|
حكومة الفشل والارتجال .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 6657 - 2020 / 8 / 25 - 17:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن الوضع العام الذي يعيشه الشعب المغربي عموما في ظل انتشار جائحة كورونا لم يكن قدرا محتوما ومصيرا لا مفر منه .بل هو نتيجة للارتباك وللقرارات الارتجالية التي اتخذتها الحكومة . لا ينكر أحد أن قرار فرض الحجر الصحي وإغلاق المدارس والوحدات الإنتاجية ومنع التجمعات بالإضافة إلى إغلاق الحدود كان موفقا وأعاد بناء الثقة بين المواطنين والدولة .قرار كانت تكلفته الاقتصادية والاجتماعية عالية لكنه جنّب البلاد أسوأ السيناريوهات التي عرفتها عدد من الدول الأوربية من حيث ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات .هذا المكسب لم تستطع الحكومة الحفاظ عليه ، إذ سرعان ما انفجر الوضع الوبائي في عموم المدن بسبب سوء تدبير مرحلة التخفيف من الحجر وحالة التراخي العامة التي ميزتها. ومن أجل تكوين صورة واضحة عن مكامن الفشل الحكومي في تدبير الأزمة ، يكون مفيدا مقارنته مع تجربة نيوزيلندا التي فرضت الحجر الصحي وأغلقت الحدود شهرا ونصف قبل المغرب ، والمفروض في الحكومة المغربية أن تستأنس بتجربتها طيلة مراحل مواجهة الوباء . أوجه التشابه بين التجربتين: 1 ــ الإغلاق الشامل : حيث اتبعت الحكومتان سياسية الإغلاق الشامل للحدود أمام المواطنين والأجانب وفرض الحجر الصحي مع إغلاق المؤسسات الإنتاجية والسياحية والتعليمية ومنع التجمعات والتنقل إلا للضرورة القصوى. وساهم هذا الإجراء في تقليص عدد الإصابات كما ظل عدد الوفيات قليلا ، إذ وصلت نسبة التعافي إلى (98% ). 2 ــ الإجراءات المالية والاقتصادية: حيث تم إحداث صندوق لمواجهة أضرار كورونا في المغرب بمساهمة الدولة (10 ملايير درهم) ومساهمة الشركات والموظفين والمواطنين (23 مليار و700مليون درهم) ، بالإضافة إلى القرار الملكي بدعم الاقتصاد الوطني ب120 مليار درهم (11% من الناتج الداخل الخام). بدورها أنشأت حكومة نيوزيلندا صندوق الاستجابة والإنعاش الذي تبلغ قيمته (50) مليار دولار نيوزيلندي، كما اتخذت سلسلة تدابير مالية ستمكّن من تحصيل ما مجموعه (62.1 مليار دولار نيوزيلندي وهو ما يمثل 20.7% من الناتج المحلي الإجمالي) إلى غاية السنة المالية 2023/24.والحكومتان معا ركزتا على تعزيز التجهيزات الطبية ودعم قدرات الرعاية الصحية وبنيات الاستقبال مع توفير مستلزمات النظافة والكمامات ، فضلا عن دعم المقاولات والفئات الاجتماعية الأكثر تضررا. 3 ــ توظيف التطبيقات الالكترونية : على الرغم من التشابه بين التجربتين ، بحيث طرحت نيوزيلندا في 20 مايو تطبيقًا إلكترونيًّا باسم (NZ Covid Tracer) ، بغاية تحديد مواقع الحالات المصابة، وتعقُّب الحالات المخالطة لها ؛ فيما أطلق المغرب تطبيق "وقايتنا" لنفس الغاية في 1 يونيو ،إلا أن ضعف الثقة في الحكومة شجع على انتشار الإشاعات بكون التطبيق يسمح بالتجسس على المعطيات الشخصين . الأمر الذي جعل فئات واسعة من المواطنين يرفضون تحميله على هواتفهم رغم النجاعة التي أبان عنها في 35 دولة . أوجه التباين والاختلاف : 1 ــ الاختبارات الشاملة : اعتمدت حكومة نيوزيلندا ، من يناير 2020 ، إجراء التحاليل والاختبارات وتوسيع نطاقها في صفوف المصابين والمخالطين لتطويق انتشار الوباء من خلال إنشاء مراكز الاختبارات المجتمعية (Covid-19 community-based testing centers)، مع التركيز على إجراء التحاليل لمجموعات محددة من السكان الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس (المسنون بدور الرعاية والعاملون في مجال الرعاية الصحية)، بالإضافة إلى إجراء الاختبار على عينات من مياه الصرف الصحي لرصد المناطق التي يوجد بها الوباء قصد تطويقها ).بينما في المغرب ظلت نسب التحاليل جد محدودة ومقتصرة على المصابين الذين ظهرت عليهم الأعراض ، ولم تتوسع تدريجيا إلا بعد إحداث مراكز الاختبارات في كل الجهات . ورغم ذلك ، تظل التحليلات محدودة نسبيا قياسا إلى سرعة انتشار الوباء (20 ألف تحليلة في اليوم). 2 ــ التواصل مع المواطنين: إذ تميزت التجربة النيوزيلندية بقدرة الحكومة في شخص رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن على حسن التواصل مع المواطنين ، باعتماد لغة واقعية تحذر وتطمئن في نفس الوقت . كما أعطت رئيسة الوزراء نموذجا للتعاون بين العلماء والحكومة في إنتاج خطاب مقنع يرفع منسوب الثقة في الحكومة وإجراءاتها .أما في المغرب ،فإن رئيس الحكومة قدم ،ومنذ البداية ، معلومات مغلوطة عن الوباء وأوهم المواطنين أنه لا يختلف عن الزكام ، ومن ثم لا خوف منه لأنه لا يشكل خطرا ؛ فضلا عن ظهوره أمام وسائل الإعلام بدون ارتداء الكمامة. ومما هزّ ثقة المواطنين بالحكومة ، سلسة القرارات الفجائية والمتناقضة التي اتخذها رئيس الحكومة ، والتي زادت من غضب المواطنين (تقسيم المغرب إلى منطقة 1 و2 ، دعوة المواطنين إلى السفر لتشجيع السياحة الداخلية ثم إغلاق عدد من المدن ، فتح الأسواق لبيع الأضاحي ثم المنع المفاجئ للمواطنين من السفر ، اعتبار ارتداء الكمامة ليس ضروريا ثم سن قانون في 6 ساعات يعاقب على عدم ارتدائها ..) . بسبب ضعف التواصل والارتجال في اتخاذ القرارات ، فقد المواطنون الثقة في الحكومة ، خصوصا بعد ارتفاع عدد الإصابات والوفيات دون أن يخرج رئيس الحكومة ليوضح للمواطنين أسباب تردي الوضع الوبائي. 3 ــ الكفاءة الحكومية في تدبير الوباء : إذ أظهر ارتفاع أعداد المصابين والوفيات منذ بداية شهر غشت ضعف الكفاءة لدى حكومة العثماني وفشلها الذريع في السيطرة على الوباء واحتوائه ، الأمر الذي جعل الأصوات المنادية بإقالتها ترتفع لفائدة تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة الأزمة . في حين تمر أسابيع دون تسجيل إصابات في نيوزلندا ، وإن تم تسجيلها فهي جد قليلة (3 حالات يوم 23 غشت حيث بلغ مجموع الإصابات منذ بداية ظهور الوباء 1674 ؛ هذا الرقم يسجله المغرب في يوم واحد). وتواصل الحكومة اتخاذ قراراتها الارتجالية دون دراسة علمية دقيقة وآخرها القرار المتعلق بالدخول المدرسي الذي وضع الأسر في حيص بيص ، إذ كان أحرى بها تأجيله لأسبوعين أو ثلاثة حتى يتم التحكم في انتشار الوباء؛ مما يؤكد أن الحكومة لا تستخلص الدروس من أخطائها السابقة وتدفع إلى تأزيم الوضعية التي ، لا قدر الله، ستحتم إعادة فرض الحجر الصحي مع ما سيتسبب فيه من مآسي اقتصادية واجتماعية.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منسوب -الأخونة- في ملصق وزارة الثقافة.
-
رئيس الحكومة ما -قدّو فيل زادو فيلة- .
-
الولاء لتركيا يجمع بين إسلاميي المغرب وليبيا.
-
خطط البيجيدي لإنهاك الدولة وتفقير الشعب.
-
البيجيدي يتوسّل بالكفاءات بعد أن همّشها.
-
الحاجة إلى دليل بيداغوجي لكل مراحل التعليم.
-
درس لبنان لكل العرب
-
هل سيغير البيجيدي نهجه في تدبير الشأن العام ؟
-
رسائل النهب بسوق الأضاحي ومستشفى بنسليمان.
-
سيف أردوغان وديناميت طالبان .
-
طمس التاريخ والتنكر لبطولات الجيش من خطط البيجيدي.
-
أية وطنية للإسلاميين ؟
-
هل يقبل البيجيدي بالمراجعة بالجذرية لعقائده ومواقفه؟
-
إستراتيجية التمكين لدى البيجيديين.
-
المغرب وإستراتيجية مواجهة الإرهاب.
-
مدرسة البيجيدي تجعل الغش نزاهة وخرق القانون شفافية.
-
البيجيدي يستغل كورونا لتنفيذ أجندته.
-
الأمانة العامة للبيجيدي تناصر الوزيرين في خرق القانون.
-
إستراتيجية جماعة العدل والإحسان للانقلاب على النظام.
-
أدبيات البيجيدي وتصريحات قادته تناهض الدولة المدنية.
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|