|
الوطنية اللاوطنيه: العراق كنموذج صارخ/2
عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6650 - 2020 / 8 / 18 - 14:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوطنية اللاوطنية: العراق كنموذج صارخ/2 عبدالاميرالركابي
ينبغي ان نكون مهيأين للتعامل مع هذا النفر من المتصدين لل "الوطنية الحديثة" بداية بالنظر لهم كما هم، وحيث هم، من جهة باعتبارهم ظاهرة غير منتمية لافراز اشتراطات واحكام ومقتضيات الذاتية الوطنية العراقية، الازدواجية بنية وكينونة، وفي الوقت نفسه كونهم بالأحرى وعكس ظنهم، خارج "الغرب الحديث" كماهو، ومن غير الجائز الذهاب لنسبتهم اليه كما قد يغري الحكم المبني على الظاهر والسطحي من ملامح ظاهرتهم، فالالتحاق بالغرب وتوطينه كبديل عن الذات المتعذرة، لا يجعل من هؤلاء منتمين للظاهرة الغربيه، وبالمعنى التاريخي ـ لا الاستعماري ـ هم بالأحرى عالة على الغرب وظاهرته، ومما يحد من ممكناتها الضخمه، ويحرمها من تفاعلية اليات حية، كان لها في المكان الذي نتحدث عنه، حضور غير عادي خلال اطوار التاريخ. المؤكد ان ثمة ماهو استثنائي وخارج عن المعتاد، يتبدى شاخصا وملحا اذا مااريد التعامل مع هذه الظاهرة من موقع الخروج من سطوة مايقف خلفها، ويمنحها أسباب الوجود، والى حد ما، ولوقت ما، الديمومه، اوبعض المصداقية، ويبدو انه من اللازم بهذه المناسبة تحري اشكال تجلي الشمولية بحدها الاقناعي البشري القابل لتكريس نمط من السردية الوجودية، بما ان الغرب في واقع الحال قد نجح الى حد بعيد في استبدال "الالهة" السماوية التي ظلت الى العصور الحديثة هي مصدر تفسير الوجود والغاية منه، ومآلاته، برهنه التاريخ بالطبقات والمراحل التاريخيه، ومايعرف بحسب نيتشه ب "موت الله"، وبسطوة الاسباب المادية الارضوية مستندا بذلك / الغرب/ الى حد بعيد، الى القفزة غير العادية / الالية/ التي رافقت صعوده، وميزته نوعيا. وبالمراجعه يظهر لنا جليا بان مصدر الرؤية الكونية متركز في موضعين متقابلين، شرق متوسطي تاسيسي، واوربي، الأول انشطاري مجتمعي والثاني انشطاري طبقي، وفي حين اختص موضع الشرق المتوسطي بالاضطلاع بالمهمة التصورية الكونية الابراهيمة وعممها على مدى التاريخ والكرة الارضية، كان الغرب الأوربي بالأحرى قاصرا عن الاضطلاع بتلك المهمة، مع انه برغم خضوعه اللاحق للرؤية الشرق متوسطية الابراهيمية، احتفظ على مستوى النمط، او النموذج الحياتي التنظيمي بطبعته الخاصة الوثنية الاغريقية والفلسفية، بغض النظر عن تاثراته بالتاسيسات الشرقية في هذا المجال أيضا، كما يتبدى ذلك في الجانب الأسطوري/ الملحمي، مايجعل من الشرق، المركز الأكثر حضورا وفعالية بوجه العموم على مستوى الفعالية المجتمعية الكوكبية، الامر الذي تدل عليه حالة استمرار حضور الرؤية السماوية في قلب الغرب الطبقي حتى بعد الثورة البرجوازية الاليه هناك، مع مامن شانه عدم نفي احتمالية استمرار المتوالية التعاقبية على ضفتي المتوسط، بما يجيز فرضية "مابعد غرب" بعكس الحاصل من الذهاب الى نفيها نفيا كليا كاحتمال الامر الذي يقلل ويحد من القيمة التاريخيه الايجابيه لنهضة الغرب، واثرها الكوني. تنتمي اشكال التجلي الايديلوجي الحزبي ل "الوطنية الحديثة"، بغض النطر عن تهافت بنيتها الفكرية، لمستوى من الحضور في التاريخ العراقي، كان قد وجد ابان دورتيه التاريخيتين، السومرية البابلية الابراهيمية الأولى، والعباسية القرمطية الانتظارية الثانية، وتمثل في طغيان نمط من المفاهيم الاحادية الارضوية النافية للازدواج، كانت اسبابها وقتها ذاتية داخليه، وعامة نابعة من حالة الازدواج نفسها من ناحية، وغلبة مفاهيم ونموذج الأحادية من ناحية مقابله، أي الفترة التي ظل العقل ابانها عاجزا عن استكناه مضمر ومكنونات الظاهرة المجتمعية بوجه العموم، واستمر حتى منتصف القرن التاسع عشر، حين بدات علائم تحول المجتمعية الى موضوع للبحث، وظاهرة قابلة للتناول والتمحيص، وان احاديا اوربيا، مع ظهور مايعرف ب "علم الاجتماع" بصيغته الأولية البدائية الأحادية. بمعنى ان ظاهرة نفي الازدواج الممارس اليوم بظل الاستعارة والاسقاط النموذجي، قد جاء من قبيل إعادة انتاج ظاهرة كانت من قبل طبيعية، تنتمي لحالة قصور عقلي عامة شاملة وموضوعية، تجلت طبعتها الداخلية تاريخيا ضمن مجتمع الازدواج بصورة غلبة مو ضوعية مفهومية وفي الممارسة، لصالح أحد مكوني الكيانية الازدواجية، انتقلت اليوم لتصبح من قبيل القفزة البرانيه المتغلبة والماحقة نموذجا ومفهوما للخاصيات البنيوية وللكينونه، اول مرتكزاتها ومايبرر حضورها، استمرار وطاة حالة القصور والعجز العقلي التاريخي عن وعي واستكناه الذات التاريخيه. بعكس أي مكان على مستوى المعمورة، وجدت هنا حالة مواجهة استثناء من بين، وداخل العملية الاحتلالية الاستعمارية العامة المعروفة، واشكال مناهضتها على مستوى الكوكب منذ الثورة البرجوازية الالية الغربية، خاصياتها الرئيسية غير المنظورة، التصادم بين الأحادية الانشطارية الطبقية الغربية باعلى وارقى تجلياتها، التي هي ارفع اشكال، والعتبة الأخيرة من عتبات الأحادية المجتمعية، وبين بنية الازدواج المجتمعي الرافديني التاريخيه، بما يرفع الحالة مدار البحث/ العراقية/ من سجل وقائمة الدول وبلدان القارات خارج اوربا،تلك التي لم تعرف الثورة البرجوازية، وحكم عليها بالخضوع للهيمنه الاستعمارية والغربية، النموذجية والمفهومية. ولاشك ان المقصود هنا هو طور ومرحلة لاحقة على تلك التي ارتبطت بالذات بالثورة الروسية عام 1917 وما تسببت به من إدخال الظاهرة الغربية في "الازدواج" وما رافقه وتولد عنه من تشكل االغرب في معسكرين، التحقت البلدان فيما يطلق عليه العالم الثالث بالجانب " الاشتراكي"منه باعتبارها "حركة تحرر" تتطلع ل" التحرر من الغرب ارتكازا لنموذج الغرب" وهو طور لاحق على الطور الاستعماري الكولونيالي الغربي المنفرد بالسيطرة عالميا، يقع عمليا ضمن دائرة المشروع الغربي، ومحطات تمظهره باعتباره عمليا، لحظة استمرار تكرارية جوهرا لفعل الظاهرة الغربية، بغض النظر عن تلوناتها، بمافي ذلك تصادماتها وتوزعها الى معسكرات، مالبثت ان عادت مكرسه الاحادية الراسمالية. تتركز الصراعيه الكبرى بعد منتصف الالفية الثانية، عند جوهر أساسي ومحور فاصل، هو الصدام بين الانشطارية الطبقية الأحادية الاوربية، والانشطارية المجتمعية الرافدينية، هذا بغض النظر عما يغلب على الطور التاريخي الانقلابي المذكور من تصورات ومفاهيم وايحاءات متصله باللحظة وديناميتها واستهدافاتها، عائدة الى الطور الأحادي الطويل الذي ظل مهيمنا على العقل البشري منذ تشكل المجتمعات، فكان لابد في اللحظة الأخيرة الانتقالية ان يمر العالم بطور خضوع للمفاهيم، وسبل التعرف والتفسير الأحادي في النظر للعالم وللظواهر، تحيل ظاهرة الغرب الحديث، وكل المجريات المتصلة بها، الى غير منطواها الفعلي التحولي الاخذ الى الازدواج، والى استنفاد الطور الأحادي أسباب استمراره وتجدد هيمنته الاخذه هذه المرة طابعا متقدما، بحكم تلازمه مع نهضة اعلى وارفع المواضع ضمن صنفه ونمطه، وأكثرها دينامية. ليس ماعرفه الغرب في العصر الحديث سوى محطة انتقالية هامه واساسية من شانها، وهي مصممة لكي تفضي الى انتهاء الأحادية التابيدية المجتمعية/ وحلول زمن التحولية الازدواجي عقلا، هذا يعني ان العالم منذ القرن الخامس عشر، والى اليوم، سائر فعليا وواقعا عمليا، باتجاه، ونحو هدف ناظم يحكمه، بينما هو مايزال يعيش تحت سطوة وهيمنة متبقيات رؤية ونمط تفكير، ومستوى احاطة عقلية من غير جنسه، ومغاير مخالف له. وبالعودة الى التاريخ المجتمعي وسياقات التفاعليه المجتمعية التحوليةـ نجد ان التاريخ قد انتقل منذ انتهاء الدورة الرافدينية الثانية، الى تامين شروط "التحول" الغائبة، والتي استغرقت قبلها دورتين تاريخيتين رافدينيتين، امتنع ابانهما الانتقال الى التحولية ومابعد مجتمعية، لتختتم الدورة الثانية برؤيا الانتظار، في حين راحت اوربا بعد سقوط بغداد وانتهاء الدورة الثانية في 1258 ، تعرف ممهدات الانقلاب الذي سيشملها لاحقا بتحقق الثورة الصناعية الالية البرجوازيه في القرن الثامن عشر، ومارافقها من ثوره معرفيه وعلميه شامله، مواكبه وممهدة للانتقال من الزمن الأحادي ونمط تفكيره وتصوراته. وقعت ثورة أكتوبر/ تشرين الروسية عام 1917، قبل ثورة التحولية العراقية المفتقرة ماتزال في حينه للرؤية التحولية الرافدينية عام 1920، ومعها تحقق الازدواج داخل المشروع الغربي الحديث، ماقد عزز الازدواجية الرافدينيه، واسهم في إيصال مفاعيلها الى النقطة الحرجة من الصراعية الازدواجية بعد ثورة 14 تموز 1958، ماقد فتح الباب اما تفاعلات مابعد اثار ثورة أكتوبرالروسية، و الصراعية التحررية المتصلة بها على مستوى العالم، وصولا الى مابعدها، والى سقوط مفاعيل الثورة الروسيه كوكبيا مع العقد الأخير من القرن العشرين، مافتح الباب من وقتها على تبلور أسباب الصراعية الازدواجية التحولية، وحضورها كموضوع محوري فاصل، ناظم ومتحكم بالتفاعلية العالمية، بما يؤدي ولأول مرة في التاريخ البشري الى حضور الرؤية الغائبة المطموسة الازدواجية، مع بدء تراجع الرؤية الغالبة الأحادية، وانتقال العقل البشري من خانة وحدود العقل "الانسايواني"، الى "الانسان". ـ يتبع ـ الوطنية اللاوطنية: ثورة أكتوبرالثانية/3
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطنية اللاوطنية: العراق كنموذج صارخ/2
-
وثبة العقل الكبرى وانحطاط الانحطاط؟/3
-
الارض كروية والمجتمعات تحوليّه/2*
-
تباشير نهاية زمن انحطاط الانحطاط؟/1
-
(الوطن / كونية) العراقورافدينيه الثانيه/2
-
(الوطن/ كونية) العراقورافدينيه الثانية/1؟
-
كائنان: ماقبل ومابعد وعي الازدواج؟
-
لقاء محمد ولنين وماركس وابراهيم/ ختام الختام/12
-
طبعة ثورة العشرين الثانيه/ ختام ج/11
-
طبعة ثورة العشرين الثانيه/ ختام ب/10
-
طبعة ثورة العشرين الثانيه/ ختام أ/9
-
طبعة ثورة العشرين الثانيه: سماتها/ 8
-
-الاستبدال- و - المنتفك-/ وقفه ثانيه ج/7
-
-الاستبدال- و-المنتفك-/ وقفه ثانيه ب /6
-
-الاستبدال- و-المنتفك-/وقفة ثانيه أ/5
-
الدولة المنتقصه/ وقفه اضطرارية/ 4
-
طبعة ثورة العشرين الثانية: سماتها؟/3
-
طبعة ثورة العشرين الثانيه: سماتها؟/2
-
طبعة ثورة العشرين الثانيه: سماتها؟/1
-
مابعد محمد وماركس ؟/4
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|