المقابر الجماعية والسجون السرية والصنم غارنر :
توقع الكثيرون أن يزلزل حدث اكتشاف المقبرة الجماعية ،يوم أول أمس ، قرب سجن أبو غريب، والتي قدر عدد الشهداء الذين قتلهم النظام الفاشي الدموي فيها بألف شهيد ، الوضع السياسي والرأي العام العالمي زلزلة كبرى ، فتدفع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية ومحكمة العدل والمحكمة الخاصة بجرائم الحروب والإبادة الى تشكيل وإرسال اللجان والمفتشين الدوليين لضبط وتسجيل حقائق هذا الكشف الرهيب ، أو بعد الكشف عن وجود خمسة عشر فتاة عراقية ماتت منهن أربع و عثر على الباقيات في حالة بشعة ومحزنة في سجن اللجنة الأولمبية الذي كان يديره المجرم عدي صدام ، توقع الكثيرون أن تهتز أعمدة الأمم المتحدة وينبض عرق حقوق الإنسان في عنق الوغد اليميني المتطرف "جورج دبليو بوش " ، ولكن دون جدوى . و ها قد مر يومان ولا شيء من ذلك المتوقع قد حصل، وظل ذوو الشهداء والمفقودين يدورون بين القبور وينبشونها بألم وحزن وأساليب بدائية تدمر الأدلة الجرمية والمعطيات التعريفية ،عوض أن تحافظ عليها ،ويحق لنا ولجميع ذوي الشهداء والمعتقلين الذين مازالوا مغيبين و يموتون ببطء أن نسأل ونتساءل :
لماذا هذا الإهمال العالمي والأمريكي والعربي والعراقي المعارض للأرواح والدماء والمقابر الجماعية العراقية ؟
ألم تكن عشرة جثث في حرب البلقان ، وخصوصا في البوسنة أو كوسوفو ، كافية لإرسال عشرات اللجان والمفتشين الدوليين الى هناك وجمع الأدلة الجرمية ضد القادة الصرب المتطرفين ؟
هل دماء العراقيين أرخص و أقل شأنا وكرامة من دماء شعوب البلقان أم أن لدى الأمريكان رأي مفاده بأن نظام صدام الشمولي المتخلف كان على حق في قتلنا واضطهادنا كل هذه السنوات ؟
أين دور الأحزاب والمنظمات العراقية في ترشيد عمل الناس ، وضبط حقائق تلك المقبرة على الأقل للمستقبل ، أم إن تلك الأحزاب منشغلة بسباق صيد المناصب و تنظيم الاستقبالات " الجماهيرية " للمندوب "اللاسامي" غارنر ؟
هل علم العراقيون المعولون على جيش " التحرير" الأمريكي أخيرا ، بأن آخر ما يفكر به الأمريكان هو دماء وأرواح العراقيين الذين قتلهم النظام الاستبدادي ؟ أليس من حق ذوي الشهداء أن ينظروا الى المحتل الأمريكي كمتستر على جرائم النظام ورافض لتسجيلها عليه ومشاركا له في الجريمة ؟
هل يريد الأمريكان القضاء على الأدلة الجرمية ضد صدام ونظامه ،بهذا الصمت والإهمال ،والحيلولة دون تقديمه للمحاكمة مقابل أن يفتح لهم مغاليق الدولة السرية ؟
وباختصار لماذا لم يتحرك أحد ، أو تصدر مذكرة توقيف ضد أحد المجرمين المعروفين ، مثلما صدرت المذكرات ضد ميلوسوفيج وعصابته ؟ بل لماذا برز وتلاشى بسرعة مريبة خبر هذه المقبرة الجماعية وخبر اكتشاف سجن اللجنة الأولمبية ؟
إزاء هذا الاستهتار الأمريكي بحياة وأرواح العراقيين ، ينبغي على العراقيين أنفسهم - وأنا أوجه هذا النداء بصفتي الشخصية وكمواطن عراقي بسيط ومن ذوي الشهداء والمفقودين - الى جميع العراقيين ، أفرادا وأحزاب ،وهيئات علمية ودينية ، وأدعوهم الى :
أن يأخذوا زمام الأمور بأنفسهم ، فيبادر المتخصصون الوطنيون العراقيون ،في الداخل والخارج ، في شؤون علم الطب الشعري والجنائي ، والمتخصصون في الأرشفة والقانون الدولي وكل اختصاص ذي صله بموضوع الجرائم والإبادة والتعذيب ، الى تشكيل لجان عراقية مستقلة ، تأخذ على عاتقها أرشفة وجمع الأدلة والمعطيات والمعلومات الخاصة بموضوع الشهداء والسجناء والمفقودين و بجلاديهم أيضا ، و بالصورة والصوت والدليل المادي ، وأن تشرك هذه اللجان في عملها هذا عناصر من الهيئات والمنظمات العالمية المستقلة ،والمستعدة لمواجهة ضغوطات المحتلين الإنكلوأمريكان .
إن أرواح ودماء شهداء العراق أمانة في أعناقكم يا ذوي الاختصاص ،فبادروا الى صيانتها والمحافظة على كرامتها الإنسانية لكي لا تذهب تلك التضحيات الغالية هدرا بسبب اتفاق مخز بين المحتل الأجنبي والطاغية المحلي !
نصيحة الى أهالي تكريت وما جاورها :
هذه النصيحة موجهة الى الشرفاء والفقراء ، الذين لم يتلوثوا بجرائم النظام ، من أهل تكريت وما جاورها من مدن وقرى ، و نعلم انهم قلة ، ولكنهم موجودون بكل تأكيد ، والى المتورطين والمشاركين في قتل وتعذيب وقمع شعبنا طوال خمسة وثلاثين عاما من هؤلاء الناس .
إنها نصيحة لوجه الله والحقيقة يا أهل تكريت ، بعد أن لاحظت كسائر المواطنين العراقيين ، عن طريق ما نقلته وسائل الإعلام العالمية من مدينتكم عدة ظواهر وحقائق خطيرة تدل على إنكم لم تصدقوا بعد ، أو لا تريدون أن تصدقوا ، أن نظام الجريمة الانعزالي البعثي قد سقط ، وربما كنتم محقين في أنه لم يسقط تماما وكليا ، ولكني أصارحكم القول بأن بقايا النظام المختبئة في هذا الحي أو ذاك المخبأ السري تحت الأرض لا تخشى الأمريكان وقواتهم في حقيقة الأمر ، بل تخشى وترتعب من الجماهير الشعبية التي خرجت من الأسر الطويل ، وأقسم لكم غير حانث ، بأن جماهير مدينة الثورة أو الكاظمية أو غيرهما لو علمت الآن بمكان وجود واحد أو مجموعة من مجرمي النظام الكبار لزحفت نحوه بالآلاف وقطعته بالأسنان قبل السكاكين ، والدليل على ذلك إن بعض المجرمين سلموا أنفسهم للأحزاب العميلة للاحتلال كحزب الجلبي ليقوم هؤلاء العملاء بتسليمهم الى أسيادهم الأمريكان ولكي تتم قسمة الأرباح بالتساوي فيما بعد .. وأعود الى أخباركم الأخيرة والتي ستكون - إن صحت - وبالا وكارثة عليكم وعلى مستقبلكم ، فأنت تدافعون حتى الآن عن أصنام وصور الطاغية ، ولا تتركون أحدا يمسها أو يحطمها . و يتكلم بعضكم بتشفي وغطرسة ضد الشعب وقواه الحية المعادية للنظام والاحتلال ، كما إنكم فاوضتم المحتلين الأمريكان و اشترطتهم تسليم مدينتكم لجنودهم دون قتال مقابل ضمان عدم دخول مواطنين عراقيين إليها . والمعنى : إنكم الآن تعيشون كمحمية أمريكية لا فرق بينكم وبين أهل الكويت أو قطر أو السعودية .. والطريف واللافت إنكم مثلهم في موضوع الولاء ، حيث إن ولاؤكم للحاكم إذا كان منكم ولمن يحميه ، وليس للشعب أو الوطن الذي دافع عنه العراقيون دفاع الأسود في جنوب ووسط العراق .
إنني أنصحكم مجانا ، لكي لا تعيشوا في عراق المستقبل منبوذين محتقرين (كتبت عليكم الذلة والمسكنة ) لعدة قرون قادمة بل كعراقيين شرفاء شاركوا في مسح عار الاستبداد وجريمة سرقة العراق من العراقيين طوال السنوات الماضية ، وأقترح عليكم أن تبادروا الى :
- تدمير جميع تماثيل وأصنام الطاغية في أسرع وقت ، وتطهير المباني الحكومية منها مع المحافظة على محتوياتها التي هي من ممتلكات الدولة والمجتمع .
- تسليم المجرمين الكبار في مدينتكم الى إحدى الإدارات المدنية المستقلة وليس الى المحتلين أو الى إدارة أبو حيدر الكرادي " الزبيدي " أو من يماثله .
- المحافظة على الأموال وأملاك الدولة التي بحوزتكم والتي حصلتم عليها في سنوات حكم الطاغية " بهذه الطريقة أو تلك " لكي تتمكنوا من إعادتها الى الدولة العراقية الديموقراطية القادمة .
- أن تفتحوا مدينتكم أمام إخوانكم العراقيين المسالمين ، و ترسلوا الوفود القبلية والعشائرية الى مدن العراق الأخرى وفي مقدمتها النجف الأشرف وحوزتها العلمية التي أنظر إليها كهيئة دينية وليس كسلطة سياسية للمصالحة والاعتذار من إخوانكم ومواطنيكم هناك وطلب مساعدتهم وحمايتهم .
- أن تطلبوا من قوات العدو الأمريكي أن تنسحب من مدينتكم ،على أن تحل محلها قوات موثوقة من المليشيات العراقية التي يتم الاتفاق عليها بين الإدارات المدنية المستقلة في النجف والموصول والرمادي والناصرية والكوت ..الخ
وأغتنم المناسبة ، لأختم هذه الفقرة بأن أعلن عن تضامني التام مع الشيخ سطام لكعود شيخ عشيرة دليم والقيادي في منظمة للمثقفين العراقيين ، الذي اعتقلته قوات الاحتلال الأمريكية يوم أمس . وسبب تضامني هو أن السيد لكعود تكلم ضد الاحتلال كمواطن عراقي يعارض الاحتلال والنظام معا وليس كواحد من أنصار النظام المنهار ، وثانيا لأنه تكلم بلهجة مصالحة وتآخي مع العراقيين الآخرين وبخاصة من العرب الشيعة والكرد وغيرهم ، وهو لهذا سيكون صوت خير وبناء في زمن تتعالى فيه الأصوات الانتقامية والثأرية من بعض الطائفيين الشيعة أو السنة .
كما أرجو من بعض الأخوة الكتاب الأعزاء أن يحرصوا على الموضوعية ، ويتقوا الله في ما يكتبون ، وخصوصا أولئك الذين هاجموا الشيح أحمد الكبيسي ، الذي اتهموه بأنه ينفذ مخططا وهابيا أو سعوديا .. الخ وأقول إن على المدعي أن يبرز ما لديه من أدلة ملموسة أو وثائق تثبت ادعاءاته واتهاماته ، فالظرف عصيب وخطير ، والكلمة الطيبة صدقة ، فإن لم تجدها لتقولها أيها الكاتب فاسكت ولا تساهم في إشعال الحرائق القادمة واسمع الآخرين ... ثم لماذا هذا الهجوم على الكبيسي و سطام والسكوت على من جعل الشيخ زايد وليس العراق مرجعيته ؟ و أعني السيد الوزير السابق عدنان الباججي ومن يحيط به من أيتام اليسار واللبرالية والقومية والباحثين عن دور ما ؟ هل نسي هؤلاء أن روائح الطائفية النتنة متشابهة سواء جاءت من محتكري الحكم بالأمس أو الطامحين بسذاجة لاستبدال طائفية بطائفية مضادة ؟
ليكن الفيصل بيننا هو الموقف من الاحتلال وبقايا النظام المنهار !
ليكن الفيصل بيننا هو الموقف من الديموقراطية والتعددية الحقيقية !
ليكن الفيصل بيننا هو الموقف من ثروات العراق وحضارته المهددة بالمحو والسرقة !
ليكن الفيصل بيننا هو الموقف من مستقبل العراق الحر المستقل السيد الأوحد !
هامش صغير عن رجل أصغر : ليس لي تعليق جديد على مقالة الشتام عمر عزيز قادر التي نشرها اليوم دفاعا عن سيده سعد البزاز ، والتي احتوت على حفنة كبيرة من الشتائم بحقي ، ولكني أكرر التحدي القديم أمامه وهو أن يأتي بسطر واحد أو حتى نصف سطر من كل كتاباتي طالبت فيه أو وافقت على الحوار مع النظام الفاشي كما يكرر ببلاهة هذا النظام الذي كان البزاز الذي يدافع عنه الآن عمر عزيز قادر من أركانه ، وهو أيضا النظام الذي تسابق إليه قائدين حزبيين " يقدسهما " الشتام و هما جلال الطالباني ومسعود البرزاني وحاورا صدام وقبلاه على وجنتيه وقبل أن تجف دماء ثوار انتفاضة ربيع 1991 ...
و أكرر التحدي بأن يأتي هذا الشخص ولو بنصف سطر من كتاباتي يحمل هذا المعنى المزعوم لا أن يحيلني الى ما يقوله خصومي السياسيين عني وعن كتاباتي .. وإن لم يفعل - وهو لن يفعل - فسوف يثبت أمام القراء جميعا بأنه يتصرف كما تتصرف البغي التي " تشتغل " بالدين كما ورد في رواية للفرنسي "ستاندال" ..