ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 6650 - 2020 / 8 / 18 - 10:25
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الاستهلال :
من الشائع ان استذكار الماضي واقامة علاقه ما معه ,يؤدي دور الاستعاضه عن الشعور بالاحباط الذي نعانيه في الحاضر , هذاالتفسير يبدوا انه حصري ومحدد باتجاه حالات بعينها , وبهذا المعنى فانه بذاته انما يدلل على تغييب حقيقه ثابته واكيده تشير الى اننا البشر وباطلاقيتنا انما نحمل نزعه اصيله لاقامة علاقه ومن اي نوع ما , مع كل ما هو في الماضي , ليس في محاوله للهروب اليه انما للاختباء فيه , ومرد هذا يعود الى ادراكنا للحقيقه الوحيده المطلقه وهي المصير الاخير , الموت !ان استحضار الماضي والاختباء به هو حيله واعيه على عكس اللاشعور لتجاوز قدر الزمن المحتوم , وهي واعيه لان ادراك الموت وان كان يمثل صدمه للعقل فانها لاتختفي في اللاشعور كمثل الذكريات الاليمه التي تولدها احداث تقع ثم تنتهي, بل هي صدمه مستديمه تتكرر بشكل دؤوب وغير منظم ,وهي مرتبطه بالوعي من خلال التخيلات والتصورات ومحاولة تقمص الادوار المريحه فيها , وانه لمن المؤكد ان لهذه المحاوله (الاختباء في الزمن ) وتبعا لاختلاف الظروف المحيطه بكل واحد منا , تأخذ انعكاساتها ومستويات فعاليتها اوجه مختلفه ومتباينه , وقد يكون اكثر هذه الاوجه شيوعا هو ذاك الاعتزاز بالذكريات الذي ياخذ شكليين ايضا متباينين , وهما استحضارها او الرجوع اليها , ففي الاول يتم اسقاط تحسسها المباشر على الواقع وفي الثاني يتم اللجؤ اليها , ولا دور للاحباط او الشعور بالغبطه في هذه اللعبه التي يمارسها الانسان الفرد , لكن ماهو فردي جوهري لايمكن ان يبقى بمستواه الذاتي , ومثلما ان حاجة الانسان للانتقال من الايماءه الى الكلام , فان هذه اللعبه والمخادعه الوجوديه المتأصله بطبيعته تحولت في مستوى الجماعي الى خزانه لممكنات لعبه اعلى وفي مستوى اعقد , تمكن لاعبيها من اسقاط نتائج لعبتهم على الواقع المعاش , فبينما الذكريات واستذكارها يبقيان احساس وتحسس ذاتي , الا انهما في مستوى اللعبه الجماعيه تجدان لهما حيزا ماديا يتجليان فيه كسلوك قابل للادراك . هنا الماضي يتواجد من خلال سلوكيه جماعيه في رحم الواقع كما ان بعض اشكاله تتخفى في الواقع بتستر فاعل يجعلها تغير فيه بشروط ماديه ملموسه, وعلى سبيل المثال فان الانسان اخترع ماكنة التصوير ليس لان شروط الواقع المادي كان قد اشترطها بل ان نزعة ابتكار تصوير الانسان لذاته كانت على الدوام مرتبطه بمحاولة تحسين اداؤه في لعبة الاختباء , فصورة الحاضر تمكنه من ان يتحكم بصورة الماضي الذي سيكون ..لم نبتكر اله التصوير لكي نضع صورنا في المستندات الرسميه بقدر ما ان السعي للتصوير كان قديما كقدم تاريخنا البشري , وتمتعنا باخذ الصور الان هو بدافع طموحنا لان نتحكم باشياء الماضي الذي نحن ذاهبون اليه حتما ..المرآة كانت كافيه للتعرف على ذواتنا الصوريه بينما الصوره جعلتنا نتحكم بهيئتنا وندخرها بعيدا عن مؤثرات الزمن ,وبينما يتضخم الاحساس الماضوي في لعية الاختباء في مستوى الفرد ليطغى على مشاعر الخوف من المستقبل وقدره المحتوم ويكون تحسس الانا لوجودها مهيء لان يتلاشى فيه الخوف من الموت , فان استحضار الماضي كتاريخ الامه او الشعب يكون في المستوى الاجتماعي بمثابة معين سحري ينعكس بالارتداد الى الانا الفرديه بهيئة يقين يلغي الخوف من المصير المحتوم ,اللعبه هنا تمتلك الجدليه المستمره بين المستوى الفردي الغريزي وبين المستوى الجمعي السلوكي , والنسق هو ان تحسس الوجود يتلفع بماضي هو من الناحيه العقليه ميت , لكن في ذات الوقت هذا الاحساس يقيم علاقه قويه وفاعله مع (الانا ) الحيه , انها شكل من (الزمكانيه ) , لهذا نرى ان كل ما هو ينتمي الى عالم الماضي يجد له وقعا في دواخلنا , انه محاوله التماس مع الخلود ,هذه اللعبه تشابه اختفاء الذكريات المؤلمه في اللاشعور , الا انها تشبهها نسبيا , فهي لاتستقر بل تبقى مستديمه ومتكرره تبعا لارتباطها الاكيد ببقاء طرف العلاقه الاخر مع الانا , هي ليست حدث زمني ينتهي كمثل الذكريات المؤلمه بل فعاليه تحسسيه موضوعيه , ولهذا فان اللعبه هذه تبقى معتمده على محاولات الوعي ولاتنتقل نهائيا الى اللاوعي , فرموز الماضي هنا مشروطه هنا بقوانين اللعبه في ان تكون هويتها الماضيويه قابله للوعي وهذا ما يفرق الحصاة والحجر المنحوت بالطبيعه عن التمثال المنحوت بيد بشريه , منحوته بيد كانت حيه في زمن ما وماتت , وهذا ما يفرق بين قيمه هذا التمثال الرخيص ماديا وبين قيم اغلى المنحوتات الحديثه او على الاقل يجعل بين قيمه ذاك الاثر المادي الرخيص التكلفه وبين القيمه الماديه الضخمه لهذا المنحوت الحاضر من مقاربات, ان تفاصيل هذه اللعبه بحاجه الى متابعه خاصه سنقوم بها لاحقا ولكن ما يغني المقال هنا هو استذكار الحقيقه المجرده النهائيه لمعنى وجودنا الذي يتنازعه مبدأ (الامن ) و هو لصيق مستوى الوجود الفردي و شرطه الاساسي والمحوري الخاص بضرورات البقاء الحيوي ومبدأ (الحريه ) الذي هو يمثل الامن في مستواه الجماعي كضرورات ماديه , والذي يتغلف في الغالب وبسبب غياب الوعي الطبقي بالون الوطني او القومي او الديني .......
الماركسيه التي عنيت بالحريه ( الطبقيه ) كانت قد تجاوزت الخوض في مبدأ الامن الفردي الا بكونه المفرده التي يمثل تضخمها جوهر الحريه , جعلت من الشروط الماديه الضروره للبقاء الحيوي هي المصدر الاكيد لارتقاء مطلب الحريه الطبقيه وهي بهذا تعاملت مع سايكلوجيه الانسان بنمطيه متصلبه ,وتناولت الاغتراب باعتباره الانعكاس النفسي الوحيد في عمليه التضخم تلك , والحقيقه ان الوقوف والاكتفاء بهذا الانعكاس انما يسلب الماركسيه صفتها الديناميكيه ويحيلها الى الميكانيكيه بكونها تعمم نتائج هذا الانعكاس وقوته وفعاليته بدرجه افتراضيه واحده عند كل انسان ,كما ان نقد الماركسيه للدين كما جاء في نقد فلسفة الحق الهيجلي يجب ان يبقى في ما يقابل انعكاسات لعبة الاختباء الجماعيه , اي بمعنى ان يفهم هذا النقد باعتباره دعوه لالغاء دور الدين في السلطه وليس السعي الى نقض الدين بذاته (ﺇﻥ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺸﻌﺐﺍﻟﻮﻫﻤﻴﺔ، ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ.ﻭﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﺣﻮﻝﻭﺿﻌﻪ، ﻳﻌﻨﻲ ﻣﻄﺎﻟﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﻭﺿﻊ ﻓﻲﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻫﺎﻡ. ﻓﻨﻘﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ، ﺇﺫﻥ، ﺍﻟﻨﻘﺪﺍﻟﺠﻨﻴﻨﻲ ﻟﻮﺍﺩﻱ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﻟﻒ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻫﺎﻟﺔ ﻟﻪ.), ولهذا نحن فرقنا بمناسبه سابقه بين ( الايمان ) وبين (التدين ) , وتبقى الاطروحات القوميه تتمتع بقدره على ارباك المشروع الماركسي مادام هذا الاخير يهمل حقيقة ان الانتماء القومي هو مفرده حيويه من مفردات لعبة الاختباء بالزمن وهي نزعه لصيقه بمشاعر الانسان في مستواى كينونته الوجوديه , الدين والقوميه انما يغازلان مشاعر ناجمه عن انعكاسات غريزيه ملتصقه بنشاطات امن الانسان الوجوديه , ولعبة الاختباء هذه وفي مستوى احساس الانا (المستوى الفردي ) النقي, لا اثر سلبي لها على مستوى المشروع الاجتماعي الا حينما تستفز من قبل الاطروحات الفكريه للمشروع , ومن المفيد هنا ان نورد اقتباس من رساله لينين الموجه الى غوركي , لانه يؤشر بوضوح الى ما ذهبنا اليه من التاكيد على افتقار الماركسيه في التصدي الى العامل السايكلوجي والى ان التفرقه بين الدين والتدين هو الموقف الرصين الذي يمكن استشفافه .. (لقد قرأت كل المقالات الواردة بالكتاب ما عدا مقالة سافروف (وسأقرأها الآن)، وكل واحدة منهم جعلتني ساخطا بعنف. لا، لا، هذه ليست ماركسية! إن نقديونا التجريبيون ووحدانيونا التجريبيون ورمزيونا التجريبيون يتخبطون جميعا في مستنقع، لكي يحاولوا إقناع القارئ أن "الاعتقاد" بواقعية العالم الخارجي "تصوف" (بازاروف)، ولكي يخلطوا المادية بالكانطية بأكثر الأساليب خسة (بازاروف وبوجدانوف)، ولكي يبشروا بنوع من اللاأدرية (النقدية التجريبية) ونوع من المثالية (الوحدانية التجريبية)، ولكي يعلموا العمال "الإلحاد الديني" و"عبادة" الإمكانات الإنسانية العليا (لونشارسكي)، ولكي يظهروا تعاليم إنجلز عن الديالكتيك كأنها تصوف (بيرمان)، ولكي يستقوا من البئر النتن لبعض الوضعيين الفرنسيين أو من آخريين، لا أدريين أو ميتافيزيقيين، استحوذ عليهم الشيطان هم ونظريتهم "الرمزية في الإدراك المعرفي" (يوشكيفيتش)! لا، فعلا، هذا كثير جدا. إنني أؤكد لك، نحن الماركسيون لسنا جيدين جدا في الفلسفة، ولكن لماذا يهينوننا بتقديم مثل هذه الأشياء لنا بوصفها فلسفة الماركسية! إنني أفضل أن يتم جرّي وتقطيعي على أن أوافق على العمل في جهاز أو هيئة تبشر بأمور كهذه.) واضح هنا ان لينين الملحد يفضل ان يقطع أربا اربا على ان ينتمي الى هيئة فكريه تبشر بالالحاد او بكل ما من شأنه الوصول الى حالة الاستفزاز السايكلوجي في درجاته النهائيه وهو يدرك تماما ان مهمته الثوريه ليست السعي الى خلق اسس سايكلوجيه انما هي السعي الى تدجين اللانمطيه السايكلوجيه , ولهذا فانه يلجىء الى فصل الدين عن الحراك الثوري مادام الدين لم يتعارض مع الحراك , لكن هذا الموقف لم يسجل بشكل نظري رصين وقاطع ولم ياخذ مكانته في الطرح الفكري للماركسيه وبالذات في ادبيات الاحزاب الشيوعيه , والحال في القضيه القوميه ياخذ اكثر بعدا سلبيا من ناحية افتقار الماركسيه الشديد لطرح واضح ورصين لمعنى الانتماء والشعور القومي , بل ان هناك ارتباك قوي يعتري محاولات ماركس وانجلز في التصدي لهذه القضيه للدرجه التي يمكن فيها وفي حال القصد المغرض في عدم التمييز بين بواكير كتاباتهم وبين مرحلة نضجهما الثوري , بان يدلل على نزعه معاديه للسلاف والقوميه الروسيه , هذا بالاضافه الى تمييزهما بين الشعوب كشعوب تقدميه واخرى رجعيه , لكن قراءه تبتغي الموضوعيه لما عبرا عنه ماركس وانجلس بهذا الصدد يمكنها من ان توصلنا الى انهما وان عبرا عن ايمانهما الاكيد بالثنائيه التفاضليه للقوميات (امم تقدميه وامم رجعيه , قوميات حيه وقوميات ميته , شعوب ثوريه وشعوب غير ثوريه ...الخ ) الا ان هذه الثنائيه كانت مرتبطه زمنيا ومقيده بمرحله معينه وهي بذلك ليست ثنائيه نابعه من قياسات تعتمد على العرق او العنصر , ومن الممكن جدا استنتاج ان مؤوسسي الماركسيه كانوا يتعاملون مع الطبقه العامله على انها امه بحد ذاتها وانها فوق القياسات القوميه المعتاده , الا ان هذا الاستنتاج يهتز نسبيا حينما يقول ماركس وهو يتناول قضية احتلال فرنسا للجزائر (((بعد كل حساب فان البرجوازي المعاصر مع الحضاره والصناعه والنظام والانوار التي يحملها على كل حال , هو افضل من الوالي الاقطاعي واللص قاطع الطريق ومن الطور الهمجي في المجتمع الذي ينتميان اليه ) , وهذا هو بيت القصيد الذي يؤشر الى ان هناك كبوة ما في هذا الطرح الذي اهمل البحث في سايكلوجية الفرد وعلاقتها الجدليه وانعكاساتها في محيط النشاط الاجتماعي ,وهذا ما دللت عليه وبقوه تجارب الاحزاب الشيوعيه واليساريه التي كانت تتذرع بالاطروحات الماركسيه و استثمرت هذا النقص لتتبنى نهج يراعي الاطروحات القوميه بمفهومها البرجوازي , لهذا فان الماركسيون اليوم ملزمون بالتصدي لتفسير هذا البعد السايكلوجي الذي يمارس دورا محوريا في قضيه الثوره الاجتماعيه الكبرى ..
يتبع
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟