نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 1599 - 2006 / 7 / 2 - 02:38
المحور:
المجتمع المدني
*ما دام العرب لا يقرأون ..لا خوف على اسرائيل, واذا بداؤا يقرأون, فلن يفهموا ... لذلك لا خوف ايضا على اسرائيل – جنرال اسرائيلي *
المشهد الثقافي العربي مليء بحالات التكلس التي تمنع تدفق "الدماء الثقافية" ويجعل ثقافتنا تعاني من التوقف والانقطاع عن التواصل مع جمهورها المفترض.
لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن فساد الانظمة وعن غياب المساحة الحرة الضرورية لجعل المشهد الثقافي مؤثراً على مجمل المشاهد السياسية والاجتماعية والتربوية .
حتى في ثقافة بعيدة عن تسلط انظمة الفساد , مثل الثقافة العربية في اسرائيل , نجد انها لم تقع بعيداً عن شجرتها الام , والاجواء السائدة في ثقافتنا لا تختلف عن الاجواء المرضية للثقافة العربية . ما تطلبه الانظمة من مثقفيها لا يختلف عما تطلبه القيادات العربية المحلية من "مثقفيها" . او عن الخانة المخصصة لهم ... وكأنهم لاعبين يؤدون دوراً ما في سيرك , من ظواهر هذه الحالة ظهور فئة المثقفين "الوصاة" المحسوبين على القيادات الحزبية .. دون ان يواجهو ا بحقيقتهم , انهم اهانة للثقافة والمثقفين , وانهم مجرد مهرجين في المشهد الثقافي ومنافقين لاصحاب السطوة والـمتزعمين !!
امام هذه الحالة نرى ان ثقافتنا اصبحت منقسمة على ذاتها , بين "ثقافة رسمية" تدافع عما يسمى زورا " المصلحة العامة " وثقافة متمردة على هذه الوصاية ... تواجه ليس الرفض الثقافي الرسمي من الاوصياء والثقافيين , وانما القمع الرسمي ايضا , او القمع الحزبي !!
صحيح انه في حالة ثقافتنا العربية في اسرائيل , الحالة مختلفة بعض الشيء ... ولكن تأثيرات الحالة العربية العامة تمتد وتشكل عائقاً على الفكر الثقافي عندنا ايضا ً .
هذ الوصاية كثيراً ما تبرز تحت عباءة الرقابة على الفكر والابداع الذي تمارسه الانظمة بتعاون كامل مع عناصر دينية متزمته وتشكل التيار الديني الرسمي للنظام .
في السنة الاخيرة منع توزيع عدد من الكتب في دول عربية مختلفة , وتعرض عدد من الكتاب الى التهديدات والضغوطات الفظة.
هذه الحالة تعبر عن واقع سياسي مريض... حقاً نحن بعيدين عن انظمة القمع السياسي والثقافي . وكم تبدو الاحاديث عن الاصلاح الديمقراطي مقطوعة من جذورها . حين تقرن بالفساد العربي ... وانا ادعي ان الفساد العربي له امتداده المحلي ايضاً ... وهذا يبرز بقوة في توقف تدفق الدماء في جسد ثقافتنا , وفي تحول الثقافة الى الشيء الزائد غير الاساسي في ممارستنا السياسية وفي واقعنا الاجتماعية ... وعملية الفصل بين السياسي والثقافي والاجتماعي والثقافي اكتملت !!
ان الفصل بين الثقافي والسياسي يقود الى التعثر والانكفاء ... تعثر ثقافي وانكفاء سياسي . والفصل بين الاجتماعي والثقافي يقود الى الخواء الفكري والتفكك الاجتماعي وشيوع السلبيات في حياتنا وممارساتنا اليومية والعامة .
هذة هي الحالة المرضية لثقافتنا ولسياستنا ولمجتمعنا , حيث تتحول السياسة الى لعبة صراع بين مجموعة من الديكة لابراز قوة مناقيرهم , والوان ريشهم وتوهمهم انهم الاوصياء الذين لا تسير الامور بدونهم . بكلمات اخرى يمارسون عملية النفي للرأي المختلف , وللعقل الأخر ويرون بكل مبادرة اجتماعية , أو سياسية , أو ثقافية , تجاوزاً لمكانتهم ... وخطراً يهدد امتيازاتهم . فهي العداء المتأصل بين القيادات السياسية والثقافية , بصيغتها ابرز تعبير عن الضرورة في التغير والاصلاح الاجتماعي والسياسي , في هذه الحالة الحل يكون باحداث انتفاضة ثقافية تنهي الابتذال والوهن , تنهي الطغيان السلطوي والفساد السياسي . تنهي العداء المتأصل بين القيادات السياسية والثقافية , بصفتها ابرز تعبير عن الضرورة في التغيير والاصلاح الاجتماعي والسياسي , وهذه المعادلة تصلح لواقعنا السياسي والثقافي ايضاً رغم اختلاف العديد من المعاير .
مجتمع مأزوم وادب مأزوم
الواقع الثقافي هو المعيار الصحيح للواقع الاجتماعي .المجتمع المأزوم لا ينتج الا الأدب المأزوم . هذا لا يعني ان حركة الابداع تتوقف انما يزاد التسيب الثقافي , ويسود الفقر الثقافي , ويطغى على الساحة الادبية , لا يتوهم احد ان الدرجات العلمية التي تسبق بعض الاسماء تختلف او تتميز بافضلية ما . التجربة الثقافية في العقد الاخير على الاقل تشير الى اتجاه معاكس تماماً .
اصحاب الالقاب هم اكثر مروجي ثقافة الفقر و ثقافة الهبوط والتذلل ... ثقافة التسول والميوعة , ربما لأن بعضهم " اكتشف " ميوله الأدبية بعد التقاعد وضمان أمن المعاش , أوبعد ان بات متأكدا ان خطر التعبير عن وطنيتة لم يعد يواحه بغضب السلطة . !!
في الثقافة العربية داخل اسرائيل هناك عوامل عمقت الواقع الادبي المأزوم, وهذا انعاكس للأزمة الاجتماعية والفكرية الخانقة التي يواجهها مجتمعنا العربي داخل اسرائيل , والتي تتميز بغياب الثقافة الكامل عن الاجندة المطروحة على ساحة العمل السياسي والفكري .. بمعنى الفصل بين الثقافي السياسي , بين الثقافي والفكر التاريخي , بين الثقافي والفكر الديني , لدرجة اننا اصبحنا مجتمعاً لا ثقافياً , لا يقرأ , لا يناقش , لا يشترك بالندوات الثقافية . لايفكر ... يتلقى كل ما هو جاهز ... ويتعامل مع الثقافة كتعبئة فراغات في الصحافة .. لدرجة ان اهم مجلة ثقافيه عرفها العرب في اسرائيل , ولعبت دوراً هاماً في بناء صرح الثقافة العربية للجماهير العربية داخل اسرائيل وصانت شخصيتهم الوطنية ولغتهم واقامت التواصل بينهم وبين الثقافة العربية في العالم العربي ( وأعني مجلة" الجديد "التي اصدرها الشيوعيون في اوائل الخمسينات ) غابت تماماً . دون ان تثير اي ردود فعل لدى جمهور المثقفين , او لدى القيادات السياسية التي ورثت هذا التراث العظيم فأهملته وانشغلت بتوزيع كعكة المكاسب المادية القيادية ..
فهل من المستهجن الوضع لذي انحدرنا اليه؟ وهل من الغريب ان بعض "الجبناء" الذين لم نسمع اصواتهم حين كان للكلمة ثمن ندفعه من حرياتنا وحقنا بالعمل , أصبحوا في شيخوختهم وطنيين وشعراء وكتاب تافهين ونقاد وادباء ينصبون الملوك والامراء للشعر العربي في اسرائيل ... ويجعلون من الثرثرات قمم في الابداع الادبي ( ربما لتغطية ثرثراتهم ؟ )... في الوقت الذي من الصعب ان نجد به قصيدة أو عملاً نثرياً يستحقان القراءة؟!
لا اريد ان يفهم من كلامي ان كل الابداع الادبي للعرب داخل اسرائيل مأزوم وفاشل , هناك ابداعات أدبية جيدة ومتوسطة نثراً وشعراً ونقداً ولكن السائد بنسبة شبه مطلقة هي النصوص التي لا شيء فيها من الابداع أو الذوق الادبي البسيط , والنقد السائد هو نقد التهريج وتحميل النصوص ما ليس فيها من نثر أو شعر .
ربما اكثر التعابير ملائمة للواقع الادبي والاجتماعي المأزوم وصفه بحالة المراهقة . هذه الحالة يمكن ملاحظتها في مستويين. الاول مستوى التفكير والدوافع التي تقف وراء الكتابة النقدية أو ألابداعية (انا اعتبر ان النقد كتابة ابداعية ايضاً , وعملية التفريق بينهما هنا من ضرورات شرح الواقع الثقافي المأزوم ) والمستوى الثاني , على المستوى الشخصي , وهذا الامر لم اتوقعه ... حتى وقع بين يدي ديوان شعر لناقد وشاعر من اياهم البعض ( ويحمل الدكتوراة في الادب ؟؟!!) ففوجئت ان المراهقة , كمرحلة في حياة كل انسان , لم تغادر البعض رغم شيخوختهم , وسأعود لهذا الموضوع بالتفصيل في مداخلة اخرى. بالطبع هناك تداخل بين المستويين ... ينتج عنه العجب العجاب في ثقافتنا المسكينة .. والويل لنبيل عودة , على " وقاحته " واقتحامه للممالك الخاصة التي اقامها البؤساء ثقافياً , وللأسف , اجد نفسي احمل السلم بالعرض , مواقفي حقاً تحظى بشعبية لدى القراء , والكثير من المثقفين .. ولكني مستاء جداً من انكفائهم واكتفائهم بالدعم المعنوي وكأن الثقافية العربية داخل اسرائيل , لا تخصهم , والتسيب السائد لا يؤثر على تسويق ابداعهم .. فيذهب الصالح بالطالح حقاً "الشنشنات" لا ترعبني , لكني اريد ان ارى حركة ثقافية نشطة وغير متهادنة مع التهريج والفقر الثقافي , ليس لاعادة قيمة الابداع لحياتنا انما لدفع مجتمعنا نحو افاق انسانية جديدة , نحو تفكير عقلاني فكري سياسي واجتماعي , نحو التخلص من فكر الانطواء والانعزال القومي والطائفي والثقافي .
في سنوات الستين قال جنرال اسرائيلي انه ما دام العرب لا يقرأون فلا خوف على اسرائيل ,
واضاف , وحتى اذا بدأوا يقرأون فلن يفهموا ما يقرأون , لذلك لا خوف على اسرائيل.
لا اسوق هذا القول للاستنتاج السياسي , انما للاستنتاج الثقافي , ولأهمية الترابط بين الثقافي والسياسي بين الثقافي والاجتماعي وبين الثقافي ومختلف العلوم الاجتماعية والانسانية .
نبيل عودة – روائي , قاص , ناقد وكاتب صحفي - الناصرة
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟