هاشم تايه
الحوار المتمدن-العدد: 1595 - 2006 / 6 / 28 - 11:14
المحور:
حقوق الانسان
• زوجة صديقي الذي سافر إلى الخارج مؤملاً أن يجد هناك عملاً يحسّن وضع أسرته المعيشي، ويحطّ عن ظهره صرة ديونه الثقيلة، هذه الزوجة تتصل بي يومياً فأسمع صوتها عبر الهاتف معذَّباً مهموماً يجسّد خوفها وقلقها وحيرتها، وترجوني النصيحة في أمر بقائها وأبنائها في البصرة، مدينتها ووطنها الصغير الذي لا يستطيع أحد أن ينكر عليها انتماءها إليه، وانتماءه إليها، هي البصْريّة العراقيّة دماً وطيناً، أو مغادرتها منها بأسباب اخترعها الجائلون على رقابنا هنا وهناك، هؤلاء وأولئك، المختلفون، المتشابهون، المنتمون إلى ثقافة الكراهية وروح الانتقام والثأر، الذين جرّدهم علينا وضعنا السخيف الذي بسبب سواده وانحطاطه وفساده صار بأيديهم التي لا يخرج منها إلاّ ما يُضحك العصر ويُبكيه..
أمّ (...) محزونة تقرع دارها أخبار تقلقل يومها، أخبار من لقي مصرعه على جادة الانتقام المتبادل الشنيع بعد تجريده من هويته العراقية الأمّ، هويّة الجميع، وحبسه في هويته الطائفية التي لم يخترها، وأخبار من اضطر تحت هول التهديد والوعيد فحمل أسرته على جمل الليل وخرج بها إلى المجهول البعيد، بعد أن ترك وراءه بيته فارغاً إلاّ من دمعاته وحيدات في وحشة أعزّ الأمكنة إلى قلب الإنسان، بيته الذي أخلاه مضطراً لكيلا يُصرَع فيه...
أنصح أمّ (...) مخفّفاً وأنا أحسّ بالعار الرهيب الذي نلحقه بأنفسنا، بأن تصبر وتتريّث، فلعلّ الدوائر الساكنة التي يجلس على كراسيها من يفترض فيهم حماية مواطنيهم والدفاع عن حقهم الطبيعي في الحياة والوجود على التراب الذي خرجوا منه وفيه يدفنون بإرادة الحياة والموت الطبيعيْين وحدهما، لعلّها تتحرّك فتقوم بواجبها الذي يبرّر وجودها..
ولعلّ العقل المضروب عرض حائطنا يتعافى فينا من جديد فيطهرنا من عصابنا وينعش أرواحنا بالحكمة المبصرة فنرتدع عن كلّ فعل مشين، ولا نعود نرى في الآخر إلاّ من نكتمل به، ويكتمل بنا. ولعلنا نعود إلى بصريّتنا الحميمة فلا يطيب لنا عيش إلاّ بمن عاش معنا وعشنا معه مادامت الأرض العراقية هي التي أنجبتْه كما أنجبتنا، ومادامت هي هويته الحقيقية، ولعلنا لا نأخذ بعضنا بجريرة آخرين، نهاية جريرتهم الخسران والندم المحتوميْن.
لكن المرأة الخائفة لا تستطيع أن تكفكف خوفها بمنديل تطميناتي وهي تُسمعني حكايات من غادروا المدينة من أقاربها ومعارفها، ومن يعتزمون المغادرة، وتظلّ نهب ذعرها الذي يهزّ في يدي سمّاعة الهاتف، ويكاد يسقطها.
#هاشم_تايه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟