أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله














المزيد.....

صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6638 - 2020 / 8 / 6 - 23:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



إنها رسالةُ "إبراهيم عيسى" الناصعة التي تتجلّى في رواياته وبرامجه ومقالاته: "إعمالُ العقل لمشارفة الحقيقة”. لكنّه في هذا الفيلم الجميل: “صاحب المقام”، يُفسِحُ المجالَ للروح، أنْ تجاور العقلَ، حتى تكتملَ منظومةُ الإنسان السويّ. الفيلمُ يطرحُ معادلةً سهلةً، وشاقّة، في آن. الوصولُ إلى روح الله: سهلٌ سهولةَ انسياب ماءٍ صافٍ من جدولٍ إلى أرض عطشى، وصعبٌ صعوبةَ الحفر العميق في حجر صوّان. يسيرٌ على مَن يُحبُّ الناسَ بفطرته، عسيرٌ على مَن لا يرِقُّ قلبُه لمأزوم. بسيطٌ على النقيّة قلوبُهم، عصيٌّ على الذين على قلوبهم أقفالُها.
"يحيى" (آسر ياسين)، شابٌّ ثريٌّ طموحٌ، أخذته دوامةُ المال وصناعة النجاح، فنسي اللَه وخلْقَ الله، وأهملَ زوجته وطفلَه؛ فكان في حياتهما ضيفَ شرف، يمنحُ المالَ ويضِنُّ بالرعاية. لكن "قلبه أخضر" كما وصفته "روح” (يسرا) الشخصيةُ السوريالية الغامضة، التي تمثِّلُ ضميرَه، ونفسَه اللوّامة. فليس هو بالخَيِّرِ، ولا الشرير. لكنّ شهوة النجاح والتفوّق وضعته في منزلة "المَطْهر"؛ كما رسمها "دانتي" في "الكوميديا الإلهية". فهو لا يستحقُّ الهبوطَ إلى سعير الجحيم، ولا هو مُستحقٌّ للصعود إلى نعيم الفردوس.
أزمةٌ عارضة جعلته يصحو من غفوة الرفاه والسطوة، ليُبصِر عالمًا موحشًا من المعوزين وذوي الحاجات، لم يكن يراهم وهو محبوسٌ في شرنقة الذات.
عقلُه الماديُّ يرفضُ فكرة "أضرحة أولياء الله"، وما تمثّله من رمزيةٍ خطيرة لدى البسطاء الذين يرون الأولياءَ "جسرًا" يصلُ إلى الله؛ حتى يرأفَ بحالهم ويُلبّي حوائجَهم. يأمرُ بهدم ضريح لتشييد منتجعٍ، فتنقلبُ حياتُه، ويبدأ صراعُ العقل والروح. يُجسِّدُ ذلك الصراعَ "حكيم، وحليم"، التوأمان اللذان يمثّلان روحَه وعقلَه. وكأنما الشخصُ انقسم إلى شخصين. أحدُهما عقلٌ جامدٌ بلا روح. والآخرُ روحٌ رخوةٌ بلا عقل. كلاهما ناقصٌ بذاته؛ إن اندمجا معًا، صارا كيانًا متكاملا سويًّا: عقلٌ وروح. ربما هذا ما دعا المخرج الجميل: (ماندو/ محمد العدل) لاختيار فنانٍ واحد (بيومي فؤاد) ليؤدي الشخصيتين معًا؛ لكي تتأكد فلسفةُ: الانقسام، الصراع، ثم التكامل.
في أوجِ الصراع، تظهرُ السيدة "روح" التي ترافقُ البطلَ المأزوم؛ في رحلته من "المادة" إلى "الروح". ترافقُه كظلِّه مرافقةَ الضمير للإنسان. كانت "روح"، كما يرمزُ اسمُها، بمثابة "الأنا العُليا" التي تَحُثُّ على الخير، وتؤنِّبُ من الغفلة والخضوع لنوازع الأنانية وعبادة المادة. وشأنها شأنَ "الضمير الحيّ"، ننزعج منه حين نكون في المعصية، ونأنس بوجوده حين نتحرَّرُ من الخطايا. كذلك "يحيى"، كان يتوجّسُ من "روح"، في بداية رحلة الانعتاق من الأنا، ثم راح يبتسمُ لمرآها في منتصف الرحلة الشاقّة، لحظة الانعتاق من شرنقة الأثرة، والخروج إلى رحاب الإيثار.
خلال رحلته من "الذات" إلى "الآخر": أعاد المفقودَ لأبيه، ومنح الطمأنينة للخائفة من معاصيها الطامعة في رضوان الله، وأنقذ طفلةً من الموت، وأخذ بيد شخص ضائع ليغدو رجلا ذا مروءة ساعد في إنقاذ فتاة مخطوفة معذّبة. وخلال مشواره نحو بناء الضمير، علَّم طفلَه الصغير كيف يمنحُ طفلا فقيرًا حذاءً أدخل في قلبه الفرح.
"يحيى ماشي في السكة اللي هايلاقي فيها روحه.” هكذا قالت العرّافةُ العارفةُ. اختيار عبارة: (يلاقي روحه)، تُحسب للسيناريست. فعبارة: (يلاقي نفسه) قد تشيرُ للعمل والنجاح الخ، وتلك أمورٌ غير مفقودة في عالم "يحيى" الناجح الثريّ. المفقود لديه كان: (الروح)، وهي ما وجدها في مشواره نحو (الآخر). لهذا اتسق اسم (روح) للظلّ الذي جسَّد دورَ (الضمير). فالضميرُ والروحُ صنوان لا ينفصلان.
يعلّمنا الفيلمُ الجميلُ أن المحبّة هي الحل. فهي ضمانةُ اتساق الإنسان واندماج العقل والروح معًا. وأن: "الدينُ المعاملة"، هو المفهوم الصحيح "للتجارة مع الله"، التي تختلف عن مفهوم "الصفقة" حيث قانون المكسب والخسارة. التجارةُ الحسنة مع المولى، هي في ذاتها المكسبُ، بصرف النظر عن الربح الأرضي. مساندةُ المستضعفين، ونجدة الملهوف، وغوثُ المستجير، هي أسسُ التجارة الحسنة مع الله.
من الرسائل الجميلة في الفيلم، دخول "يحيى" الكنيسةَ مع صديقه المسيحي، قال له الأخيرُ: “ولّع شمعة، واقرأ الفاتحة". كأنما لسانُ حاله يقول: "الُله واحد. كلٌّ يراه من منظوره.” أما بناؤه ضريح "سيدي هلال" في نهاية الفيلم، رغم معرفته أن الأولياء لا ينفعون ولا يضرّون، فكان تأكيدًا على احترام "الرمز" الذي يلجأ إليه المستضعفون، بينما هم في واقع الحال يتوجهون إلى الله الواحـد الأحد.
ملحوظة لغوية صغيرة: في تِتر الفيلم كُتب اسم النجم: (أسر ياسين)؛ وصحيحُها (آسر)؛ وقد كان بالفعل "آسرًا” كعادته. تحية احترام لجميع صُنّاع هذا الفيلم الفاتن والمهمّ، في تاريخ السينما المصرية العريقة. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيروت الجميلة … سلاما
- محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة
- نورا … وأشهر إصفاقة باب في التاريخ
- إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة
- نورا التي رفضت أن تكون عروس حلاوة
- حوار مجلة أمارجي العراقية مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت
- انتحالُ صفة: (رجل)!!!
- التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!
- حينما تصيرُ المرأةُ: سيارةً ب قِفل!!!
- رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت
- كيف أشرق نورُ 30 يونيو؟
- مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ
- شريف منير …. وجدائلُ الجميلات
- درس شريف منير ... لكريماته
- عيدُ الأبِ …. الخجولُ
- اللّهُمَّ اشفِ مرضانا … ومرضى -العالمين-!!!
- الكمامة والقمامة ولغةٌ (قايلة) للسقوط
- احترام فيروس كورونا!
- البابا تواضروس … في شهر رمضان
- التكفيريون: بارتْ تجارتُهم


المزيد.....




- بلينكن: السنوار كان مسؤولا عن أكبر مذبحة ضد اليهود منذ المحر ...
- استعلم عن تردد قناة طيور الجنة للاطفال بجودة عالية جدا مع اب ...
- ‏المقاومة الإسلامية تقصف مستعمرة زفلون بصلية ‏صاروخية كبيرة ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن رصد تحركات جنود العدو الإسر ...
- خاص| ماذا قال مساعد القائد العام للجيش السوداني عن الإسلاميي ...
- غرفة عمليات المقاومة الإسلامية تصدر البيان التالي
- غرفة عمليات المقاومة الاسلامية: بناء على توجيهات قيادة المقا ...
- بيان غرفة عمليات المقاومة الاسلامية: المرحلة الجديدة والتصاع ...
- بيان غرفة عمليات المقاومة الاسلامية: خسائر العدو الإسرائيلي ...
- بيان غرفة عمليات المقاومة الاسلامية: تم إسقاط مسيرتين من نوع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله