|
ديناميكية الوعي بالتراث والهوية في الديوان الزجلي - لباردي والفردي - لمحمد مهداوي
عبدالرحمان الصوفي
الحوار المتمدن-العدد: 6649 - 2020 / 8 / 17 - 12:15
المحور:
الادب والفن
دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان " لباردي والفردي " لمحمد مهداوي " عنوان الدراسة النقدية : ( ديناميكية الوعي بالتراث والهوية في القصائد ديوان / لباردي والفردي ) الدراسة النقدية بقلم : عبدالرحمان الصوفي / المغرب
إهداء : أهدي هذه الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة المتواضعة لكل شيوخ الزجل بالمنطقة الشرقية المغربية ...أهديها لكل من تعرفت عليهم ومن لم أتعرف عليهم ...أهديها لكل من لازال حيا منهم ( أطال الله عمرهم ) ، ولكل الذين غادرونا إلى دار البقاء ( يرحمهم الله تعالى ) ...
أولا - التقديم :
الحياة اليومية المعيشة جزء من الواقع ، فهي تنطوي على وظيفته الجمالية وعلى وظيفته التضمينية للموجودات ، فهو يتجاوز المعطى الدلالي المادي إلى معطيات أخرى معنوية كثيرة ، منها الفلسفي والفكري والسياسي وثقافي والأدبي ... لا تتحدد القيمة التبادلية للعلامة في علاقة الأشياء بوجودها العياني وغير العياني ، وإنما في المساحات التأويلية التي بها نعاين ونشاهد الوجود بمنظار أوسع وأعمق . أما الواقعية التي جذبت الفلاسفة والسياسيين والمثقفين لتأملها ، ليست سوى تمرين من تمرينات التفكر الواعي في كنه الحياة وأسرارها . هي نوع من التأمل الراغب في الوقوف على حقيقة المغزى المراد بلوغه منها ( الواقعية ) ، ومعرفة ما في واقعيتها من يقين يغرينا بالتمسك بها ، والإبقاء على أواصر البقاء على قيدها . الواقعية عالم من عوالم الثقافة الحداثية والمابعد حداثية ، ينبغي عدها حقلا معرفيا محددا من حقول علم الدلالة الذي يعيد تصنيع الواقع من أجل الحصول على فهم أكثر منطقية وجمالية . تتموقع ووتواجد الكتابات الشعرية الزجلية في عمق عامي ، يطرح علينا عدة تساؤلات إشكالية ، تتمحور حول حمولات كثيرة ، منها حمولة الوعي الذاتي ، والنفسي ، والاجتماعي والتاريخي ، والسياسي ...والزجل كفن شعري عامي حامل لدلالات أبعاد كثيرة جدا ، منها البعد الانعكاسي و البعد الرمزي ، البعد الفانتيستيكي ... سنغوص في تحليلنا ديوان " محمد مهداوي " ( لباردي والفردي ) من خلال قصائده التي حققت بعدا انعكاسيا للواقع الذاتي النفسي والاجتماعي والتاريخي والتراثي مع تحديد العلائق لهذه اﻷبعاد وأنواعها ... سنغوص في الديوان من خلال المدخل " العقلاني الذرائعي " مستأنسين بالخلفية الفكرية ل" نحن والتراث " لمحمد عابد الجابري ، كخلفية فكرية ، مع رصد مجموعة من المظاهر الانعكاسية لواقع الكتابة المستند على الواقع الاجتماعي . والسؤال الذي يطرحه علينا الديوان هو : " ما رسائل التراث والهوية الصريحة والمضمرة التي أراد يوصلها لنا الشاعر الزجال محمد مهداوي ؟ وما هي القوالب المثنية التي أضافها ديوان " لباردي والفردي " كتراكم كمي إلى التجارب الزجلية المغربية المتنوعة .
ثانيا - المدخل البصري لديوان " لباردي والفردي " لمحمد مهداوي .
ديوان " الباردي والفردي " مجموعة شعرية من صنف الزجل المغربي ، بنكهة يزناسنية ( المنطقة الشرقية المغربية ) بأبعادها اللغوية والثقافية والتاريخية . يقع الديوان في مائة وخمسة وعشرين صفحة من الحجم المتوسط . يضم ثمان وخمسون قصيدة ، متوسطة الطول ، منها : ( لباردي والفردي - شيخ لكوال - بني زناسن - الليمونة - لالة خضرا - أنا بركاني - فوقاش الوعدة - الواد - الحدود - شمعة بلا فتيلة ...) وغيرها من عناوين أخرى لقصائد زجلية . يقول الدكتور "محمد ميلود غرافي " في تقديمه للديوان : " ...إن الشعر هنا - ديوان " لباردي والفردي " - رحب فسيح يسع مجالات متعددة من الحياة ، منها : السياسي والاجتماعي والجغرافي والتاريخي والإنساني بشكل عام ، ويجمع في الوقت نفسه بين ما هو رمزي في هذه المرجعيات وما هو تعييني واقعي . بين ما هو محلي جغرافيا وتاريخيا وتراثيا ..." ( 1 ) أما من جوانب القوالب المثنية الزجلية فهي متنوعة ، منها القوالب الحرة التي تجاوزت القوالب الزجلية التراثية المحلية ، إذ يطلق الشاعر لقريحته العنان ، للتعبير عن مشاعره كما يجود به لسانه المحلي الزناسني الأمازيغي والعربي ، ويهواه خاطره البديهي ، فيتحرر من القيود الشعرية ، دون أن تغيب ملامحها في هذا النوع من القصائد . يقول " محمد موح " : " ... وجدنا له قصائد لا زال يتمسك فيها ببعض القيود الشعرية القديمة ، التي تتمثل مثلا في وحدة القافية : إما على مستوى المصراعين : (شيخ لڴوال / وفي لازمة فوقاش الوعدة .... )، وإما على مستوى الضرب فقط كما في قصيدة " ڴلسة زناسنية " وقصيدة " لباردي والفردي" و التي يحترم فيها قاعدة التصريع في المطلع على غرار القصيدة القديمة ، ونفس الشيء يقال عن قصيدة " دوّارة هاذ الدنيا " ... " ( 2)
ثالثا - السيرة الذاتية للشاعر الزجال " محمد مهداوي ":
- محمد مهداوي ، شاعر وزجال وناقد وقاص - من مواليد سنة 1962 بمدينة أبركان - التحق بالمركز التربوي لتكوين أساتذة السلك الابتدائي تخصص لغة مزدوجة، بعد تخرجه منه سنة 1991 عين أستاذا للغة العربية - سنة 2003 التحق بإيطاليا في إطار بعثة علمية لتدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المغربية القاطنة بمدينة كاطانزارو . * مهامه الجمعوية : - رئيس جمعية المستقبل للرياضة والثقافة والفن. - نائب رئيس جمعية المستقبل للرياضة. - رئيس الجمعية السكنية لحي المسيرة. - نائب رئيس جمعية تنمية التعاون المدرسي بمديرية بركان. - عضوا في جمعية آباء وأمهات وأولياء تلاميذ ثانوية الليمون التأهيلية. - عضوا في إدارة منتدى نور أبو شامة حنيف. - مؤسس، ثم مسير، فعضو في منتدى النور للثقافة والإبداع. - رئيس مجلة الزجل المغربي الأصيل. - مشرف عام عن نادي شعراء العرب والزجل المغربي. * إبداعاته الفنية والأدبية - ديوان سنة 2017 تحت عنوان " لباردي والفردي "، - ديوان ثان سنة 2019 تحت عنوان " خليوني نحلم - إصدار ديوان مشترك مع نخبة من الشعراء المغاربة عنوانه " دواية وقلم ". - كما شارك بقصائد أخرى في ديوان مشترك يحمل عنوان " أقلام مشعة " - إصدار مجموعة قصصية تحمل عنوان " حين يبكي القمر" - مجموعة قصصية للأطفال طبعت سنة 2019 تحمل عنوان (المبدع الصغير ) - مجموعة قصصية أخرى بعنوان (فراشات تأبى الظلام ) . * أعماله الأدبية والنقدية : من أهم دواوين الفصيح المشتركة التي ترك بصمته النقدية على صفحاتها ، نذكر : ديوان " همس القوافي "، ديوان " صفوة الكلام "، ديوان " نسائم اﻷصيل "، ديوان " طيور مغردة "، ديوان " أقلام مشعة "، ديوان " سنابل الابداع "، وديوان " صدى الوجدان ". ومن دواوين الزجل التي كانت له فيها مداخلات نقدية نذكر أيضا : ديوان " حروف ولهانة "، ديوان " صهيل لقصايد "، ديوان " غزيل لكلام "، ديوان " دواية وقلم"، ديوان " بلابل الحروف "، وديوان " مجاديب الحرف ". وفيما يتعلق بالدواوين التي تشرف بالتقديم لها وهي موزعة بين فصيح وزجل، نذكر : - ديوان " حروف زاهية " للزجال الغنائي سعيد بوطرين، من مدينة خنيفرة المغربية. - ديوان " الوجع " في الفصيح، للشاعرة خديجة بوعلي، من مدينة خنيفرة كذلك. - ديوان " رجاي ف الله " في الزجل للأستاذة السعدية الميرون من الدار البيضاء. - ديوان " حروف لمعاني " في الزجل للأستاذ حسن رواح من مدينة اليوسفية . - ديوان " عكاز ومنغاز" للزجال العربي الناصري من باريس الفرنسية. - ديوان " ومضات " في الفصيح للأستاذ مصطفى نجي وردي من مدينة الناظور. - ديوان " جنان لحروف " في الزجل للأستاذ مصطفى عبسي من مدينة الجديدة. - ديوان " أحلام بالأبيض والأسود " في الفصيح للشاعر علال الجعدوني من مدينة فاس .
ربعا - العتبة الأولى / العنوان : " لباردي والفردي "
- العنوان من ضمن العتبات النصية الموازية لمتن النص ، له تركيبته البنائية الخاصة به ، فهو يحمل الكثير من الدلالات المضمونية الكاملة والضمنية ، وهو كذلك جزء لا يتجزأ عن النص الأصلي . تستخرج منه فحوى متن النصوص ، يقول " جيرار جينت " في كتابه العتبات : " ... أن النص الموازي هو الذي يجعل النص كتاب يقدم إلى القرَّاء بصفة خاصة والجمهور بصفة عامة)، والعنوان عتبة وسيطة لا يمكن الاستغناء عنها لها صلات وعلاقات مع عتبات متن النص الأخرى ..." ( 3 ) - العنوان ( لباردي و الفردي ) وحدة دلالية تتشكل من كلمتين وحرف عطف ، جملة اسمية ذاتية الشعور حاملة لبنية صوتية عاطفية نوستالجية . تذكرنا بالتراث والهوية الفردية والجماعية وبالحركة الوطنية المغربية ، وهي حركة اجتماعية سياسية ولدت مع بداية القرن العشرين ، لمناهضة الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب . فكانت القبائل تجهز الفرسان والجياد و" الفرادة " / البنادق ، وتنطلق " السربة " في حركة يشهد المحرك كرها وفرها . أما الباردي فهو الشخص الذي يركب حصانه متسلحا ب " الفردي " ، أي البندقية ذات الطلقة الواحدة . إن العنوان يحمل في طياته المكان والزمان ، وخواطر الذات المتشبعة بوحي التذكر الذي يخلق حركية نفسية تجلب القارئ للإبحار في جمالية النصوص وأسرارها المخبوءة . يقول ذ . محمد موح : " ...قد يكون مصطلح " لباردي " مصطلحا دخيلا في التراث الشعبي المغربي ، لكنه لم يكن حكرا على الثقافة المغربية وحدها ، وإنما انتشر استعماله بنفس اللفظة أو بمرادفات أخرى في مناطق عديدة من بلدان المغرب العربي . وتكمن خصوصية هذا المصطلح في أنه اتخذ بعدا عسكريا إبان فترة الاستعمار الفرنسي لهذه المناطق ، الشيء الذي يجعلنا نفترض أن كلمة " لباردي " مأخوذة من Le Bombardier الفرنسية التي كانت تطلق على قاذفات القنابل أو على قاصفات المتفجرات من طائرات (avion bombardier) ودبابات (tank) وغيرها. ويذهب بعضهم إلى القول : إن الكلمة تجد أصلها في اللسان العربي عند حديثه عن " البارود "، ومنه اشتقت كلمة " البارودة " أي البندقية ، و " التّبُوريدَة " ، و " الباردية " التي تعني اللعب بالبارود من طرف جماعة محترفة من الفرسان أثناء عروض فروسية تقدم خلال بعض المواسم والوعدات ، وهو ما يعرف حاليا بالفانتازيا Fantasia، ويطلق على هؤلاء المحترفين اسم : " لبارديا "، وفي مناطق أخرى : " صحاب البارود " أو " الخيالة "، وكانت تتمثل عروضهم في محاكاة هجمات عسكرية وملاحم تاريخية مأثورة، يستحضرون من خلالها بأس أجدادهم وبسالتهم وشجاعتهم وإقدامهم في مواجهة الغزاة العداة. أما مصطلح " الفردي " فيعني ذلك النوع من السلاح الذي يتم شحنه بمسحوق البارود ويكون جاهزا للاستعمال خلال هذه العروض ، والشائع أنه سمي بالفردي لأنه من صنف الأسلحة الفردية التي يستعملها ويتحكم فيها فرد واحد مثل البنادق والمسدسات ، على عكس الأسلحة الثقيلة كالرشاشات والمدافع التي تتطلب عملا جماعيا أثناء الاستعمال. وهناك من ينسب تسمية الفردي إلى كون أسلوب الإطلاق عليه يكون بطريقة فردية ، أي أُحادية تحدُث من خلالها طلقة واحدة بالضغط على زناد البندقية. ومن أهم الأسلحة الفردية التي كانت معروفة خلال فترة الاحتلال الفرنسي نجد : المُكحلة، والكربيلة (Carabine)، ولخماسية ، وساسبو (تحريف لسلاح Chassepot لصاحبه Antoine Alphonse Chassepot). أما استعمالها فيختلف باختلاف غرض كل سلاح ، ويعد " الفردي " السلاح الرمزي الوحيد الذي كان يتم استخدامه في تقديم عروض الفروسية...." ( 4 )
خامسا : المدخل العقلاني الذرائعي / Mentalism Theory
آلية الرؤية الذرائعية التطبيقية تعتمد على مداخل ونظريات علمية نفسية وفلسفية في تحليل النصوص الأدبية . سنغوص في تحلينا لديوان " الباردي والفردي " ، من خلال بعض وحدات المدخل العقلاني أو التوليدي . يقول عبدالرزاق عودة الغالبي : " ... يرى تشومسكي([1])إعادة الاعتبار إلى القدرات العقلية التي تميّز الإنسان دون غيره من الكائنات الأخرى, فكل قلب هو بالفطرة صالح لمعرفة الحقائق ، وإن كان بينها تفاوت كثير لأنه أمر رباني شريف ([2])، فالفطرة إذا موجودة بوجود التفاوت بين الناس ، فالناس درجات في الفهم والاستيعاب ، فمنهم من يفهم من الوهلة الأولى في حين هناك من يحتاج إلى التكرار بالعرض ، فنظر تشومسكي بعقلانيته مادية علمية للاكتساب النصّي ، فلا يمكن أن يدخل العقل زائر معرفي ، إلا ويكون متكئًا على أحد عناصر تلك النظرية، تحتوي تلك النظرية الفكرية على عنصرين مهمين ، وهما عنصر الملكة المعرفية Competence ، وتعني الموروثات المعرفية المكتسبة أصلًا في ذهن المتلقي من معارف مسبقة طبيعية او مكتسبة ، قد تعلمها بالقصد أو بالدراسة والتربية ، أو بالبداهة السلوكية والاكتساب المعرفي ، وتلك المعارف ستكون ساندة عقلانيًّا للمتتبّع العلمي ، سواء أكان متعلمًّا أو معلمًّا أو ناقدًا أو متلقيًّا ، أمّا عنصر النظرية الآخر فهو مهمٌّ جدًّا ، كبوابة للعقل في العرض لما اكتسبه من المعارف ، وهو عنصر العرض التنفيذي (Performance) أو الإنجاز ، وهنا يقوم الناقد بالتبحّر في النقد من خلال تلك المعطيات ، وحين ينجز مهمة جمع المعلومات ووزنها , يقوم بعرضها أو نشرها من خلال تلك البوابة الفكرية العقلانية ... " ( 5 )
1 - الحكاية الشعرية : نوستالجيا الوعي بالألفاظ / الوعي بواقعية الحكاية الشعرية :
لقد تجاوز الشاعر " محمد مهداوي " في ديوانه الزجلي التصور الدلالي للواقع و الواقعية ، متبعا الوعي الممكن والوعي القائم . إن التصور الثقافي للواقع سيظل مجالا وحقلا فكريا للنظريات الحداثية و ما بعد الحداثية . الواقعية الحقيقية أن يصبح الفكر في عمق قضايا المجتمع في تحولاته المتصلة بالعولمة ، والإنتاج المادي ، وغير المادي والاستهلاك ، والذكاء الصناعي ، والفاعلية الرقمية للصوت والصورة ... فالواقع يختزل كثيرا من أدوات الكتابة اﻹبداعية عند الزجال " محمد مهداوي " ، حيث أصبحت القصيدة الزجلية منفتحة على كل اتجاهات مستوى الخطاب الاجتماعي المتعدد المسالك والمسارات والذرائع ، منها خطاب الجغرافية المكانية ، وخطاب الذات / الأنا الشاعر ، والخطاب المجتمعي / القضايا المجتمعية ، و الخطابى التاريخي ، والخطاب التراثي ، والخطاب السياسي ... كل هذه الأنواع جمعها الشاعر في بنية لغة عامية محلية متنامية الرؤية في داخل النصوص الشعرية الزجلية في الديوان ، مع تركيز في هذا الجمع أو الدمج على الجغرافية المكانية من خلال كلمة وألفاظ تجسد ذاتها محليا ، وتعي ذاتها ، وتعي واقعها ... يقول الشاعر ( محمد مهداوي ) في قصيدة : ( لباردي والفردي ) الصفحة ( 10 ) : أولدي مد لي ذاك لفردي ///نعنكو راه فيه ريحة جدي مالو ذبال وبهاك لونو ///مال وجهو كحل مصدي أر انزيتو نحيي عظامو ///راه كان هو دواي أو عدي كيف نرفع راسي كدام الدوار ///أوساسبو مازال يبردي فين الصولة كدام الخودات /// فين ملات الشال الوردي كانت الزغرتات تطلب ودك /// ؤملات الخلاخل تبوس يدي يا الخيالة علاش نكرتوني /// مين رشاو عظامي وتشنتف جلدي نلاحظ قيمة اللغة النوستالجية الذاتية التي تتصف بكثير من سيولة التتابع ، وكأننا أمام حكاية شعرية زجلية ، تستوعب الزمان والمكان ، وتنقل القارئ أو السامع إلى أجوائهما ( بطلها " باردي " أصبح عجوزا ، يتذكر الماضي وهو يخاطب ابنه / أولدي مد لي - ريحة جدي - نحيي عظامو - كان هو دواي - فين ملات الشال الوردي - علاش نكرتوني - رشاو عظامي - تشنتف جلدي ...) وهذه السيولة هي لغة حوارية ( تداعي حر ) وهي تقنية من الكتابة الزجلية يتميز بها " محمد مهداوي " ، إذ سنلاحظ هذا التداعي الحر في مجموعة من قصائد الديوان مرتبطة بالهوية والتراث . يقول محمد عابد الجابري :" ...يعد التراث الشعبي جزءا مهما من ثقافة أي أمة ودليلا على عراقتها وحضارتها يعمل على الربط بين ماضيها وحاضرها ليشكل هوية خاصة بها ، فالتراث ثقافة الشعوب المترسبة عبر العصور فمنها ما هو واضح المعالم مستمر في الوجود ومنها ما اندثرت تفاصيله وأدمجت في أنواع أخرى ...( 6 ) كتابة زجلية ترقى إلى مستوى الحدث الحكائي ، لذلك نجد ارتباطا وتداخلا في هذا الحدث الحكائي بالواقعي والذاتي والنفسي والاجتماعي . قصيدة " لباردي والفردي " يمكن النظر إليها من زاوية النص الحكائي الشعري الزجلي ( أولدي / أر / كانت / يا الخيالة / آه يا ولدي / منين نخلي / خلي / مين كانت ... ) . تعرف المنطقة الشرقية المغربية بكثرة متون النصوص الزجلية الحكائية ، فتبدأ القصيدة عادة ب ( اليوم عندي لكم حكاية ) أو ( اسمع لحكاية ) ، أو تبدا بكلمة مرادفة لكلمة ( الحكاية ) ، أو ما يدل عيها ، ويمكن أن يتناص هذا الصنف من الزجل بالقصيدة الملحونية الحكائية . نواصل القراءة في نفس القصيدة الذي جاء فيها ما يلي : آه يا ولدي وجد لي الرزة الصفرا /// خليني نصول ونجول ف لباس البلدي الركاب حديد والسرج جديد /// خلي لدهم يتباهى يا وعدي لزرك ب خوافرو يرش تراب المحرك /// فالسما نيران صفايحو تكدي حكاية كاملة بقالب نغمي شعري زجلي يتحرك فيها نموذج بشري( الباردي ) يعانق الماضي والتراث ( الرزة الصفرا الزناسنية - الركاب - السرج - لدهم - لزرك - المحرك - صفايحو - السربة - البارود - الغياطة ...) ، هي اختزال حكاية حياة الإنسان " الزناسني " في فترة محدودة زمانيا ومكانيا ، حيز زمني مقنن بفعل كينونة الحكاية ( الزناسني مربوط ب حبل الرجلة /// من زمان راسو عالي ، فهمو قصدي ) ، في نموذج كائن بشري متصاعد من خلال خط مبياني منطلق من لحظة الولادة التي تشحن الشخصية الذات بجوانب غنية من الواقع المجتمعي ، ومن خلال هذا الخط التصاعدي الحكائي الشعري تتبلور المواقف والرؤى على اساس ان مسالة الزمن هي مسألة نسبية تظل خاضعة لمكونات النص الزجلي في ديوان ( لباردي والفردي ) ، كما أن عناصر الحكاية الشعرية مؤطرة بالسرد . يقول " أحمد البزور " : " ... ومن نافلةِ القولِ أنّ علاقةَ الشّعرِ بالسّردِ قديمةٌ قِدم الشّعرِ نفسِهِا ، والقصيدة العربيّة لم تكن بمنأى عن هذا التّداخلِ والتَقاطعِ مع الأنواعٍ الأدبيّة ، من خُطبةٍ ورسالةٍ وقصّةٍ وحكاية ، بل أكادُ أزعم أنّ تداخل الأنواعِ الأدبيّة ليس جديدًا على المستويينِ الإبداعيّ والنّقديّ... " ( 7 ) ويختم الزجال " محمد مهداوي " قصيدة " لباردي والفردي " بالمفاجأة كما هو متعارف عليه في خصائص ومميزات الأنماط الشعرية الحكائية : ويلا جات للرحله البارود يطيعنا /// سولو لفرنسيين على توارخ جدي مين كانت السربة تخذلني /// كنت نقاوم لفرنسيس ب وحدي
2 – الجغرافية المكانية : الوعي بالمحيط / الوعي بالذاكرة الفردية والجماعية .
القصيدة الزجلية عند " محمد مهداوي " لا تحول صورة عالم الجغرافية المكانية من صورة واقعية إلى صورة خيالية ، وإنما تأسس لبقائها في الواقع من أجل واقع أشد واقعية من الواقع نفسه. إن المقصود هو شحن شخصية الذات الفردية والجماعية بجوانب غنية من التراث والهوية . إن علاقة الإنسان العربي بالبيئة الشعرية علاقة عضوية ، حيث أن هويته برمتها تتغذى منها ، وهي ترتبط في وعيه بأبعاد حضارية وتاريخية ودينية وسياسية ... يقول الشاعر الزجال في قصيدة ( بني زناسن ) الصفحة: 15 سول الفرنسيس على قوة السلاح ليوطي كال عليهم ناس واعرين ممعاهم مزاح ... برح لي ب ناس الكرم ؤصلي على النبي يا المداح راه الزناسني إلى غابو عليه الضياف غي يومين إقيسوه لرياح يقول في قصيدة ( لالة خضرا ) الصفحة : 18 الرجولة والشموخ في الطبيعة زادت عين الركادة فخرا راك إلى همتي ب هاذ الجبال لمرا تكول ليك جبت لي ضرة علاش تخليت علي راني حرة بنت حرة نمشي عند والدي اليوم وزهى انت مع هاذ العذرا أما في قصيدة ( أنا بركاني ) الصفحة : 20 ، فنقرأ ما يلي : أنا بركاني ... والقلب هاني ويلا متقتش سول ثاني ... فوسطهم عايش لا تمولو براني في فضاء زمني وجغرافية مكانية استطاع الشاعر أن يربط ذاته بالمجتمع من خلال عناوين القصائد التالية ( أنا بركاني / بني يزناسن / لالة خضرا / النيف زناسني ...) وغيرها من القصائد الأخرى . ويربط ذاته والجغرافية المكانية بالخيال والذاكرة عن طريق النبش في الذاكرة لاستخراج المادة الأولى للتداعي الحر الذي أصبح كمجال إبداعي في معترك ميدان القصيدة الزجلية ، فالشاعر استخدم الذاكرة وأعطاها وظيفة خدمة اللحظة الحاضرة بكل تجليات طقوسها ، الذاتية ، والجماعية ، والمكانية ، والزمانية ( دان داني ...يا الشيخ التنيساني / إلى بغيت لكرم / والتصوف الرباني / الزاوية البودشيشيه - يعرفها القاصي والداني - إجيوليها من برشيد - من مالي ، باريز والرماني - دان داني ... يا الشيخ التنيساني ) . يقول الدكتور " محمد ميلود غرافي " : " ...إن شعر " محمد مهداوي " يظل وتيق الصلة بالنموذج الشعري الزجلي المحلي بما فيه من توظيف وافر لتراث المنطقة الشرقية ...." ( 8 ) يقول الشاعر في قصيدة ( كلسة سناسنيه ) الصفحة : 27 محلاها كلسة تقليدية /// ف تافوغالت بعد العصريه اللوز والكرموس دايرين بنا /// العرغار ، فلايو والهندية البراد فضه والكيسان بلار /// والنعنان مانتي من المرجيه المنظر جميل والكلسة بدوية /// على جنب خيمتنا شلا رويه الخيمة كبيرة ضاربة الوتاد /// تفكرني بالمقاومة المنسية ويقول في قصيدة " النيف زناسني " الصفحة : 14 ؤ لعصا نشدو بها الميزان الركادة والمنكوشي الصف والموال زين الغيوان هذا تراثنا ، هذا تاريخنا ملو أشكال وألوان واللي نكر أصلو ما شي إنسان تعد الجغرافية المكانية في الشعر عموما أحد أهم الخصائص البنيوية في القصيدة بكل أصنافها ، و مكون من مكونات هوية القصائد الزجلية في ديوان " الباردي والفردي " . الجعرافية المكانية هي مؤسس جمالي روحي ووجداني لقصائد زاخرة بالحياة . يقول الدكتور " زيدو جميل الشرقي " : " ... فمنذ القدم و حتى وقتنا الحاضر كان المكان هو القرطاس المرئي و القريب الذي سجل الإنسان عليه ثقافته و فكره و فنونه ، مخاوفه وآماله وأسراره وكل ما يتصل به وما وصل إليه من ماضيه ليورثه إلى المستقبل ... " (9 ) يقول الشاعر في قصيدة ( أنا مغربي ) الصفحة : 60 أنا زناسني ... أنا ريفي ... أنا سوسي ... أنا صحراوي ... أنا عربي ... مندامجين في بلادي ضد كل الأعادي نفدي وطني ... ب دمي و ولادي ويقول في قصيدة ( أنا سوري ) الصفحة : 62 أنا سوري ، أنا شامي جيت نحكيلكم عن آلامي يا ناس واش شفتو وضعي الدامي ؟ ؤ كيفاش غتصبو جميع أحلامي هرسو لوحاتي آثاري ... صوامعي وأقلامي أجاد الشاعر التوفيق بين الذاكرة الفردية والذاكرة الجمعية ، من خلال تكاثف أنواع تعبيرية بأساليب مختلفة ، تبقي على المعنى والمفاهيم التي لها أحقية التماهي مع الهوية الزناسنية المغربية العربية التي تضمنتها القصائد التالية : ( أنا بركاني / أنا مغربي / أنا سوري / أنا فقير / عيد العمال / عيد الشهدا ) ، نلاحظ أن الشاعر يربط الأنا الشاعر بالتراث والهوية . لقد اعتمد الشاعر ركائز وجوانب مثل علاقة الإنسان بالأرض والوطن و قضاياهما الفردية الاجتماعية والوطنية. والانتماء للجذور ...هذا الصنف من القصائد الزجلية عند " محمد مهداوي " هي تعبير وتواصل مع الآخر والانفتاح على ثقافات العالم ، كما أنها تعطي صورة عن التواجد والحضور في هذه الثقافات من خلال الموقف والهوية والتراث . يقول محمد موح : " ...فالديوان يتغنى بكفاح رجالات بني يزناسن ، وبتراث المنطقة التاريخي والجغرافي والفني ، وبتقاليد أهلها وعاداتهم التي كانوا يمارسونها في مواسم الحرث والحصاد وخلال بعض المناسبات كالأعياد والأعراس والوعدات ، كما يعرِّف بأَعلام زجلية وغنائية لا زالت الذاكرة الشعبية المعاصرة تردد بعض مختاراتها الخالدة. ويشيد الديوان أيضا بالشيم الحميدة والمكارم المأثورة في ياث يزناسن، كالكرم، وحسن الضيافة، والحياء، والاحتشام، والغَيْرة، والحمية، والأنفة، والشجاعة، والبسالة، والرجولة، والنضال؛ وجاء كل ذلك منظوما بأسلوب حماسي ...." ( 10 ) يقول " محمد مهداوي " في قصيدة ( شيخ لكوال ) الصفحة : 12 كان شيخ لكوال رجل رزين مقدر /// حلقتو مدرسة كلها حكم وعبر الشيخ المكانة ، وجدة مازال عليك كتهدر /// الساحة بلا بيك راها خاوية تصفر مني مشاو ناس الملحون والذواقة /// التينيساني واليونسي كلشي ادهور ولا الغيوان غي تصاور مزورة تبهر /// والكلمة غي كور وعطي ل لعور تصنت ل مول الباسبور يا طويل النظر /// تعرف حق الميمة الغالية وموج البحر يذهب الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه " نحن والتراث " ( 11 ) إلى أن الإنسان العربي بما في ذلك المثقف مؤطرٌ بتراثه ، فهذا الإنسان تلقّى ولا يزال يتلقّى تراثه منذ ميلاده ككلمات ، ومفاهيم ، كلغة وتفكير، كحكايات وخرافات وخيال ، كطريقة في التعامل مع الأشياء ، كأسلوب في التفكير ... يفكر بواسطة هذا التراث ومن خلاله ، يستمدّ منه رؤاه واستشرافاته ... إن التفكير في القصيدة الزجلية التراثبة عند محمد مهداوي ، هو تذكر( كان .... ) واكتشاف ( مني مشاو ناس الملحون والذواقة ) ومساءلة واستفهام ( والكلمة غي كور وعطي ل عور ) .
3 – الديناميكية التاريخية : الوعي بالذات والمجتمع والتراث ومختلف التحولات .
إن واقع الوعي بالذات يدفع الذاكرة الفردية والجمعية لتحتفظ بأدق تفاصيل الحياة ، متمثلة في لحظاتها ومختلف تجاربها المتدخلة بوعيها للتراث ، الذي هو إرث إنساني وبشري ، لأن الفرد هو مركز الكون . إن استخدام الشاعر الزجال للجمل الوصفية يأتي كأداة لتقريب المحيط الخارجي في بعده الحضوري المادي ، لإقناع القارئ بصدق اللحظة اﻵنية الواقعية ، كما أن هذه الجمل الوصفية لا تسعى إلى تشكيل فضاء حكائي محض ، وإنما الوصف عند الشاعر " محمد مهداوي " هو أداة سكونية تسعى إلى إقناعنا بواقعية التجربة الشعرية ، من خلال فضاء حكائي ، تعمد الشاعر فيها دفع القارئ إلى اختراق النص أو التحاور معه من خلال فلسفة التأمل أو الفلسفة التوليدية . يقول الشاعر في قصيدة ( لحصاد ) الصفحة : 65 يا ناس الدوار هذا وقت لحصاد وجدو المشكر راه حان الميعاد وجدو لمناجل والصباعيات وحضيو الواد قبل ما تهجم عليكم الكحيلة والجراد ويقول في قصيدة ( فوقاش الوعدة ) الصفحة : 25 فوقاش الوعدة يا وعدي /// نتفكرو توارخ جدك وجدي نبوسو تراب المقاومين /// ؤ نخليو البارود بالفردي نتفكرو فين ستشهد ولدك ولدي /// ؤ فين كانت اللامبا تكدي وتافقونت فين كانت يما ويماك /// أطيب الخبز وتشوي الفروج البلدي كلشي حاضر يكلم التاريخ /// واللي غاب يا الخاوة يفدي فوقاش تجي الوعدة يا ولدي /// نتكرو عوايد جدك وجدي ويقول أيضا في قصيدة ( البراح ) الصفحة :122 يا ناس الدوار سمعو سماع الخير راه غادي إزوركم القايد بولنوار غادي وزع عليكم الزريعة بالقنطار يقول بشير خلف :" ... إن التراث هو تراكم خبرة الإنسان في حواره مع الطبيعة ، وحوار الإنسان مع الطبيعة إذْ يعني التجربة المتبادلة بين الإنسان ومحيطه ، وهذا المحيط الذي يضم حتى الإنسان الآخر فرداً كان أم جماعة ·التراث يعني كل مفهوم يتعلق بتاريخ الإنسان في تجارب ماضيه ، وحياته وطرق عيشه في حاضره ، وإطلالته على مستقبله · أما التراث الحضاري والثقافي فهي الممتلكات والكنوز التي تركها الأولون ، حيث هي السند المادي واللاّمادي للأمم والشعوب ؛ من خلالها تستمدّ جذورها وأصالتها ، لتضيف لها لبنات أخرى في مسيرتها الحضارية ، لتحافظ على هويتها وأصالتها..." (12 ) نلاحظ أن الشاعر " محمد مهداوي " تعامل مع رموز وعناصر التراث والهوية بحذر حتى لا يقع في المسخ والتشويه ، كما أنه يدرك أن التراث متداخل الدلالات ( الثقافة – الهوية – المقاومة – الذاكرة الشعبية ... وكل الدلالات بمختلف معانيها تثير فكرة الأرض والهوية والأصل ( كلشي حاضر يكلم التاريخ /// واللي غاب يا الخاوة يفدي فوقاش تجي الوعدة يا ولدي /// نتكرو عوايد جدك وجدي ...) (يا ناس الدوار / هذا وق لحصاد / وجدو المشكر / راه حان الميعاد / وجدو لمناجل / والصباعيات ...) يقول الشاعر الزجال في قصيدة ( لقلم المحكور ) الصفحة : 121 يل التايه وسط الظلام هز القلم وزمم خلي مراكب حروفك تعبر وتتكلم راه الكمرة ترحب بك تقدم ؤ زيد تقدم لا تحشم ، لا تخمم إلى عثر عودك في بحر الدنيا لجم السحاب ركب الركاب وتقدم ، زيد تقدم نلاحظ أن الشاعر الزجال تجنب تشابه وتكرار الأفكار الموظفة في كل قصيدة وأخرى . كما أن تناوله الجوانب التراثية ، ومعاني الهوية في القصيدة الزجلية ليدلنا على الأصل والأصالة والجذور والتجدد في أبعادها المعنوية والمادية ( خلي حروفك تتبورد / وسط السربة / بك الناس تتعلم / لا تحكر الضعيف / راك غدا يمكن نتندم / وتموت بقرصة نحله / ؤ يتهز سلك القلم ... ) . لقد حدد الشاعر مسلكه في الكتابة الزجلية من خلال التركيز على وظيفة الفهم وتبسيط الفكرة متبعا تقنيات وأسلوب التداعي الحر دون مساس بالأصل ، بل استطاع أن يوفق بين الخط الفكري والخط والإبداعي الزجلي . يقول محمد مهداوي في قصيدة ( أنت يا أصيل ) الصفحة : 45 أنت يا أصيل عليك نغني لحن جميل أنت يا أصيل كل ما نقول عليك قليل أنت يا أصيل ف قلبي ما عندك بديل أنت يا أصيل ويقول في قصيدة ( الأضحية والتضحية ) الصفحة : 44 بسم الله أنا ضحيت ب كبش أقرن لواجبي أديت تعلمت درس في التضحية لما نحرت هاذ الأضحية يا سياسي استوعب الدرس قبل ما يذبل الغرس استخدم الشاعر الذاكرة ضمن وظيفتها العادية ، أي إبداع زجل سهل ممتع وممتنع في الآن ذاته . تجتمع الذاكرة التي استخدمها لحظات ترسم الذات والهامش ثم المركز (عليك نغني - نقول عليك - قلبي - اعطيني يدك = أنت يا أصيل ) . كما أن الشاعر في وعيه بالكتابة لا يسعى لتحطيم علاقات المسار الحدثي/ الحدث من أجل تشييد علاقات جديدة إراديا ، بل نجده يتبع نسقا إبداعيا خاصا تتحكم فيه توجيهات السرد الذي تحتويه القوالب الشعرية الزجلية ( ضحيت - كبش - درس في التضحية = يا سياسي استوعب الدرس ) من خلال العقد التصاعدية ، يتعامل الشاعر مع الزمن على أساس أنه حوار بين الماضي والحاضر والمستقبل . يقول الشاعر في قصيدة ( المفتاح والقفل ) : ( القفل = يا مفتاح الخير / وياك أنت حديد / سنانك عوج / واش اداك / تحل بيبان الغير ؟؟؟ )، وهذا الزمن أصبح كمرتكز لبنية سردية زجلية ترتكز على نسق وصفي وحواري ( المفتاح = بغيت نرفع عليكم الشقا / ونعلمكم حسن التدبير / نجمع شملكم / واللي صار يصير ) ... ما نلاحظه أن هذا الصنف من قصائد الديوان منفتحة على العالم الخارجي من خلال كشف الشاعر لبؤر الحكاية على بعض جوانب الحياة ( الذات ) والمجتمع وقضاياهما .
4 - القضايا الشعرية : الأنا / الشاعر الإنسان - القضايا المجتمعية .
تعتبر الأنا / الشاعر / الإنسان هي الجذر الذي يمتد في الماضي إلى تجارب وقضايا تشغل الشاعر والناس ، أما الحاضر فيصير امتدادا للماضي كتاريخ وموروث تراثي ثقافي يحوى حقائق و معلومات تاريخية ، واجتماعية اقتصادية ، أو قيم روحية ، ويصير المستقبل غاية الحاضر وقضيته الأولى . أي أن الأنا / الشاعر/ الإنسان تلعب دورا مهما في حماية ونقل معاني القيم التراثية للمجتمع ، بتكنيك شاعري متمحور حول ثلاث زوايا ( الماضي – الحاضر – المستقبل ) ، وفي عمق هذا التمحور توجد الهوية والانتماء . لنتأمل قصيدة ( مسرح الرمضاني ) الصفحة : 81 يا سيدي أنا راجل نيه عايش بالكرموس والهندية أش داني لهاذ لبليه سمع قصتي يا ولد الزناسنيه في يوم فكرت نمثل دور ف واحد المسرحية السي المصطفى قدم لي هديه دارني بطل ، حيث هو تايق في مثلت دور الذيب لابس جلابة ذهبية فرزعت في الخرفان وكليت النعجة السردية تعبّر القصيدة الزجلية في ديوان " لباردي والفردي " عن الانسان بكل تفاصيل وجوده واقعه وأحلامه وانتظاراته وانتمائه وهويته وتماسه الكامل مع الآخر واندماجه مع البيئة والوجود والحياة ( دارني بطل ، حيث هو تايق في / مثلت دور الذيب / لابس جلابة ذهبيه / فرزعت في الخرفان / وكليت النعجة السردية ...) اندماج بكل ما فيها من تلق ساذج ومعقد و فلسفي ووجودي وميتافيزيقي ، بعلامات تعنيه وتقصده ، ورمزيات ورموز تحمله وتعبر عنه وبه ( تبعو معاي يا خوتي هاذ المسرحية / أشنو وقع لخوكم المجدوب / كملت المسرحية والجمهور صفق علي / ونا ما قدرت نحايد لباس الذيب ...) قضايا الذات وأساسيات التعايش في المجتمع تتداخل فيه سيكولوجياته وعاداته وتقاليده . قصيدة ( مسرح الرمضاني ) قصيدة زجلية تجمع بين الموقف الصادم والموقف المتصادم والموقف المتصارع ، اختلافات ممتعة تعني الأصل الذي يجمع التراث مع أسلوب المسرح والقصة والحكاية ، تحت غطاء بامتداد تفصيلي للهوية والتاريخ والحضارة والتراث الشعبي الذي يميّز كل أرض وإنسان وانتماء . يقول محمد مهداوي في قصيدة ( مال الحرف جفاني ) الصفحة : 35 يا الخاوة مال الحرف جفاني ؤ بسيوفو القاطعه كواني هز علي كتافو ؤ عداني سد علي بيبانو وطلب مني منرجعش عندو ثاني مال الزاي تنكرت للعشره وعتبرتني براني الجيم شدت الركنه واعتبرتني شراني ويقول في قصيدة ( الواو ) الصفحة : 37 الواو ما عندو جارو ديما هامل على دارو يقتل ما يقدم عذارو يهيج وأنت ما تعرف نهارو العلماء فيه حارو غي ربي اللي يعرف سرارو ويقول في قصيدة ( البير المظلام ) الصفحة : 41 يا البير المظلام ليك ألف سلام وسلام أنا جيتك هاذ العام باش نعرف سرك كولتلي هاذ الشي حرام علاش أنت غارك كاطع الكلام من الواضح والجلي أن الشاعر " محمد مهداوي يرغب في تحريك تبوتية واستاتيكية القصيدة الزجلية في المنطقة الشرقية المغربية ، فهو ينتقل من قوالب القصيدة الزجلية الحكائية المحملة بالوعي بالجغرافية المكانية والوعي بالذات والوعي المجتمع ، إلى تكنيك ينتقل بنا من مركزية الفعل المغير والمتغير الذي تحضر فيه الذات ( مال الحرف جفاني = اللام كالت لي ب صوت عالي / أنت ما بقيتش واحد من جيراني / ...) ) التي تبتعد كل البعد عن التصور البسيط الذي يجعل منها مرادفا للوجدانية أو الرومانسية . القصيدة الزجلية في ديوان " لباردي والفردي هي تعبير عن قضايا اجتماعية مرتبطة بالتراث والهوية ، تجتمع فيه الذاكرة بالفكرة ، فتقدّم صنعة زجلية زناسنية إبداعية لها تلقائيتها الوجدانية التي تمزج الحرفية والمهارة والابتكار انطلاقا من تنوع الأغراض والمواضيع . يقول الشاعر في قصيدة ( الحدود ) الصفحة : 42 يا واد يا ظالم يا سجان شوف علام الخاوة كرفرف غضبان وعلامنا بنجتو الخضرا حيران قرب عندي وياك حنا جيران !؟ ويقول في قصيدة ( سوق الظلمة ) الصفحة : 46 شوفو هذا سوق الظلمة مكيالو خوانة وشفاره واللي نزل ف بيرو يغرق من ساسو ل راسو ف بحر لخسارة الصدق هز درابلو وهجر خلا النفاق محزم ب رزة يحكم حكم الأمرا ويقول في قصيدة ( الشمعة ) الصفحة : 52 يا الشمعة حميتلك ما بي من هموم ، علاش ما حنيتي علي ضويتي ليلي ب نوارك الذهبية ؤ مسولتي آش جرا لي اسمعي قصتي على وذنيك وصغاي لي راه قلبي عمر دمراتو رعود ؤ رياح قوية تستمد قصائد الديوان الزجلي ل "مهمد مهداوي " جماليتها وقوتها من وجود دلالات متعددة تحويها البيئة اللغوية والشعرية ، الحاملة لخطاب مضمر سردي يؤكد البراعة اﻷدبية التي تفتح الباب أمام قراءة تأويلية أسلوبية ، أو عقلانية توليدية. لأن الواقع يتجلى في ميدان الشعر كما يتجلى في ميدان السرد الذي فيه مساحات جمالية تفتحها القصيدة الزجلية وفق متغيرات العصر والتماشيا مع ضرورات الحياة ومقتضياتها . يقول محمد موح :" ... قصائد تتحدث عن معاناة الإنسان اليومية في المجتمع، وعن حرمانه من أبسط حقوقه والتعدي عليها من طرف الغير، فجاءت : (جماعة الخير)، و(قصة الأخلاق)، و(الحدود)، و(محكور)، و(محكورة)، و(الخدامة)، و(أنا باغي نحرك)، و(سوق الظلمة)، و(شمعة بلا فتيلة)، و(الطير الهايم) و(بلارج)، من أفصح القصائد تعبيرا عما يعانيه هذا الانسان من ظلم، وجور، وحكرة، وطغي، وغش، وفقر، وتهميش، و...؛ وفي نفس الوقت يقابل الزجال هذه الظواهر الاجتماعية السلبية بظواهر وصفات إيجابية تبعث على الأمل والتفاؤل بالمستقبل، كالعزم والإرادة، والصبر، وحسن الظن، والإخاء، والتضامن، والتغيير، والعمل،... قد يتحدث الزجال عن هذه المتناقضات في القصيدة الواحدة نفسها، وقد يُفرِد لها قصائد مستقلة يُكَمِّل بعضها بعضا في علاقة تناسق وانسجام، وتكامل بين النصوص بشكل عام ... " ( 13 ) .
خامسا - الخاتمة :
تتوجه القصيدة الزجلية المعاصرة نحو التراث الذي أصبح حاجة تعبيرية يفرضها الانفتاح على العالم لتأكيد الانتماء والهوية الشعرية ، مع تفرد يحيلنا في الزجل المغربي على عراقة الأصل والمنشأ ، فتستخدم الأفكار كإثبات عميق الحضور والتعايش والتوافق الفكري الحضاري ، فتتميز القصيدة الزجلية بتشكيل رؤية توفيقية للجغرافية المكانية والعادات والتقاليد والانتماء والأصل والهوية والتراث والأنا والآخر ... ويتجلى كل ذلك في رمزية الألفاظ المستعملة وتطورها ... يقول محمد موح :" ... اتخذ الزجال من اللهجة العربية الزناسنية أداة لسانية يتواصل بها مع المتلقي، ويمزجها في بعض الأحيان ببعض التعابير والألفاظ الأمازيغية ... التي تدل هذه المرة على تشبثه العميق بموروث أسلافه من الناحية اللغوية ، ناهيك باستعماله لبعض الألفاظ الزناسنية القديمة التي لم تعُدْ متداولة في أيامنا هذه ... أ خيرا، يبقى الديوان ذخيرة علمية جمعت في طيها تعابير لغوية كثيرة يستعملها بنو يزناسن في سياقات مختلفة ، وتلتصق بالمعنى الذي يحمله كل سياق سواء وُجِدت فيه قرينة تدل عليه أم لا ... " ( 14 ) وأختم بنقل ما جاء في الواجهة الخلفية لغلاف " لباردي والفردي " : يا اللي غزلت الصوف ب يديها صوبت الصنعة شكون اشريها لما عيات غمضات عينيها لكن لو حاولت تغزل الحروف لفضلت غزيل الصوف راه كل حرف يخرج من الجوف عبارة عن أماس وسيوف خبريهم يا شمعة عن آلامي مين يخرس لساني ويتبعثر كلامي نطفي الشمعة ونعنك قلامي
--------------------------------------------------------------------------
الهوامش والمراجع :
1 – ديوان " لباردي والفردي " / التقديم / د . محمد ميلود غرافي / الصفحة 6 – 7 2 – قراءة الناقد " محمد موح " في ديوان " لباردي والفردي " 3 – عبدالحق بلعايد / عتبات / جيرار جنيت / من النص إلى التناص / ص : 15 / الطبعة الأولى 2015 4 – المرجع ( 2) نفسه 5 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي / الصفحة : 155 6 – محمد عابد الجابري / نحن والتراث / ص : (55 ) / الطبعة السادسة 1993 / أحمد البزور M.arabi21 .com7 - 8 - المرجع ( 1) نفسه الصفحة : 7 9 - زيدو جميل الشرقي / التراث والهوية / مجلة الموقف السورية / العدد 429 / 2007 الصفحة 18 10 – المرجع ( 2 ) نفسه 11 – المرجع ( 6 ) نفسه / الصفحة 22 12 – التراث والهوية ... التماهي والتكامل / د . فريدريك معتوق / إشكالية التراث / مجلة الموقف السورية / العدد 429 / الصفحة 12 13 – المرجع ( 2 ) نفسه 14 - المرجع ( 2) نفسه 15 - محاضرات بالمركز المغربي لتعليم النقد الذرائعيي التابع لحركة التجديد و الابتكارفي الادب العربي 16 - دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي 17 - الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبدالرزاق عودة الغالبي
#عبدالرحمان_الصوفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضح الأوهام الخمسة من خلال نص - أشهد أن لا بوطوكس إلا أنت -
-
الأدب الموسيقي / الموسيقى الأدبية / الرواية نموذجا
-
التوثيق التاريخي بلغة مفاتن جسد القصة القصيرة
-
أسئلة نقد أسئلة الأسئلة
-
دراسة نقدية / المدخل الاستنباطي الذرائعي / اشهد يا حزيران ..
...
-
محاورة الوفاء ورد البلاء / في ضيافة الشاعر : أحمد العدواني
-
ثلاث قصص قصيرة جدا / زمن الجائحة
-
تسألون : ماذا سيصف في وصف ما لا يوصف !؟
-
درجة الانزياح والرمز والخيال في نصوص ديوان ( رؤى آجلة ) لملي
...
-
الاحتمالات المتحركة في لأنواع الحوار المنودرامي في مسرحية -
...
-
مستوى التبئير في المنهج الذرائعي
-
ظاهرة التبادل والتناوب بين حرفي اللام والراء في قصائد ديوان
...
-
التناص الامتصاصي ومنطق سيميائية المحسوس في الديوان الزجلي -
...
-
الدائرة الدلالية الذاتية في ديوان - همسات قلب حائر - للشاعر
...
-
الأنماط السردية في - سمراء وشاي - لفوزية الفيلالي -
-
الاحتمالات المتحركة في المضمون ( ثلاثية المسار السردي ) في ا
...
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|