|
الواقع والمتخيل ) في الخطاب الثقافي العربي)
نعمان الحاج حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1 - 00:08
المحور:
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
إذا كانت المعاني هامة فالكلمات هامة ، ورفضها منهجيا يكون" - في العادة –مقدمة لقبولها بشكل غير منهجي.." – ريموند وليامز- -1- تنطلق هذه المقالة من( المعاني) المعاشة لمصطلحات ومفاهيم ( الدين ) (والعلمانية ) و (الدولة) وذلك من خلال إضاءة (الأجواء ) التي يدور داخلها الجدال الحالي بين التيار العلماني والتيار الأصولي وبروز هذا الجدال في السنوات الأخيرة ناتج عن وضوح الظاهرة الأصولية التي تكاد تحتل مسرح الأحداث كله، و الإيديولوجيا – كما يقول جورج دوبي- "هي تلاعب بالأضواء على المسرح" لكن تقهقر القوى التقدمية والعلمانية في الوطن العربي ليس طارئا وهنا نقع على منطقة فراغ معتمة: بين تراجع آخر القوى التقدمية ونهوض الأصولية فمن الذي قام بملء الفراغ؟ هزيمة التقدميين ترافقت مع التحطم الاجتماعي لكن نهوض الأصولية لم يترافق مع نهوض اجتماعي فما الذي نهض حقا؟ إن الإجابة لا تسود أوساط المثقفين رغم أن الأدوات لا تنقصهم . ومن وجهة نظرنا فعلى المثقفين بدل الرد السجالي على الخطاب الأصولي أن يقوموا بتفكيكه مرة تلو مرة ومثالنا على السجال الذي لا يؤدي الغرض وقد يؤدي إلى عكسه ، الكاتب المصري: (فرج فودة ) في كتابه: (الحقيقة الغائبة) لأنه دخل في سجال مع الإسلام نفسه ( كما هو في التاريخ وفي ضمير المجتمع ) أثناء سجاله مع الأصوليين (والذين يجب اعتبار فكرهم كإيديولوجيا معاصرة ) واتهاماته للأصوليين صارت اتهامات للإسلام نفسه فوقف على الأرض التي يريدون الوقوف عليها وحازوا ما يتوقون إلى حيازته على الدوام أن يكونوا ممثلين للإسلام فكل إيديولوجيا تنسب لنفسها تاريخا حتى وان كانت دون تاريخ وكمكافأة على هذه الهبة التي منحها( فرج فودة ) لخصومه قاموا بقتله ! ثأراً للإسلام التاريخي.. وهناك مثقفون يقبلون نظرية أن السياسات الغربية الظالمة هي المسؤولة عن عنف الجماعات الأصولية لكنهم لا يوافقون على سلوك هذه الجماعات؟ وتفسير ذلك أن المثقفين يمنحون مصداقية واقعية لما يظهر على سطح الواقع رغم أنه قد يكون تمظهرا لاستخدام ما هو خيالي ورمزي (مثل الهجوم على نيويورك وواشنطن) وبالعكس، يحيلون ماقد يكون مجرد حدث واقعي سياسي إلى الخيال الرمزي( مثل التظاهرات الاحتجاجية على الرسوم الدانمركية ) . في حوار تلفزيوني بين متدين( معتدل) ومثقف تقدمي( هو أسامة الغزالي حرب) نعثر على مواقف مدهشة في طرافتها ، فـ( المتدين) يؤكد أن السياسات الأمريكية والغربية البغيضة اتجاه العالم الإسلامي هي التي جرت على أمريكا ما أصابها في الحادي عشر من أيلول لكنه رفض اتهام المسلمين بالقيام بالهجوم! وبالمقابل رفض المثقف التقدمي إيديولوجيا الحركات الإسلامية لكنه أكد مسؤولية الإسلاميين الذين أعلنت السلطات الأمريكية أسماءهم عن هجمات أيلول واستغرب نكران العرب لهذا الأمر الذي اعتبره غير قابل للنقاش (وهذا هو موقف الدكتور أحمد الربعي الذي كان لاذعا ضد كل من ينكر مسؤولية الإسلاميين العرب عن هجمات أيلول وقد رفض بقسوة وجهة نظر الكاتب الفرنسي( ميسان ) صاحب كتاب الخدعة الكبرى الذي يتهم المخابرات الأمريكية بتدبير الهجوم )،على العكس مثلاً من(جان بودريارد) الذي أعلن :( أن حرب الخليج لن تقع ) حين كان العالم كله يشهد تحضيرات التحالف الغربي الدولي قبيل شن الهجوم على ( الكويت) لإخراج الجيش العراقي عام /1991/ وسرعان ما وقعت الحرب التي تابعها الجميع على الشاشات التلفزيونية لكن ( بودريارد) إمعانا منه في توضيح فكرته أعلن بعد توقف الحرب قائلاً: (حرب الخليج - لم- تقع!) وتنويعا على مقولة (وليامز) يمكننا القول:إذا كانت الكلمات هامة فالمعاني أكثر أهمية..مع قبولنا منهجيا بالمصطلحات. إن إحالة كل ما يفعله( مسلمون )- دون أل التعريف – إلى ( الإسلام )- مع أل التعريف- يعني أن الجوهر يتفتح عبر الظواهر دون توسط أو تحوير أو إعاقة ودون(صيرورة) بل مجرد ( سيرورة ) تتقدم عبر خط مستقيم من الماضي إلى الحاضر والمستقبل وبهذه الطريقة يتماهى تحليل بعض المثقفين مع تلقي العامة للأحداث رغم إدراك المثقف أن الظواهر لا تتطابق آلياً مع الجواهر وأن الكتاب المقدس-كل كتاب مقدس – هو خلاصة المثل العليا لكل ثقافة لكنه ليس مرجعا لسلوك أتباعه عبر التاريخ فنحن لا نستطيع أن نعرف البوذيين لمجرد أن نقرأ التعاليم ( البوذية ) مثلاً !! ولذلك يجد المثقفون أنفسهم مضطرين للإجابة عن أسئلة من نوع: هل يتعارض الإسلام مع الديمقراطية ؟ومع العلمانية ؟ومع الحداثة؟بل ومع إعلان حقوق الإنسان ؟ وقديماً تساءل البعض إن كان من الجائز قراءة القرآن عبر الراديو عند تأسيس البث الإذاعي في البلدان العربية ، وقد تبين مع الوقت أنه جائز طبعاً... في هذا الجو يمكن تكوين صورة التقدميين والعلمانيين الذي تراجعوا عن ساحة العمل السياسي ويجدون أنفسهم ملاحقين نظريا إلى زوايا بعيدة فما الذي يستطيعون أن يقدموه للجمهور الذي تتقاذفه تلك التيارات ؟ لا مفر من المعرفة ومن ( اقتصاد الحقيقة ) ولابد من النضال النظري وهل للمثقف مهمة أخرى حقاً ؟ * * * - 2- يميز ( جاك لاكان) بين ثلاثة مستويات: (الواقعي ..والخيالي ..والرمزي) . ويظن الإنسان أن المستوى الواقعي هو الذي يتسم ، بداهة ، بالصلابة و( القبْلية) أي ماهو معطى مسبقا دون تدخل الإنسان وقبل إرادته ،(( حيث تكون الألعاب قد لعبت وقطع النرد قد رميت..)) وليس أمام الإنسان سوى التكيف مع الواقع ، بعكس المستويين الآخرين الذين يتسمان بالمرونة و ( البعْدية ) أي ما يظهر بعد تدخل الإرادة الإنسانية ،ولكن الواقعية من خلال هذه الصورة يدعوها (لاكان ) بـ (الواقعية المضحكة ) ويمكننا أن ندعوها ( الواقعية المتخيلة) فهي أبعد ما تكون عن حقيقة الواقع لأن الإنسان لا يتلقى – حتى الواقع – كمعطى نهائي لا يقبل التحوير، فهو يقوم- من خلال الرمز والخيال - بتغيير الواقع دوما و.." من هنا الطريق الإنساني ..الفريد في إنسانيته" كما يقول( لاكان). وعلى الرغم من وضوح مسألة الواقع الإنساني، بعناصرها المكونة لها ، فغالبا ما يتم الوقوع في مزالق تجاهلها فـ (الشرق المتخيل)- ونستعير هنا عنوان كتاب تيري هانتش الذي صدرت ترجمته العربية في دمشق مؤخرا – صورة تسهم في تكوين (غربٍ متخيل) على مستوى أقل وعياً من صورة الشرق الخيالية التي أصبحت أكثر شهرة من أن يتم تجاهلها دون أن يعني ذلك التحرر من آثارها ، فـ( الغرب) رمز مركب ليس-فقط- لأن الغرب ليس واحداً بل لأن (غربية ) الغرب ليست معطى مسبقا وثابتا والغرب المعاصر ليس ناتجا عن ( سيرورة ) بل عن ( صيرورة) مثل كل ماهو إنساني ( ..وفريد في إنسانيته)!وبالمثل يمكن التعامل مع مصطلح ( الشرق) و( العالم الإسلامي) ، فهذا المصطلح الأخير لم يعد يصف شيئاً فهو اسم دون ( مسمى) ومع ذلك وحتى الثمانينيات كان الرأي العام الأوروبي ينظر إلى القضية الفلسطينية على أنها صراع بين الفلسطينيين- ومن ورائهم ( العالم الإسلامي)- و (إسرائيل ) الدولة الصغيرة التي يقف ورائها الغرب !وهذا يفسر تعاطف الأوروبيين مع الشعب الفلسطيني بعد انتفاضة الثمانينيات حين اكتشفوا أن صراع الشرق الأوسط أصبح يدور بين الفلسطينيين و(إسرائيل) ومن ورائها (الغرب) وبدأت تحفر في الأعماق صرخة:" الملك عارٍ"، وبرز صراع بين إرادة الرأي العام الأوربي والسياسة الإسرائيلية داخل( الغرب) وقد توجت تلك الحقبة بتصريح الرئيس الأمريكي (جورج بوش الأب) أثناء التحضير لعقد مؤتمر مدريد من أجل تسوية الشرق الأوسط:"على الإسرائيليين أن يتخلوا عن خرافة إسرائيل الكبرى.."و إسرائيل الكبرى هي دائما خرافة لكن السياسات الأمريكية تترك الواقع السياسي في الشرق الأوسط تحت ضغط الخرافات وعندما تتبدل السياسات يشار إلى خرافة بعينها من أجل إسقاطها وإحلال غيرها وسرعان ما تم (تحوير) الواقع الجديد بإطلاق أساطير جديدة مثل (صراع الحضارات) لـ(هنتنجتون) بعد (نهاية التاريخ) لـ(فوكوياما) وأعاد الإعلام الغربي تصوير الصراع المعاصر على أنه امتداد للصراع التاريخي بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي ( طالما أن الأطراف هي ذاتها يتم الإيحاء بأن مضمون الصراع هو ذاته) وجاءت زلة لسان الرئيس الأمريكي (جورج بوش الابن) في إحدى خطبه بعد الحادي عشر من أيلول عندما تحدث عن(حرب صليبية) لتعزز الإيحاء المقصود ولم يفعل تراجع الرئيس الأمريكي عن (زلة اللسان) سوى أنها أكدت لدى الرأي العام في البلدان العربية والإسلامية أن الغرب يشن حربا صليبية جديدة . ويقف الرأي العام الأوروبي حائرا اليوم وهو يشهد من الجانب الآخر خطابا وسلوكا إسلاميين ضد ( الغرب ) كله . منذ الخمسينيات ، حذر ( فرانز فانون) –في حقبة حركات التحرر الوطنية من الاستعمار الأوروبي- من أن أوروبا ستدفع الثورات الاستقلالية في أحد طريقين: - فإما أن تشجع الدول المستقلة إلى التشبه بالنمط الأوروبي فتظل تابعة لها دون أن تستطيع اللحاق بها وأعطى (فانون) مثلاً حين أشار إلى ذلك: ( المسخ) - قاصداً الولايات المتحدة الأمريكية- التي يرى فانون أنه كان لدى الأمريكيين فرصة أن يقيموا أمة جديدة حقا بعيدا عن أوروبا ولم يقصد تخلفهم الاقتصادي والتقني عن أوروبا ، بينما نرى أنه يمكننا الإشارة إلى تركيا كنموذج عن دول هذا الطريق . - أو ان تدفع الدول إلى العودة نحو دياناتها الوطنية وتاريخها السابق ويمكن الإشارة إلى أكثر من دولة لاسيما في الحقبة المعاصرة وليس في حقبة (فانون) . لقد ورث( المسخ) سياسة أوربا وهو الوجه الآخر المبتذل لـ(السوبرمان) أو الإنسان الأعلى عند (نيتشه) وبعد هزيمة الحركات الوطنية التقدمية والعلمانية يتم الهجوم على أطروحاتها النظرية وأخذ جماهيرها في الطريق ( الثاني ) من خلال التحكم بالخيال الرمزي لإنتاج (أو إعادة إنتاج) الماضي وهذا ما نقصده من عدم المسؤولية الحقيقية للمسلمين عن هجمات الحادي عشر من أيلول وإن كان المهاجمون مسلمين ولا شك أن حماسة الجماهير لما يبدو أنه انبعاثا لماضيها المقاوم يعني أن الجماهير تقف ضد مصالحها وليس هذا جديدا فقد هتفت الجماهير الألمانية ل(هتلر) الذي قادها إلى الخراب كما تمثلت "عبقرية النخبة الأمريكية"-كما يقول جورفيدال-"في أنها جعلت الجماهير تصوت ضد أكثر مصالحها حيوية " . إنها مسائل (علم الاجتماع) الذي يتصادم داخله العلماء الاجتماعيون مع عملاء (السي.آي.إي)،وعلى المثقفين العرب الخوض في ساحة العلوم الاجتماعية فهي المكان الحقيقي للصراع الطافي على السطح في البلاد العربية والإسلامية.
#نعمان_الحاج_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب والمجاز و...إسرائيل
-
الذات والآخر
-
فاضل العزاوي في رواية ( الأسلاف):مخلوقات نيتشه وماركيز.. أو
...
-
قضية القمني وأوهام المثقفين/تعقيب على الأديب عباس بيضون
-
ثقافة المثقفين العرب
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
ما بعد الإيمان
/ المنصور جعفر
-
العلمانية والدولة والدين والمجتمع
/ محمد النعماني
المزيد.....
|