كشف السقوط المدوي للديكتاتوري عن عمق الأزمة والفراغ السياسي الهائل في العراق ما بعد الديكتاتورية ،، فشعارات عن فدرالية وتعددية ،ديمقراطية، وحرية لا تعدو كونها مفاهيم مجردة تطير في السماء ولا تجد على الأرض واقعها الموضوعي الذي يسندها، ويمدها بمبرر للوجود سوى النوايا من قبل الأمريكان والأطراف التي سارت بمواكبهم تهلل وترقص لسقوط تمثال الديكتاتور في بغداد وكان عملية التغيير هي إسقاط تماثيل صدام وتمزيق صور ,, إن العملية ولاشك أعمق واو سع من تهاوي تمثال ساحة الفردوس الذي بسقوطه كشف هاوية الكارثة التي تحيق بالعراق والعراقيين عموما ’’ فالمحرر الأمريكي لم يأخذ في باله سرعة تهاوي النظام عندما اقترب من بغداد ولم تكن في حساباته الحالة التي سيجد نفسه فيها، فبعد المقاومة العنيدة في الجنوب وجد نفسه يواجه سراب القوة المسماة الحرس الجمهوري مما ولد فراغ لديه ولم يجد ما يفعل سوى الركض مع جموع اللصوص التي انطلقت في بغداد تسلب وتنهب وتحرق لكنه ركض إلى غنيمته التي طالما حلم بها الأ وهي وزارة النفط العراقي ونسي ما يمليه عليه واجبه كقوة احتلال واجبها حفظ الأمن في الأراضي المحتلة، ولأنه توحد مع اللص والقاتل الذي وجد نفسه حر في بغداد لذا تراه يردد إن مسؤولية حفظ الأمن لا تقع على عاتقه ،،ترى على عاتق من تقع إذا ؟؟؟؟
إن هذا السؤال على الرغم من سطحيته الواضحة ألا انه عميق بعمق ما حدث فعملية سقوط الديكتاتورية كانت عملية ليست بالمستحيلة وكانت مقدماتها منذ فترة طويلة لكن الراقصين على الأنغام الأمريكية كانوا ولا زالوا لا يرون أبعد من موقع أقدامهم ،، وضيق الأفق الذي يعمي أبصارهم يجعلهم يهتفون مرحى للديمقراطية واغلب جموع الشعب في العراق تردد وتهتف لدولة دينية ! يا للعجب كيف تستقيم الديمقراطية مع قيام دولة دينية؟؟؟ الجواب عند أبطال التحرير طبعا وهم بدون منازع لهم سيجعلون الأمر بسيط ببساطة دخول أمريكا إلى العراق ، بل ابسط من ذلك وعلى طريقة ألجلبي الذي استشف غرق مركب الديمقراطية ببحور عباءات رجال الدين وبالهتاف الذي أصم أذنيه في جنوب العراق من قبل الإنسان البسيط الذي ردد [لا الله يرضى والنبي من صدام للجلبي ] فسارع كما سيسارع الآخرين لإعلان تخليه عن أي مطمح شخصي لنفسه كأني به ينأى بنفسه منذ الآن عن ما سيحدث في المستقبل ولم يجد سوى ملاذ امن لدى السيد الامريكي وطالب على عكس رغبة الجماهير العراقية ببقاء القوات الأمريكية لسنتين ،،،وهو على العكس من حليفه الحكيم الذي يطالب برحيل القوات والذي نراه بخط انتهازي واضح يحاول فرض الوصاية على حركة جماهير الجنوب ويحاول بانتهازية أن يدغدغ مشاعرها بالمطالبة برحيل القوات التي مهد لها من قبل وخاصة عند اجتماع لجنة الستة ولازالت صورة أخيه عن يمين زادة في اربيل عالقة بأذهان المراقبين .
إن المأزق السياسي الراهن لكل الأطراف التي اشتركت مع الأمريكان لا يحسم بالنية لإسقاط الديكتاتورية فسقوط الديكتاتورية بالطريقة الأمريكية عملية أدت إلى دمار أوسع بكثير من عملية سقوطها لو حدثت نتيجة حركت الجماهير وان سقوط الديكتاتورية بهذا الشكل ماهو إلا بداية مقدمة لنشوء ماهو العن منها في المستقبل القريب ،، فالفراغ السياسي والاقتصادي وعدم وجود قوى فعلية على ارض الواقع تستوعب حركة الجماهير هو مقدمة لكارثة لا يستطيع احد تحديد حجمها خاصة مع عدم وضوح الأمريكان في ما يخص مستقبل العراق فالدمار الهائل الذي حدث وتأخر الأعمار وعدم وجود نظام مع الانفلات الأمني يضاف لها خراب الجهاز الإداري لا يترك متسع أو فسحة للإنسان العراقي للاختيار سوى التوجه نحو رجال الدين الذين أضحوا يشكلون جوهر تحرك الجماهير في الجنوب وكذلك في المناطق الشمالية وهو ما يعني التوجه نحو الذين لإيجاد حلول لما يطرحه الوجود الأمريكي من مشاكل لازالت في بدايتها إلى الآن ,,وفراغ الساحة الفعلية من أي قوى سياسية لمدى أكثر من ربع قرن يجعل الاتجاه نحو الدين أيسر السبل وأسهل الحلول ففي فترات الاظطراب وفترات الفراغ لا يجد الإنسان من ملجأ سوى العودة إلى الماضي والتقاط شعاراته وإبرازها على أساس إنهاتمثل ما يصبو أليه كما يقول ماركس أي إن العودة إلى الماضي لاستشفاف الشعار الذي يعبر عن المرحلة الراهنة هو أيسر السبل .وعلى الأغلب فهو الدين بالنسبة للعراق ويسانده التكوين القبلي لما للقبيلة من سلطة تنظيمية على الفرد المنتمي إليها مما يعني بروز الظاهرة الدينية كنتيجة حتمية للفراغ السياسي والفكري الذي خلفه سقوط الديكتاتورية، وهو بدوره مقدمة لصرا عات أخرى، وهي بدورها ستمتد الى أجال غير مسماة على الرغم من النوايا الأمريكية فالنوايا الأمريكية، أو ما ترغبه أمريكا وهي المرفوضة من قبل الجماهير لا يعدوا كونه نوايا محتل، وبالعادة النوايا التي ترغبها أي إدارة احتلال مرفوضة من قبل الشعوب وينظر لها بعين الارتياب مما يعني فشل المشروع الأمريكي بالنسبة لحكم العراق وما تأخير تشكيل إدارة عراقية إلا تعبير عن هذا الفشل يقصد منه إدامة مشاهد الدمار التي يراد منه ومن استمرارها الإمعان في إذلال العراقيين كي لا تجد أي قوة تنبثق من الجماهير أي سند لها ومعلوم أي دمار نفسي ومعنوي تلحقه مشاهد الدمار في نفسية الفرد الذي لا يجد قوت يومه ألان في ضل الخراب الاقتصادي الذي أتى على كل شيء ،، فا نتظار ما ستفعله أمريكا يصب في النهاية لصالح أطالة أمد الاحتلال وانتظار ما تتمخض عنه عقلية الجنرال غار نر هو عملية انتحار سياسي من قبل الفئات التي لا زالت تصرخ إنها أمريكا وماذا نستطيع إن نفعل وهي لا ترى إلى حركة الجماهير التي تتزايد كل يوم رفضا لأمريكا ولمشاريعها البغيضة في العراق ولا ترى أي قوة تمتلكها هذه الجماهير وهي تصرخ كل يوم في قوات الأمريكان ارحلوا إلى بلادكم ,,,أن هذه الحركة وان كانت تنظم من قبل رجال الدين لهي تعبر عن حيوية الجماهير هذه الحيوية التي طالما غيبت من قبل أطراف الرقص على الإيقاع الأمريكي وهي اكبر دليل على أن الشعب العراقي كان قادر على إزاحة الديكتاتورية لو أن هذه الإطراف مدت يدها أليه لكن إفلاسها الفكري وإفلاسها على ارض الواقع وعمى البصيرة الذي يحيق بها جعلها تهرول إلى أمريكا ونسيت أو تناست إن من فرض الديكتاتورية ومن أمدها هي أمريكا نفسها وان من سلح صدام ومن حماه كل هذه الفترة هي أمريكا ومصالح أمريكا وان من غير صدام الآن ليس إنسانية أمريكا بل مصالح أمريكا وخير دليل على بشاعة أمريكا ركضها لحماية وزارة النفط العراقية وتركها للتراث الإنساني عرضة للنهب والحرق والسلب وتركها لتاريخ الحضارة الإنسانية عرضة للدمار ،، فإنسانية أمريكا كانت على المحك في هاتين القضيتين، ولان تكوين أمريكا أساسا وتاريخيا لم يكن إنسانيا وأنا أتكلم عن نظام وليس عن شعب لذا ليس من المستغرب أن تتوحد القوات الأمريكية مع عصابات اللصوص التي انطلقت في بغداد تخرب وتسرق وتدمر أمام أعين الجنود الأمريكان لان تاريخ أمريكا أقيم على أساس حرق وقتل الإنسان الاصلي في بلادهم ولأنه قام على أساس عصابات الغرب فليس من المستغرب أن تدعم أمريكا صدام حسين في فترة وتقتله في فترة فالجانب الأخلاقي معدوم في كلا العمليتين مرتبطا بالمصالح الأكبر من صدام وما يراد من عملية أزالته أن تحقق على مستوى العالم والمنطقة ..فقصور أمريكا الفكري يقودها إلى أن تكون ديكتاتور العالم وهو نفس القصور الذي تمتع به صدام من قبل ونفس السياق الذي سار به فصدام عندما خرج من حرب ايران تصور لنفسه أن لا قوة في العالم تستطيع أن تزحزحه أو أن تتغلب عليه معتمدا على ما آلت أليه من قوة عسكرية ضخمة على مستوى المنطقة على حساب اقتصاده المخرب أصلا والمنهك من الحرب وتناسى ما يتبع الحرب من مشاكل اجتماعية يلقي بظلالها على المجتمع العراقي فكانت مغامرة الكويت العسكرية محاولة تفريغ وحرف أنظار الشعب عن حالة البؤس التي يعيشها ومحاولة بقاء في السلطة اكبر مل يمكن من الزمن على حساب الشعب العراقي الذي كان يتطلع إلى الحرية والثورة منذ ثمانينيات القرن المنصرم ،،وهو نفس الذي تفعله أمريكا حاليا بعد إن استفردت بالعالم وبعد أحداث أيلول في الجوهر، وإن اختلف في التفصيل فأمريكا الآن تفرض نظامها الدولي الذي تريد بصفتها القوة الوحيدة العظمى في العالم عسكريا وبصفتها القاضي والجلاد في نفس الوقت وهي تخفي وراء شعاراتها من الحرية والليبرالية وغيرها أزمتها الاقتصادية المتفاقمة التي نشائت بعد أيلول وتخفي عمليات إفلاس شركاتها الكبرى ووراء قناعها الأخلاقي وجه شركاتها الكبرى الاحتكارية التي ترقص طربا لما تفعله أمريكا في العالم وهي ترقص بمشاعر دافقة بل تبهجها مناظر القتل والتجويع والسلب والنهب في العراق فكلما زاد الخراب كلما زادت الإرباح ورقصها وطربها أعمق من رقص العراقيين النشاز من جوق الرقص على أنغام الدبابات الأمريكية .