|
من هولاكو الى رحيل اللقالق
أدهم ميران
الحوار المتمدن-العدد: 1599 - 2006 / 7 / 2 - 08:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان هولاكو قائدا مغوليا لاتثنيه المصاعب عن عزمه، يبطش بكل شيء من اجل السيطرة على بقاع جديدة، يقتل من اجل ان يمتد نفوذه الى اقاصي الأرض، وكانت بغداد مدينة الخلافة من ضحايا مخططه وذلك ايام الخليفة المستعصم بالله، حيث القتل والنهب الذي استمر نحو أربعين يوما، واشعال النيران في بغداد والقاء الكتب في دجلة. وبعد مرور مايقارب 900 عام على هذه المشاهد الوحشية والمروعة التي اسقطت بغداد بكل جوانبها، راح ينهض من جديد مارد آخر أعماله صنو لأعمال هولاكو، ولكن تحت مسمى آخر بل وبمسميات عديدة، تقتل وتذبح الأطفال والنساء والشيوخ بأسلحة رشاشة ومفخخات وتفجيرات فاقت وحشية هولاكو ذاك العصر، ولو علم هولاكو بهؤلاء لرثى لحاله ولبطولته امام بطولة هؤلاء الأبطال المعاصرين!! يقول فقهاء الاسلام ان الاختلاف رحمة، يعني في فهم اصول الاسلام بين المذاهب، ولكن الأمر لا يبدو كذلك، سواء أكان في العراق ام في بلد آخر يتألف من مكونات وطوائف عرقية، والمشهد الطائفي في الشارع العراقي يبدو جليا ونتائج استقرائه لن تعطي الا نتائج واضحة ومحددة. فاختلاف العقائد هو سبب كل مصيبة، فلكل مذهب اسلامي اصوله ومفاهيمه في العبادة تختلف بشكل من الاشكال عن مفاهيم المذهب الآخر. وقد يكون أداء نافلة أو فرض ما عند مذهب معين منهي عنه عند مذهب آخر، بل قد يصل درجة ان يؤثم من قام بها والعكس صحيح ان قام بها عند المذهب الآخر، وكلا المذهبين يتهم المقصر بدخوله النار. الى هذا القدر من الاختلاف مقبول وهي مسألة اختلاف وجهات نظر فقط وليس بها من ضرر، ولكن ما ان يبرز نقاش بين اثنين من اتباع هذين المذهبين المختلفين قد يودي بهما الى الاقتتال، واذا قتل احدهم فإن عائلة المقتول تطالب بالثأر لدم القتيل، اي الاحتكام الى الطبيعة القبلية المتأصلة في مجتمعاتنا، متجاهلة كل الأعراف والقوانين المدنية، ناهيك عن الشريعة الاسلامية التي ينتمون اليها. وهنا تتفاقم الأزمة بقتل كل طرف لأبناء الطرف الآخر. أليست العقائد والمذاهب هي التي تولد الارهاب؟ من هم جماعة القاعدة ومجموعة ابو مصعب الزرقاوي، ألا ينتمي هؤلاء الى عقيدة ومذهب يكفر الآخر ويلغي فكره؟ فإما ان تفكر مثلما أفكر او الويل لك فإنك من الضالين المكذبين والمغضوب عليهم. لم تصل المذاهب في الفكر الاسلامي في يوم من الأيام الى هذه الدرجة من الغاء الآخر وحرمانه من الحياة، ليس لمخالفي مذهبهم فحسب، بل يتسع الأمر ليشمل حتى الذين ليس لهم علاقة بالديانات السماوية كافة لا من قريب ولا من بعيد. هذا الأمر الخطير يحدث في بغداد كل يوم ومشاهده تتكرر في الأزقة والشوارع والساحات، من استباح للبيوت وقتل للناس في وضح النهار، انتقام طائفة من اخرى، تكوين مجاميع مسلحة تنتقم للأولياء واصحاب الكرامات الذين نالهم الشتم من طائفة اخرى، بل وقتل حتى الذين لم يشتموا، وذلك لأنه قد يأتي من ذريتهم أناس يشتمون اولياء اولئك وهلم جرا، انظر الى هذه المأساة والمهزلة!! المجتمع الشرقي يعيش من اجل العقائد والمذاهب والدفاع عنها، وليس من اجل حرية الانسان وحقه في العيش، المذهب هو الذي يحدد مدى تقبل الانسان للآخر في مجتمعنا العراقي والشرقي بشكل عام، الى متى ستستمر هذه المجازر والمذابح؟ أيعقل ان يخلق الله الخلق ليقتله اصحاب الفتاوى بفتاويهم؟ اولئك الذين نصبوا انفسهم خلفاء لله على الأرض فيفتوا ماراقت لهم الفتية، وليس للجاهل التابع من مذاهبهم سوى الانقياد لهذه الفتاوى والرضوخ لتنفيذ أوامر القتل في الناس ظنا منه أنه سيحظى بمباركة الرب ونعيمه. متى ستنجو بغداد من هولاكوها المعاصر، ومتى سيجر أذياله وأسماله القذرة من على وجه بغداد والعراق؟ لقد شوهت هذه القذارة جمال هذه المدينة وهجرت أدمغتها وأناسها الطيبين، ووضعت خيوط العنكبوت لتصطاد بها ارواح الأبرياء على ضفاف دجلة وأزقتها الجميلة، شردت اللقالق البيضاء من اعشاشها التي كانت تحط على منائر الأبنية والكنائس وسط بغداد، لتفتح جناحيها على مصراعيها وتهاجر الى منائر وكنائس آمنة تحتضنها كما في مدينتها الآمنة أيام كانت تعشش فيها. وكتب في ذلك ما هو اجمل عن رحيل اللقالق الكاتب خالد القشطيني في مقالة تحت عنوان "راحت ايام اللقالق" وهي تورية للوضع المأساوي الذي حل ببغداد، وهنا اضم صوتي الى صوته وأقول متى سيغادر هولاكو العصر لترجع اللقالق البيضاء.
#أدهم_ميران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الظاهر والباطن في مشهد البرلمان العراقي
-
لا بديل للانتخابات
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية اللبنانية تعلن الحصيلة التراكمية لخسائر ا
...
-
مصر.. الموت يفجع شيخ الأزهر
-
أقوى مجموعة من اغاني البيبي المسلية .. تردد قناة طيور الجنة
...
-
غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان: القوة الجوية أطلقت
...
-
غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان: بلغ مجموع عمليات ال
...
-
غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان: 125 عملية نفذتها ال
...
-
غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان: بلغ مجموع عمليات ال
...
-
غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان: نفذت القوة الجوية أ
...
-
غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان: أكثر من 100 قتيل و1
...
-
غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان: تدمير 43 دبابة -مير
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|