أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - وفاءُ النيل … عند السلف الصالح














المزيد.....

وفاءُ النيل … عند السلف الصالح


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6655 - 2020 / 8 / 23 - 05:28
المحور: حقوق الانسان
    


15 أغسطس، يومٌ مهيبٌ في تاريخ سلفنا المصري الصالح. مهرجانٌ أسطوريّ يحتفل فيه أجدادُنا بالنهر العظيم الذي قدّسوه وكرّموه، لأنه سرُّ أسرار الحياة، وسبب حضارتنا التي جعلت مصرَ "أمَّ الدنيا". "الماءُ" كان هاجس الإنسان الأول؛ ليشرب ويزرع. إن وجد النهرَ، استقر وعمّر وشيّد وزرع وابتكر الفنونَ والعلوم، فتنشأ حضارةٌ. أما الصحراويون فيطاردون الآبار. كلما جفّت بئرٌ، بحثوا عن أخرى يتحلّقون حولها حتى تجفَّ، فيتركونها إلى غيرها. هذا السعي المحموم وراء الماء، جعل الصحراويَّ ابنَ ثقافة الرمال، غيرَ مستقر في مكان واحد؛ فلا يزرع، لأنه لن ينتظر الحصاد، ولا يشيّد عمرانًا؛ لأنه مُفارقٌ أرضَه، ولا يبتكر الفنون والعلوم لأنه رحّالٌ جوّالٌ. وبالتالي لم يُنشئ حضارةً. بيتُ الإنسان النهري، كان حجريًّا راسخًا في الأرض، بينما بيتُ الإنسان الصحراويّ، كان محضَ خيمة نقّالة يحملها معه في ترحاله. ولهذا نشأت الحضارات القديمة فقط على ضفاف الأنهار.
لهذا، قدّس أجدادُنا "نهر النيل" ومنحوه اسم الإله: "حابي" أو "حعبي"، وجسّدوه على هيئة تمثال إنسان يحمل معالم الأنوثة والذكورة معًا؛ لكي يحمل معنى الحياة الكامل، متجاوزًا عنصرية النوع. تتجلّى الذكورةُ في عضلات ساقيه وذراعيه الهائلة، رمزًا للقوة والبأس، وتتجلى معالمُ الأنوثة في تضاريس الصدر والبطن، رمزًا لخصوبة الأرض بعد الريّ.
يحمل "حابي" فوق رأسه سلّةً تبرزُ منها زهرةُ لوتس (شعار مصر العليا/ الجنوب)، ونبتةُ بردي (شعار مصر السُّفلى/ الشَّمال)، وسعفةُ نخيل رمزًا لمرور الزمان. كأنما يعترفون لهذا النهر الطيب بتوحيد الشمال والجنوب وضمّ أطراف مصرَ بميثاق غليظ على طول ضفافه. يجلس "حابي" حاملاً على كفيه صينية عامرة بالطيور والأسماك والفاكهة والخضر والحبوب؛ رمزًا للخير الذي يقدمه النيلُ للمصريين. وأحيانًا يُصوَّر "حابي" على هيئة شابين يافعين واقفين يضفّران معًا سيقان النبتتين معًا (اللوتس والبردي) على ظهر كرسي العرش الملكي، كأنما هذا النهر الخالد يعقد وثاق الصعيد والدلتا في رباط أبدي لا ينفصم.
كان أجدادُنا يسترضون "حابي" ذي المزاج المتقلّب؛ لأن حياتهم مرهونة بناصيته. إن حزن النيلُ؛ "مالَ واحتجب"، وانحسر ماؤه؛ فتجفُّ الأرضُ ويموت الزرعُ وتلوحُ المجاعة. وإن انزعج؛ ثار وفاض ماؤه ليُغرق الأرضَ والبشرَ والماشية والبيوت. فكان لابد إرضائه حتى يأتي في منسوبه المعتدل، فيكون قد “أوفى” بعهده. وكانوا يدللون هذا العصيَّ بأمرين:
1- التراتيل الدينية، فيرِّنمون قائلين:
“حعبي/ أبو الآلهة/ أنت الذي تأتي بالمؤنة لتطعمَ مصرَ كلَّها/ وتهب الحياة لكل إنسان وتُلقي الخير في طريقه/ مجيؤك يجلبُ الفرح.”
2- القرابين. إذ كانوا يلقون في النيل الكعك والفاكهة، وكذلك عروس النيل.
ولكن، لا تصدقوا كذبة: “عروسُ النيل الآدمية". فأجدادُنا الصالحون لم يعرفوا القرابين البشرية طوال تاريخهم، وإنما قدّموا، وحسب، قرابيَن نباتية ورمزية.
كيف تصدق أن أجدادك أغرقوا الفتيات الجميلات في النهر، هم الذين قدّسوا الحياة، فابتكروا مهرجانًا رسميًّا يمجد الحياة: "شوم أنسم"، ويقيمون الصلوات في المعابد، ابتهاجًا بأول أيام الربيع، فصل الخصب والحياة، ثم يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم، قُبيل الغروب، ليشاهدوا قرصَ الشمس وهو يتحرك ليستقر فوق رأس الهرم، فتسقط أشعتُها الذهبيةُ على قمته كأنما تشطر واجهة الهرم المثلثة شطرين؟!
كيف تصدق أنهم سفاحون بينما آمنوا بحق الحياة فكانوا أول من فكّر في البعث بعد الموت. وأطلقوا على الحياة الأخرى كلمة (النهار) فكان الموتُ هو: (الخروج إلى النهار)؟! إذ من غير المعقول أن تكون الحياة سنواتٍ قليلةً فوق الأرض، يتلوها العدم! فثمة حياةٌ أخرى. وليس من المقبول أن يتساوى الطيبُ مع الشرير! فثمة حسابٌ وثوابٌ وعقاب. وصلوا إلى هذا قبل الرسالات السماوية بآلاف السنين.
كيف تصدق أن أجدادك المتحضرين قتلوا روحًا بريئة، بينما وضعوا شروطًا صعبة لدخول الفردوس؛ من بينها أن يُقرَّ المتوفى قائلا: “لم أقتل- لم أتسبب في دموع إنسان."؟!
قربان "عروس النيل"؛ لم يكن إلا تمثالاً من الجرانيت الأحمر لعروس تشبه "إيزيس"، ربة الفضيلة والخير. يلقون بالدُمية في أحضان النيل "حابي"، وكأنما ترتمي "إيزيس" في أحضان "أوزوريس"، زوجها وحبيبها الذي قتله أخوه "سِت"، إله الشر، حسدًا وحقدًا. كتب أجدادُنا في الميثولوجيا المصرية أن "فيضان النيل" هو دموعُ أُمّنا "إيزيس" حزنًا على مصرع زوجها. ولهذا كانوا يلقون بشبيهاتها في النهر، حتى يهدأ ويكفّ عن الفيضان الغضوب.
مستحيلٌ أن يقتل مَن قدّسوا حقَّ الحياة فبحثوا ودرسوا حتى أتقنوا الطبَّ والتداوي وأجروا أول عملية جراحية في المخ عرفها التاريخ. أولئك أجدادُك الذي يجب أن تفخر بانتمائك إليهم. كُن "سلفيًّا" واعتزّ بأسلافك المصريين، أيها المصري. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يعتزُّ بتاريخ الوطن”.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بابٌ من صفيح
- إطلاقُ اسم سمير الإسكندراني … على أحد شوارع القاهرة
- أبي …. وعنصريةُ يدي اليسرى!
- لماذا تأخّر التنويرُ في بلادنا؟
- صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله
- بيروت الجميلة … سلاما
- محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة
- نورا … وأشهر إصفاقة باب في التاريخ
- إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة
- نورا التي رفضت أن تكون عروس حلاوة
- حوار مجلة أمارجي العراقية مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت
- انتحالُ صفة: (رجل)!!!
- التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!
- حينما تصيرُ المرأةُ: سيارةً ب قِفل!!!
- رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت
- كيف أشرق نورُ 30 يونيو؟
- مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ
- شريف منير …. وجدائلُ الجميلات
- درس شريف منير ... لكريماته
- عيدُ الأبِ …. الخجولُ


المزيد.....




- في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع ...
- سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون ...
- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - وفاءُ النيل … عند السلف الصالح