|
التسامح يقوى ويطور الجهاز المناعي للأفراد والمجتمعات
محمود سلامة محمود الهايشة
(Mahmoud Salama Mahmoud El-haysha)
الحوار المتمدن-العدد: 6643 - 2020 / 8 / 11 - 18:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تسامحوا بمعنى تساهلوا كما جاء في لسان العرب والقاموس المحيط ومختار الصحاح، ولعلها الأقرب في مس المعنى العام وليس الدقيق. أما مصطلح (التسامح)/ (Tolerance) كما يُتداول عالمياً وكما ورد في قاموس أكسفورد فيعني (التعايش والتحمل على مضض)، ولعله هو الأقرب إلى الواقع الحياتي والأكثر دلالة على المقصود، بينما يميل المعنى المتداول عربياً إلى التخييل والتحسين غير الواقعيين. يجعل التسامح من الناس والشعوب أكثر تعارفاً، تفاهماً، تعايشاً، تألفاً، تعاوناً، تنوعاً، تعدداً، تقابلاً، وتبادلاً. تدفع القوانين المدنية الفرد إلى قبول التعايش مع المختلفين وتحمل اختلافاتهم، وذلك لسيادة السلم الاجتماعي والنفسي. والسؤال الآن: متى تزدهر حضارة من الحضارات؟! ومتى تموت وتذوى؟! تزدهر الحضارة: عندما تتكامل وتتلاقح مع الحضارات الأخرى، فلم تولد حضارة من عدم؛ فممارسة التسامح وتعليمه ودمج قيمه في الثقافة شرطاً لنهضة أي أمة من الأمم. وتموت الحضارة: عندما يرتفع شعار "صراع الحضارات" وحضارة غالبة وحضارة مغلوبة أو حضارة أعلى وحضارة أدنى. فقد افترض "فوكوياما" في نظرية (نهاية التاريخ) أن المنظومات العالمية السياسية والاقتصادية سوف تتلاقى وكذلك منظومات القيم. ورأى أن الرأسمالية والديمقراطية قد فازتا، ولا توجد قوى في الأفق يمكن أن تتولد عنها أحداث مهمة. أما "صمويل هننجتون" فيعتقد باستمرار الاختلاف، وأن العالم على حافة صدام بين جماعات ثقافية رئيسة من بينها شرق آسيا والإسلام والغرب، وذلك بسبب اختلافات لا يمكن التوفيق بينها من حيث القيم والنظرة إلى العالم. فالتحولات الجذرية الكبرى التي تواجه أفراد وجماعات مجتمعاتنا المتزعزعة والفوضى التي تجداحها لم تكن خالية من القسوة والعنف والتعصب. يقترن التسامح دوماً بالحرية، التي تصيب المتعصبين بالهلع والرعب. فالحرية تعطي للآراء والأفكار المختلفة مساحة كبيرة للتعبير عن نفسها، وعلى العكس من ذلك يبدو التعصب دائماً في غاية الوضاعة والخسة مع قيم التسامح. فهناك صراع كبير بين دعاة الحرية، والمتعصبين المعتنقين لآراء متحجرة ومعتقدات متشددة في السياسة والدين فكل طرف يمثل تهديداً للآخر. ويقول الكاتب الكويتي "منصور مبارك": فعلى الرغم من أن التسامح يتسم بالهشاشة مقارنة بالتعصب، إلا أنه قادر على حماية نفسه، ويتحقق ذلك بإقرار أن لجميع البشر على اختلافهم وتباينهم لهم الحق في إبداء آرائهم، ولكن ليس بوسع أحدهم حمل الآخر على قبولها كرها؛ فلا سلطان على المرء إلا العقل والبرهان. فلماذا استوطن الوباء المرضي المسمى بالتعصب في مجتمعاتنا؟: بسبب الجهل والأمية الثقافية، فالقبول والرفض يحتاجان لعقل نزيه وحيادي يقيس الأشياء بميزاني الصدق والخير، ولكي تسود قيم التسامح لابد من توفر عاملي التعليم والثقافة. فكيف نبني مجتمعات متماسكة وقوية؟: بالتسامح، فهو ضرورة لا غني عنها لأنه يشيع قيماً متعددة في مقدمتها الثقة، وقد عد "فرانسيس فوكوياما" الثقة رأسمال اجتماعي يسهم إلى حد كبير بالتقدم والنماء. التعصب يولد دائماً القلق والخوف، والقلق والتوتر هما الباب الملكي للأمراض النفسية، والمتعصب الذي يسيطر عليه القلق والخوف يفقد التواصل والتعايش، فالمجتمع بدون تسامح، هو مجتمع معتل في صحته النفسية. ما هي الأزمات التي علاجها التسامح؟ 1- أزمة التعدد الديني وما نتج عنها من حروب دينية طاحنة (مرحلة ما قبل الحداثة في الدولة الدينية): أدى التسامح إلى التخلي عن التعصب الديني، الذي يضمن للآخر المختلف حقه في اختيار الانتماء الديني. 2- أزمة التعدد الثقافي (مرحلة ما بعد الحداثة في الدولة العلمانية): جاء التسامح فعلاً لمقاومة الهيمنة الثقافة للحداثة، الذي يضمن للآخر المختلف حقه في اختيار انتماءه الثقافي. الانتقالات التي تنتج عن التسامح: - تحولات من المعنى السلبي إلى المعنى الإيجابي؛ - وتحولات من الموقف الفردي بنظرة متعالية إلى الموقف القانوني الذي يصدر عن السلطة السياسية والقانونية.
وقد أبى "جون راولز" إلا أن يربط التصور الديمقراطي للتسامح بالعقلانية، بأن رفض أن نكون متسامحين مع اللاعقلانيين، لأنه لا يمكن التواصل معهم وتفهم موقفهم وتحمل تصوراتهم وقيمهم المعادية للإنسان والعقل. فإذا كان على الدولة الديمقراطية أن توظف التسامح ليكون كما قال فوليتر "ترياقا للإنسانية" من سموم الأصولية والتطرف والشوفينية والعنف التي تصيبها، وسبيلا لضمان العيش المشترك معا، فعليها أن تكون يقظة وأن لا تتردد في أن تكون لا متسامحة من اللاتسامح. ويعتقد المفكر المغربي د.محمد المصباحي أن تفوق حضارة أو ثقافة ما على أخرى يرجع إلى قدرتها على تطعيم عقلانيتها بالتسامح، أي على الانفتاح على الآخر من أجل تنوع منابعها وتجديد رؤاها.
قيم التسامح في معلقة زهير بن أبي سلمى: دامت الحروب بين قبيلتي عبس وذبيان أربعين عاماً، فيما يعرف بحرب البسوس، فجاءت مبادرة من اثنين من عقلاء الرجال وسادتهم وهما هرم بن سنان والحارث بن عوف لإنهاء هذه الخلافات، وللإشادة والتوثيق والثناء الجم على هذه المبادرة في عصر يضج بالاقتتال والصراعات والعصبية القبلية والثارات الدامية، جاءت المعلقة الشعرية الوحيدة التي تعد منشوراً دعائياً يروج لقيم السلام والتسامح والتعايش ومادحاً الصلح، وينفر من الصدامات والحروب في محاولة لقطع دابر الثارات والإحن ، يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى: يميناً لنعم السيدان وُجدتما على كل حال من سحيلٍ ومُبرمِ تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشمِ وقد قلتما: إن ندرك السلم واسعاً بمالٍ ومعروفٍ من القول نسلمِ فأصبحُتما منها على خير موطنٍ بعيدين فيها من عقوقٍ ومأثمِ وما الحربُ إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجّمِ متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتضر إذا ضريتموها فتضرمِ ------------ التسامح يقوى ويطور الجهاز المناعي للأفراد والمجتمعات Tolerance strengthens and develops the immune system of individuals and communities - بقلم/ محمود سلامه محمود الهايشه - كاتب وباحث مصري Mahmoud Salama Mahmoud El-Haysha
#محمود_سلامة_محمود_الهايشة (هاشتاغ)
Mahmoud_Salama_Mahmoud_El-haysha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أعراض نقص فيتامين –أ- في الدواجن ؛ Symptoms of vitamin A def
...
-
ما هي حقوق الزوج في حالة الإنفصال عن زوجته بالطلاق أو الخلع؟
...
-
مسببات المغص في الخيول -- Causes Of Colic In Horse
-
فضفضة ثقافية (489)
-
هيا بنا نتعرف على الفرق بين التوكيل العام والتوكيل الخاص فى
...
-
تصويم الأسماك .. أهميتها وفائدتها الغذائية والاقتصادية في ال
...
-
فضفضة ثقافية (488)
-
محاولة الفرار من كمين الشرطة لا يبرر استيقافها ويكون القبض و
...
-
قرار المنع من السفر: أسبابه والهدف منه وكيفية التظلم منه وال
...
-
عن محاكم الأسرة المصرية: الفرق بين الطلاق والفسخ والخلع فى ا
...
-
فضفضة ثقافية (487)
-
حتى العملة المعدنية! - Even the coin!
-
طالب في جامعة كولومبيا نام في محاضرة رياضيات
-
طفل أنبوبي!!- Tubular kid!!
-
الفراولة - مبيد حيوى لمكافحة لفحة الفراولة- شتلات أمهات الفر
...
-
- رد القاضى - ، والخطأ الجسيم للقاضى فى تنفيذ القانون ؛ وهل
...
-
فضفضة ثقافية (486)
-
زواج مشروط!!- Conditional marriage!!
-
ثمار الطماطم العضوية تحتوي على فيتامين (ج) وسكريات أكثر
-
دراسة: بريطانيان من بين كل خمسة بحاجة لتناول المسكنات للذهاب
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|