جورج أنطون أبو الدنين
الحوار المتمدن-العدد: 6630 - 2020 / 7 / 28 - 14:44
المحور:
المجتمع المدني
يقضي الشاب الفلسطيني سنيّ شبابه تائهاً بين الدراسة التقليدية والحياة الاجتماعية الرتيبة واللهو واللعب بما تيسر من الظروف والأدوات، ثم تبدأ هذه التفاصيل بالتضاؤل تدريجياً عند كثيرين منهم نتيجة شعورهم بضيق الأفق والمساحة التي يتفاعلون في داخلها مع الآخرين؛ فيتحول جزء منهم إلى مكافح يحاول تطوير نفسه وواقعه بما يملك من قدرات وبما يملك من فرص يتيحها لنفسه بالتواصل مع العالم، بينما يتحول الجزء الثاني إلى "إنسان فيسبوكيّ" واسع الثقافة ماهر في رصف الحديث قويّ في التعبير يقف للنملة على كل تفصيل يتعلق بها، ينتقد ويهاجم ويحاور ويناقش ويقدم مجهوداً مميزاً في الفكر والطرح ويؤثر في كثير من المتابعين حتى يصير ذا قاعدة شعبية في أحيان كثيرة، تتراوح في حجمها بحسب شخص وآخر، لكنّ هذا الشخص نفسه، المبدع في الفكر والكلام والتقديم والمؤثر في مجتمعه صوتيا، يصاب بحالات من الإحباط المستمر وعلى فترات متعاقبة نتيجة معرفته الداخلية أنّه لم يحقق شيئاً في حياته يمكن له أن يرضيه حين يقيّم نفسه، أو يمكن له أن يفتح له مجالات العمل والحياة المستقبلية ليعيش حياة كريمة في بلد بائس يشتاق إلى الكرامة.
تخيل معي، كم هي صعبة الفكرة، ومأساوية، حين ينتهي وجودك إذا فصلت الشركات خدمة الإنترنت عنك؟! تخيل معي، كم أنت "لا شيء" حين يكون وجودك وجوداً سمكيّاً يتلذذ به الآكِلُ ثم ما يلبثُ أن ينساك، وتبقى مجرد ذكرى، بلا رصيد ملموس على أرض الواقع يعطيك ما يكفي من الإنجاز أو الأمان أو التطور أو التقدم.
نادرون هم الذين يوازنون بين الواقع والافتراض؛ فيبنون لأنفسهم رصيدين، الأولُ رصيد الواقع الذي ينقذهم ولو برمق قليل حين يحتاجون، والثاني رصيد افتراضي يدعم الواقع ويثني عليه فيمكّن أسس بنائهم التي اعتمدوها ليعبروا نحو مستقبل آمن وواضح ومستقر.
وهنا تكمن إشكاليات الكثير من الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحولت حياتهم إلى حياة افتراضية يمارسون عبرها تقييمهم لأنفسهم فيوهمون بأشياء لا علاقة لها بالواقع، وتقع الطامة الكبرى حين يرتطمون بأرض الواقع الصلبة، فيجدون كلّ من شجعوهم على التوغل في حياة الافتراض قد سبقوهم إلى قمم الواقع.
#جورج_أنطون_أبو_الدنين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟