|
جدوى الأطروحة
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6648 - 2020 / 8 / 16 - 12:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما أريد أن أضعه أمام العقل البشري في هذه الأطروحة ليس أكثر من محاولة الخروج بالعقل من دائرة (هذا ما لدي)، فكل المعرفة التي نتحدث عنها عن الدين أو عن الله والوجود الأخر وعالم الغيب والأخرة والجنة والنار هي من صميم الرؤية الإنسانية التي قدمها لنفسه، ليبرر ويفسر ويصنع عالما مفهوما وفق قياساته الخاصة دون أن يعي أن حدود قياساته هذه لا يمكنها أن تكون مناسبة تماما لسعة وتعقد وعظمة الوجود مع بساطة تكوينه، بمعنى أننا لو فهمنا قانون الحركة وقانون الفعل يبدو الوجود هذا بكل ما فيه من تعقيد وتشابك هو عالم مصغر أمام أعيننا يمكن فحصه ورؤيته على حقيقته دون الحاجة حتى إلى عدسة مكبرة صغيره، فهو عظيم وكبير وبلا حدود لأننا أردناه هكذا وتجاوبنا مع الإرادة الذاتية فتحول الوجود إلى لغز وأسرار وغيب وحضور وتركيب وتناقض ومجهول ووو. أطروحتي تعتمد على عنصرين اساسيين كل منهما يكمل الأخر وكل منهما يدور في فلك محدد لكنهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض، العنصر الأول أن العقل هو السر الأعظم والطريق الأكبر الذي يخترع كل شيء ويرتب كل شيء وفقا لمقدار ما تمنحه من حرية في العمل، تقييد العقل بالمقولات الثابتة هو أسره ووضعه بسجن محدود فلا تتوقع منه أن ينتج شيئا خارج هذا السجن، والنقطة الثانية كل ما ينتجه داخل أسره وسجنه لا بد أن يوافق بيئة الأسر والسجن، هنا لا يمكن أن تطلب منه أن يعطيك ما لم يراه ويتحسسه ويدركه إلا في أضيق مضايق الحدود، وهذا لا يضيف شيئا لما أنت فيه لأنك أصلا لا تحتاج ما ينتجه العقل، حتى الدين بكل ما فيه من معرفة ومقدمات وأحيانا مفاتيح للحرية ما لم تخرج منه لا تستطيع أن تستفيد منه، الخروج هنا ليس تخليا عنه أو دعوة للكفر، بل خروج من مدارات ما ألزمك به أن تعيش في إطاره الخاص وبراهينه ومقولاته مع أفتراض أنك مؤمن به ومتمسك حتى يقوم الدليل لتفسير ما لم يقله الدين. العنصر الثاني في الأطروحة هو أن لا تترك كل شيء للزمن يفسره أو يبرهن عليه أو ينفيه، الزمن وحده يمنحك المبرر ولكن لا يمنحك الفعل العقلي بقدر ما أنت تحتاج للفعل، بمعنى كلما مر من زمن ينقص من قدرتك على تحرير العقل ومن ثم أنتظار نتائج هذا التحرير، فالوجود هو أنت وكل حركة فيه تعنيك وتؤثر فيك وربما تنقصك كوجود أو تزيد في رصيدك، هنا تكون مسئولية الإنسان على الترقي من خلال تحرير كل المعارف من أطرها كطريق لتحرير العقل، الدين والعلم والمعرفة الأخلاق الفن والأدب وحتى التأريخ ما لم يتحرر من أطره النظرية لا يمكن أن يمنحك المزيد، لأن العقل بلا أدوات حرة لا يمكن أن يفهم الحرية التي لا تعني الخروج من القيود فقط بل الخروج من اللا ممكن واللا معقول. أحيانا اتأمل مقولة (أنا أفكر إذا أنا موجود) أجد نفسي رافضا لهذه المقولة ليست لأنها غير صحيحة أو أن بواعثها ومدياتها قد لا تتفق مع إيماني بنفسي، ولكنها كما أرى ناقصة ومجتزءة وخادعة طالما أن الإنسان أصلا كائن مفكر بالطبع وبالتكوين وبالفطرة لأنه يملك قوة أولية على ذلك، وهو يمارسها بشكل أو بأخر، فكل إنسان مفكر وكل إنسان موجود حتى لو مارس أدنى درجات التفكير، علينا أن نفهم أولا كيف نفكر؟ وبماذا نفكر؟ ولأجل ماذا نفكر؟ هذه هي المقومات التي يجب أن تكون مكملة للتفكير، الإنسان حتى في سجنه يفكر بالخلاص مثلا أو بالغد أو حتى خارج واقعه، ولكن هل ينتج هذا التفكير رؤية خارج السجن بمعنى خارج العجز عن التنفيذ، لا يهم أنك تستطيع التفكير بقدر ما، ما يهم حقيقة بماذا يمكنك أن تفعل به؟ هذا السؤال الأهم في الوجود. التفكير حتى يكون منتجا وذا أهمية في حياة الإنسان لا بد أن يراعي في الأهمية تلك الزواية المغيبة أو المهملة أو المتعمد على عدم إضاءتها، لأنها هي الزوايا المنتجة والتي تخفي ورائها أسرارا لا يراد لها أن تتضح، أما خوفا على ما موجود في البقع المسلط عليها الضوء أو المسلم بها، أو لأنها تملك مفاتيح الحرية في البحث وتقود للغير متوقع والخارج عن المقبول والممكن والمعقول، لذا يحرص من غيبها وقطع عنها الضوء أن تكون بعيدة عن متناول العقل والكشف والتنوير، هذه المعرفة بالتجربة الحياتية أما كتابو أو مقدس يسمى غيبي وأحيان يعطى صفة التحريم والتجريم هي المعرفة الحقيقية، معرفة الفكر حينما يكون موجودا في الوجود لتنظيم الحركة فيه من الأفق إلى الطول. إذا أنا أفكر لا بد لهذا القول من تجسيد نوعي كمي كيفي يشرح الغائية والوسيلة والمنهج حتى يكون موجودا به، لا موجودا عارضا يمر وينتهي دون أثر، هذا العنصر الثاني في أطروحتي التي أسست لها متدرجا من محاولة فهم الواقع ثم تجاوز الفهم إلى السؤال والتعليل والتحليل، حتى أدركت فنون التفكيك التي قادني إلى الحذر من كل فكر ومعرفة أن ألبسها ثوب اليقين ما لم تأخذني لأقصى مدى ممكن من الفهم، حتى مع السعي لأن أجمع الصورة الوجودية لهذا العالم كانت هناك مناطق مخفية تشوه الصورة ولا تمنحها ملامح كلية، لذا حاولت التقرب منها شيئا فشيئا فوجدت المساحة المضيئة والمبينة بكل ما عرفت البشرية من علوم ومعارف أقل من أن تكون قادرة ولو بالكاد على توضيح معالم بسيطة لهذا الوجود. إذا علي وعلى وعي العقلي أن يدخل هذه المناطق بهدوء ليس كغازيا مقتحما بل عارفا بما أريد وقاصدا أن أجد التسلسل الممكن أن يدخلني بروية إلى عالم محروس بالأصنام والنصب والجدران الشاهقة التي توحي للقادم لها أنه أمام قلعة لا تدرك أبوابها ولا منفذ يمكنك أن تدخل منه إلى ساحاتها، هكذا بدا لي المشهد أول مرة وهكذا تهيب أخرون من مواصلة البحث حتى تقربت من تلك الجدران الصلبة فوجدتها ليست أكثر من أوهام عقلية أنهارت واحدة تلو الأخرى وإذا أنا أمام عالم واسع عظيم وجميل وكل شيء فيه منظم وواضح، فقط أن تعرف سلسلة خطواتك أين تتجه ومع ضبطها كي لا تفلت عن الهدف المراد. كلما توغلت في ساحات هذا العالم أكتشف ضآلة ما نملك عن الوجود من معرفة، وربما أن معرفتنا الراهنة صحيحة بالمجمل العام ولكن غير صحيحة بالتفاصيل وبالنتائج البعيدة، لكونها تحتاج إلى إعادة صب وقولبة وصورة أخرى أكثر قدرة على التعبير والشرح، لأن ما في داخل العالم المكتشف ما يغير الكثير من التفاصيل ولربما يدعوك أيضا لتغير ما هو أكثر من الصورة وما خلفها وما بعدها من مفاهيم ومسميات وقضايا وحالات موضوعية، إنه عالم التابو وهو يكشف له أجمل ما فيه. إذا أطروحتي كانت في هذا العالم المكتشف وقد يكون غيري من سبق لها وبالتأكيد العقل البشري لا يتوقف عن البحث، البعض تشجع وأعلن عن جدوى أطروحته بشكل ما وأخرون أحجموا خوفا أو خشية أو ربما عدم ثقة بما أكتشفوا، لكنني صرحت وكتبت وأيقنت أنني أسير بالطريق الصحيح لربما يتبعني البعض وإن كانت أمنيتي أن أرى هذه المناطق المبهمة مزارات لأهل العلم ومكانا للسياحة العقلية حتى يزال عنها الإبهام والتضليل والإخفاء فينكشف العالم الوجودي على نفسه فيبدو عالما حقيقيا لا تزيف فيه ولا أسرار تختزن في صناديق حجرية كي لا يراها الإنسان فيحدد موقعه بالضبط على خارطة الوجود المنتج، هذا كل ما أراه مبررا كي اقتحم عالم وكأنه حلم مر ولن يعود إلا بوجود الإنسان كاملا فيه....
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظرية المستحيلة
-
دين بلا عذاب
-
لماذا خلق الله آدم؟
-
الإنسان بين الملائكة والشياطين
-
السؤال الأول
-
الأل والألية في النص الديني
-
عقدة الزوجة في قصص الأنبياء
-
السادية السلطوية والمجتمع البدائي
-
كوميديا الديانات
-
سيكولوجيا النبي
-
في البدء كانت الخطيئة
-
أسرار الاديان
-
غزاة الدين والعلم والفضيلة
-
العرب والعراق مصير مشكوك فيه وأداء متناقض
-
قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح20
-
قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح19
-
قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح18
-
قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح16
-
قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح17
-
قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح15
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|