|
الجندي الذهبي
مهند عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 1595 - 2006 / 6 / 28 - 11:12
المحور:
القضية الفلسطينية
كم أنت مهم وثمين يا جلعاد! تقوم الدنيا ولا تقعد بحثاً عن سلامتك، يتحرك القادة والرؤساء والملوك ووزراء الخارجية والداخلية والسلك الدبلوماسي هنا وفي العالم الخارجي والإقليمي من أجل أن لا تمس شعرة واحدة في جسمك، وتحشد الجيوش براً وبحراً وجواً بانتظار صافرة الانقضاض على المجموعة التي أسرتك وعلى تنظيمها وكل التنظيمات، على الحكومة والرئيس والبرلمان وعلى مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة. معك أنت يا جلعاد، زلزلت الأرض زلزالها، قطعت حكومتك الغذاء والدواء وربما الماء والكهرباء وأغلقت كل منافذ القطاع بما في ذلك منافذ الأنفاق القديمة والجديدة وأرسلت إنذاراتها الواحد تلو الآخر وساعة النهاية والبداية، ولا تتفاجأ من احتمال إعلان الفيفا إيقاف مونديال كأس العالم لكرة القدم كي لا تنصرف الشعوب عن متابعة مصيرك ثلاث ساعات في اليوم الواحد. لقد دخلت التاريخ يا جلعاد، من باب نفق بدائي مظلم، وذلك حين كشفت على نحو قاطع عُري العالم الحر ونصف الحر، لا تستغرب فأنا لا أبالغ، وإذا شككت فلتعد بذاكرتك لأيام وأسابيع خلت، وتذكر مشهد الطفلة هدى غالية التي أطلقت صرخة النجدة للعالم أجمع وهي موزعة بين أشلاء عائلتها لم يرفع أحد سماعة الهاتف للاستفسار ولم يطالب أحد بالتحقيق في قضية إنسانية مثيرة للمشاعر، ولم يخرج لنصرة هذه الطفلة المنكوبة نصف ولا ثلث ولا حتى مستجيب واحد من بين كل الذين استجابوا لنصرتك يا جلعاد، وكأن النظام العالمي الجديد لا يكترث بالضحايا ولا بالضعفاء وخاصة اذا كانوا من الأطفال، كأن العالم يحترم المعتدين والأقوياء فقط ولا يحترم حتى الاغنياء اذا لم يكونوا أقوياء. ألم يعاقب النظام الدولي الشعب الفلسطيني على اختياره الديمقراطي بفرض عقوبات جماعية وحصار خانق! هنيئاً لكم بهذا النظام الدولي غير النزيه الذي سمح لكم بأن تكونوا فوق القانون. قال قادتك يا جلعاد، إن المقاومة بكل أشكالها إرهاب، ورفضوا حتى ذلك الشكل من المقاومة الذي سمح به القانون الدولي واعتبره واجباً وحقاً من حقوق وواجبات اي شعب يتعرض للاحتلال. لقد تفننوا في إلصاق تهمة الإرهاب بالمقاومين وتنظيماتهم عندما كانوا يضربون أهدافاً مدنية إسرائيلية، لكنهم تعاملوا مع مقاومة جندي لجندي وداخل المواقع العسكرية بعيداً عن المدنيين باعتبارها إرهاباً أيضاً. لقد نزعتم الصفة الإنسانية عن الفلسطيني: المقاوم والمدني والطفل والمرأة الحامل والعجوز. وأجزتم قتله أو حرمانه من أبسط حقوقه، ورفضتم حقه في المقاومة المشروعة المجازة في القانون الدولي. في عرفكم ياسادة لا يحق للضحية أن تسترد حقوقها لا بأسلوب التفاوض ولا بأسلوب المقاومة ولا بأسلوب النضال السلمي ولا عبر مسيرة بلعين الأممية التي يشارك فيها إسرائيليون، ولا يجوز للضحية أن تدافع عن نفسها ولا بأي شكل من الأشكال. الجنرالات والقادة والوزراء يريدون أن تعلن الضحية هدنة من طرف واحد وأن يستمر العدوان الذي يجلب الدمار والموت لطرف واحد، إن هذا اللامعقول في طرفكم يا جلعاد خلق ثقافة شعبية عندنا لا تثق بالناظم القانوني لعلاقة الشعوب أثناء الحرب والصراع، وقد ولَّدت سياستكم يأساً شعبياً في صفوفنا من إمكانية تحقيق العدالة النسبية، وأصبح القانون الدولي والشرعية الدولية محط تساؤل. كلما شارفت النيران على الانطفاء أيها الجندي المحظوظ بالشهرة والأهمية، أعاد جنرالاتكم إشعالها من جديد، لأنهم لا يرون غير عضلاتهم المفتولة التي يعتبرونها أداة وحيدة للقياس، فمنذ 39 عاماً من الاحتلال العسكري وهم يعتقدون بأن الحل هو عسكري أمني فني ومن خلال إملاء للشروط وفقاً لميزان القوى المختل بشكل ساحق لمصلحة إسرائيل، الجنرالات حكام إسرائيل لا يعترفون بالحقوق الفلسطينية ولا يعترفون بقدرة الشعب الفلسطيني على استمرار المقاومة والصمود من أجل انتزاع حقوقه أسوة بكل الشعوب التي انتزعت حريتها واستقلالها، لا يعترفون بحدود القوة التي يملكونها ولا باستحالة فرض الإملاءات على شعب يناضل من أجل حريته، ولا يعترفون بالطاقة الخلاقة للشعوب المناضلة كما اعترف بها كل الكولونياليين السابقين وأدى اعترافهم إلى تراجعهم عن الاحتلال والسيطرة على الشعوب الأخرى. هل تعلم يا جلعاد أن في سجونكم ما يقارب العشرة آلاف معتقل وأسير من بينهم مئات الأطفال والأمهات والنساء ومناضلون تجاوزوا مدة محكوميتهم بكثير! هل تتخيل حجم معاناتهم ومعاناة ذويهم ليلاً ونهاراً وعلى مدى زمني طويل طويل. أنت تعلم الآن كما يعلم أهلك وأصدقاؤك معنى الأسر واحتجاز الحرية. لأول مرة في تاريخ الحروب رفضت حكومتكم الإفراج عن الأسرى في مفاوضات السلام بحجة أن أيديهم ملطخة بدماء اليهود، في الوقت الذي كان فيه أعضاء كنيست يباهون بقتل أحد جنرالاتهم أكبر عدد من الفلسطينيين، هل تعلم أيها الجندي الشهير أن التفريق بين دم ودم هو ضرب من ضروب العنصرية البغيضة. حكومتم يا جلعاد ترفض الإفراج عن الأسرى في وقت التفاوض والسلام وتضاعف عدد المعتقلين وقت الانتفاضة والحرب خمسة أضعاف. ماذا بعد، تستطيع أيها الجندي الذهبي ومعك عائلتك ومحبوك أن تقولوا كلمة حق وتساهموا في خطوة إفراج أولى عنك وعن أسرى فلسطينيين قبل أن ترتكب حكومتك حماقة جديدة في ميدان الاستخدام المفرط لآلة الحرب التدميرية. كاتب فلسطيني / رام الله
#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الترابي بين نارين
-
الحريات العامة ..مخاوف ومحاذير
-
جرائم الشرف
-
ارفعوا ايديكم عن اطفالنا
-
لم ينتصــروا.. ولم ننهزم
-
يوم واحد للمرأة ... لا يكفي
-
الطيارون الرافضون: نقطة مضيئة في ظلام اسرائيلي
-
ماذا لو فشلت خارطة الطريق؟
-
النجاح والإخفاق في عامي الانتفاضة
-
الصمت المريب
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|