|
القرارات ( الارتجالية ) للدولة المغربية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6629 - 2020 / 7 / 27 - 16:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القرار ( الارتجالي على سبيل الافتراض ) / لم يكن ارتجاليا / للدولة المغربية ، بمنع الذهاب او الإياب من ثماني مدن مغربية ، ابتداء من منتصف ليل الاحد ، وبالسرعة القصوى ... ، لم يكن قرارا غريبا ، ولا مفاجئا ، وهنا المقصود ليس القرار بحد ذاته ، بل المقصود هو نوع المعاملة التحقيرية والذليلة ، التي اعتادت الدولة الرعوية ممارستها على الرعايا ، وهو دليل ساطع على ان الدولة لا تعير ادنى اعتبار ، او قيمة ، او اهمية لرعاياها ، وهي محقة في ذلك ، رغم تنافسهم في اظهار الحياة الرعوية للراعي الكبير ، عندما يرددون بمناسبة او بدون مناسبة شعارهم الخالد ، " عاش سيدنا / عااااااااااااااااش سيدنا / عاش الملك / عااااااااااااش الملك " ، فالرعايا هم قوم من نوع خاص لا مثيل لهم في العالم ، مثل النظام المخزني الفريد من نوعه كذلك في العالم ، اسم على مسمى ، لذا فالمخزن حين يتعامل مع رعاياه ، فهو يتعامل مع اشخاص بدون حقوق ، لكن مُلقاة عليهم الواجبات التي تزيد في تسخيرهم وفي اذلالهم ، وهم فرحين مبتهجين بالحياة الرعوية التي يعيشونها ، طالما ان كل ما جاء من عند الراعي هو من عند الله ، بل حتى عندما تكون قوات قمع النظام تنزل عليهم هراوتها ، ورغم الألم الذي تخلفه تلك الضربات القوية الغير رحيمة ، فعوض المجابهة ، يواصلون في رفع شعارهم الخالد ، " عاااااااااش سيدنا " " سيدنا مفخْبروش " ، أي ان الراعي الكبير لا علم له بالعصا التي ينزلها خدامه على رعيته . والرعية كرعية ، تعتبر عصا الراعي بمثابة بركة لا يجود بها الله ، الاّ لمن يحبه ويرضى عنه .. فالعلاقة بين الراعي الأمير والرعية ، تحكمها الطقوس المخزنية ، وتضبطها التقاليد المرعية ، وتغلفها الاعتبارات الدينية التي تخضع الرعية طوعا لا كرها ، للراعي الكبير في دولة امير المؤمنين ، ومن ثم قلما تحتج الرعية حتى عندما يصل غرس رأس السيف الى قلبها .. لذا ( فالارتباك ) الذي خلفه قرار الدولة في الطرقات للرعايا، الذين اجمعوا على تحميل الوزير الأول سعد الدين العثماني من حزب العدالة والتنمية ، وتحميل الوزراء المنتمين للأحزاب التي شكلت حكومة الملك ، دون الإشارة الى المسؤولية المباشرة للدولة عن قرارها ، هو قرار غير ارتجالي ، بل انه قرار مقصود ومشروع ، طالما ان الدولة المخزنية تختبر رد فعل الرعايا الذي كان يُبعد المسؤولية عن الدولة ، ويلصقها فقط بالحكومة المحكومة ، فيبقى بذلك قرارا مستساغا ومقبولا ، برضا وبمباركة الرعية التي برئت ذمة الدولة ، وتحميلها المسؤولية للحكومة التي هي حكومة الملك .. ان ما حصل ليلة الاحد من ازدحام في الطرقات ، وحوادث السير المميتة ، وكأنه يوم الحشر يوم القيامة ، لم يسبق للمغرب ان عرفه في حياته ، لكن رغم ذلك فهو اختبار من قبل دولة الراعي الكبير ، لمعرفة ردة فعل الرعية عند ممارسة الضغط عليها ، وعند استفزازها قصدا ، ورغم الضنك والمشاق المسلط عليها ، هل ستستمر تعشق وتهيم في حياتها الرعوية ، و هل ستستمر تخلص لدولة الرعية ، ام ان ما حصل قد يفعل فعلته ، فيجبر الرعية على نفض غبار الرّعْي عن اكتافها ، لتصبح انْ امكن مواطنية في الطريق ان تصبح شعبا لا رعية .. فهل لو كان عندنا شعب ، هل كان سيترك ما حصل ليلة الاحد يمر بدون مسائلة جنائية ، ومسائلة سياسية تؤدي الى اقالة ، او الى تقديم الحكومة لاستقالتها كما يحصل بالدول الديمقراطية ؟ لكن عندما يرى الراعي الرعية تبكيه وتتسول اليه القفة ، وتبكيه وتتسول اليه الدعم ، ومع ذلك يتركها بلا قفة وبلا دعم ، فتخرج الى الشارع في مسيرات ( احتجاج ) ضد من ؟ وهي ترفع شعاراها الخالد " عاااااااااش الملك / عااااااش سيدنا " ، فأكيد ان ما حصل ليلة الاحد ، كان امرا عاديا ولم يكن استثنائيا ، كما ان ترك الأمور على حالها ، ودون حصول ردة فعل مشيرة بالأصبع الى من يحكم ، لا الى المَعاول التي تطبق برنامج الحاكم الذي لم يشارك في الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد ، سيمكن أجهزة الراعي الكبير الإمام ، من الخروج بخلاصة بوليسية ، ان الوضع جد متحكم فيه ، وان الرعية رغم البلاء المسلط عليها ، فلا مخرج لها الاّ بالالتفاف على الدولة الرعوية ، التي تبني كل سياستها على الاذلال والاهانة ، ومصادرة الضرائب المختلفة ، وبالطرق المختلفة .. والسؤال : هل الوزير الأول سعد الدين العثماني ، عن حزب العدالة والتنمية ، هو المسؤول عن القرار المفاجئ الذي اربك الرعية ، وجعلها تعيش يوم الحشر يوم القيامة ؟ وهل المسؤولية تتحملها الحكومة ، التي هي حكومة الملك ... وهنا هل الحكومة هي التي تحكم ، ام انها غير حكومة محكومة تنفذ القرارات التي تنزل عليها من قبل المكلفين بالأجهزة الأمنية ، بدءا من وزير الداخلية السلطوي ، الى رئيسه المباشر الذي هو صديق ومستشار الملك فؤاد عالي الهمة المسؤول عن المجال الأمني والمجال السياسي ؟ تتشكل الحكومة الحالية مثل الحكومات السابقة ، من وزراء ينتمون الى الأحزاب ، وغالبا ما تسند لهم الوزارات الثانوية ، ومن وزراء تم تعيينهم من قبل القصر ، وهم وزراء السيادة ، ولم يشاركوا في الانتخابات ، وهم محسوبون على الملك الذي يتعاملون معه بطريق خاص لا علاقة له بالتدبير اليومي لوزراء الأحزاب في الحكومة .. فرغم ان الحكومة تتخذ قراراتها ظاهريا بالإجماع ، الاّ ان هناك قضايا تنزل من فوق على الحكومة التي يتعين عليها مناقشتها ظاهريا ، دون ان يكون لها قدرة ابداء ملاحظة عنها فأحرى رفضها ، وهي القضايا التي تأتي من القصر ، ويتولى امر تصريفها في المجلس الحكومي وزراء القصر ، لا وزراء الأحزاب الذين يباركون بالتصفيق .. بل رغم ان الحكومة هي حكومة الملك تسهر على تنفيذ برنامجه ، الاّ انّ هناك أشياء وقضايا تبقى محصورة فقط بين وزراء السيادة ، خاصة وزير الداخلية السلطوي ، والأجهزة الأمنية المختلفة ، وبين القصر في شخص صديق الملك ومستشاره الأول فؤاد الهمة ، فمثل هذه القضايا الخاصة وذات الطابع الأمني الضيق ، تعالج في القصر ، ولا تعالج في مقر الحكومة التي تجهل كل ما يجري من حولها .. ان La synthèse التي ترسلها المديرية العامة للشؤون الداخلية بوزارة الداخلية كل مساء ، بعد معالجتها لكل الارساليات الواردة من المصالح الأمنية المختلفة ، ومن اقسام الشؤون العامة الداخلية بالعمالات والاقاليم ، والدرك .. الى الوزارة الأولى ، لا تتضمن تفاصيل احداث او قضايا ترسل مباشرة الى القصر( الديوان الملكي ) ، ولا ترسل الى الوزارة الأولى ، خاصة عندما يكون الوزير الأول ينتمي الى حزب سياسي كعبدالرحمان اليوسفي ، او عبد الاله بنكيران ، او سعد الدين العثماني ... فرغم ان الأحزاب المشكلة للحكومة هي أحزاب ملكية ، فأصحاب القرار في القصر لا يثقون فيهم ... ويتعاملون معهم كأدوات تنفيذ لبرنامج القصر الذي هو برنامج الملك .. فهل يستطيع الوزير الأول ، او غيره من وزراء الأحزاب ، وحتى وهي أحزاب ملكية ، ان يتحفظ ، او يعارض مشروع او قضية أساسية ، وردت من القصر ، ولم ترد من مقر الحكومة الذي يمارس فيه الوزراء سياسة التصفيق والمباركة ؟ ان القرار الذي نزل ليلة الاحد ، لم يكن قرارا لسعد الدين العثماني ، ولا قرارا لوزراء الحكومة المنتمين للأحزاب ، بل كان قرارا يقف وراءه وزير الداخلية السلطوي ، والدرك الملكي ، والجيش ، والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني برئاسة صديق ومستشار الملك فؤاد عالي الهمة ، أي الدولة الرعوية ... لكنه يبقى قرارا مشروعا ، ولا يشكل استثناء طالما ان المستهدفين هم مجرد رعايا وليسوا بمواطنين ، وطالما انهم رعايا برغبتهم وارادتهم ، وليس انّ الحياة الرعوية مفروضة عليهم ... بل طالما انهم يتنافسون ويتسابقون في ابداء ، وفي الإفصاح عن هيامهم لحياة الرعية ، فما تقوم به أجهزة الراعي ، يبقى اجراء عاديا ، ومستساغا ، ويدخل في تأمين الراعي حياة الرعايا ضد مخاطر ( الجايْحة ) ، وكل المخاطر التي تخيف الرعية في دولة بتريركية ، رعاياها لن يستطيعوا العيش والحياة ، بدون راعي يعتني بهم ، ويحميهم ، فظلم الراعي بالنسبة لهم ، لا يعتبر ظلما طالما انه يحفظهم في حياتهم .. فالرعايا في المغرب تفضل العيش فوق رأس إبرة او منجل على ان تُوارى التراب ، فالراعي الصغير لصيق بالحياة ، ولا تهمه مكانته فيها راعي بدون حقوق ، او مواطن بحقوق .. ان القرار الذي اربك حياة الرعية ، وسلط عليها المشاق ، والمعاناة ، يبقى قرارا عاديا ، ومستساغا من قبل الرعية نفسها التي استساغت الحياة الرعوية ، وثم لا يشكل القرار استثناء ، او خروجا عن المألوف الذي يضبط العلاقة بين الراعي الامام ، والأمير الذي يبني مشروعية حكمه على الدين ، وبين الرعية الواجب عليها دينيا طاعة الأمير ، وطاعة ولي الامر الممثل للسلطتين الدينية اكثر من الدنيوية ...
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلاغ وزارة الداخلية
-
محاولة الحكومة مصادرة مقر المنظمة الطلابية - الاتحاد الوطني
...
-
وهم الاسطورة السياسية
-
في الزمن الرديء ، الزمن الموبوء ، تصبح الخيانة نضالاً باسم ح
...
-
هل النظام المخزني قابل للإصلاح ؟
-
- شرق عدن غرب الله -
-
محكمة العدل الدولي تصدر قرارا ضد الحضر الجوي على إمارة قطر
-
بين تصريح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ، وتصريح أبا بشرايا
...
-
من المسؤول عن عرقلة حل نزاع الصحراء الغربية ؟
-
إسبانيا الأمة العظيمة ، ترتعش من شدة الخوف ، من الجار المغرب
...
-
مواصلة الصراع السياسي في المغرب
-
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يدعو النظام المغربي الى تقديم
...
-
هل من علاقة بين التناوب / الانتقال الديمقراطي ، وبين المنهجي
...
-
هواة سوق الوهِم ، سوق الانتخابات
-
حملة مسعورة قريْشية ، سعودية ، إماراتية ، ضد شعوب شمال افريق
...
-
الحلف الاطلسي - ( الناتو )
-
تهديد مصر بالحرب
-
الدعوة لإستقالة الوزير مصطفى الرميد
-
دعوة الى مغادرة المغرب
-
المغرب / فرنسا
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|