل متعددة : اقتصادية واجتماعية وثقافية كفقدان العدالة وانتشار الفساد وتعمق التفاوت الطبقي . وان دولة : الدولة - الأمة القومية في اوربا قامت على انقاض الدولة الدينية وحقوق الملوك الآلهي وبنت : دولة جديدة في التاريخ : هي دولة الرفاه الذي لا يمكن تعميمه على كل مواطني الدولة من غير تطبيق قانون المساواة المشتق من مفاهيم المواطنة وحقوق الانسان . ( خذ على سبيل المثال : فشل الحكومة العراقية في توزيع الحصة التموينية ، والحث عن اسباب الفشل : فستجده يعود بنسبة عالية الى ان الوعي السياسي للوزراء وكوادر السلطة لا يؤمن بمبدأ مساواتهم بمواطنيهم ، انهم يشعرون بانهم اعلى من مواطنيهم درجات ودرجات ، وبان الله قصدهم بالأفضلية الواردة في قول القرآن : وفضلنا بعضهم على بعض بالرزق " ولهذا سرقوا ويسرقون تحت سمع وبصر رؤساء الحكومات والفقهاء : الأموال المخصصة في الميزانية للحصة التموينية ويهربون بها الى الخارج ) الشيعة اليوم - كما كانوا قبل 1000 سنة - يؤمنون بأن التاريخ يتكون من مجموعة افعال تقوم بها عوائل وعشائر يتحرك قادتها بايحاء من الله . لا يوجد في الوعي الجماعي السياسي اليوم لعموم الشيعة : إمكانية ان تقوم دولة عادلة في التاريخ من غير العائلة الهاشمية وأمامها المعصوم . وهذا ما يجعل فكرة الدولة في ذهن الشيعة مشوشة ، انهم يتصورون ان الظلم الذي لحقهم ولحق جميع المعارضات في التاريخ العربي الإسلامي ، سوف يقضي عليه آل البيت في حالة حصر الخلافة والقيادة بهم : وهم في هذه الرؤية ينسون بأن علي بن ابي طالب : قتل معارضته من الخوارج ، وينسون بأنهم ينظرون الى أنفسهم كمذهب متكامل وانهم ورثة الإسلام الحقيقي : وبانهم يتهمون كل معارضة دينية لهم بالمروق والضلالة ، ويستحقون القتل ، وفعلاً قتلت ميليشياتهم الكثير من أولئك المعارضين ، واستعملوا في تصفيتها الخطف والقتل بالمسدسات الكامنة للصوت . فالشيعة لا تربط تحقق العدالة بمؤسسات الدولة بل يربطون تحققها باشخاص ، وفي هذا تتجسد محنتهم العميقة في بناء الدولة في العراق : اذ يبدلون أشخاص رؤساء الوزراء ولا يبدلون آليات اشتغال نظامهم السياسي ...
2 -
صرت تذهب لوحدك الى كربلاء ، وتجوس ذلك العالم المليء بالدم والدموع وصليل السيوف ورنين الزناجيل وتطاير الشرر من ضرب الصدور : تراقب دمعتك وهي تسقط مع دموع الجموع المتساقطة ، فيما ظلت يداك مسبلتان الى جانبيك ، ولم ترتفعا بالزنجيل الى ظهرك او ترتفعا بالقامة صبيحة العاشر من محرم وتشجا رأسك .
كنت تراقب مثل الجموع المحتشدة : طقوس الندم هذه . اذ يؤمن الشيعة بضرورة التعبير عن الندم دورياً ، لأن التاريخ بعد مقتل الامام علي ومقتل الحسين ركبه الشيطان وسار به في طرق الاعوجاج والضلالة . وان اعادة وضع التاريخ للسير على السكةالصحيحة يبدأ اول ما يبدأ بانتزاع حق آل البيت في الحكم . وحتى حين سمح المذهب للبعض بالاشتغال في السياسة فان هذا العمل غير دائم ، انه عمل مؤقت وطاريء فرضته الغيبة الكبرى للأمام المهدي الذي تعد القيادة الحقيقية للشيعة بيد وكلائه من الفقهاء ، وليس بيد السياسيين مهما رفعوا من درجة غلوائهم الطائفي ...
مشكلة الانظمة العائلية في الحكم انتهت في اوربا ، وسقطت في الصين واليابان بعد الحربين الكونيتين ، وأزال الأتراك نظام العائلة العثمانية الوراثي بأنفسهم بعد الحرب العالمية الاولى . اما بالنسبة للشيعة فلا توجد دلائل تشير الى ان ما تم بناءه في ايران وفي العراق يتسم بالعدالة : مع سقوط العملة الوطنية والحصار الدولي وارتفاع نسبتي الفقر والبطالة . ان مشكلة الشيعة الأرأس اليوم : هي عدم الرغبة في التكيف للعيش في دولة المواطنة الحديثة . اذ ان هذا التكيف يتطلب من قياداتهم الروحية الاعتراف باستحالة تحقق نموذجهم الهاشمي الذي يجلس على قمة هرمه كائن : نصف بشري نصف سماوي ، واسع العلم ، تصب عليه المعلومات من السماء عبر جبرائيل ومن الارض عبر : استخباراته ( عيونه ) . والشيعة لا يختلفون عن السنة في استلهام الماضي وليس الحاضر في بعث دولة الإسلام الدينية وبناء دولة الطائفة التي لا تمنح حق المواطنة لاعضاء الطوائف الأخرى : والشيعة الذين يعيشون في العربية السعودية ، والسنة الذين يعيشون في ايران : عاشوا عمرهم مهمشين ومنبوذين ، وابعد ما يكونان عن مفهوم المواطنة ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟