أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لماذا تأخّر التنويرُ في بلادنا؟














المزيد.....

لماذا تأخّر التنويرُ في بلادنا؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6647 - 2020 / 8 / 15 - 23:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وقفَ رجلٌ ذاتَ نهار يحملُ في يده مصباحًا، لكي يُنير الطريقَ لمَن ضلّوا، وفي اليد الأخرى يحملُ مرآةً. ثم بدأ يُوجِّه صفحةَ المرآة العاكسة صوبَ وجوه الأدعياء المُضلّين الذين يخدعون الناسَ ويوغورن قلوبَهم بالبغضاء والشرور. كان الرجلُ يعرف أن المرآة سوف تعكسُ قبحَ أرواحِهم إلى عيونهم، فإن شاهدوا دمامتَهم، انفجروا، أو اِرعووا عن غِيّهم. هذا الرجلُ النبيلُ يأتي في كلّ عصرٍ. موجودٌ في كلّ بقعة من بقاع الدنيا. تمنحُه السماءُ لأهل الأرض في كلّ حين؛ حتى يُنقذَ البسطاءَ من تغوُّل الزائفين الذين يستغلّون فقرَ الناس المعرفي وحوائجَهم، لكي يقتاتوا على جهلهم ويرتزقوا من غفلتهم.
ما شكلُ هذا الرجل، كيف يتكلم وما لسانُه؟ له عديدُ الأشكال، وله ألسنٌ كثيرة، وملامحُ مختلفة، ويرتدي في كلّ زمان ملابسَ تشبه ذلك الزمان، وفي كل أرض له ثيابٌ تناسبُ تلك الأرض.
ما اسم ذاك الرجل؟ له أسماءٌ لا حصرَ لها. فتارةً اسمه الحلاج، وتارةً اسمه ڤولتير، وتارةً اسمه نصر حامد أبو زيد، وتارةً اسمه الكِندي، وتارةً اسمه بروتاجوراس، وتارةً اسمه ابن عربي، وتارةً اسمه محمد عبده، وتارةً اسمه جمال الدين الأفغاني، وتارةً اسمه فرنسيس بيكون، وتارة اسمه أبو بكر الرازي، وتارةً اسمه جبران، وتارة اسمه فرج فودة، وتارةً اسمه برتراند راسل، وتارة اسمه الوليد بن رشد، وتارةً اسمه مارتن لوثر، وتارة اسمه الخوارزمي، وتارةً اسمه طه حسين، وتارةً اسمه السهروردي، وتارةً اسمه جلال الدين الرومي، وتارةً اسمه سبينوزا، وتارة اسمه أبو العلاء المعرّي، وتارةً اسمه شمس الدين التبريزي، وتارةً اسمه چون لوك، وتارة اسمه ابن سينا، وتارة اسمه عبد الرحمن الكواكبي، وتارةً اسمه كوبرنيكوس، وتارةً اسمه السهروردي، وتارةً اسمه ديكارت، وتارةً اسمه الطهطاوي، وتارة اسمه ابن الفارض، وغيرها كثيرُ وكثيرُ الأسماء.
هذا الرجلُ خصيمُ الجهل والبلادة والعنف والاتّجار بعقول الناس، وخصيمُ الارتزاق باسم السماء. لهذا اختصمَه كلُّ زائفٍ، وكرهه كلُّ جهول أو مُضلِّل، ومقته كلُّ متاجر باسم الله، يرتزق على الغافلين. اجتمعت عُصبةُ الخصوم في كهفهم المعتم يتآمرون ضده ويحيكون له المكائد، بوصفه العدوَّ الذميم والخطرَ المقيم.
هو لم يقاتلهم، فهو لا يعرفُ القتال. ولم يُشهرُ في وجوههم سيفًا؛ فهو لا يحمل سيفًا ولا خنجرًا. كلُّ ما لديه عقلٌ نيّرٌ ومصباحٌ غزيرُ الضياء؛ شَهَرَه أمام عيونِهم. فآلمتهم عيونُهم، وأوجعتهم عقولُهم. ذاك أن "عقلَ المتعصِّب مثل بؤبؤ العين، كلما زاد الضوءُ المسلّط عليه، زاد انكماشُه"؛ كما قال أوليفر هولمز.
أعشى عيونَهم وهجُ المصباح، فوضعوا أكفَّهم على مآقيهم ليحجبوا الضوء. وما أن رفعوا الأكفَّ عن العيون حتى وجدوا صفحةَ المرآة العاكسة في يد الرجل مصوبةً نحو أبصارهم. شاهدوا قبحَهم فجفلوا، وارتعبوا من افتضاح أمرهم أمام الناس، وخافوا من بوار تجارتهم. هاجوا وماجوا وضجّوا وصخبوا وأرغوا وأزبدوا. هددوا وتوعدوا، ثم أشهروا السيوفَ.
ولمّا كان الرجلُ ذو البصر والبصيرة، أعزلَ، كما يليق بصاحب عقل، فما كان ليحتاجَ أكثرَ من طعنة صغيرة في القلب؛ حتى يسقطَ مضرجًا في دمائه ليُريحَ ويستريح. لكن الارتزاقيين الغلاظَ كرهوا أن يكون موتُه يسْرًا. لم يرضوا بغير أن يذيقوه من العذاب، بقدر ما أذاقهم من التنوير. فراحوا يُمزّقون ملابسَه ويجلدونه بالسياط، وراحوا يضربونه فوق رأسه بالكتب التي كتبها حتى فقد البصر، وراحوا يُجبرونه على تعاطي السُّم الزُعاف، وراحوا يصلبونه على عمود خشبي، وراحوا يُقطّعون أطرافَه ورأسه، وراحوا يحرقونه حيًّا، وراحوا يَسملون عينيه، وراحوا يضربونه بالرصاص، وراحوا يشنقونه، وراحوا ينشرونه بالمناشير. استخدموا من كلِّ عصر ما أتاحت لهم صنوفُ العذاب والويل والتنكيل والإهانة. وكان لسانُ الرجلُ يلهجُ بآخر ما جادت به الكلماتُ قبل قطع يديه وورجليه ورأسه، منشدًا: (إنّي لأكتمُ من علمي جواهرَه/ كي لا يرى العلمُ ذي جهلٍ فيَفتَتِنا/ يا رُبَّ جوهرِ علمٍ لو أبوحُ به/ لَقيلَ لي: أنتَ ممَن يعبدُ الوثنَا/ ولاستحلًّ رجالٌ مُسلِمون دمي/ يرون أقبحَ ما يأتونه حسنًا.)
جميعُنا قتلنا ذلك الرجلَ حاملَ المشعل والمرآة، لأنه أشهرَ في وجوهنا مرآته ونحن لا نريد أن نرى قبحَنا ودمامتنا. قتلناه وهو يردد بلسان الأفغاني: (ملعونٌ في دين الرحمن: مَن يخنقُ فكرًا، مَن يرفعُ سوطًا، مَن يُسكِت رأيًا، مَن يبني سجنًا، مَن يرفعُ راياتِ الطغيانْ. ملعونٌ في كلِّ الأديانْ: مَن يهدرُ حقَّ الإنسانْ، حتى لو صلَّى أو زكّى وعاش العمرَ مع القرآنْ.)
“الدينُ لله، والوطنُ لمن يُنير أبناءَ الوطن.”



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله
- بيروت الجميلة … سلاما
- محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة
- نورا … وأشهر إصفاقة باب في التاريخ
- إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة
- نورا التي رفضت أن تكون عروس حلاوة
- حوار مجلة أمارجي العراقية مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت
- انتحالُ صفة: (رجل)!!!
- التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!
- حينما تصيرُ المرأةُ: سيارةً ب قِفل!!!
- رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت
- كيف أشرق نورُ 30 يونيو؟
- مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ
- شريف منير …. وجدائلُ الجميلات
- درس شريف منير ... لكريماته
- عيدُ الأبِ …. الخجولُ
- اللّهُمَّ اشفِ مرضانا … ومرضى -العالمين-!!!
- الكمامة والقمامة ولغةٌ (قايلة) للسقوط
- احترام فيروس كورونا!
- البابا تواضروس … في شهر رمضان


المزيد.....




- الكويت تدين اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى
- “نزلها واستمتع”.. تردد قناة طيور الجنة الفضائية 2025 على الأ ...
- كيف تنظر الشريعة إلى زينة المرأة؟
- مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا.. مهامه وأبرز أعضائه
- الرئيس بزشكيان: نرغب في تعزيز العلاقات مع الدول الاسلامية ود ...
- ضابط إسرائيلي سابق يقترح استراتيجية لمواجهة الإسلام السني
- المتطرف الصهيوني بن غفير يقتحم المسجد الأقصى
- اكتشافات مثيرة في موقع دفن المسيح تعيد كتابة الفهم التاريخي ...
- سياسات الترحيل في الولايات المتحدة تهدد المجتمعات المسيحية
- مفتي البراميل والإعدامات.. قصة أحمد حسون من الإفتاء إلى السج ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لماذا تأخّر التنويرُ في بلادنا؟