|
القذافي يخشى مصير تلميذه الليبيري
جوزيف بشارة
الحوار المتمدن-العدد: 1597 - 2006 / 6 / 30 - 15:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
عندما قرر الرئيس النيجيري أولوسيغون أوباسانجو تسليم الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور حتى يتسنى للمجتمع الدولي محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السيراليوني، هاج الدكتاتور الليبي العقيد معمر القذافي وماج إمتعاضاً من الإجراء النيجيري، وخوفاً من أن تشكل المحاكمة سابقة خطيرة قد تقود إلى تسليم ومحاكمة بقية طغاة القارة السمراء - الذين يأتي هو شخصياً في مقدمتهم - على جرائمهم المسكوت عنها بحق الشعوب الأفريقية المغلوبة على أمرها. القذافي، باعتراضه على الإجراء النيجيري، لم يكن فقط يدافع عن دكتاتورات أفريقيا، ولكنه كان يدافع عن مستقبله وومستقبل نظام حكمه الذي تتلطخ سمعته بالعديد من الاغتيالات والانتهاكات لحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، والتي كان منها الدور المشبوه الذي لعبه في إشعال الحرب الأهلية في سيراليون، وهي الحرب التي دعم خلالها العقيد الليبي والرئيس الليبيري القوات المتمردة في حربها ضد الحكومة السيراليونية، وهي أيضاً الحرب التي ارتكبت خلالها القوات المتمردة جرائم منظمة ضد المدنيين السيراليونيين الأبرياء تتعارض مع مواثيق الأمم المتحدة ومبادئ القوانين الدولية بشأن حقوق المدنيين في أوقات الحروب.
كانت الأمم المتحدة قد أصدرت في عام 2003 مذكرة تدعو لإلقاء القبض على تشارلز تايلور لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الأهلية التي دارت في سيراليون بين العامين 1991 و2002 من خلال دعمه للقوات المتمردة. لم يتمكن المجتمع الدولي من القبض على تايلور حين كان يتولى رئاسة ليبيريا، ولكن ضغوطاً دولية دفعته للتخلي عن الرئاسة بعد شهور قليلة من اتهامات الامم المتحدة له بعدما قدمت له الدول الإفريقية ضمانات بملجأ آمن في نيجيريا. لكن إجراءات محاكمة المتهمين بجرائم الحرب في سيراليون تواصلت، ومعها تصاعدت المطالب بضرورة مثول المتهم الأبرز تشارلز تايلور أمام المحكمة. استمر المجتمع الدولي وبخاصة الولايات المتحدة في ممارسة ضغوط شديدة على نيجيريا لإلقاء القبض على تايلور، حتى قرر الرئيس النيجيري أوباسانجو الاستجابة للمطالب الدولية في مارس الماضي، حيث تم القبض على تايلور أثناء محاولته الهرب إلى الكاميرون، قبل أن يتم ترحيله إلى العاصمة السيراليونية فري تاون للمثول أمام العدالة. وقد قررت المحكمة نقل اعمالها من سيراليون إلى مقر المحكمة الدولية لجرائم الحرب في هيج بهولندا تجنباً لعدم حدوث أعمال شغب من أتباعه.
إرتبط القذافي بعلاقة قوية بتشارلز تايلور تعود إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي حين قبله في ليبيا وقام بإعداده وتدريبه على الأعمال العسكرية قبل أن يبدأ تايلور حركة التمرد ضد نظام الرئيس الليبيري الأسبق صموئيل دو. كانت علاقة الرجلين أشبه بعلاقة الأستاذ بالتلميذ، حيث لجأ تايلور بصورة منتظمة لمشورة وخبرة القذافي في إدارة شئون الحربين الأهليتين في ليبيريا وسيراليون اللتين انخرط فيهما تايلور.جاءت علاقة القذافي مع تايلور في الوقت الذي أراد فيه الدكتاتور الليبي تصدير ثورته "المهووسة" إلى أفريقيا بعدما أصابه اليأس من تحقيق طموحه الثوري الأول وهو الوحدة العربية. رأى القذافي في تايلور الشخصية المتمردة القادرة على تحقيق طموحه الأفريقي، فلم تتوقف علاقات القذافي وتايلور منذئذ، وإنما امتدت إلى ما قبل إجبار المجتمع الدولي والشعب الليبيري لتايلور على التنحي من الحكم عام 2003. خلال هذه السنوات قام معمر القذافي بالتعاون مع تشارلز تايلور بتدريب ودعم زعيم المتمردين في سيراليون فوداي سانكوه خلال الحرب الأهلية في ذلك البلد الفقير التي امتدت منذ عام 1991 حتى عام 2002، والتي اتخذ فيها المتمردون السيراليونيون من المدنيين أهدافاً عسكرية لهم.
لم تكن تدخلات القذافي في أفريقيا حينذاك غافيةً عن عيون العالم، وإنما جاءت بصورة علنية حيث يشير دوجلاس فاراه الصحفي الشهير، الذي عمل مديراً لمكتب جريدة الـ "Washington Post" الأمريكية في غرب أفريقيا في العامين 2000 و2001، في مقال له بعنوان "Why Gaddafi is so afraid of Charles Taylor" نشر على موقعه الشخصي بشبكة الإنترنت بتاريخ 1 حزيران/ يوينو 2006 إلى أن علاقة القذافي بتايلور وسانكوه جاءت في إطار قيادة القذافي للحركة الثورية العالمية التي اتخذت من الصحراء الليبية مقراً ومركزاً لتدريب متمردين من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأسيا. ويقول دوجلاس فاراه أن العقيد الليبي يملك من الأسباب ما يجعله يخشى محاكمة تشارلز تايلور، حيث قام القذافي بتزويد تشارلز تايلور وفوداي سانكوه بعشرات الملايين من الدولارات والأطنان من الأسلحة والذخيرة التي استخدمت في أعمال الإبادة التي راح ضحيتها مئات الألوف من المدنيين والأبرياء السيراليونيين. وأكد دوجلاس فاراه أن من المحبط ألا تشمل التحقيقات الجارية بشأن المسئولية عن الحرب الأهلية في سيراليون العقيد الليبي معمر القذافي.
إشارة أخرى إلى الدور المشبوه الذي لعبه معمر القذافي في مقتل مئات الألوف من الأبرياء في سيراليون جاء على لسان المدعي العام السابق في قضية مجرمي الحرب دافيد كرين الذي كان وجه الاتهامات بجرائم الحرب لتشارلز تايلور في قضية الحرب الأهلية بسيراليون عام 2003. فقد أعلن دافيد كرين الأسبوع الماضي أن محاكمة الرئيس الليبرالي السابق ستلقي الضوء على أعمال العقيد الليبي وشبكة من المستفيدين من الحرب بسيراليون مشيراً إلى أنه كان بصدد توجيه اتهامات مباشرة للقذافي لمساهمته الكبيرة في تدمير سيراليون التي جاءت في إطار رغبته في السيطرة على غرب أسيا عبر دعم حركات التمرد التي شهدتها دول المنطقة. وأكد كرين أنه على الرغم من المحاكمة لن تشمل القذافي، إلا أنها ستتعرض لإسمه وستغطيه بثوب العار والخجل من جراء دعمه للجرائم في سيراليون.
شكلت الجهود الدولية الجادة التي بدأت عام 2003 لتسليم تشارلز تايلور للعدالة مأزقاً حقيقياً لمعمر القذافي الذي سعى لمواجهته بمحاولات حثيثة لتجميل صورته سعياً لتفادي مصير تلميذه الليبيري، وهو نفس المصير الذي تزامن أن لقيه أيضاً في نفس العام دكتاتور العراق السابق صدام حسين. قوبلت محاولات القذافي بترحيب من المجتمع الدولي خاصة بعدما أعلن القذافي عن تخليه عن برنامج أسلحة الدمار الشامل الذي امتلكته ليبيا لسنوات طويلة. لعل الترحيب باندماج النظام الليبي في المجتمع الدولي، الاستعداد الذي أبدته القوى الكبرى للصفح عن أخطاء القذافي تعود إلى الموقف السياسي الملتهب في الشرق الأوسط الذي اشتعل بعد الحرب في العراق، فقد أدرك المجتمع الدولي صعوبة وإن لم يكن استحالة القيام بعمل عسكري ضد ليبيا لعزل القذافي وتقديمه للعدالة لمحاكمته على دوره المشبوه في الحروب الأهلية في القارة الأفريقية.
لقد فشلت العقوبات السياسية والاقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي على ليبيا منذ بدايات العقد الماضي في إجبار القذافي على التخلي عن سياساته المتمردة ودعمه للإرهاب وحركات التمرد في بقاع عدة من العالم، ومن ثم فقد فشل المجتمع الدولي في القصاص من واحد من أكثر النظم تورطاً في التخطيط والتدريب على العنف والجرائم السياسية المنظمة. وقد جاء نفاق القوى الكبرى أو "أعداء الأمس" للقذافي عبر السعي لإبراز ما يوصف بأنه التوجه الجديد للنظام الليبي ليثير الإحباط في النفوس الباحثة عن العدالة وحقوق ضحايا الحروب الأهلية في أفريقيا. لقد أسقط الغرب الاتهامات القانونية بإسقاط طائرة البان أميركان فوق لوكيربي باسكتلندا عن النظام الليبي بعدم قام القذافي بدفع تعويضات للضحايا بلغت نحو ثلاثة بلايين دولار، ولكن الغرب تغافل عن ملاحقة النظام الليبي قضائياً في جرائم الحرب التي نسبت إليه في القارة السمراء من دون تعويضات للضحايا الأبرياء الفقراء الذين لا نفوذ لهم. إن نظام القذافي الديكتاتوري الحاكم في ليبيا منذ عام 1969 الذي ارتكب الجريمة تلو الاخرى دون عقوبة يعد بحق وصمة عار على جبين الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
سؤال: من ينقذ البشرية من جنون الطغاة؟
#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طغاة في قبضة العدالة: إنذار لمن يهمه الأمر
-
قراءة في آفاق جديدة للقضية القبطية
-
دين، سياسة واقتصاد في المونديال
-
صح النوم: صرخة فيروز لإيقاظ الضمير الوطني
-
بل هجرة سيد القمني انتكاسة للحرية
-
النفوذ السياسي لرجال الأكليروس العرب
-
الوجه القبيح ل -حماس- الزرقاوية القاعدية
-
مقتل الزرقاوي ومقتل الفكر الإرهابي
-
عبء النفوذ السياسي لرجال الدين – نموذج السيد حسن نصرالله
-
التوريث، الإخوان وأزمة الأحزاب السياسية في مصر
-
ثروات الرؤساء والملوك في ميزان -Forbes-
-
حكومة المالكي ونزع فتيل الطائفية
-
مصداقية نجاد أم تربص المجتمع الدولي؟ أين المشكلة؟
-
الإخوان يستهدفون حرية العقيدة في مصر
-
قانون الزي الموحد يفضح عنصرية نجاد
-
دافينشي كود بين مبدأي حرية التعبير والتسامح
-
التديين التجاري وهداية هيفاء الواوا!
-
قراءة في حديث استباحة فوضى القتل
-
الأخ العقيد يصدر التطرف إلى إفريقيا!
-
في إستقطاب الفتيات وتغييب العدل والشفافية والحريات!
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|