أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مراد سليمان علو - اللعب بجماجم من طين















المزيد.....

اللعب بجماجم من طين


مراد سليمان علو
شاعر وكاتب

(Murad Hakrash)


الحوار المتمدن-العدد: 6641 - 2020 / 8 / 9 - 13:36
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


(اللعب بجماجم من طين)
1
لذكريات الطفولة شرايين تشبه شراييني، فبعضها مسدودة لا ينفع معها فص الثوم الصباحي، وبحاجة لتداخل جراحي حتى يجري نهرها الدامي بتلك الكركرة والصور الجميلة التي تشبه فلما من أفلام شامي كابور.
وبعضها شبه مسدودة تحتاج دفعة قوّية بقوّة باش حمّال من (آل حاول الموسكوي الحكرشي القيراني) لتحضر إلى الذاكرة وهي تعاني الكثير من الهزّ والرجف فيولد لديك الشك مع الألم بكونك معجبا ومناصرا لعدنان القيسي في نزالاته الوهمية وسبارتكوس في ثورته المنسية.
وبعض هذه الذكريات كشريان يعاني من توسع مليء بالسكاكر والبالونات الملونة والطائرات الورقية وصوت جريان الدم فيه شبيه بموسيقى بائع الغاز في مخيمات الشنكاليين فتضطر لسماعها ورؤيتها والتعامل معها في وقت لا تحتاجها، وبما أنها مليئة بتفاصيل تعشقها فتعمل لاإراديا على تثقيف حالة تدفق الذكرى وتبدأ تألف فوضى شرايينك وكأنك تشاهد فلما ليوسف شاهين.
وبعيدا عن صراع الشرايين لإحضار الأفلام إلى الذاكرة، فللطفولة أنوار شبيهة بنور القمر وعجين من طين أبيض مأخوذ من قلب السكينية لبناء كوخ تحلم على سطحه في ليالي الصيف ببنت الجيران، وتقسم بصاحب الأماني (شيبلقاسم) لو عدت من الجبهة سالما في أجازتك الدورية هذه المرة ستنهبها نهبا إن لم يخطبوها لك وحينها ستخرج لسانك ساخرا من صوفيا لورين وستمزق صورها التي تحتفظ بها سرّا.
ولكن، إن حدث وسمعت بأن خمسين شابة تشبهن إلى حد بعيد ابنة الجيران قطعت رقابهن، ستحضن شرايينك جميعا، وبهدوء ستخرج دماءها من عينيك الحزينتين.
2
أن تكون من (سيباى) إحدى أتعس قرى (شنكال) وتحاول الدخول إلى السريالية من شباك العباس ومن باب الشيخ عبد القادر الكيلاني بالتأكيد تحتاج حذاء جديدا من شركة باتا قرب الأورزدي باك في سوق سنجار التحتاني.
لا أزال أشعر بوخز شوارب أبي الكثة وهو يقبلني بحبّ عند رجوعي من المدرسة في أول يوم لي، وفي أول يوم دراسي سخروا من حذائي (الباتوي) الجديد وكانوا يسألوني إن كنت ذاهبا إلى عرس أميّ أم إلى المدرسة؟
جلبت معي من المدرسة بومة وضفدع أعور وغراب مرح وباز وقرد وفيل ولقلق ودب، جلبت زيرا ونارا ودينارا رقيقا وبوقا ونيرا والكثير من الرز والرمان، وجاء معي منير ونديم وقدوري وبدران ونوري ودينا ونازدار ورباب...
وأقلنا حظا هو البعير الشنكالي فالجميع يسألون: إلى متى يبقى البعير على التل؟
وجلبت قناعا هدية من (أبو خلدون) مغلفا بقراءته لأرتديه عندما أقابل بنت الجيران.
وأتفق الجميع بأنني أنا مراد مدير قدير.
3
كيف فاتني جمال السكينية ولم أتحسسه إلا مؤخرا في عيون أنجلينا جولي وهي تسرق قبورنا من مقبرة (كرى كور).
كيف لم استلذ بجمال مراجيحنا المنصوبة تحت أشجار بساتين شنكال إلا بعد مشاهدتي فلم حمّى رقصة ليلة السبت لجون ترافولتا.
تعود الذاكرة وتجلب معها مذاقات هاربة من بين أصابع الأمهات في مطبخ شيخادي في لالش، ونضوج لحم الثور في القدور بشارة خير باجتياز الجوع هذه السنة أيضا.
الجوع لا يصرخ بل يتعلق بالظهر ويحنيه إلى الأمام ليبدو عجوزا منحني الظهر. ولا أدري كيف علمني الشعر إن قصائد الحنين هي ثمن الغربة، ولو بقيت ألف عام لن يخبرك أحدهم ما هو ثمن تذكرة الرجوع للبيوت الطينية وقضاء ساعة فقط ساعة واحدة تحت شمس آب المحرقة للعب بالطين.
بناء العديد من البيوت للفلاحين، وبناء غرف رحبة للعمال لاستراحة الظهيرة بينما محمد حسين عبد الرحيم يمسك بيد أمل طه ويتنزهان في أبي نؤاس، وبناء بيوت عديدة لسكان هونك كونك وتخليصهم من أزمة السكن ومن شققهم الضيقة، لم لا فالرمل كثير والشاطئ كريم وأيادينا التي تشبه زهر الرمان لم تتعب بعد.
ومن قطعة الأرض الزائدة التي تشبه صورة قلب سنبني مقبرة جماعية وبوابتها مكونة من خمسين جمجمة شنكالية تجيد الغناء!
4
أعرف جيدا أن حبكِ غول يحثني على الإسراع في الصباح، وفي الليل يجثم على صدري، ولكنني أقف مصلوبا كراع أضاع نباح كلبه بين وادي شلو وكهف حصارى.
ولدنا قبل الطوفان وها نحن نعيش بعد الطوفان أيضا، فالنبي نوح عمنا.
فقد شاهدنا معا نحن وإياه كيف الذئاب تأكل الثريد، وكيف جزالة الشمس تذوب في العسل، وكيف تركنا بيوتنا الطينية في حوض جبل شنكال بسبب غزو الجيران.
وبيوتنا تسكنها الآن الأبوام وبنات آوى.
أنا ضعيف القلب فقلبي في جهة صدري اليمنى؛ لذا ابكي قبل أن يسألني فتى كان أسيرا عن حال شنكال.
قلوبنا مثل بيوتنا الطينية تسكنها الذكريات وصباحات الأعياد وبوسة يد البير (حجي خطو).
5
نسافر على جناح بومة في ليل القرى البهيم والبومة تدخل مزار الملك نورائيل وتتوب من العمل في الليل والطيران في الظلام وتواظب على الصوم والنوم فنعلّق في زوايا المعبد المنفرجة بانتظار أن يدق الجرس ويبدأ الفلم وكمقدمة مشوقة يتم ذبح خمسين سبية جميلة ويتدفق الدم ويتجمع ليتحول إلى نهر أحمر قاني يلف الكرة الأرضية كلها ويقتلع حقول الشقائق وتصطبغ أشجار التين بالدم وتهرب صخور الجبل من هول الفاجعة فتصطدم بالقرى وتحيلها ترابا ثم يغرق كلّ شيء، ونحضر مراكبنا للعودة فتقهقه البومة وتسخر منا قائلة:
وأين هي مجاديفكم؟
6
لنبدأ من جديد.
أنتن تقصصن جدائلكن، وأنا أكتب الأشعار، و(حماد إسماعيل القيراني) يغنيها في حفلات زاخو دون أن يتلعثم ويقول (جما زاخو جما).
لنبدأ من جديد ونتوسل بالمدية ألا تعصى أمر ربّها وتمتنع عن حزّ رقبة إسماعيل، حتى لا يقوم أبراهيم الخليل بأطلاق النار عشوائيا.
لا أحد يصغي للطبيعة!
خمسون فتاة أيزيدية قطعت رؤوسهن، فتعطلت دوائر الله ووقف جميع الموظفين يقبلون تلك السكاكين.
7
إن عدنا ثانية ونزل المطر ليقبّلنا كالعادة وعانق التراب دموعنا لن نلعب بالطين إلا بحضور خمسين جمجمة.
لن نتلو دعائنا إلا بعد ذكر الأسماء الخمسون لمردوخ.
هل هي مصادفة أن يكون لجدنا وألهنا مردوخ خمسون اسما ويقطع لكل اسم رأس فتاة سبية، ويرسم على صدري خمسون غرزة أثناء عمليتي الجراحية الأخيرة.
ليستمر المطر بالنزول وترفع الشقائق أعناقها وسنبني بيوتا من الطين ثانية وعلى باب كلّ بيت جمجمة فتاة تحرس الدار من طائر الزو الغادر.
*******



#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)       Murad_Hakrash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزلان خدر فقير
- لحن من لالش لخسارة شنكال
- السبايا
- الأم تيريزا وابنتنا ليلى تعلو
- البيت الثاني للأحلام
- هل جرى شيء لشنكال
- شقندحيات ديك في خم المجانين
- حكايات من شنكال/عيد مربعانية الصيف
- صديقي القديم/50
- صديقي القديم/49
- صديقي القديم/48
- صديقي القديم/47
- صديقي القديم/46
- صديقي القديم/45 إلى روح صديقي الكاتب والباحث في الحوار المتم ...
- صديقي القديم/44
- صديقي القديم/43
- صديقي القديم/42
- حكايات من شنكال
- صديقي القديم/41
- حكايات من شنكال (زهير كاظم عبود كريف الأيزيدية الطيب)


المزيد.....




- وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
- مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي ...
- ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
- -تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3 ...
- ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
- السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
- واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
- انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
- العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل ...
- 300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مراد سليمان علو - اللعب بجماجم من طين