|
ماذا تعني الدولة المدنية
أسامة عبد الكريم عبد الرازق
كاتب
(Osama Abdelkarim Abdelrazek)
الحوار المتمدن-العدد: 6635 - 2020 / 8 / 3 - 13:47
المحور:
المجتمع المدني
ظهر مصطلح الدولة المدنية في مصر بقوة بعد اندلاع ثورة يناير 2011 علي أكثر من مستوي فكان من المعتاد أن نسمعه من المواطنين العاديين والسياسيين والنخبة المثقفة والأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية والأحزاب السياسية ذات المرجعية العلمانية. ولكن ماذا يعني هذا المصطلح؟ هل الدولة المدنية هي الوجه الآخر للدولة العسكرية أم أنها تقع في مقابل الدولة الدينية؟ وهل هناك فرق بينه وبين مصطلح الدولة العلمانية؟هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه في هذا المقال. في البداية نقول ان هذا المصطلح لم يستخدم في الغرب في الأدبيات السياسية ولكنهم يستخدمون بدلا منه مصطلحات أخري كالدولة الحديثة والدولة العلمانية (اللادينية) ولكنه قد استخدم في اللغة العربية بشكل يحوطه الغموض فلا أحد يستطيع أن يفسر هذا المصطلح أكاديميا ولكن يعتقد أن أول من استخدم هذا المصطلح في اللغة العربية هو الإمام محمد عبده في مؤلفاته التي كان يؤكد فيها أنه لا توجد دولة دينية في الإسلام بالمعني الذي كان معروفا في العصور الوسطي المسيحية، بل إن الإسلام دولة مدنية. وللإمام كتاب معروف بعنوان "الإسلام بين العلم والمدنية" روج فيه لفكره عن الإسلام المدني. يري بعض الباحثين السياسيين أن هذا المصطلح ظهر في مصر في فترة الخمسينات علي يد الإخوان المسلمين الذين دخلوا في صراعات عديدة مع الدولة المصرية بعد أن قام الجيش بالاستيلاء علي السلطة وألغوا الحياة السياسية من مصر فكان ما يراد بالدولة المدنية هو ضد الدولة العسكرية ولكن بعد ستين عاما عندما قامت ثورة يناير عاد هذا المصطلح للظهور مرة أخري وبمعني آخر، فكل فرد يسمعه يفهم منه أن الدولة المدنية هي ضد الدولة الثيوقراطية أو الدينية. كان المعني تحديدا هو الدولة الوطنية الحديثة. ومما يزيد الأمور حيرة أن الإخوان استخدموا هذا المصطلح سابقا لمناهضة دولة العسكر ولكن في العصر الحاضر يستخدمه دعاة الدولة العلمانية للدعوة لدولة يفصل فيها بين الدين والسياسة وهم فقط يستخدمون كلمة مدنية كبديل عن كلمة علمانية التي لا تتمتع بسمعة طيبة لدي جموع الشعب المصري. وهكذا تحول الجدال الدائر في الأوساط الثقافية والسياسية بعد ثورة يناير إلي جدال حول الدولة المدنية والدولة الدينية. لجأ دعاة الدولة العلمانية إلي استخدام كلمة بديلة وهي المدنية للتخفيف من وقع كلمة علمانية التي تعرضت للتشويه من قبل الإسلاميين علي مدي عقود طويلة فترسخ في الوعي الجمعي المصري أنها مرادف للكفر والانحلال ولكن بالنظر لمحتوي الدولة المدنية لن نجد فرقا بين الكلمتين. فالدولة المدنية تدعو للتعددية السياسية وقيام الأحزاب المختلفة وتداول السلطة وفصل المؤسسات والاحتكام لمواد الدستور والقانون وليس فتاوي علماء الدين وأن جميع المواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات دون تمييز بين لون أودين أوعرق. فالدولة المدنية في مجملها هي الدولة العلمانية التي من مبدأها فصل السياسة عن الدين وليس فصل الدولة عن الدين. ومما زاد الأمر غموضا وتعقيدا هو ظهور مصطلح آخر مشتق من الأول وهو مصطلح الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية الذي نحتته بعض التيارات الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين كبديل عن شعارهم القديم الذين تخلوا عنه بعد ثورة يناير 2011 مباشرة. وربما ما دعاهم لذلك هو انخراطهم في العمل السياسي الشرعي بعد عقود طويلة من العمل السري فكان لزاما أن يخضعوا لمقتضيات السياسة الفعلية بحثا عن تواجد قانوني في العمل السياسي. ولم يكن مصطلح الدولة المدنية ذات الخلفية الدينية مقتصرا علي الإخوان فقط، بل تبناه الكثير من الأحزاب والجماعات الدينية الوسطية وكان هدف الجميع من استخدام هذا المصطلح المراوغ هو قطع صلتهم بالعلمانية وفي نفس الوقت نفي تهمة انتمائهم للأصولية الدينية حتي يتسني لهم الاشتراك في الحياة السياسية. وهكذا نري أن مصطلح الدولة المدنية معقد ومراوغ ويحتمل معاني كثيرة ويجب علي من يستخدموه كثيرا الاعتراف بأنه مصطلح غير أكاديمي وأنه أقرب إلي أن يكون فبركة يستخدمها الجميع للخداع و الوصول لأهدافهم السياسية. لم يكن هدف هذا المقال هو التحيز لشكل من أشكال الدولة بل دعوة للتفكير فيما نستخدمه من مصطلحات وعبارات غير مضبوطة تؤدي بنا في النهاية للوصول لطرق مسدودة كنا في غني عنها لو حدث تفاهم بين التيارات المختلفة حول ضبط اللغة والمصطلحات التي نستخدمها.
#أسامة_عبد_الكريم_عبد_الرازق (هاشتاغ)
Osama_Abdelkarim_Abdelrazek#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علم اللغة الحيوي
-
شكسبير - كاتب لكل العصور
المزيد.....
-
بالفيديو: ’هيومن رايتس ووتش’ تفضح السعودية لانتهاكها حقوق ال
...
-
قافلة مساعدات غذائية تصل إلى مخيم زمزم في دارفور لمواجهة الم
...
-
شولتس يتوقع استمرار تراجع عدد المهاجرين إلى ألمانيا
-
مصر.. اعتقال شخص انتحل شخصية ضابط بالجيش للنصب على المواطنين
...
-
الأونروا توقف مساعداتها عبر كرم أبو سالم
-
رويترز: بيان داخلي لحماس يهدد بتحييد الأسرى في غزة إذا شنت إ
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق: إسرائيل ترتكب جرائم حرب وتطهي
...
-
رويترز: حماس تحدد آلية التعامل مع الأسرى تحسبا لأي -مغامرة-
...
-
بيضة و-أندومي- وربطة خبز.. هدايا الغزيين في زمن الحرب والمجا
...
-
هآرتس: سكان غزة تجاوزوا الجحيم ووعيد ترامب لن يحرر الأسرى
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|