أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضي السماك - من مفكرة سجين بحريني حول غزو الكويت ( 1 - 3 )















المزيد.....

من مفكرة سجين بحريني حول غزو الكويت ( 1 - 3 )


رضي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 6635 - 2020 / 8 / 3 - 22:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في فجر الثاني من أغسطس / آب 1990 من القرن الماضي ، أي قبل ثلاثين عاماً بالتمام والكمال ، وقعت مغامرة دكتاتور العراق المقبور صدّام حسين الطائشة بغزوه دولة الكويت ؛ و ليحتلها بالكامل في سويعات معدودة ، وهي المغامرة التي باغتت العالم بأسره ذهولاً واستغراباً ؛ وعلى الأخص عالمنا العربي . حينها كنت ومجموعة من الرفاق قابعين في غياهب زنازين بالغة السوء أشبه بعلب السردين في " سجن القلعة " الكائن في قلب العاصمة " المنامة " على مقربة من سوقها التجاري ، كما كنا وقتذاك غارقين من تصبب العرق الذي كان ينضح من أجسادنا بلا انقطاع ؛ على مدار ساعات اليوم طوال شهور صيف البحرين الطويلة القائظة والشديدة الحرارة والرطوبة معاً ؛ حيث تصل درجة الحرارة إلى مافوق الأربعين ، ما يتعذر علينا معها أن ننعم بالنوم؛ اللهم ثلاث أو أربع ساعات قصيرة متقطعة بفعل الإجهاد الشديد . كما كان أغلبنا يعاني من أمراض جلدية ؛ غير اشتداد أمراض من يعاني من أمراض مزمنة صيفاً . ولم تكن حينها سجون البحرين مزودة بمكيفات كما هو الحال الآن ، وقد تحقق بفضل إضرابات لأجيال متعاقبة من السجناء المناضلين الوطنيين لعشرات السنين ، فضلاً عما تلقوه من دعم ومساندة من قبل القوى لوطنية ؛ وجهود ومطالبات منظمات حقوق الإنسان الدولية ؛ وإن كانت ضغوطها لم تُلمس إلا تدريجياً إلا بدءاً من مطلع تسعينيات القرن الآفل . كما كنا في تلك الفترة التي أمتدت إلى ما بعد الغزو الصدامي معزولين تماما عن العالم الخارجي ؛ إذ لم تكن لنا خلال المدة التي قضيناها بمقتضى أحكام لسنوات متفاوتة في السجن ( بين النصف الثاني من الثمانينيات حتى أوائل التسعينيات ) أي وسيلة اتصال لمعرفة ما يدور في العالم الخارجي من أحداث ؛ سواء أكانت جرائد و مجلات ، أو تلفزيون أو كتب وخلافها ، كما هو الحال الآن حيث يتم توفير للسجناء "الإسلاميين " المحكومين سويعات من مشاهدة التلفزيون ويتابعون بث أربع قنوات فضائية ؛ من بينها البي بي سي . كما يتم تزويدهم بعدد ولو محدود من الصحافة المحلية . وهذه المزايا الجديدة أوالحقوق إنما تحققت أيضاً بفضل مطالب وإضرابات أجيال متعاقبة من سجناء قوى المعارضة والضغوط الشعبية والدولية . وبهذا فقد كانت كل أشكال التواصل الإعلامي والثقافي محظورة علينا ، فلا جرائد ولا مجلات ولا كتب ولا أجهزة راديو ، بل ولا أوراق ولا دفاتر ولا أقلام ؛ اللهم مجلات وكتب شحيحة عادية نتلقاها من الأهالي ، وعادة ما تكون موضوعاتها غير ذات صلة بالسياسة . كما نتلقى منهم بعض الأخبار العابرة أثناء زياراتهم لنا التي تتم كل ثلاثة أو أربعة شهور في السنة ، وأحياناً في حالة العقوبات أو حدوث مستجدات سياسية داخلية تمنع الزيارات لبعضنا أو كلنا إلى فترة تقارب الستة شهور أو أكثر . وهذا الوضع تحسن حالياً أيضاً ، إذ يتمتع سجناء القضايا الأمنية والسياسية بزيارات الأهالي بمعدل زيارة واحدة كل إسبوعين ، ومكالمات هاتفية مع ذويهم مرتين في الإسبوع ، وبعد تفشي وباء كورونا تم توقيف الزيارات احترازيا ؛ وأستعيض عنها حالياً بمكالمات مرئية ، كما هو جارٍ مع نزلاء " سجن جو " بمعدل ثلاث مرات إسبوعياً ، بالإضافة إلى منحهم ثلاث مكالمت تليفونية إسبوعياً مع أهاليهم ( طبقاً لإفادة أدلى بها لي ذوو سجين يقربون لي بالمصاهرة ) . وهذه المزايا الجديدة ( الحقوق ) تندرج أيضاً ضمن ثمار نضالات طويلة للقوى الوطنية وسائر قوى المعارضة .
أما كيف تلقينا نبأ الحدث التاريخي الجلل المجلل بالعار والسواد في سجل تاريخ نظام الدكتاتور صدام حسين ألاهو اجتباح الكويت واحتلالها ، فلذلك قصة أحسبها جديرة بالتدوين في هذه المناسبة باعتباري أحد شهودها خلال تلك الفترة من داخل السجن والتي أمضيناها في المعتقلات ، ثم في السجون لتنفيذ الأحكام الجائرة المتفاوتة المدة التي أصدرتها محاكم أمن الدولة بحقنا بموجب قانون أمن الدولة السابق السيء الصيت ، وهو قانون أسوأ من قوانين الأحكام العرفية ؛ والذي بسبب إجماع برلمان عام 1973 السابق المنتخب على رفضه ، وبخاصة ما لعبته كتلة الشعب اليسارية من دور في التصدي له ، تم حل البرلمان وتم تثبيت سريان القانون ، وشُنت حينها حملة اعتقالات واسعة في صفوف العناصر الناشطة المنتمية للقوى الوطنية ، ومن ضمنها مناضلون من " جبهة التحرير الوطني البحرانية " أقدم تنظيم يساري في الخليج والجبهة الشعبية . والشاهد أن بعض الرفاق -بالتنسيق مع الأهالي أثناء زياراتهم الدورية لنا - تمكنوا غير مرة من تهريب جهاز راديو حجمه في منتهى الصغر لا يتجاوز حجم علبة الكبريت العادية أو يكبرها ببضعة سينتمرات ، وفي إطار برنامج توزيع المهام الخدمية اليومية فيما بينهم تم الإتفاق على أن يتولى رفيق مهمة تدوين نشرة أخبار يومية شديدة الإيجاز من إحدى نشرات نشرات البي بي سي التي تُبث ليلاً غالبا ما تكون نشرة التاسعة بتوقيت البحرين ومعظم دول الخليج ، وعُهدت المهمة للرفيق أحمد الذكير وهو واحد من أفضل الكفاءات البحرينية في المحاماة . ووُفق الرفاق أيما توفيق في حسن اختياره حيث أثبت جدارته بامتياز في تأدية مهمته على الوجه الأكمل . وكانوا قد تمكنوا من الحصول سراً على كسرات من أقلام الرصاص وأوراق السجائر وغيرها من قصاصات اوراق غير كتابية من نزلاء العنبر المجاور المخصص للمحكومين في قضايا جنائية .
ولئن صح القول " لا يعرف الشوق إلا من يكابده " فإنها تصح فيما كان يكابده الرفيق الذكير من تعب مضنٍ في كتابة ما يمكنه كتابته من نشرة أخبار إذاعية تُلقى بسرعة فائقة - كما هو معروف - على المستمعين- بينما الرفيق الراصد الأخباري يلاحق بتركيز مدهش وبسرعة عجيبة تدوين أهم فقرات ما يمكنه تدوينه من كل الأخبار المذاعة في النشرة الواحدة ولا سيما أهمها . وخوفاً من تسلل خبر اقتناء جهاز راديو إلى السجانين تم الاتفاق بأن يقوم الذكير بهذه المهمة السرية ليلاً وهو محشور متكوم في زاوية من الزنزانة والعرق يزداد تصبباً من كل أنحاء جسمه بحراسة رفيق آخر ؛ درءاً من أي جولة تفقدية مبلغتة غير متوقعة من السجانين أو مداهمة مفاجئة مخطط لها مسبقاً . وعادةً ما يكون حصاد الرفيق الذكير من النشرة موجز مقتضب جداً من نشرة " راديو لندن " . ويكون توقيت اداء مهمته بعد إطفاء مصابيح الزنازن مستعيناً ببصيص من نور خافت من مصابيح ممر الزنازين التي تظل للصباح مفتوحةً بما يسمح للسجان المأمور حسب النوبة الليلية أو " السنطري " كما يُسمى في البحرين مراقبة الزنازين . وعادة ما يقوم الرفيق الذكير في صباح اليوم التالي بتلاوة موجزه على مسامعنا ونحن متحلقين حوله في إحدى زنازين الرفاق ، وهذه اللحظة هي أسعد اللحظات اليومية عندي في السجن أعد الساعات في ترقبها بتلهف لا يُوصف ، ثم بعد انتهائه من قراءتها تدور تعليقات وتحليلات الرفاق حول أهم الأحداث ، وهذا ما حدث في صباح اليوم التالي للغزو الصدّامي للكويت ، الثالث من اغسطس ، حيث صعقنا بهذا الخبر . وأتذكّر جيداً وفيما ظلالة كثيفه من تعابير الذهول تخيم على وجوه الجميع استمرت تعليقات الرفاق في ذلك اليوم حول التكهن والتحليل لأبعاد مغامرة صدام وقراءة المستقبل المجهول البالغ الخطورة لنتائجها ؛ أقول استمرت تعليقاتهم ذلك اليوم المشئوم الحزين لفترة طويلة أمتدت حتى المساء . أما من جانبي فلا أعرف كيف تخيلت نفسي بين الرفاق الأكثر ذهولا وتأثراً من وقع صاعقة الصدمة من الخبر ، ودخلت حينها في دوامة عاصفة من الحيرة والتفكير العميق في محاولة تفسير مبررها حتى بمعايير تحليلي ومعرفتي بعقلية الحكام الدكتاتوريين ؛ باعتبار هذه المغامرة المجنونة الجديدة غير مسبوقة في التاريخ العربي الحديث ، وراودتني حينها أحاسيس من الأوهام العبثية لأخفف من حدة مشاعر الصدمة والذهول التي كانت تجتاحني بأن الخبر لربما يكون كاذباً ، أو غير دقيق ؛ ووجدتني أضرب أخماساً وأسداساً على وقع عزف وتر تلك الأوهام العبثية التي كانت تدغدع تفكيري بلا طائل . وهكذا وجدتني أختلي بالرفيق " الراصد الأخباري " المدوّن كلما صادفته في ممر الزنزانات أو الحمامات لأنهال عليه مرات ومرات بالاسئلة والاستفسارات عن مدى حقيقة الخبر وكيف وقع ، ليعيد عليّ بدوره ما على مسامعي ما دونه بالضبط ، وكنت مدفوعاً بهذه التساؤلات المهووسة المفرطة بأن أمني النفس بثغرة ما في مدى حقيقة الخبر قد أغفلها الذكير ، أو فاتني الاستماع إليها أو فاته بسبب سرعة تلاوة المذيع للنشرة تدوينها ، والرفيق بسعة صدره المعهودة مشفقاً بحالي - بينما هو لا يقل عني حالاً من هول الصدمة - كان يكرر عبثاً وقائع الخبر الشحيحة كما سمعها ودونها من راديو لندن "بي بي سي " بتوضيحات إضافية ؛ لكنها لا تكاد تُذكر وتتمحور حول نفس ما ألقاه سلفاً على مسامعنا .



#رضي_السماك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورتا يوليو وتموز .. انقلاب أم ثورة ؟
- الكاظمي وآفاق التغيير في العراق
- بيروت وبغداد .. مابين الانتحار والاغتيال
- الأزمة الأخلاقية للرأسمالية في عصرنا
- عبد الناصر .. الهزيمة وآثار العدوان
- السينما السوفياتية والتراث العلمي العربي
- - الشيخ الرئيس - ومشايخ الجهل
- المهام النضالية الآنية لليسار في عصر كورونا ( 3- 3 )
- المهام الآنية النضالية لليسار في عصر كورونا ( 2 )
- المهام النضالية الآنية لليسار في عصر كورونا ( 1 )
- واقتربت الساعة
- صراع عالمي في مواجهة خطر مشترك
- لماذا أنتصرت الصين على - كورونا - ؟
- كوبري قصر النيل في زمن كورونا
- مستقبل - الناتو - بعد جائحة كورونا
- - ووهان - تنهض وتفضح أنانية الرأسمالية
- كورونا بين الصين والرأسمالية الأميركية
- - كورونا - وأمريكا والأنظمة الاستبدادية
- 112 شركة تنمي الإستيطان .. فماذا أنتم فاعلون يا عرب ؟
- الناصريون والمراجعة الغائبة


المزيد.....




- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضي السماك - من مفكرة سجين بحريني حول غزو الكويت ( 1 - 3 )